الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أجهزة استخبارات وشركات تستخدم البيانات الشخصية على مواقع التواصل لغزو المجتمعات «الهندسة الاجتماعية» وسيلة تسويق تجارى وأداة للنصب واختراق العقول

الهندسة الاجتماعية سلاح جديد يستخدمه الهاكرز والمحتالون للإيقاع بضحايا جدد مستغلين عدم الوعى لدى الكثيرين من مستخدمى السوشيال ميديا بأهمية بياناتهم الشخصية والمعلومات المتعلقة بهم وبأسرهم وبأصدقائهم، حيث يستخدمون الهندسة الاجتماعية فى التحليل والفحص والوصول إلى بياناتهم ومعرفة نقاط ضعفهم لتحقيق أهدافهم الدنيئة سواء كانت بالنصب أو الاحتيال أو الاستغلال أو بث أفكار متطرفة وغير أخلاقية، أو خلق بؤر توتر وثورات، وأيضًا توجيه اللاوعى نحو شراء سلع ومنتجات بعينها، مما يشكل تهديدًا كبيرًا وخطرًا على مستخدمى السوشيال ميديا وعلى المجتمع كله.



محتوى كاذب

يقول المهندس مصطفى متولى، المدرب المعتمد من مايكروسوفت، المحاضر بكلية الاعلام: إننا بحاجة إلى فرع جديد من فروع علم النفس يختص بعلم النفس الرقمى، بسبب انتشار العديد من المشكلات الاجتماعية الجديدة الناتجة عن الإفراط فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، كما يحتاج كل فرد معرفة كيفية حماية نفسه وأسرته من أضرار السوشيال ميديا، وكيف يستطيع المجرم أن يتلاعب باحتياجات الأفراد النفسية والمجتمعية.

ويضيف متولى، أن تقدم التكنولوجيا المطرد فى تعديل الصور والفيديوهات خلق محتوى مقاربًا للحقيقة وإن كان بصور أو فيديوهات غير حقيقية، ولعل ما يكن ربطه بين الهندسة الاجتماعية والسوشيال ميديا، هو معرفة دوائر التأثير، إذ يمكن بعد جمع معلومات عن شخص ما ونشر محتوى كاذب عنه للضغط عليه مجتمعيًا ومن ثم ابتزازه، أيضًا فإن من أسباب الانتحار المرتبط بالسوشيال ميديا هو التعرض للمقارنة بين الأفراد والكيانات المختلفة، مثل مقارنة حالة فرد مع آخر، ومقارنة المستويات المجتمعية والحالة المزاجية للأفراد، فهذا يعتبر الدافع الحقيقى وراء اكتئاب الأفراد فى المجتمعات.

بترول العصر الحديث

ويؤكد متولى، أن تحليل البيانات والسلوكيات هو بترول العصر الحديث، الذى يساعد كثيرًا على توجيه المستهلكين إلى منتجات دون أخرى، بل ابتكار منتجات أخرى جرى زرعها فى اللاوعى لمستخدمى البرامج والألعاب المختلفة على فترات متباعدة، مما يعمل على ازدهار التجارة الإلكترونية، وجميع تلك البيانات يتم جمعها بشكل آلى منذ استخدامك للإنترنت وربطها بجميع حساباتك وأنشطتك وعمل ما يسمى personal profile لكل مستخدم على الإنترنت ويتم التنبؤ بمختلف احتياجات وسلوكيات هذا الفرد من خلال خوارزميات الذكاء الاصطناعى المتقدمة، وهو ما يعد أداة سياسية غير مباشرة فى تحريك الشعوب للقيام بثورات أو أعمال تخريبية.

