«الحبسجى»!

رشدي الدقن
لم يكن سجن برج العرب فى الإسكندرية معروفا على نحو خاص، فهو أقل شهرة من سجون مصرية أخرى مثل سجون منطقة طرة جنوبى القاهرة (الليمان والاستقبال والمزرعة)، إضافة إلى سجن العقرب شديد الحراسة، وسجنى أبوزعبل ووادى النطرون.. لكن هذا السجن أصبح بشكل مفاجئ أحد أشهر السجون المصرية، بعدما نقل إليه الرئيس المعزول محمد مرسى، عقب ساعات من أولى جلسات محاكمته التى أجلت بشكل مفاجئ إلى 8 يناير المقبل!
السجن الذى تم بناؤه فى 2004 فى منطقة صحراوية غرب الإسكندرية ثانى كبريات المدن المصرية، وهو من السجون الشديدة الحراسة، خصوصا أنه من أهم السجون التى كانت تستقبل سجناء المحظورة، فضلا عن المتهمين الخطرين فى الجرائم الجنائية.
وتتكون منطقة سجون برج العرب من ثلاثة أقسام، يضم أولها كتيبة من قوات الأمن المركزى المكلفة بحماية وتأمين السجن، أما الثانى فهو سجن برج العرب الاحتياطى، بينما القسم الثالث هو ليمان برج العرب المخصص لمن صدرت ضدهم أحكام بالسجن المشدد.
كما تضم المنطقة مستشفى تابعا للسجن على مقربة من بوابته الرئيسية، وهو يتكون من عدة عيادات للتخصصات الطبية المختلفة، لكن المعلومات المتواترة تؤكد أنه فقير من حيث التجهيزات والمعدات الطبية.
ويضم سجن برج العرب 25 عنبرا موزعة على خمس مجموعات، كل واحدة منها خمسة عنابر، والعنبر الواحد 18غرفة تتوزع على جناحين، وكل جناح منهما يشتمل على تسع غرف وفناءين أحدهما أمامى والآخر خلفى.
كما يضم السجن خمسة عنابر مخصصة للسجناء الذين يقضون عقوبات بالسجن فى قضايا مختلفة، منها عنبر يطلق عليه اسم المستشفى لكونه مخصصا للسجناء الذين يحتاجون لرعاية طبية، وعلى مقربة من السجن توجد استراحة مبارك التى اعتاد الذهاب إليها صيفا، وهو ما كان يمثل عنصر إزعاج ومضايقة للسكان، بسبب إجراءات الأمن الكثيفة.
يحيط بسجن برج العرب سوران مرتفعان يعلوهما عدد من أبراج المراقبة، ويحيط السور الأول بمنطقة سجون برج العرب ويطوقها من الخارج، بينما يحيط الثانى بسجن برج العرب الاحتياطى وليمان برج العرب، الأمر الذى يصبح معه مجرد التفكير فى الهرب من السجن عن طريق تسلق الأسوار مهمة مستحيلة جدا، لصعوبة تسلق الأسوار التى يقدر ارتفاعها بنحو 7 أمتار وأيضا لانتشار عناصر المراقبة المسلحة داخل الأبراج والمكلفين بإطلاق الرصاص على أى سجين يحاول الهرب.
ورغم إصراره على شرعيته كرئيس لم يجد مرسى نفسه سوى متهم حبيس القضبان فى سجن برج العرب، وفى الثانية والنصف عصر الاثنين الماضى 4 نوفمبر وصل مرسى على متن مروحية عسكرية إلى سجن برج العرب وسط حراسة مشددة، مردداً أنه الرئيس الشرعى المنتخب نحو عشر مرات، ولكنه فى النهاية خضع للإجراءات المتبعة دوماً عند قدوم سجين جديد، ومنها تصويره والكشف على حالته الصحية، ثم استلام زى الحبس الاحتياطى الأبيض تمهيداً لاصطحابه إلى زنزانته، ويحق لمرسى كونه محبوساً احتياطياً طلب وجبات من خارج السجن، أما الوجبات التى تنصّ اللوائح على تناولها فهى وجبتا الإفطار المكونة من الفول والحلاوة والجبن والخبز والغداء والتى يدخل فيها اللحم مرتين أسبوعياً.
وصول مرسى إلى سجن برج العرب متأخراً دفعه فى أول أيام السجن إلى طلب وجبة من الدجاج من كافيتريا السجن وطبق من السلطة، علماً بأن الطبق المفضل الذى دوماً ما يطلبه خلال أشهر احتجازه بعد عزله كان البط بالفريك، منطقة برج العرب تحولت بالكامل إلى ما يشبه ثكنة عسكرية، منذ وصول المعزول إلى سجن الغربنيات، والسجن يتمتع بأقصى درجات التأمين، وهو الذى لا يؤدى إليه سوى طريقين اثنين فقط: أحدهما من جانب الساحل الشمالى، والآخر من جهة مدينة برج العرب الجديدة، وأقرب نقطة سكنية منه تبعد أكثر من 20 كيلومتراً.
