الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فرض المفاهيم والقيم الغربية على المجتمعات الشرقية رفضته الشعوب قبل الحكومات المتلاعبون بحقــوق الإنســان

فرض المفاهيم والقيم الغربية على المجتمعات الشرقية رفضته الشعوب قبل الحكومات المتلاعبون بحقــوق الإنســان

أى متابع منصف لأوضاع حقوق الإنسان فى مصر سيجد نفسه أمام تطور بالغ الأهمية قامت به الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية فى مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان، بداية من قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بعدم تمديد حالة الطوارئ، وقبلها صدور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وما بها من تعهدات ذات إطار زمنى لإنهاء تحديات حقوق الإنسان المزمنة، ثم صدور التشكيل الجديد للمجلس القومى لحقوق الإنسان وبدء عمله بتطوير منظومة الشكاوى ورقمنتها، حتى يصبح التعامل مع المنظومة أيسر على المواطن.



 

لا تنطلق مصر لتحسين أوضاع حقوق الإنسان من نقطة الصفر، فهى تمتلك تراثًا دستوريًا وقانونيًا وتعاونًا ممتدًا مع آليات الأمم المتحدة، لحفظ حقوق مواطنيها سواء عبر التشريعات المحلية أو الدولية، وهو منهج ثابت للدولة المصرية منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952، حيث كان الإنسان المصرى وتطوير معيشته وتحريرها من الاستعمار هى هدف كل الإدارات السياسية المتعاقبة على حكم البلاد.

ومع نجاح ثورة 30 يونيو 2013 فى إزاحة حكم جماعة الإخوان الإرهابية وتخليص البلاد من تنظيم إقصائى لا يعترف بدولة القانون والمواطنة ويحتقر مبادئ حقوق الإنسان، ثم بدأت مصر فى عمليات مكافحة الإرهاب والإصلاح الاقتصادى فى وقت بالغ الصعوبة وفى ظروف شديدة الدقة ومع تصاعد التحديات لم تتخل مصر عن حرصها على تحسين أوضاع حقوق الإنسان والتعاون مع الآليات الدولية خاصة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولم تتأخر يوما عن تقديم تقاريرها الطوعية والإيفاء بالتزاماتها تجاه تلك الآلية عبر تنفيذ ما يوجه لها من توصيات خلال آلية الاستعراض الدورى الشامل.

ورغم تنفيذ تلك التوصيات بنسب معتبرة، والبدء فى مشروعات كبرى هدفها تحسين جودة الحياة لأكثر من 100 مليون نسمة، لم تسلم التجربة المصرية من الهجمات المنظمة من جانب المتلاعبين بحقوق الإنسان.

تحولت ظاهرة التلاعب بحقوق الإنسان إلى مصدر ضغط على فكرة حقوق الإنسان نفسها خاصة أنها تفقدها مصداقيتها بشكل كبير، وتحولها إلى أداة ضغط من جانب الدول الكبرى والمؤسسات الدولية تجاه دولة بعينها، وتخضع عالمية وشمول حقوق الإنسان باعتبارها حماية للإنسان لتأثير «لوبيهات» ضغط تسعى لفرض قيم بعينها على مجتمعات لها طبيعة خاصة لا تعترف بها، وتمكنت من التأثير على مراكز صنع القرار الغربى ودفعها إلى تنفيذ أوامرها وكذلك وسائل الإعلام الغربية، وتخضع لوبيهات حقوق الإنسان إما إلى أنظمة تحركها ضد دول أخرى أو لجماعات تحاول تشويه خصومها مستغلة حالة السيولة المصاحبة لنشوء نظام دولى جديد تلعب فيه مسألة حقوق الإنسان دورا رئيسيا فى السيطرة على حركة الحكومات والشعوب.

لا أحد ينكر أن الغرب يمتلك أنظمة مؤسسية تحترم حقوق الإنسان وفق منظورها وتوفر جودة حياة ورفاهية، لكن ذلك لا يعنى أن الغرب يمتلك الحقيقة المطلقة أو حق الوصاية على الشعوب الأخرى المختلفة أو ما أطلق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال جلسات منتدى شباب العالم وصف «الاستعلاء بالقدرة».

كما أن فكرة فرض فكرة معينة أو وجهة نظر محددة تخرج من إطار ما تبشر بها منظومة حقوق الإنسان الدولية من حريات إلى إطار القمع فى العلاقات الدولية واختراق السيادة وإضعاف الدولة الوطنية فى مواجهة خصومها من التيارات المتطرفة فى منطقة تعيش على برميل بارود جاهز للانفجار فى أى لحظة.

