الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا): تفسير المرأة للقرآن.. وفهم جديد! "6"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



الباحثة

 

والكاتبة الصحفية ناهد سليم من مواليد مصر، سنة 1952م، ومقيمة فى هولندا، منذ بداية نشاطها الكتابى وهى تسعى من خلال أفكارها إلى إصلاح الفكر الدينى، وإشراك المرأة فى تفسير القرآن والسنة النبوية، وهى تطالب بتغيير الفكر الدينى ليناسب العصر، مما سيؤدى لتغيير عادات مثل قتل المرأة بدافع غسل العار، والذى يعنى حسب رأيها أن المرأة لا تملك جسدها، وأيضًا تبحث فى مسألة عدم المساواة بين الرجل والمرأة.

 

وأصدرت كتاب «نساء النبي» عام 2003 باللغة الهولندية، وهو من الكتب التى صاحبتها ضجة إعلامية، والنسخة المترجمة إلى اللغة الألمانية بعنوان «انزعوا القرآن من أيدى الرجال»، وتتناول فيه الكاتبة قضية تفسير القرآن والحديث النبوى، الذى تم لحد الآن على أيدى مفسرين رجال فقط، والذى ألحق الضرر الكبير فى مساعى المرأة نحو الحصول على حقوقها، وحرمها من الكثير منها، بسبب التفسير الرجولى الذى يخدم دائمًا مصلحة الرجل، ولذلك فمن المهم أن تشارك المرأة فى تفسير القرآن والسنة النبوية، من أجل تحقيق المساواة.

قبل هذا الكتاب أصدرت ناهد سليم باللغة الهولندية كتابًا بعنوان «رسائل من مصر» 2000، وأصدرت فى 2005 «الصمت خيانة»، وتتحدث فيه عن معاناة النساء المسلمات.

وهى تبحث موضوع تفسير القرآن والسنة النبوية من خلال الرجل، وفتح باب للبحث فى الدين وإصلاح الدين من خلال المرأة، وأن بإمكان المرأة أن تشارك فى النقاش والبحث والتفسير بطريقة تختلف عن طريقة الرجل.

وكتاب نساء النبى هو انتقاد للتفسير الذكورى للقرآن ومفهوم الدين بشكل عام الذى احتكره الرجال، وهذا الاحتكار يؤدى إلى تضييق النظرة للدين، وإلى حرمان المجتمع من وجهة النظر النسائية، والتفسير الذكورى للقرآن أدى أيضًا إلى الاعتقاد أن الدين الإسلامى يتضمن مفهوم الحريم واعتكاف المرأة عن الحياة العامة وحبسها داخل البيوت، وحرمانها من التعليم والعمل.

 نقد الفكر

لفهم القرآن يجب معرفة ترتيب السور حسب النزول لتتبع الأحداث فى زمن الرسالة، ومعرفة المخاطب ونوع الخطاب لمعرفة الأمر الإلهى تشريعى أو توجيهى، وبالتالى معرفة الأحكام المطلوبة، وأن الكلمة التى تتكرر فى القرآن يتم معرفة معناها من السياق.

بعد مرحلة التدبر تأتى مرحلة التفكر، والتى تتصف بالعمق لكى يكون الفهم أكثر دقة، مما يؤدى إلى استخلاص معانى ومفاهيم تساعد فى التدبر والتفكر.

قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) الفرقان 32، وفى قوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) المزمل 4، والترتيل خاص بالقرآن فقط، ورتل بمعنى رتب الكلمات مكونًا نسقًا مرتبًا ومنظمًا، بحيث تأتى أجزاؤه بشكل مصفوف متناسق، مرتب ومنظم وواضح.

 ترتيل القرآن

والترتيل هو ترتيب وصف وتنسيق الشىء المطلوب النظر فيه على نسق منتظم، أو تقسيم المجموعات إلى أرتال عديدة، من خلال منهج دراسة.

وللترتيل أنواع منها، ترتيل الكلمة المطلوب فهم معناها أو مقارنتها مع كلمة أخرى، مثل تحديد فعل هبط فى كل الآيات لمقارنته مع فعل نزل فى كل الآيات.

ومنه ترتيل الموضوعات المتفرقة بين السور القرآنية، وذلك بتحديد الموضوع المطلوب دراسته ثم نرتل الآيات المتعلقة بالموضوع، مثل ترتيل قصة النبى موسى فى كل الآيات.

 مفسرات للقرآن

تاريخيًا لا وجود لمفسرة فسرت القرآن كاملًا، وقد أشارت بعض المصادر إلى امرأة هى زيب النساء ابنة الشاه محيى الدين أورانك، عاشت من 1638م  إلى 1701م، وزيب كلمة فارسية بمعنى زينة، وكتابها «زيب التفاسير»، وقال البعض أنه ليس إنتاجًا نسويًا، وإنما ترجمة لكتاب التفسير الكبير للرازى من العربية للفارسية. فى عام 2009، منح الأزهر موافقته على تفسير وضعته امرأة، هى الإعلامية كاريمان حمزة.

قد تكون الأحق بلقب المفسرة هى عائشة بنت أبى بكر أم المؤمنين، والتى كثرت وقائع لجوء الصحابة إليها لإيضاح بعض المعانى من آيات القرآن، ووفقًا لكتاب «أبرز جهود النساء فى تفسير القرآن الكريم»، بلغنا منها 747 مروية تفسيرية لآيات القرآن.

