
محمود بسيونى
حقك.. حقيقة حقوق الإنسان فى الغرب حكايـات الموت على الحدود الأوروبية "2"
ليس بعيدًا عن الحدود الملتهبة بين روسيا وأوكرانيا والانشغال الدولى بالصراع واحتمالات الحرب فى أوروبا، تعيش أوضاع حقوق الإنسان فى القارة العجوز أسوأ حالتها، رغم زعم البرلمان الأوروبى حماية حقوق الإنسان فى دول أخرى، وتنصيب نفسه مراقباً ومدافعاً عن تلك الحقوق، لكن الواقع على الحدود الأوروبية يقول إن أكبر انتهاك لحقوق الإنسان ليس ما يقع فى الدول الأخرى لكن ما يجرى أمام البيت الأوروبى ذاته.
أبلغ وصف لحال المهاجرين فى أوروبا نقله الروائى السورى إبراهيم اليوسف فى روايته «جرس إنذار» على لسان سيدة سورية، تقول: لقد هربنا من الموت، وها هو موت آخر أمامنا، يجعلنا نتحسر على موت بلادنا، وهو وصف دقيق لحال المهاجرين فى ألمانيا حينما ضربت جائحة كورونا أوروبا وما تعرض له اللاجئون من معناه وصلت إلى حد المفاضلة بين الموت فى المهجر والموت الكريم فى الوطن.
تمتلئ تقارير المنظمات الحقوقية بحكايات الموت على الحدود الأوروبية وكيف انتهكت دول أوروبية عديدة الاتفاقيات الدولية المعنية باللجوء وتنصلت من التزاماتها الإنسانية تجاه هؤلاء الضعفاء، وتتفق روايات عديدة على أن سفن الصيد والدوريات البحرية الأوروبية حينما تشاهد سفينة مهاجرين فى وضع صعب بعد نفاد البنزين والمواد الغذائية على متنها، لا تقدم أى مساعدة لهم وتترك ركاب السفينة للموت جوعاً وعطشاً.
كما زادت حدة المظاهرات فى أوروبا ضد اللاجئين، فيما تعصف الخلافات بين القادة الأوروبيين حول التعامل مع أزمة الهجرة ومنع تدفق المهاجرين إلى الحدود الأوروبية والبحث عن طرق التنصل من الأزمة.
إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة العليا لشئون اللاجئين تتحدث عن وصول عدد الضحايا إلى 10 آلاف قتيل خلال عام 2015 وهو رقم مفزع، لم توجه فيه المنظمات الدولية يد الإدانة للسياسات الأوروبية، لم تفزع أوروبا لموت الإنسان على حدودها، ورغم ذلك لم تتوقف لممارسة الوصاية فى ملف حقوق الإنسان حتى أصبح الأمر مثيرًا للسخرية.
قبل أيام أصدرت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين بيانًا حذرت فيه من تفاقم حوادث العنف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة ضد اللاجئين والمهاجرين على مختلف الحدود الأوروبية، والتى أدى العديد منها إلى خسائر مأساوية فى الأرواح وأكدت أن ما يحدث على الحدود الأوروبية يتناقض مع التزامات الدول بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، بما فى ذلك اتفاقية عام 1951 وكذلك القانون الأوروبى.
ورصدت المفوضية الأممية حالات لسوء المعاملة وصد الأشخاص على نحو منتظم عند نقاط متعددة للدخول على الحدود البرية والبحرية، داخل وخارج الاتحاد الأوروبى، وذلك على الرغم من الدعوات المتكررة من قبل وكالات الأمم المتحدة، بما فى ذلك المفوضية والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية، لإنهاء هذه الممارسات.
سجلت المفوضية حالات إعادة غير رسمية قامت بها دول أوروبية، كما تم الإبلاغ عن حوادث مثيرة للقلق فى وسط وجنوب شرق أوروبا على الحدود مع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.
وأشارت المفوضية إلى أن العديد من الحوادث لا يتم الإبلاغ عنها لأسباب مختلفة، لكنها تمكنت من إجراء مقابلات مع آلاف الأشخاص فى جميع أنحاء أوروبا والذين تم إبعادهم، حيث أبلغوا عن نمط مثير للقلق من التهديد والترهيب والعنف والإذلال. فى البحر، أفاد أشخاص بأنهم تركوا هائمين على وجوههم فى قوارب للنجاة أو حتى إنهم أجبروا فى بعض الأحيان على القفز مباشرة إلى الماء، فى دلالة على عدم احترام سافر لحياة الإنسان.
