السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لهذه الأسباب لن تخاطر بكين بمغامرة عسكرية لضم الجزيرة أزمة تايوان وحسابات الصين المعقدة!

المكان: رصيف محطة الركاب بميناء شيامن الدولى للرحلات البحرية الواقع على الضفة الغربية لمضيق تايوان؛ حيث جزيرة چينمن بتايوان على بُعد 5.6 ميل بحرى فقط على الضفة الأخرى.



الزمان: مطلع يناير 2020، قبل تفشى جائحة كورونا فى الصين بأيام قليلة.

فى هذا التوقيت كنت أقف على رصيف هذا الميناء الواقع على ساحل مقاطعة فوچيان جنوب شرق الصين؛ لأرصد بعينى ذلك المشهد: حالة من الازدحام الشديد والصخب المرافق لحركة الركاب المسافرين، وكل هذه الأعداد الكبيرة من السياح التايوانيين القادمين إلى الميناء الصينى.

لم يكن بمقدورى حينها أن أتخيل ما شهدته تلك الجزيرة قبل عقود من نيران القصف المدفعى، لكن ذلك المشهد جعلنى أتفهم تمامًا المغزَى من تصريحات بكين الأخيرة والمتتالية بأن تايوان جزء من الأراضى الصينية، وبأن إعادة دمجها تحت حكم الصين أمر «لا مَفر منه» ويجب تحقيقه «بكل الوسائل الضرورية» بما فى ذلك استخدام القوة العسكرية.

 

 مؤامرة استعمارية

تايوان والبالغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، كانت جزءًا من الصين الأم حتى عام 1949، إلى أن نشبت حرب أهلية فى الصين، وانتصرت الثورة الصينية بقيادة «ماو تسى تونج» على حكومة «شيانج كاى شيك»، وفَرّ الأخير إلى جزيرة تايوان، لكن الدول الاستعمارية رفضت الاعتراف بالحكومة الصينية الجديدة، وظلت تايوان تحتل موقع الصين فى الأمم المتحدة بفضل تمسك الولايات المتحدة بحكومة موالية لها فى تايوان لمدة 22 عامًا، حتى صوتت الأمم المتحدة بأحقية الصين فى مقعدها، وطرد ممثل تايوان عام 1971، ومع ذلك حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون حرمان الصين من استعادة كامل أراضيها فى كل من هونج كونج التى احتلتها بريطانيا، وتايوان التى تقودها حكومة موالية للولايات المتحدة، لكن وفقًا للأعراف الدولية، وقرار الأمم المتحدة رقم 2758 فإن كلاً من تايوان وهونج كونج جزء من الأراضى الصينية، ولم تعترض على القرار سوى الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والمملكة العربية السعودية.

تقرير مخابراتى

رُغْمَ كشْف المخابرات الأمريكية مؤخرًا، تقريرًا يظهر أن الصين على وشك القيام بعمل عسكرى لمحاصرة تايوان بذريعة أنه تدريب للبحرية والطيران الصينى فى نهاية هذا العام أو العام المقبل. 

بالإضافة إلى ما وُصف بأنه توغل قياسى لسلاح الجو الصينى فى منطقة الدفاع الجوى التايوانية، بَعد دخول 56 طائرة حربية صينية منطقة الدفاع الجوى الخاصة بتايوان- وهو أكبر توغل للقوات الجوية الصينية يتم الإبلاغ عنه على الإطلاق.

فإن كثيرين يرجحون حربًا محتملة فى الشرق الأقصى مع تكهنات بأن الخلاف بشأن تايوان يمكن أن يكون الخلاف الذى يحمل شكوك الانزلاق فى مواجهة ونزاع مسلح بين واشنطن وبكين اللتين تخوضان حربًا باردة، فى عدد من الملفات الخلافية بينهما. 

