الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
جمهورية مدنية بلا طوارئ.. ورئيس منحاز للحقوق والحريات عهد جديد لحقوق الإنسان فى مصر

جمهورية مدنية بلا طوارئ.. ورئيس منحاز للحقوق والحريات عهد جديد لحقوق الإنسان فى مصر

عاشت حالة حقوق الإنسان فى مصر لحظة تاريخية استثنائية فارقة بإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى وقف المد لحالة الطوارئ المستمرة فى مصر منذ الحرب العالمية الأولى لظروف الحرب أو مكافحة الإرهاب، وكانت محل انتقاد حقوقى سواء من جانب منظمات محلية أو دولية كانت ترى فى الوجود الطويل لحالة الطوارئ انتقاصًا شديدًا من حقوق الإنسان المصرى.



وحالة الطوارئ هى حالة استثنائية تتمتع خلالها السلطة التنفيذية بصلاحيات كبيرة لأنها تواجه خطرًا يهدد كيانها وشعبها، وقد حددها فقهاء القانون فى ثلاث حالات، أولها: تكون هناك حالة حرب فرضت على الدولة أو تعرضها للعدوان وتلجأ الدول فيها إلى فرض قيود على حرية الأفراد، ومنعهم من التنقل داخل مناطق اعتبرتها الدولة عسكرية، أو تصادر حرية الرأى والتعبير أو تصادر الملكية الخاصة من عقارات أو سيارات أو غيرها لصالح الدولة ودفاعًا عن وجودها.

وثانيها: حالة التهديد بالحرب وهى الحالة التى تعطى للحكومة الحق فى إعلان حالة الطوارئ. وثالثها: حالة حدوث كوارث طبيعية كحدوث زلازل أو براكين أو فيضانات وكذلك انتشار أوبئة أو أمراض أو فيروسات مثل فيروس كورونا، وبموجب قانون الطوارئ تنشئ السلطة التنفيذية محاكم أمن الدولة طوارئ، وتختص بالجنح أو بالجنايات.

لم يميز كثير من المصريين الفرق الكبير بين الحياة فى ظل تطبيق حالة الطوارئ وبين الحالة الطبيعية، وما هى الحقوق التى كانت منتقصة وبين الحياة بشكل طبيعى وذلك لأن تطبيق قانون الطوارئ كان قاصرًا لسنوات طويلة على قضايا محددة مثل الإرهاب والمخدرات وحيازة الأسلحة، وبالتالى لا تؤثر على الإنسان الطبيعى من قريب أو من بعيد، إلا أنها كانت تؤثر على المشهد الدولى للدولة، فقد كانت مرادفا لحالة عدم الاستقرار، ولها تأثير سلبى على مجالات مثل السياحة والاستثمار، ولذلك كان الإعلان عن قرار الرئيس بإنهاء تلك الحالة محل اهتمام عالميًا وإشارة إلى أن الدولة المصرية لم تعد تواجه أى خطر داهم يؤثر على وجودها، وأنها دولة طبيعية يتمتع مواطنوها بحقوقهم الكاملة، ولا خوف من الاستثمار والسياحة فيها، وهو ما ترجم فى البورصة المصرية التى ارتفعت بشكل قياسى فور الإعلان عن القرار وامتداد الأثر إلى تنشيط حركة تداول الأوراق المالية فى البورصة. وربما كان السؤال الأكبر عقب الإعلان عن عدم مد حالة الطوارئ عن مصير القضايا المنظورة أمام تلك المحاكم، والإجابة تحملها المادة 19 من قانون الطوارئ على أنه عند انتهاء حالة الطوارئ، تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التى تكون قد أحيلت إليها فعلًا، وتتابع نظرها، وفقًا للإجراءات المتبعة أمامها.

أما الجرائم التى تكون قيد التحقيق ولم يحل المتهمون فيها إلى المحاكم، فستحال إلى المحاكم العادية المختصة وتتبع فى شأنها قواعد قانون الإجراءات الجنائية.

وللإنصاف فقد كان تطبيق حالة الطوارئ ضروريًّا فى حالة مصر خاصة خلال مواجهتها للتنظيمات الإرهابية ومحاولتها الدائمة لإسقاط الدولة المصرية وإنشاء دولة موازية تمثل رأس حربة للإرهاب فى الشرق الأوسط، واستخدامها للدين لتضليل الشباب وتجنيدهم ومن ثم تحريكهم من أجل تخريب بلادهم بأيديهم، وهو ما عشناه فى أعقاب ثورة 30 يونيو، حيث استهدفت جماعة الإخوان الإرهابية كل مقدرات الدولة بداية من تخريب أعمدة الإنارة ومحطات الكهرباء إلى تفجير الكنائس فى الأعياد والاعتداء المسلح على كمائن الشرطة وجنود الجيش وقتل القضاة.

ورغم موقف جماعة الإخوان الإرهابية المعلن الرافض لحقوق الإنسان بشكل كامل إلا أن هناك بعض المنظمات الدولية تجاهلت تلوث يد تلك الجماعة القاتلة بالدماء وقررت الدفاع عنها بل والمطالبة بخروج عناصر الجماعة المدانة فى حوادث قتل وتحريض على العنف. لقد شاركت تلك المنظمات «المسيسة» بتقاريرها التى تفتقد للمهنية والنزاهة والحيادية فى حرب تلك الجماعة الإرهابية على الدولة المصرية وهو ما أساء إلى حركة حقوق الإنسان وشوه صورتها أمام المواطن العادى ووضع عقبة أمام محاولات نشر ثقافة حقوق الإنسان بشكل صحيح بين فئات المجتمع.

