
كرم جبر
سنــوات فى روزاليوسف
من حسن حظى أننى تعلمت الصحافة فى روزاليوسف مدرسة الشقاوة الصحفية والابتكار والصنعة، فلم تكن المؤسسة تمتلك أحدث المطابع والإمكانيات التقنية، ولكن «البشر» الذين ذاع صيتهم فى أروقة صاحبة الجلالة.
ذهبت إلى روزاليوسف فى بداية الثمانينيات، وعاصرت جيل العمالقة وكان الدور الخامس الشهير فى المؤسسة العريقة يضم عمالقة كبارًا، كنا ونحن شباب نقف فى الطرقة حتى نراهم ونسلم عليهم.
لم تكن الأكثر توزيعًا بجانب المؤسسات العملاقة، ولكن الأكثر تأثيرًا، وتحوذ الشهرة والانتشار، لأن هذه المؤسسة العريقة دشنت الموهبة طريقًا للصعود والتفوق، وكان مألوفًا أن يأخذ صحفى شاب – ربما يكتب لأول مرة – غلاف المجلة إذا نجح فى الحصول على «خبطة» صحفية.
ميزة «إعلاء شأن المواهب الشابة» تتوارثها أجيال روزاليوسف عن صاحبتها فاطمة اليوسف وابنها إحسان عبدالقدوس والعملاق أحمد بهاء الدين، الذى ذهب ذات يوم إلى مقر المؤسسة فترك مقالًا مع مسئول الاستعلامات، وفوجئ به على غلاف المجلة فى نفس الأسبوع، رغم أنها كانت المرة الأولى التى يرى فيها مكان المجلة.
لم تفقد روزاليوسف شبابها وحيويتها ورشاقتها، وظلت على مدى تاريخها تعلم أجيالها الصنعة والحرفة وعوامل الجذب والتفرد الصحفى، وعلامة مميزة لها مكانة عالية فى بلاط صاحبة الجلالة.
روزاليوسف كانت عبارة عن مجموعة غرف على شكل دائرى، وفى الغرفة المقابلة للأسانسير أحمد حمروش وبجوارها غرف صغيرة، جمعة فرحات رسام الكاريكاتير وفايزة سعد وناصر حسين وعبدالفتاح رزق وطارق الشناوى، ثم صالة التحرير، وبجوارها غرف محمود السعدنى وعبدالله إمام ومحمود المراغى ومحمد زيدان ومديحة عزت وعبدالستار الطويلة ومحمود ذهنى، وغيرهم من الأسماء الكبيرة التى كان يضمها دور واحد.
من حسن حظى أن فتحى غانم كان يتولى الإشراف على تحرير روزاليوسف متطوعًا عندما يسافر رئيس التحرير، وكنت مسئولًا فى ذلك الوقت – منتصف الثمانينيات – عن إدارة التحرير، وكان فتحى غانم يحضر يومى الخميس والجمعة ويراجع البروفات وينصرف ويترك بقية المهمة لنا.
أتذكر فى أحد الأعداد التى نفدت بالكامل كان الغلاف عليه عنوان «بالكمبيوتر القرآن يحدد: نهاية العالم 2020»، وكان بحثاً حول تنبؤات لأحد علماء الدين المهتمين بالكمبيوتر، وكان حدثًا مهمًا فى ذلك الوقت، وإن انطبق عليه «كذب المنجمون».
ومن الملفات التى كان لها أثر كبير «الممنوعون من السفر»، وكانت القوائم طويلة وكبيرة، وتشمل سياسيين ورجال أعمال وفنانين وغيرهم، وكان لروزاليوسف الفضل فى إثارة القضية، وتبنت الدولة عملية تنقية الكشوف وحذف كثير من الأسماء، أبرزهم فؤاد سراج الدين وإبراهيم فرج وأعضاء الوفد المدرجين على القوائم منذ عام 1952 بجانب تجار المخدرات والمشبوهين وغيرهم، وكانت تنقية الجداول رد اعتبار للسياسيين.
تعلمت من فتحى غانم أن «السبق الصحفى الكاذب انتحار مهنى»، وأن المحقق الصحفى ليس قاضياً يصدر الأحكام، ولكن يجمع المعلومات وكافة الآراء ويطرحها بحياد وموضوعية، دون أن يصدر حكماً.
وفى إحدى المرات كلفنى بالنزول إلى أسيوط عام 1988، حيث كانت الجماعة الإسلامية على أشدها واحتلت مبنى الجامعة، وقال لى يومها لا أريد أن أعرف رأيك، ولكن رأى أعضاء هذه الجماعة وكيف يفكرون وماذا يريدون.
وقابلت فى أسيوط الدكتور محمد حبيب ولم يكن بعد نائباً للمرشد، ولكن رئيس نادى أعضاء هيئة التدريس، وكتبت ثلاثة تحقيقات متتالية تحت عنوان «أسيوط فى ذمة الجماعات الإسلامية»، وعلمت بعدها أنها أغضبت المسئولين، ووقعت أحداث إرهابية جسام، أغلقت الجامعة واحتلتها الجماعة الإسلامية.
كنا نحترم الكبار جدًا، ونتعلم منهم ونرى فيهم القدوة والنموذج، وكانوا يبحثون عن أى شاب فيه الأمل ويعشق المهمة، فيقفون خلفه ويدفعونه للأمام.