نقل المعزول إلى سجن برج العرب، أثار فضول الكثيرين عن أسباب نقله إلى هذا السجن بالذات، خاصة أن المعلومات المتوافرة عنه قليلة جدا، ولكنه معروف بشدة الحراسة عليه، مما يستحيل معها تهريب سجناء، ويكفى أن نعرف أنه فى 28 يناير 2011 أثناء أحداث «جمعة الغضب»- والتى للمفارقة هرب يومها مرسى نفسه من سجن وادى النطرون - حاول عدد كبير من أهالى تجار المخدرات والمسجلين خطر اقتحام هذا السجن بإطلاق النيران عليه لمدة 6 ساعات متواصلة، إلا أنهم فشلوا فى اقتحامه أو تهريب أى سجناء منه، وكان من أبرز معتقلى جماعة الإخوان فى برج العرب خلال نظام مبارك، الدكتور حسن البرنس القيادى بالحرية والعدالة ونائب محافظ الإسكندرية السابق.
وبحسب المعلومات المتاحة عن أول أيام مرسى فى السجن أنه لم يكن يتوقع أن الطائرة التى أقلته من أكاديمية الشرطة، بعد انتهاء إجراءات أولى جلسات محاكمته، ستذهب به إلى السجن، كان الديكتاتور الإخوانى يتوقع أن تعود تلك الطائرة به إلى مكان احتجازه الأول فى إحدى المناطق العسكرية، التى كان يتمتع فيها بكل وسائل الراحة والأمان، المفاجأة أذهلته وأصابته بحالة من الهستيريا، خصوصًا عندما هبطت الطائرة فى مهبط سجن برج العرب، وطلب منه مرافقوه من الحراسة النزول، لكنه رفض تمامًا على مدار ساعة كاملة، فى مشهد يعيد إلى الذاكرة ما فعله مبارك عندما رفض الذهاب إلى سجن طرة بعد قرار حبسه، وتمسك بالذهاب إلى المركز الطبى العالمى الذى كان يقيم فيه منذ تنحيه.
حاول مرسى مع الحرس، وعندما أصروا على دخوله السجن، قال لهم بالنص موجهًا كلامه إلى ضباط الشرطة ومأمور السجن: «أنتم فاكرين يوم 26 يناير 2011 لما جت الشرطة خدتنى من البيت أنا قلت لهم هوريكم وورتكم وأصبحت رئيسًا للجمهورية فى خلال سنة ونصف، وأنا دلوقتى هوريكم وهاطلع من السجن لأننى رئيس الجمهورية الشرعى، واللى بيحصل ده هينتهى قريبًا».
وبعد تلك المحادثة استجاب مرسى ودخل السجن، وعندما تم إبلاغه باستلام الملابس البيضاء دخل أيضًا للمرة الثانية فى حوار حاد رافضًا ارتداءها، وقال: «أنا رئيس الجمهورية ولا يجوز ارتداء ملابس السجن»، ثم عاد وطلب الملابس وخلع الجاكيت الذى كان يرتديه فى أثناء المحاكمة، ودخل الزنزانة بالقميص والبنطلون.
وقامت إدارة السجن بتوفير جهاز تليفزيون بزنزانته، وهو شىء متبع فى كل الزنازين ومع كل السجناء، إلا أن مرسى ظل طوال الليل يعبر عن سخطه وتأففه من الزنزانة، ورفضه المكوث فيها وطلب المزيد من الكماليات غير المسموح بها للسجناء، إلا أن إدارة السجن رفضت طلبه ثم أخذ يهذى ببعض الكلمات غير المفهومة مما دعا إدارة السجن إلى استدعاء طبيب للكشف عليه الذى أمر بنقله إلى المستشفى.
وطبقًا لما أكده مصدر بمصلحة السجون لنا فإن مرسى يتمتع بصحة جيدة، ولا يعانى من أى شىء، لكنه دخل مستشفى السجن طبقًا للوائح والقوانين الخاصة بمصلحة السجون، التى تنص على أنه يجوز لأى سجين فور دخوله السجن لأول مرة أن يتم حجزه فى المستشفى لمدة 10 أيام، يتم خلالها الكشف عليه وإجراء جميع الفحوصات الطبية الكاملة له، وكتابة تقرير طبى شامل يكون ملازمًا له طوال فترة وجوده فى محبسه، وتم تجهيز غرفته بالمستشفى المنفصلة تمامًا عن باقى الغرف، وعزله عن باقى السجناء حرصًا على حياته، وفرض إجراءات أمنية مشددة على كل تحركاته ومواعيد خروجه للتنزه، التى بالضرورة ستكون مختلفة عن مواعيد باقى السجناء منعًا للاحتكاك به.
وعن الإجراءات الأمنية فى سجن برج العرب أكد المصدر الأمنى أن السجن مؤمن تمامًا، مشيرًا إلى وجود أكثر من 3 آلاف جندى وضابط لتأمين السجن، بجانب نقاط تفتيشية أمنية للطرق المؤدية إلى السجن بطول 3 كيلومترات عند طريق قرى بنجر السكر، و6 كم من برج العرب الجديدة، بالتنسيق مع القوات المسلحة وقطاع الأمن المركزى، بخلاف وجود مدرعات ودبابات خاصة، لإجهاض أى هجوم بالأسلحة النارية والثقيلة على أسوار السجن.
