الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قرار الرئيس انتصار للمرأة وعلامة مضيئة على طريق القضاء! ملامح وطن جديد

منذ عدة أيام، نُشر على استحياء فى المواقع الصحفية ومنصات التواصل الاجتماعى خبرٌ صغيرٌ لم ينتبه له الكثيرُ، جاء فيه أن النساء- المصريات- سيُعينَّ فى النيابة العامة ومجلس الدولة اعتبارًا من أكتوبر العام الحالى 2021، وقد مرّ الخبر بلا احتفاء بلا ضجة بلا انتباه وكأنه أمرٌ عادى لا يستوجب تأييدًا ولا إعجابًا ولا تأملاً.



قرار تعيين المرأة فى النيابة العامة تاريخى يحقق المساواة الكاملة للمرأة ويكفل لها حقها الدستورى فى تبوُّؤ منصة القضاء الإدارى والنيابة العامة.

إن قرار رئيس الجمهورية للمرأة هو انتصار جديد للمرأة ومُنصف لها ويعُتبر علامة مضيئة على طريق القضاء المصرى العريق، بما يضع مصر فى مكانها الصحيح بوصفها الدولة الرائدة فى محيطها العربى والإفريقى.

 

فى الوقت نفسه، اهتمت منصات التواصل الاجتماعى بحوار عصبى غريب حول حق الرجل فى إجبار زوجته على معاشرته إن امتنعت على سَند من آراء فقهية يدعى أنها الصح المطلق ولا صواب غيرها، وبصرف النظر عن التعامل مع المرأة فى ذلك الحوار الغريب باعتبارها مجرد شىء مفعول به لا إرادة له ولا رأى، وهو أمر بغيض كريه يفصح عن عدم احترام النساء وآدميتهن وإرادتهن فى أى شىء حتى العلاقة الحميمة بينهن وبين أزواجهن.

وتلاحَظ لى تلاشى الخبر المهم الخاص بتعيين النساء فى النيابة العامة وفى مجلس الدولة، وسط مجموعة أخبار كثيرة وحوارات غريبة وصراعات متشنجة ركز عليها الإعلام والمواقع الصحفية، دون الاهتمام الذى يستحقه الخبر الأول ودون الانتباه لمعناه وأثره وقيمته الحقيقية.

يومها جلست على مكتبى وخلفى صورتا أبى وجدّى ممن تشرفا بالعمل فى القضاء المصرى عبر عقود طويلة منذ بدايات القرن العشرين، ونظرت للصورتين وهمست وكلى فرحة، وكأنى أخاطبهما، أخيرًا، فأنا الابنة والحفيدة التى عشقت القانون ودراسته والعمل به وتمنيت لو ارتديت مثلهما وشاح القضاء وجلست مثلهما على منصة القضاء للعمل على نشر العدل على مستحقيه ورفع الظلم عن ضحاياه مثلما تعلمت من والدى وجدّى، لكنى وجدت كل أبواب العمل القضائى ومنصة القضاء موصدة فى وجهى ووجه كل بنات جيلى وأجيال كثيرة سابقة ولاحقة، فلم يكن أمامى إلا العمل بالمحاماة التى أعشقها وأحب عملها ومازلت، لكن غُصّة بقيت فى القلب لأننى حرمت مما أتمنى دون ذنب أو نقيصة وبالمخالفة للمساواة الدستورية ومبدأ تكافؤ الفرص، أخيرًا. 

وبقيت طويلاً أتأمل هذه الخطوة العظيمة التى حاربت أنا شخصيًا عقودًا طويلة من أجل تحققها بكتابة الأبحاث والمقالات وإلقاء المحاضرات وحضور المؤتمرات الدولية والعربية وورش العمل دعمًا لحق المرأة المصرية فى العمل بالهيئات القضائية دون تمييز ضدها، وفى الوقت نفسه كنت واثقة طيلة تلك السنوات أن الدولة المصرية لا بُدَّ ستتحرك للأمام وللمستقبل، وسترفع التمييز والتهميش والاستبعاد عن نسائها بكفاءتهن وجهدهن وبراعتهن فى جميع المجالات وإن طال الزمن؛ لتتبوأ مصر مكانتها التى تستحقها وتليق بها، كدولة الحضارة العظيمة، كانت وستظل.