استغلال المتلاعبين بحقوق الإنسان لتلك الورقة ذات الرنين المعتبر فى الغرب واستغلالها وتوظيفها، فى غير محلها أمر يضعف مصداقية الآليات الدولية لدى الدول والشعوب، فما تقوله يتناقض مع ما تحاول لوبيهات المتلاعبين بحقوق الإنسان سواء منظمات أو أنظمة تحاول العبث فى استقرار دول والتدخل فى شئونها أو ابتزازها بتلك الورقة لتنفيذ أهداف خاصة بها، وهو ما يعرض ذلك المفهوم للتشويه ويكون مرادفًا لمحاولات الإملاء وفرض القيم الغربية المرفوضة فى المجتمعات الشرقية المحافظة والمرتبطة بتعاليم الأديان السماوية.

ورغم محاولاتهم لإخفاء الثغرات الناتجة عن الانتقائية والمعايير المزدوجة، فإن الخلل الظاهر بين ممارسة تلك الحقوق داخل دول الغرب وخارجها يتكشف فى تجارب دول خضعت لسيطرة الغرب لسنوات طويلة ومع ذلك حينما خرجت القوات الغربية تعرض الإنسان فى تلك المناطق إلى أقصى انتهاكات ضد حقه فى الحياة وتحكمت فيه الجماعات المتطرفة وانهارت فكرة حقوق الإنسان والديمقراطية بشكل كامل وهو ما يؤكد الخلل الموجود بين النظرية والتطبيق وعدم صلاحية فرض نماذج بعينها على دول لن تقبل ذلك.

وإذا نظرنا إلى حال الأقليات المسلمة والشرق أوسطية فى المجتمعات الغربية سنكتشف لغة حقوقية مختلفة لا تعترف بسهولة بحق هؤلاء فى المساواة واحترام خصوصيتهم الثقافية وتفرض عليهم ضرورة الاندماج والقبول بقيم تلك المجتمعات، أما إذا نظرنا إلى ملف المهاجرين فنجد أن هناك عصفًا كاملاً بقيمة حقوق الإنسان، بل السماح فى بعض الأحيان بغرق تلك المراكب فى مياه البحر وضياع حياة إنسان كان يحلم بجودة حياة.

المتلاعبون بحقوق الإنسان ينفذون أجندة تخص من يحركهم ويستخدمون حقوق الإنسان للتدخل حسب ظروف كل دولة فحالة أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفيتى تختلف عن الشرق الأوسط بعد اشتعال تظاهرات 2011، ويمكن إبراز استخدام الغرب لذلك الأسلوب فى النقاط التالية:

1 - تبنى الغرب والمنظمات الدولية غير الحكومية لمفهوم حق التدخل الإنسانى وسعيهما لتحقيق هذا المبدأ، من خلال الضغط لتعديل ميثاق الأمم المتحدة، والسماح بالتدخل فى حالة تردى أوضاع حقوق الإنسان.

2 - إشادة المنظمات غير الحكومية بالتدخلات العسكرية الغربية فى الصومال، البوسنة وكوسوفو ودورها فى حماية الأقليات العرقية فى هذه المناطق.

3 - اعتماد الغرب على تقارير تلك المنظمات فى الحكم على الأوضاع فى الشرق الأوسط، ومحاولة الضغط بها على الدول الغنية بالثروات الطبيعية.

4 - إن وسائل الإعلام الغربية تعتمد بشكل كلى على تقارير تلك المنظمات فى تحليل الأوضاع داخل الدول المستهدفة بالسياسات التدخلية.

5 -  استشارة وزارات الخارجية فى الدول الغربية لهذه المنظمات غير الحكومية فى إعداد تقاريرها السنوية عن أوضاع حقوق الإنسان فى العالم.

6 -  اشتراط الغرب على العديد من الدول التعاون مع هذه المنظمات غير الحكومية للاستفادة من المعونات الاقتصادية والعسكرية الدولية.

والحقيقة أن الشعوب فى الشرق هى من تقود حكوماتها إلى رفض تلك الإملاءات القادمة من المتلاعبين بحقوق الإنسان، والشعوب هى من ترفض فرض القبول بالشذوذ الجنسى أو الخضوع للإملاءات الغربية فيما يخص السيادة الوطنية، وفى المقابل تتابع ما تقوم به حكوماتها من خطوات إصلاحية وتباركها، وهو ما تطبقه دولة 30 يونيو فى مسيرتها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان وتوفير الحياة الكريمة لأفراد شعبها من واقع الاعتراف بوجود تحديات والتعاون مع الآليات الدولية الجادة فى التعامل مع ملف حقوق الإنسان ولا تقوم باستخدامه سياسيا للضغط أو المتاجرة أو الدفاع عن مصالح جماعة إرهابية تستخدم حقوق الإنسان لحماية عناصرها وجماعتها الدموية.