حالة من القلق والتوتر الشديدين انتابت اللواء محمد راتب مساعد وزير الداخلية مدير مصلحة السجون منذ تبليغه أمر نقل مرسى إلى سجن برج العرب فى الإسكندرية، لا تزال مستمرة حتى الآن، وهو ما انعكس على الضباط والأفراد فى السجن بشكل سلبى جدا، حيث أمر راتب بسحب كل أجهزة المحمول من الضباط وكل الموجودين فى السجن وأى شىء يمكن من خلاله التصوير أو التسجيل، مما أثار حالة من الغضب بينهم، ودفع بعضهم إلى تنفيذ الأوامر بكثير من الضيق، ظهر خلال الاجتماع الذى عقده معهم قبل وصول مرسى إلى السجن ليملى عليهم تلك التعليمات المشددة.
مصدر أمنى آخر، من داخل سجون برج العرب، قال إنه تم منعه من استخدام الهاتف المحمول، ورفض طلبه بمقابلة بعض الإخوان، وتم الاكتفاء بالتأكيد له أن عددًا من القيادات موجودون داخل السجن من بينهم صبحى صالح وحسن البرنس، اللذين حرصا على توجيه طلبات باستقبال المعزول ورفعا إشارات رابعة، وتم منعهما من رؤيته وقت نزوله.
وقال المصدر: إن اليوم الثانى من حياة المعزول داخل السجن كان استكمالا لإجراءات مثوله بسجون برج العرب، وحرص على تناول عقار خفض ضغط الدم المرتفع، وتناول عصير الجوافة وكميات كبيرة من الماء والسوائل، بينما حرص على تأكيد أن ما يحدث اقتربت نهايته، ووعد العديد من الحراس والضباط بأنه لن يكنّ لهم أى موقف عدائى حال خروجه، لأنهم ينفذون تعليمات وأوامر، وينفذون لوائح وقوانين، وأشار المصدر إلى أن من طلبات المعزول الغريبة طلبه تناول وجبة بط خلال ثانى أيام محبسه بالتزامن مع مناسبة رأس السنة الهجرية، قائلا لمن سألوه هل لك أى مطالب على الغداء؟ إن وجبة البط هى الوجبة المفضلة لديه وهى عادة فى المواسم الدينية.
المصدر الأمنى قال أيضا إن مرسى صاح فى ضباط السجن للحظات «أنا رئيسكم.. لماذا لا تخاطبوننى بصفتى الرئيس؟» وأشار إلى أنه من حق المعزول استحضار ما يلزمه من الطعام من خارج السجن أو شرائه من السجن بالثمن المحدد له يوميا، وإن لم يرغب فى ذلك فمن حقه صرف الغداء المقرر له كباقى النزلاء، طبقًا للمواد الخاصة بالمحبوسين احتياطيًّا، إضافة إلى إتاحة الفرصة له لمشاهدة القنوات الأرضية التابعة للتليفزيون المصرى، وممارسة حقه فى التريض ومطالعة الصحف.
وأوضح أن القانون يسمح للقوات المكلفة بحراسة السجن بأن يستعملوا أسلحتهم النارية ضد السجناء فى حالة وجود أى مقاومة مصحوبة باستعمال القوة إذا لم يكن فى مقدورهم صدها بوسائل أخرى، كما يجوز إطلاق النيران لمنع فرار سجين إذا لم تستطع منعه بوسائل أخرى، وفى هذه الحالة يتعين أن يكون إطلاق أول عيار نارى فى الفضاء، فإذا استمر السجين فى محاولته الفرار بعد هذا الإنذار جاز للأشخاص المكلفين بحراسته أن يطلقوا النار فى اتجاه ساقه.
مرسى الذى زار الإسكندرية 5 مرات فى أثناء استعداده للانتخابات وأيضا فى أثناء عام حكمه الأسود يعود إليها للمرة السادسة، لكن هذه المرة ليس بهيلمانه وزفته وأهله وعشيرته، إنما كسجين. مرسى حضر إلى المدينة الساحلية قبل انتخابه، ثم كانت الزيارة الثانية إلى مقر المنطقة البحرية برأس التين لحضور حفل تخرج نهاية العام الماضى ثم جاء فى زيارة شعبية خلال شهر أكتوبر من العام الماضى واستقبله الأهل والعشيرة وهم من سمح لهم فقط حضور المؤتمر الشعبى بساحة ميدان سيدى جابر بالقرب من المنطقة الشمالية العسكرية، وشهدت تظاهرات مضادة ضده، ثم كانت الزيارة الرابعة له بقرى بنجر السكر، يوم حصاد محصول القمح، قبل أن يختتم جولته فى الإسكندرية كـمتهم يحاسب فى قضايا قتل المتظاهرين وأحداث الاتحادية وغيرها من قضايا التجسس.