وقد بدأت معركتى بشكل واقعى عام 1989 وقتما دُعيت وأنا محامية صغيرة لحضور مؤتمرالمحامين العرب فى دمشق ضمن الوفد المصرى المشارك فى ذلك المؤتمر، وانتقيت لجنة المرأة للعمل فيها من ضمن لجان المؤتمر، وأعددت ورقة بحثية عن علاقة المرأة بالتنظيم القانونى العربى حالة مصر؛ توثيقًا وتسجيلاً لأوجه التمييز القانونى ضد النساء المصريات وإهدار مبدأ المواطنة الدستورى بالنسبة لهن، وكانت الكارثة الأكبر وسط كل النصوص التمييزية فى قوانين مختلفة ضد المرأة المصرية، هى منعها الواقعى من الجلوس على مقعد القضاء دون سَند تشريعى ولا دستورى، وقد أثبت فى بحثى وقتها أن العديد من الدول العربية والدول الإسلامية، بخلاف بقية دول العالم، سمحت ومنذ عقود بعيدة لنسائها بتولى منصب القضاء نيلاً وردًا على كل الحجج والتفاسير والآراء الفقهية التى كان يحاج علينا بها وقتما نسأل لماذا تخالفوا الدستورالمصرى وقوانين الهيئات القضائية وتمنعوا النساء من الاشتغال بالقضاء؟ وهو ما سجلته تفصيلاً فى ورقتى البحثية وقتها، وطالبت وقتها بتغيير ذلك الواقع المصرى الردىء الحزين الذى يخالف الدستور والقانون ويخالف اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التى وقّعت مصر وصدّقت عليها وصارت جزءًا من قوانينها واجب النفاذ والاحترام.

وحين ألقيت وقتها 1989 بحثى ضمن فاعليات مؤتمر المحامين العرب، اشتعلت القاعة بالمناقشة التى قادتها بعض قاضيات البلدان العربية الحاضرات بالمؤتمر من سوريا، الجزائر، تونس، الأردن واللاتى تساءلن بحزن ومرارة كيف تخلفت مصر عن رَكب التقدم والإنسانية وحجبت نساءها عن الاشتغال بالقضاء فى الوقت نفسه الذى سبقتها فيه دول عربية كثيرة وأثبتت فيها نساؤها جدارتهن وتفوقهن فى تلك الوظيفة، وقالت قاضيات سوريا بتباهٍ وفخر إنهن يعملن بالقضاء منذ عام 1953 وأن محامى عام دمشق التى تقود النيابة العامة - رجالاً ونساء - فى العاصمة السورية هى سيدة فاضلة وقيادة قضائية قوية صاحبة علم وخبرة، وقالت قاضيات الجزائر إنهن يعملن فى جميع أنواع المحاكم بما فيها القضاء الجنائى سواء فى الريف أو فى المدن، وقالت قاضيات تونس إن التحجج بالأعراف الاجتماعية وعدم قبول المجتمع لأحكام النساء القضائية أمر وهمى لا علاقة له بالواقع والحقيقة التى يعيشها المجتمع التونسى المتشابه فى ظروفه الاجتماعية والثقافية مع المجتمع المصرى. 

يومها أنهيت عرض ورقتى البحثية والمناقشة وخرجت من القاعة أكثر حزنًا وغضبًا بعدما استوقفتنى إحدى السوريات المشاركات فى المؤتمر وسألتنى بغضب وعدم تصديق: كيف قبلت وتقبل النساء المصريات هذا الاضطهاد والتمييز الدستورى؟! ولم أجد إجابة عليها إلا الحزن والصمت.

وعدت من دمشق 1989 أكثر تصميمًا على القتال فى هذه المعركة التى استمررت سنوات وعقودًا نخوضها أنا وعدد كبير من النساء المصريات فى محافل مصرية وعربية ودولية بأوراق ودراسات ومحاضرات، لا نبغى هدفًا شخصيًا ولا مكسبًا خاصًا؛ بل نستهدف منح الأجيال القادمة من المصريات الفرصة للعمل فى هذه الوظيفة العظيمة إثبات لكفاءتهن وقدراتهن مثلهن مثل النساء فى العالم كله وفى الكثير من البلدان العربية رفعًا وإلغاء للتمييز الواقعى والقانونى ضدهن، وطالت المعركة وكانت آخر حلقاتها المشاركة فى ورشة عمل فى القاهرة فى بدايات يناير 2011 قدمت فيها ورقة بحثية عن «المعوقات الواقعية لمنع اشتغال النساء بالقضاء» وشاركتنى المنصة وقتها نحارب معًا المنع الجائر والتمييز ضد المصريات، صديقتى القاضية الدستورية «تهانى الجبالى» والتى شغلت منصبها فى المحكمة الدستورية وقتها على سبيل الاستثناء من المنع العام لكل النساء.