وبصبر شديد تعاملت الدولة المصرية مع تلك الممارسات الخاطئة من جانب تلك المنظمات، وانفتحت على الحوار مع المنظمات المصرية وتعاونت معها فى تعديل قانون الجمعيات الأهلية ثم الاستراتيجية الوطنية وهو ما يعنى أن الدولة لم تكن أبدًا ضد حقوق الإنسان، ولكنها كانت تقف بالمرصاد لحقوق الإرهاب.

ومع إلغاء حالة الطوارئ تكتمل صورة الإصلاحات الحقوقية بعناصرها المختلفة وتدشن مصر جمهوريتها الجديدة بإعطاء مواطنيها الحريات الكاملة بعد سنوات طويلة من تطبيق تدابير استثنائية صممت لمواجهة خطر داهم يواجه الدولة والشعب، حتى إن تسارع الإصلاحات الحقوقية بداية من قرارات الإفراج عن بعض النشطاء وإغلاق القضية 173 المتهم فيها عدد من المنظمات الحقوقية وإصدار الاستراتيجية الوطنية وتشكيل المجلس القومى حقوق الإنسان يؤكد أن الإصلاحات السياسية فى مصر باتت تسابق إنجازات المشروعات القومية وارتفع سقف التوقعات لتشمل تعديلات تشريعية قادمة بتقصير مدة الحبس الاحتياطى.

ويحمل القرار عددًا من الدلالات الإيجابية التى يمكن الوقوف أمامها وقراءتها لفهم ملامح الجمهورية الجديدة فى مصر أو كما يمكن وصفها بجمهورية الإنسان.

1 - أن الدولة المصرية أصبحت تمتلك القوة والقدرات الأمنية الكافية والاحترافية لمواجهة أى خطر دون اللجوء لتدابير استثنائية، وأن هناك إرادة سياسية عازمة على احترام مواثيق حقوق الإنسان.

2 - التأكيد على دولة القانون بإعطاء الثقة الكاملة فى القضاء المصرى الطبيعى لمواجهة أى اعتداء على أمن البلاد دون الحاجة لمحاكم أمن الدولة طوارئ.

3 - عزم الدولة المصرية على تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بخطوات متسارعة تبدأ بإنهاء الوضع الاستثنائى للدولة.

4 - شهادة نجاح لاستراتيجية الدولة المصرية فى مكافحة الإرهاب وقدرتها على حسم معركة استمرت لسنوات طويلة مع الجماعات المتطرفة.

5 - أن الدولة الديمقراطية المدنية فى مصر حسمت وجودها وأثبتت نفسها فى مواجهة دولة التطرف الدينى الموازية التى حاولت جماعات الإرهاب والتطرف فرضها على المصريين خلال لحظات الفوضى التى مرت على مصر.

6 - جاء القرار ليؤكد أن الدولة المصرية تتخذ قراراتها بوازع من المصلحة الوطنية، فحينما انتفت أسباب وجود حالة الطوارئ قام الرئيس بإنهاء مدها لصالح المواطن المصرى، فى إشارة إلى أن القرار المصرى لا يخضع للمزايدات أو الابتزاز وكشف افتراء وتدليس من حاول استغلال وجود تلك الحالة لتشويه الدولة والضغط عليها.

يحمل القرار إشارات أخرى لها علاقة بالمستقبل ويفتح سقف التوقعات حول تعديلات تشريعية تسهم فى تحسين أوضاع حقوق الإنسان، خصوصًا فى شقها الجدلى المرتبط  بالحقوق المدنية والسياسية وتحديدًا أوضاع المحتجزين، حيث يحتاج الحبس الاحتياطى إلى تقليل مدته بتشريع جديد، وأيضًا إجراء تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية ومنع الحبس فى قضايا النشر وإصدار قانون لتداول المعلومات وقد ذكرتها الاستراتجية الوطنية لحقوق الإنسان ووضعتها ضمن التحديات الملقاة على عاتق الحكومة ومجلس النواب.

إن مصر تعيش لحظات نادرة من تاريخها بقرارات الرئيس السيسى الجريئة، وانحيازه للحقوق والحريات وإصراره على حل المشكلات المزمنة وعدم اللجوء إلى سياسة المسكنات، خاصة فى قضية حقوق الإنسان، حيث اهتم منذ توليه السلطة بقضية تمكين المرأة والشباب وذوى الهمم، ووضع رؤية للنهوض بحقوق الإنسان تنطلق من الاهتمام باحتياجات المواطن البسيط فى مسكن وفرصة عمل وجودة حياة وهو ما ترجم فى مشروع حياة كريمة. تتغير الصورة النمطية لمصر لتصبح أكثر إشراقًا فى ملف حقوق الإنسان، ووضعت مصر حقوق الإنسان ضمن أچندتها الخارجية بتبنيها الحق فى التنمية والمحافظة على البيئة ومكافحة الهجرة غير الشرعية ورعاية اللاجئين دونما التفات لانتقادات الإعلام الغربى والمنظمات المسيسة وتصنع الدولة نموذجها الخاص المبنى على التعاون والشراكة بين الدولة والمجتمع المدنى فى حل إشكاليات ملف حقوق الإنسان لتثبت مصر أن الحوار الوطنى الداخلى هو الطريق الوحيد للحل، كما أن الإعلان عن فتح أماكن الاحتجاز التى تحولت إلى مراكز للتأهيل والإصلاح أمام العالم يؤكد شفافية الدولة المصرية وجديتها فى منح مواطنيها حقوقهم الدستورية والإنسانية بشكل كامل فى جمهوريتها الجديدة.