وتساعد الهندسة الاجتماعية فى جمع معلومات وبيانات عن فرد ما وتحليل سلوكياته وإمكانية استخدام تلك البيانات فى سرقة بيانات أخرى بحوزته أو ابتزازه بطريقة ما من خلال اكتشاف نقطة الضعف الخاصة به، ويمكن للهندسة الاجتماعية أن يتم تنفيذها على نطاق كبير لاستهداف شرائح من المجتمعات المختلفة، كنوع من أنواع الهجمات على شعوب ما، وهو ما قد تقوم به بعض أجهزة المخابرات المعادية لدول أخرى، فهى أصبحت سلاحًا يتم استخدامه بالتكامل مع وسائل الإعلام وأدوات القوى الناعمة الأخرى، التى قد تشمل استبيانات الرأى ومقاييس الأداء التى تقوم بها بعض الشركات كدراسات السوق كما يتم تسميتها، لكنها فى الواقع قد تمتد لتحليل باقى سلوكيات وميول المجتمعات لمعرفة نقاط ضعفه، أو للقيام بتجنيده بطريقة غير مباشرة أو لمعرفة كيفية زرع أفكار معينة فى اللاوعى.

اختراق النفس البشرية

من جانبه يقول د. فتحى قناوى، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومى للبحوث الجنائية: إن الهندسة الاجتماعية هى فن التعامل مع البشر وفن تنمية مهارات الشخص فى الوصول إلى التعامل الأمثل مع بعضنا البعض من خلال المعرفة، التنمية البشرية، التنوير والوعى بما يدور، وبالتالى عملية الاختراق التى تحدث بالهندسة الاجتماعية هى اختراق للنفس البشرية، فالجزء الإيجابى منها هو معرفة ظروف الآخرين وكيفية التعامل معهم بشكل إيجابى ومعرفة أنواع الشخصيات المختلفة وبالتالى التعرف على نقاط القوة والضعف، ولكن الجزء السلبى هو استغلال نقاط الضعف؛ فعندما ينمو المجتمع ويزدهر تكون هناك نقاط ضعف ألا وهى الاستخدام السيئ للتكنولوجيا والسوشيال ميديا والتى دائمًا ما نضع فيها الأسرار، وبالتالى تمثل نقاط ضعف بالنسبة لنا، تجعل أى إنسان ضعيف النفس بلا أخلاق يستطيع أن يخترقك ويصل إلى أهدافه الدنيئة، ولابد أن نركز أن السبب فى ذلك هو وضع معلوماتنا وبياناتنا فى تعاملنا الصادق مع جهاز غير صادق، بمعنى أن السوشيال ميديا غير أمينة على أسرارنا ولا على صورنا وأحوالنا وبياناتنا، وهى ليست صديقة بمعنى الصداقة فأنا أتعامل مع عالم خفى لا أدرى من وراءه، فلابد أن تكون لدينا اليقظة.

ويضيف قناوى: نتعامل مع السوشيال كهواة وتكون النتيجة ضحايا من خلال الاختراقات واستغلال الهوية للأشخاص وابتزازهم، ولا يستطيع شخص اختراقى إلا إذا سمحت له بأخذ صورى وبياناتى ومعرفة ميولى وهواياتى، لذلك لابد من إبلاغ مباحث الإنترنت إذا شعرت أن أى شخص قام باختراقى ويحاول ابتزازى أو تهديدى من خلال بيانات أو صور أو تركيبات صور، وأبلغ أيضًا أسرتى ولا أتخوف لأن المجرم فى النهاية جبان عندما يشعر بقبضة العدالة والقانون سيفر هاربًا.

فى السياق ذاته يقول د. محمد أحمد حنفى، رئيس فريق أمن المعلومات فى بنك الاستثمار العربى: إن الهندسة الاجتماعية هى أداة يستخدمها البعض للوصول إلى معلومة أو تغيير حقيقة معينة، فهى تعتمد على فهم السلوك البشرى، وبالتالى التعرف على نقاط ضعفه ثم محاولة الاستغلال والابتزاز، كما يستغل أيضًا المجرم الأشخاص لتقديم تنازلات ليس فقط عن أنفسهم، بل عن أشخاص آخرين مقربين أو بيانات عن العمل أو تسريب بيانات عن أشخاص آخرين أو إعطائه تصريح دخول لأماكن غير مصرح له الدخول فيها وغيرها من الأمور، فمن خلال تتبع بعض الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعى أستطيع معرفة تحركاتهم اليومية والمقربين منهم، وبالتالى تتبعهم ومحاولة استغلالهم.