لكن عام 2011 أتى بأحداثه ومؤامراته التى عاشتها مصر وعشناها جميعًا حتى تمكنت الفاشية الدينية وجماعتها الإرهابية من رئاسة مصر يونيو 2012، فتوارت كل القضايا ونسينا كل المعارك، وأصبحت القضية الأهم التى تشغل جميع الوطنيين فى مصر وأنا معهم - وفى مقدمتهم نساء مصر اللاتى أدركن المصير الأسْوَد الذى ينتظرهن لو أفلحت تلك الجماعة الإرهابية المعادية للنساء وحقوقهن ووجودهن الفاعل من حكم مصر- هو إنقاذ مصر الغالية، دولة الحضارة والتقدم، من التدمير والتخريب المستهدف والمخطط لها على يد تلك الجماعة الإرهابية وميليشياتها وإرهابييها ومكتب إرشادها وفتاواها وأفكارها المعادية للوطن وللشعب وللنساء وللتقدم والإنسانية، فدافع المصريون عن وطنهم بقلوبهم وأرواحهم وحناجرهم ومظاهراتهم الاحتجاجية الغاضبة وتمردهم، واستغاثوا بقواتهم المسلحة لحماية إراداتهم الشعبية الوطنية إنقاذًا لوطنهم، وكان عامًا طويلاً قضاه المصريون الوطنيون فى كل الشوارع والميادين يهتفون: «يسقط يسقط حكم المرشد» إدراكًا واضحًا منهم لعدوهم وعدو وطنهم الذين يحاربونه ويسعون لهزيمته وانتصارهم الحتمى، وكان عامًا طويلاً انتهى بانتصار المصريين رجالاً ونساءً فى ثورة الثلاثين من يونيو 2013 وتحرير وطننا وإنقاذه من الجماعة الإرهابية وفاشيتها وعدائها للمصريين وحضارتهم ووجودهم ودولتهم الوطنية وأمنهم القومى. 

وسرعان ما اختار المصريون بعد انتهاء العام الانتقالى ضمن خارطة الطريق فى بيان الثالث من يوليو 2013، اختاروا المشير «عبدالفتاح السيسى» عام 2014 رئيسًا لمصر؛ ليبدأوا بَعدها وتحت قيادته معارك الإنقاذ والبناء والوجود والانتصار ومحاربة الإرهاب واستعادة الدور العربى والإقليمى والإفريقى والمكانة الدولية، وتغيير الواقع الردىء الذى تجرّعوا سمّه سنوات طويلة سابقة وحل المشكلات المستعصية التى تراكمت على حياتهم أفسدتها ووصمت وطنهم بما لا يستحقه ولا يليق به ولا بهم. 

ليتجلى واضحًا أمام المصريين من لحظة تولى الرئيس «عبدالفتاح السيسى» حُكم مصر 2014، برنامجه الوطنى لحماية الوطن من الإرهاب والتخريب والمؤامرات والدفاع عن أمنه القومى وتغيير حياة الشعب وحال وطنهم لما يليق به ويستحقه، ويتجلى للمصريين يومًا عن يوم، ملامح وطن جديد طالما حلموا به وانتظروه طويلاً، وطن يستنهض روح حضارتهم المصرية العظيمة وتاريخها المجيد، يحب ويحترم كل أبنائه وبناته ويمنحهم فرصًا متماثلة متساوية فى الحقوق والواجبات ويشيع ثقافة قبول الآخر والتسامح والمواطنة دون تمييز دينى ولاعقائدى ولا فكرى ولا ثقافى ولا طبقى، وطن يسعى بمنتهى الجدية والمثابرة للحاق برَكب المستقبل رَكب التقدم والتطور وبتغيير حياة شعبه للأفضل ولما هو أكثر إنسانية على كل الجبهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية، وطن يغير الواقع المادى فى كل الملفات- اقتصاد، تعليم، صحة، إسكان، طرُق، تصنيع، تصدير، نقل تموين.. إلى آخره- بتصحيح كل الأخطاء القديمة المتراكمة الثقيلة التى عانى منها المصريون وأفسدت حياتهم عبر مشروعات قومية كبرى امتدت لكل خريطة مصر وكل محافظاتها ومدنها دون انحياز أو تفضيل، وعبر مبادرات رئاسية تسعى لتغيير حياة المصريين كمثل القضاء على فيروس سى، 100 مليون صحة، وصولاً لمبادرة حياة كريمة التى تسعى لتغيير وتحسين حياة قرابة 60 مليون مصرى.