الرقائق الإلكترونية جزء من اللعبة

ولكن ‏هناك أسباب كثيرة، فى رأيى قد تُثنى الصين التى تدرك جيدًا أن ‎من يبدأ هذه الحرب سيتم الحشد ضده، فالأمر ليس بهذه السهولة، وإن كانت أزمة الرقائق الإلكترونية هى جزء من هذه اللعبة؛ حيث تسيطر تايوان على أكثر من 56 بالمائة من الحصة السوقية للرقائق الإلكترونية، التى تدخل فى صناعة الأجهزة الإلكترونية، مثل «أبل» و«إنتل» و«انفديا». 

كما تدخل فى صناعة الأسلحة العسكرية الأمريكية، مثل استخدامها فى الطائرة الشبحية الأمريكية من الجيل الخامس (F-35)، ما جعل مسألة الحفاظ على خطوط الإمداد التايوانية فى غاية الأهمية، وهو الأمر الذى بسببه إلى جانب مناورات واشنطن  العسكرية فى محيط تايوان والتقارب الأمريكى المتزايد من تايوان، كانت ردود فعل بكين وتهديداتها بضم تايوان، ما  جعل حكومة الأخيرة  تخصص بشكل عاجل مليار دولار لشراء 100 صاروخ كروز طويل المدى AGM-158، وأن تضغط  على الولايات المتحدة  لتسريع تسليمها 66 مقاتلة F-16V بشكل استثنائى قبل الموعد المحدد والذى كان من المقرر أن يبدأ تسليمها فى عام 2023.

مغامرة عسكرية مكلفة

ولكن نعود إلى الأسباب التى تَحُول دون خوض الصين مغامرة عسكرية لغزو تايوان أو ضمها عن طريق عمل عسكرى، لا سيما مع علمها أن الولايات المتحدة  الأمريكية لديها  فى بحر الصين الجنوبى خمسة حلفاء مهمين وهى تايوان واليابان وكوريا الجنوبية والهند وأستراليا. 

هذا بالإضافة إلى ما تمتلكه أمريكا من علاقات عسكرية قوية جدًا مع تايوان من ناحية التسليح والتدريبات المشتركة مع الأسطول السابع الأمريكى فى المنطقة؛ حيث طالبت بكين واشنطن مرارًا  بقطع أو خفض العلاقات العسكرية مع تايوان على اعتبار أن  الأزمة بين الصين وتايوان أزمة داخلية لا دخل لواشنطن بها؛ لأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها ولكن رفضت أمريكا ذلك.  فتايوان تراهن على صاروخ كروز الأمريكى الشبحى  AGM158 JASSM  لاختراق الدفاعات الصينية وضرب أماكن حساسة (منها السفن الحربية) فى أولى ساعات الحرب. 

وفى عام 2019، وافقت الإدارة الأمريكية على صفقة شراء الحكومة التايوانية مقاتلات (F16 نسخة مطورة ) بقيمة 8 مليارات دولار، ما يعنى أن تايوان سوف تملك أكثر من 200 مقاتلة F16 جاهزة للقتال. 

كما أن الصاروخ الذى تم الكشف عنه عام 2009، وهو من طراز كروز ويملك خاصية شبحية وسعره ما بين 1.266.000 و1.359.000 ومداه يختلف حسب النوع منه 370 كيلومترًا و925 كيلومترًا و1900 كيلومتر ووزنه 1 طن. وله تاريخ قتالى، فقد استخدم لأول مرة فى الغارات الأمريكية على سوريا عام 2018،  بحيث أطلقت قاذفات  B1 LANCER،  تسعة عشر صاروخًا على مصانع ومنشآت تصنيع كيماوية. 

بينما كان الاستخدام الثانى له فى عام 2019 ، بعد أن تمكنت القوات الخاصة الأمريكية من قتل زعيم تنظيم داعش الإرهابى بحيث استخدمت الصواريخ لتدمير المجمعات السكنية بعد انتهاء العملية.

 قوات أمريكية خاصة فى تايوان 

وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرًا، أن هناك فى تايوان 24  عنصرًا من القوات الخاصة الأمريكية USSOF  موجودين فى الجزيرة منذ قرابة العام يدربون الجيش التايوانى ويسلحونه ويقدمون له جميع الخبرات القتالية وتكتيكات واستراتيچيات الحرب التى تؤهله للتعامل مع  أى هجوم أو غزو صينى محتمل فى أى لحظة. 

