الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. الهجرة إلى «السناتر»

ع المصطبة.. الهجرة إلى «السناتر»

 تجتاح ظاهرة غريبة العديد من المدارس الخاصة والحكومية، تفاقمت بعد تداعيات جائحة كورونا، تتمثل فى الغياب الجماعى المتعمد للطلبة بما يصل إلى حد الانقطاع التام عن الانتظام الدراسى لطلبة الصف الثالث الثانوى والتى امتدت بدورها إلى الصف الثانى الثانوى، بما ينذر بعواقب وخيمة على الجيل الحالى.



أما مبرر هذه الظاهرة، فهو عذر أقبح من ذنب، فالعلة التى يتعلل بها هؤلاء الطلبة تتمثل فى كونهم يتفرغون للمذاكرة بالمنازل طالما أنهم يحصلون على دروس خصوصية فى أغلب المواد الدراسية ما لم تكن جميعها.

مخاطر هذه الظاهرة تكمن فى نواحى عدة، فهى تضرب النظام التعليمى فى مقتل، وتفرغه من كونه قبل أن يكون مجرد فصول دراسية، هو مجتمع تربوى له قدسيته وتأثيره على بناء الشخصية، ولعل هذا ما يلخصه مسمى الوزارة المسئولة فى كونها وزارة للتربية قبل أن تكون وزارة للتعليم، ومن ثم فإن هجر مقاعد الدراسة النظامية يترك الجيل الجديد فريسة لتشرب أخلاقيات مراكز الدروس الخصوصية، أو ما يعرف بالمسمى العجيب «السناتر» التى هاجر إليها هؤلاء الطلبة طلبًا للنجاح وليس العلم.

يضاف إلى ذلك أن هذا الهجر، الذى يبدو أنه يتم باتفاق ضمنى بين المدرسة والطلبة، يخل بمبدأ تكافؤ الفرص، فماذا يفعل أبناء الفقراء والطبقة الوسطى ممن لا طاقة لهم بأعباء الدروس الخصوصية؟

الأمر الأكثر خطورة هو غياب الرقابة، فرغم نص اللوائح التعليمية على فصل الطلبة المنقطعين عن الدراسة إلا أنه فى الوضع الراهن لا نجد أى تحرك فى هذا الشأن، فأين دور موجهى المواد الذين يفترض بهم متابعة ومراقبة الأداء فى هذه المدارس؟ وأين هى تقاريرهم عن المدارس التى تسمح بهجر الطلبة لمقاعد الدراسة أو فى أقل تقدير تغض الطرف عن هذا الهجر.

فوق كل ذلك، كيف يحصل المدرسون فى المدارس الحكومية على رواتبهم عن أعمال لا يقومون بها على أرض الواقع؟ بعدما تحولت جداول الحصص الدراسية إلى حبر على ورق، يدق جرس بدء الحصة الدراسية ثم يدق معلنًا انتهاء الحصة فلا الطلبة حضروا ولا المدرسون قاموا بواجبهم ورسالتهم المقدسة.

وكيف تحصل المدارس الخاصة رسومها الباهظة من أولياء أمور الطلبة بينما لا يحصل فى المقابل طلبة هذه المراحل على خدمات تعليمية حقيقية؟ اللهم إذا كان الهدف منها مجرد التسجيل فى سجلات وزارة التربية من أجل خوض الامتحانات.

الخطير فى هذه الظاهرة أيضًا أنها مع مرور الزمن ستحول المدارس نفسها إلى ما يشبه «النيش» فى البيت المصرى، فرغم أنه لا استخدام حقيقيًا له إلا أنه أصبح ديكورًا لا بد منه، ومن ثم فإنه إذا لم يتم تدارك هذه الظاهرة المدمرة سيتم تفريغ المنظومة التعليمية برمتها من جوهر وجودها لصالح مافيا الدروس الخصوصية.

وحتى نكون منصفين، فإن المسئولية فى هذا الشأن لا تقع فقط على كاهل وزارة التربية ومديرى المدارس، بل أيضًا هى مسئولية فى عنق أولياء الأمور الذين تركوا أبناءهم يديرون ظهورهم لمقعد الدراسة الطبيعى ويتجهون إلى مراكز الدروس الخصوصية رغم شكاواهم المتكررة من أن هذه المراكز تستنزف ميزانية الأسرة المصرية.