ويمكن بسهولة ووضوح لأى مراقب للتجربة المصرية الجديدة، وللوطن الجديد، الذى رسمت ملامحه خلال السنوات السبع التى مرت منذ حكم الرئيس «السيسى»، أن مصر 30 يونيو مصر الجديدة بقيادة الرئيس «السيسى»، تسعى بخطوات تنفيذية عملية، بانحياز منصف وتقدير واضح؛ لمنح المرأة المصرية مكانتها العملية التى تليق بها وبعطائها وجهدها كأولوية مهمة من أولويات بناء مصر المستقبل الذى تؤمن القيادة السياسية بضرورة مشاركة النساء فيه بطريقة إيجابية فاعلة بفتح الأبواب المغلقة أمامهن ودعمهن وتمكينهن من تولى كل الأعمال والوظائف فى كل المجالات إثباتًا لكفاءتهن وقدراتهن ودعمًا للوطن بكل إمكانياتهن التى طال حجبها وحرمان الوطن من قوتها العملية طيلة سنوات وعقود سابقة.

يمكن بسهولة ووضوح رصد وتوثيق  إنجازات المرأة المصرية فى الجمهورية المصرية الجديدة، فما بين المشاركة بعدد كبير من الوزيرات فى الوزارات المتلاحقة، لشغل منصب المحافظ ونائب المحافظ، لتولى المناصب القيادية فى الجامعات والكليات والبنوك ومراكز البحث والشركات والأكاديمية الوطنية للتدريب، وما بين زيادة عدد النائبات فى المجالس النيابية المتلاحقة بغرفتيها لتصل لنسب غير مسبوقة منذ منح المرأة المصرية حق الانتخاب والتصويت عام 1956، وصولاً لتعيين النساء فى النيابة وقضاء مجلس الدولة الذى أوصى به الرئيس «السيسى» فى مارس 2021 ليبدأ تنفيذه عمليًا فى أكتوبر 2021، وهو الأمر الذى أشاد به نادى قضاة مصر وعبّر عن ذلك فى بيانه الصادر فى 3 يونيو2021 بقوله (فبدء تعيين المرأة فى النيابة العامة ومجلس الدولة يعد تفعيلًا لأحكام الدستور بتحقيق المساواة التامة بينهما فى تولى الوظائف العامة فى الدولة) وهى إشادة واحتفاء أشارك فيهما نادى قضاة مصر تفعيلاً لمبدأ المواطنة وإنهاء السياسات التمييزية والإقصائية ضد نساء مصر.

وإذا كانت النساء المصريات عبر سنوات طويلة قمن بأعمال كثيرة لمحاربة التمييز والإقصاء والاستبعاد ضدهن، وخضن معارك كثيرة واقعية وقانونية كثيرة لصالح المستقبل والأجيال القادمة، وكانت معركة الاشتغال بالقضاء واحدة من هذه المعارك؛ إلا أنه لا يمكن الاحتفاء بهذا الانتصار دون الانتباه البصير للإرادة السياسية للدولة المصرية الجديدة، مصر 30 يونيو، التى حسمت تلك المعركة الطويلة التى خاضتها المصريات عبر عقود طويلة سابقة بانحياز واضح لصالح الدستور والمواطنة ونساء مصر، نعم نحن نعيش زمنًا عظيمًا أخذت فيه القيادة السياسية على عاتقها منح النساء مكانتهن العملية والوظيفية التى يستحققنها بعملهن وجهدن وتفوقهن وانحازت فيه للنساء تصويبًا لموقف راسخ قديم معادٍ لمفهوم المواطنة ولقواعد الدستور ونصوص القانون وللتقدم والإنسانية عمومًا، نعم فلولا انحياز القيادة السياسية والرئيس «عبدالفتاح السيسى» لعظيمات مصر والإيمان بقدراتهن العملية والعلمية وفتح كل الأبواب أمامهن ورفع المعوقات الواقعية من طريقهن؛ لبقيت معركة الاشتغال بالقضاء كمعارك كثيرة طويلة لنساء مصر استنزفت طاقتهن وقدراتهن وبقيت مجرد معركة لا انتصار فيها رغم أحقيتنا فى الانتصار.

وقد حان الوقت الذى تحلم فيه وتسعى كل المتفوقات من طالبات كليات الحقوق وخريجاتها بالجلوس على منصة القضاء والتوشح بوشاح القضاء وإصدار الأحكام والقيام بكل الأعمال القضائية التى تؤهلهن قدراتهن وتفوقهن للقيام بها مثل زملائهن من طلاب وخريجى كليات الحقوق، حان هذا الوقت تنفيذًا لإرادة سياسية للدولة المصرية الجمهورية الجديدة التى انحاز فيها الرئيس «السيسى» لأحكام الدستور ومبدأ المواطنة ونساء مصر، وهو انحياز عادل منصف ستظل بنات ونساء مصر يذكرنه طويلا ويحتفين به ويقدرنه لآخر الزمان.

إنها ملامح وطن جديد نعيش فيه ونفخر بالانتماء له، وطن اسمه مصر فى ظل حُكم الرئيس «عبدالفتاح السيسى».