لذلك فالصين الأم تعلم جيدًا أن تايوان لن تستسلم لها بسهولة، وأن أى عمل عسكرى معها سوف يؤدى إلى إصابات الجنود الأمريكيين، وهذا بدوره سيؤدى إلى مواجهة عسكرية مؤكدة مع أمريكا. 

ومع ذلك تريد بكين حتمًا ضم تايوان التى تعتبرها جزءًا من الأراضى الصينية، لكن لديها حسابات معقدة فيما يتعلق بذلك، يفندها الخبير الاستراتيچى أندريه لونغو فى مقال نشر له مؤخرًا بأن هذه الحسابات مُنصَبَّة على التوازن العسكرى التقليدى، وأنها تتضمن ثلاثة عوامل متمايزة لطالما أثنت الصين عن خيار الغزو أصلاً. 

أولها القوة العسكرية، إذ يشُك قادة الصين حتى اليوم فى إمكانية انتصار بلدهم على تايوان والتمكن من غزوها، ناهيك بالنجاح فى خوض قتال مع الولايات المتحدة.

وثانيها، بأن هناك تصورًا عن الحرب مع تايوان بوصفها نذير عواقب وخيمة على اقتصاد الصين وعلاقاتها الخارجية وصورتها الدولية، والأسوأ هو أن صراعًا كهذا قد يُمثل خطرًا وجوديًا على الحزب الشيوعى الصينى نفسه، إذ إن الحرب تعنى قتال «إخوة» صينيين وقتلهم، فى حين ستجر الهزيمة معها شبح العام 1895 (الذى شهد نشوب الحرب «الصينية- اليابانية» الأولى فى أعقاب الغزو اليابانى لتايوان)، وتقوّض التنمية الاقتصادية ذلك الهدف المُلح وثيق الارتباط بـ«التجدد العظيم للأمة الصينية» كما يُسميه الحزب الحاكم. 

أمّا ثالثها؛  فيتمثل فى انتظار  قادة الصين «التوحيد السلمى» لبلادهم مع تايوان، آملين أنه لا يزال مُمكنًا، وأن الوقت فى صالحهم بالنظر إلى تنامى القوة الصينية، ومن ثم كان هدفهم التاريخى الحيلولة دون استقلال تايوان رسميًا أو تغيير الوضع القائم. (لهذه الأسباب فإن الصين التى خاضت عملية تحديث عسكرى منذ عقود مستمرة حتى اللحظة؛ فإن الانتظار بالنسبة لها هو الخيار المنطقى فى هذه القضية.

 الصين لها اليد العليا 

ولكن فى رأيى؛ فإنه رُغم احتمالات عدم إقدام بكين على عمل عسكرى متهور فى تايوان، لأسباب تتعلق بالوجود الأمريكى الكبير والمنتظم فى منطقة المحيط الهادئ. 

هذا بالإضافة إلى مواصلة تايوان تسليح نفسها بمنصات أسلحة هجومية ودفاعية، بما فى ذلك، بناء غواصاتها الخاصة وتلقيها معلومات ومساعدات من البحرية الأمريكية، وشراء دبابات أبرامز لصد أى نوع من الهجمات البرمائية وتشغيل عدد من الأسلحة الساحلية من الشاطئ إلى السطح بهدف إحباط أى نوع من الهجوم البحرى الصينى.. 

إلا أن الصين صارمة بشأن قضية تايوان، فهى كما يؤكد مسئولوها لن تقدم أى تنازلات أو تسويات بشأن القضايا التى تمس المصالح الرئيسية لها، بما فى ذلك سيادتها وسلامة أراضيها.

ولذلك لا ينبغى لأحد أن يقلل من تصميم الصين وقدرتها على ضمان حماية سيادتها، وكون تايوان جزءًا لا يتجزأ منها.