وقد وردت معلومات بأن ثلاثة أشخاص على الأقل قد لقوا مصرعهم فى المتوسط بهذه الطريقة البشعة فى يناير الماضى، وكثيراً ما يتم الإبلاغ عن ممارسات مروعة بنفس القدر على الحدود البرية، مع شهادات متطابقة لأشخاص تم تجريدهم من ملابسهم وإعادتهم بطريقة قاسية فى ظروف مناخية قاسية.
وأكدت المفوضية على فشل الدول الأوروبية – باستثناء القليل منها - فى التحقيق فى مثل هذه التقارير، على الرغم من الأدلة الموثوقة والمتزايدة، وبدلاً من ذلك، يتم تشييد الجدران والأسوار على حدود مختلفة، بالإضافة إلى منع الدخول على الحدود، وقالت إنها تلقت تقارير تفيد باحتمال إعادة بعض اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، على الرغم من المخاطر التى واجهوها هناك، والتى قد تتعارض مع مبدأ عدم الإعادة القسرية فى القانون الدولى.
المفوضية أكدت فى رسالتها التحذيرية إلى أن حق اللجوء لا يعتمد التمتع به على طريقة الوصول إلى بلد معين، بل يجب السماح للأشخاص الراغبين فى التقدم بطلب للحصول على صفة اللجوء بالقيام بذلك وأن يكونوا على دراية بحقوقهم وأن يتم توفير المساعدة القانونية لهم.
وأشارت إلى أنه ليس لدى الأشخاص الفارين من الحروب والاضطهاد سوى القليل من الخيارات المتاحة لهم وأن من المستبعد أن تكون الجدران والأسوار بمثابة رادع تجاه حركتهم وأنها تساهم فقط فى التسبب بمعاناة إضافية للأشخاص المحتاجين للحماية الدولية، لا سيما النساء والأطفال منهم، وتدفعهم للتفكير فى طرق مختلفة، غالباً ما تكون أكثر خطورة، ومن المحتمل أن تؤدى إلى حدوث المزيد من الوفيات.
وشددت المفوضية أن ما يحدث على الحدود الأوروبية غير مقبول من الناحية القانونية والأخلاقية ويجب أن يتوقف، وأنه ينبغى أن يبقى موضوع حماية الأرواح البشرية وحقوق الإنسان وكرامته من أولويتنا المشتركة، وقالت أن هناك حاجة ماسة لإحراز تقدم فى مجال منع حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان على الحدود، ودعت إلى إنشاء آليات وطنية مستقلة وحقيقية للرصد من أجل ضمان الإبلاغ والتحقيق المستقل فى الحوادث.
ما قالته المفوضية ليس جديدًا على انتهاكات حقوق الإنسان المسكوت عنها فى أوروبا، بل إن كثيرًا من القادة فى أوروبا والأحزاب السياسية متهمين بممارسة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان ضد هؤلاء الضعفاء الهاربين، وكثيرًا من السياسات تصاغ فى أوروبا تنتهك أبسط حقوق لهؤلاء، وصلت إلى حد غض الطرف عن مأساتهم على الحدود بسبب البرد وانعدام الغذاء والدواء، فضلاً عن تعرضهم للعنف المفرط من جانب المسئولين عن الامن على تلك الحدود.
مأساة يومية حولت الحدود الأوروبية من حلم للمهاجرين إلى جحيم لحقوق الإنسان، تتعامل أوروبا مع الإنسان ببناء الجدران العازلة والترك فى البحر للموت غرقًا وجوعًا، والتجمد فى الشتاء، ورغم هذه المذابح اليومية تتحدث أوروبا عن حقوق الإنسان دون خجل.
تتناسى أوروبا أن ممارساتها غير المحسوبة مع دول جنوب المتوسط وغياب الرؤية السياسية والاهتمام بالشعار على حساب حياة الناس فى الشرق الأوسط تسبب فى تدمير الدولة الوطنية القائمة وتشظيها لصالح الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة والبخل فى نقل التكنولوجيا وتقديم المساعدات المناسبة للنمو والتطور، ومن ثم انفجرت أزمة اللجوء وأصبح اللجوء إلى أوروبا هدف للضعفاء الهاربين من جحيم انعدام الأمن وانهيار الاستقرار وغياب التنمية الحقيقية.
يموت الإنسان فى جنوب المتوسط مرتين، بالحصار الأوروبى المانع لتدفق الاستثمارات واحتكار التقدم التكنولوجى وغياب العدالة فى توزيع اللقاحات، ثم بالموت على أبواب جنة حقوق الإنسان الزائفة فى أوروبا.