ويؤكد على ضرورة تنزيل البرامج من مصدرها الأصلى ولا نستخدم برامج تتيح للآخرين تصويرك أو التسجيل لك أو أخذ بيانات عنك أو عن عملك أو الأشخاص المقربين لك دون علم من خلال قبولك للسياسات الخاصة بها، لذا يجب أن نقرأ جيدًا الصلاحيات التى يأخذها التطبيق ومدى الاحتياج لها، فالتطبيقات التى تطلب صلاحية للكاميرا والمايك مثلاً ولا يحتاجها العمل بالتطبيق لا تستخدمه.

ويوضح د. محمد أحمد: إننا منذ أحداث 11 سبتمبر ونحن نجد حملات من الخارج باستخدام الهندسة الاجتماعية والقوة الناعمة تحاول التأثير على الشباب وإلغاء فكرة التطرف، وأيضًا عدم التمسك بالدين سواء مسلما أو مسيحيا لكنها تنشر التعصب فى أمور أخرى كالكرة مثلاً، وأيضًا يتم تطويع فكرة الشذوذ الجنسى والتعامل معه على أنه شىء طبيعى. وقبل انتشار السوشيال ميديا كان من الصعب جمع المعلومات ودراسة المجتمع بشكل صحيح والتعرف على نقاط القوة والضعف لديه، أما الآن فأصبحت الدراسة والفحص والتحليل من خلال البرامج والتطبيقات متاحة، بل أيضًا يحققون مكاسب اقتصادية كبيرة من خلال تعاملاتنا. 

التطبيق مجانى وأنا السلعة

من جانبه يقول المهندس محمد طلعت سعادة، خبير أمن المعلومات : إن السوشيال ميديا كـ«الفيسبوك» وتويتر وإنستجرام من أخطر التطبيقات التى تساعد على الاختراق لأننا نعطيها صلاحية الدخول على البيانات والصور والأصدقاء والمقربين وغيرها من البيانات الشخصية أى معظم «الداتا» الموجودة على الموبايل، فيجمع المخترق البيانات والمعلومات عن شخص ثم يتصل به مباشرة ليصل إلى معلومات أكثر أو يصل لهدف معين، وقد يأخذ صلاحية على الكاميرا ويصور الضحية من أجل الابتزاز بعد ذلك.

ويضيف طلعت: لا بد أن نعرف كل شىء عن أى وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعى، لأنه إذا كان التطبيق أو الوسيلة مجانية فأنا المستهدف أو السلعة، لذا لابد من الحرص والتعامل بحذر مع المعلومات والأخبار التى أستقبلها، فمثلاً لو الهدف والسياسة فى ذلك الوقت مثلاً هى إثارة الغضب من غلاء الأسعار نجد أن كل الأخبار التى نستقبلها وتبث لنا عن غلاء الأسعار فقط، مما يثير سخط الجماهير وإثارة الرأى العام، فى حين نجد أخبارًا أخرى إيجابية ونافعة لا تصلنا، لذا لا بد من عدم الاعتماد فقط على وسائل التواصل الاجتماعى لاستقاء الأخبار، بل لا بد من استخدام مواقع إخبارية متنوعة حتى أستطيع تكوين وجهة نظر صحيحة. 

كما يجب التحقق من الأمان والمصادقة الثنائية واختيار كلمة مرور معقدة للتأكد من تأمين حسابى، ولا بد أن يكون لدينا بعض التشكك فيما يقدم لنا ومحاولة التحقق والوصول إلى الحقيقة.