ومن بعدها نفيسة بنت الحسن بن زيد، التى عاشت فى مصر خلال الفترة بين 145هـ و208هـ، عُرِف عنها أن المصريين كانوا يفدون عليها ليسمعوا تفسيرها فى القرآن، حتى لُقِّبت بـ«نفيسة العلوم». كما عرف الإيرانيون الواعظة ياسمينة السيراوندية، التى اشتهرت بتفسير القرآن، وتوفيت عام 502هـ.

 غياب النساء

أدت  الظروف الاجتماعية لغياب الصوت النسائى فى تفسير القرآن، لأن تلقى العلوم قديمًا كان يتطلب كثرة السفر للبحث عن المعلومات وتنويع مصادر المعرفة، وهو ما كان مستحيلًا على أى امرأة أن تفعله وقتها.

كما أن الأوضاع الاجتماعية التى كانت سائدة كرست لتهميش وإقصاء المرأة، ثم ترسخ فى الثقافة أن قدرات المرأة الإدراكية والمعرفية قاصرة ومحدودة، وتم الاتفاق على نقص عقل المرأة ونقص إيمانها، وبالتالى عدم صلاحية المرأة للمشورة.

لقد كان تفسير القرآن محصورًا بالرجال، وبالرغم من مساهمة العديد من الصحابيات فى نقل أحاديث عن الرسول ظلّت مشاركة المرأة فى عملية التفسير محدودة.

هذا الغياب أدى إلى فهم القرآن على أنه يميز بين الجنسين بحيث يكون للرجال سلطة أعلى على النساء، بلا شك يلعب جنس المُفسِّر دورًا رئيسيًا فى فهم النص والتفاعل معه، وقد شهدت السيرة وقائع مماثلة، لعبت فيه امرأة دورًا فى تأويل النص بشكلٍ لا يهين أو ينتقص من بنى جنسها، وترفض أى نصٍ يتعارض مع المنطق السليم لعدم الانتقاص من النساء.

وفى الروايات أن أم المؤمنين السيدة أم سلمة، حينما سألت النبى عليه الصلاة والسلام عن سبب عدم ذكر القرآن للنساء كما يفعل مع الرجال، وبسببها نزلت الآية 35 من سورة الأحزاب: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).

وأيضًا ما فعلته أم المؤمنين السيدة عائشة، حين سمعت من ينسب للنبى حديثًا يقول فيه: «إن الصلاة يقطعها مرور الكلب والحمار والمرأة»، فاعترضت على ذلك بقولها «شبهتمونا بالحُمُر والكلاب»، وأخذ أغلب أهل العلم برأيها واعتبروا أن حديثها ناسخ للحديث الأول.

فى هذا الموقف، اعترضت السيدة عائشة على الحديث، لم تشكك فيه من باب السند ولم تعتن بصدق نسبه للنبى من عدمه، وإنما رفضته لأنه يهين النساء ويشبههن بالحيوانات، وهو ما لم يمكن أن يصدر عن الرسول، وقد يعنى هذا أن بعض المرويات والأحكام المهينة للنساء كان بالإمكان التخلى عنها لو مرت عبر فقه نسائى، وهو نفس ما سيحدث لو سيطرت الروح النسوية على قراءة الآيات وتفسيرها.

والتفسير النسوى لكى يظهر مختلفًا عما صدر عن الرجال، يجب استحداث مناهج جديدة بخلاف الأدوات التى اعتاد الفقهاء الرجال استخدامها، بحكم انشغال النساء بخبرات حياتية مختلفة عن الرجال، ربما كانت هذه المناهج الجديدة ستفتح الباب أمام المزيد من العلوم الإنسانية فى التفسير.

لو ظهرت مفسرات، لكانت الأمور أكثر موضوعية فى تفسير بعض الآيات والأحكام التى تتصل بالمرأة، وبالطبع كان هذا جديرًا بأن يخلق حالة جدل فى الأوساط التفسيرية يستفيد منها المجتمع ككل، عبر تعدد الرؤى التأويلية والقراءات التفسيرية.

ومن الأمثلة على هذه الرؤية المختلفة فى عصرنا الحديث ما فعلته المترجمة الأمريكية الإيرانية الأصل «لاله بختيار»، التى قامت بترجمة إنجليزية جديدة للقرآن، وحينما مرت بآية (وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء 34، ترجمت كلمة الضرب بمعنى البعد. 

وهو ما يفتح الباب لتغييرات أشمل وأكثر عمقًا فى مفاهيمنا القرآنية، فقط لو أننا قرأناه بأعينٍ نسائية.

إن التفاسير التى قدمتها الباحثات المسلمات قدمت شكلًا من أشكال المنهج الاستقرائى القائم على تفسير القرآن بالقرآن عبر فهم الآية من خلال سياقها العام، وهى الجهود التى تحاول استكمالها حاليًا باحثات قرآنيات، مثل أسماء برلس، وميسم الفاروقى، وآمنة ودود، وغيرهن بإنتاج تأويل جديد لـ «آيات النساء»، لا يجعلهن أقل درجة عن الرجال.