الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد أزمة «أسامة الأزهرى»: الإذن بالذِّكْر.. هل يعد بدعة صوفية؟

طالعتنا خلال الأيام القليلة الماضية سجالات متعددة حول موضوع الذِّكْر، وما أثير عقب تصريحات د.«أسامة الأزهرى»- المستشار الدينى لرئيس الجمهورية- بأن هناك ما يُعرَف باسم الإذْن بالذِّكْر، وتحديد أعداد مُعَينة لبعض الأذكار.. فعلى صفحته على الفيس بوك طلبت منه إحدى الفتيات إذنًا بالذِّكْر، فأجابها بالقبول، وطلب منها ذكر اسم الله «العزيز» بعدد «658» مرّة.



 

ما أن تناقلت مواقع التواصل الاجتماعى هذا الأمر حتى ظهرت تعليقات تعتبر هذا الأمر بدعة وضلالة صوفية ولا أصل لها فى السُّنة النبوية وخرافة صوفية، بينما دافع البعض عن الأمر، معتبرًا أن الأمر يدخل فى نطاق التعلم وحصول البركة عند الذِّكْر. 

ورُغم وجود فيديوهات سابقة أشهَرها لفضيلة د.«على جمعة» عضو هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدينية، يقول فيها: «يجوز الذِّكْر من دون إذن، إلا أن هناك شيئًا اسمه سلسلة البركة وهو ما يُعرَف بأخذ الإذن من الشيخ»، إلا أن مسألة  الذِّكْر بإذن وبعدد محدد أثار ضجة إعلامية ومجتمعية على أثرها ظهر د.«أسامة الأزهرى»، مستشار الرئيس للشئون الدينية؛ ليوضح أن الإذن بذكر الله لم يكن معناه التدخل بعلاقة الفرد بالله، وأن قضية الإذن فى الذِّكْر لا تعنى التسلط أو الكهنوت والتحكم من قبله، ولكنها فى الحقيقة هدية وتشرف بالخدمة لكل ما درسه حتى يهديه لمن يسأله ذلك، «الإذن بالذِّكْر معناه التشرف بالخدمة والدعاء».

وأكد أن الأدلة المتفق عليها عند العلماء هى القرآن والسُّنة والإجماع والقياس؛ حيث إن القرآن جاء بالقواعد الإجمالية التى إذا رُكبت معًا ولدت الفهم للجميع، وقال: «العلماء قالوا إن كتاب الله المستور وهو القرآن الكريم، وكتاب الله المنظور وهو الكون، وكتاب الله المأمور وهو الإنسان، والصحابة بدأوا فى ذكْر الله بالعدد بالرغم من أن ذلك غير موجود فى السُّنة النبوية؛ حيث إن سيدنا أبا هريرة كان يذكر الله فى اليوم بـ12 ألف تسبيحة».

وأوضح الأزهرى معنى الإذن فى الذِّكْر، قائلا «إنه طلب الدعاء بالتوفيق فيه، فكل من طلب الإذن فى الذِّكْر أدعو له بالتوفيق فيه وأرجو منه الدعاء أيضًا».

 هجوم سلفى 

التيار السلفى بطبيعته كان أول المعارضين لفكرة الإذن بالذِّكْر، لا سيما أنه يُنسب فى أصله للصوفية، وكعادتهم اعتبروها بدعة وضلالة؛ حيث يرون كل أمر لم يرد فى حديث أو نص بدعة وإن كان من الذِّكْر أو التعبد، فهاجم الداعية السلفى «مصطفى العدوى» قضية الإذن بالذِّكْر، واعتبرها ضلالة من الضلالات ظهرت فى هذه الآونة، وأظهرها المتصوفة.

كما هاجم «ياسر برهامى» نائب رئيس الدعوة السلفية فى الإسكندرية، قضية الإذن، مهاجمًا مشايخ التصوف الذين يقدمون البدع  والمُحدثات فى الدين. موضحًا أن المتصوفة  ليس لديهم سوى الحكايات والادّعاءات المجردة طلبًا للبركة وبحثا عن أسرار الحروف والأرقام وما شابه.

ولم يكن الهجوم على قضية الإذن فى الذِّكْر مرتبطا بالتيار السلفى فقط؛ بل ظهر د.«سعد الهلالى» أستاذ الفقه- فى حوار تليفزيونى- رافضًا فكرة الإذن بالذِّكْر المعروفة عند الصوفية، معتبرًا أنها نوع من الوساطة بين العبد وربّه.. بل إن الدكتور «الهلالى» حاول نسف فكرة الإذن بالذِّكْر عندما أكد أن تحديد عدد معين للذّكْر ليس من سُلطة أحد إلا النبى صلى الله عليه وسلم. 

الداعية د.«مظهر شاهين» انتقد كذلك فكرة الإذن بذكر الله من أى شخص، وقال: إنه أمر لا يعرفه الإسلام، ولم يرد فى القرآن ولا فى السُّنة، فالعبد لا يحتاج إلى واسطة كى يدعو الله تعالى وقد قال «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ»، والإذن لا يمكن أن يكون هدية لأن أحدًا لا يملكه حتى يهديه لغيره، ولا أحدًا يضمن لنفسه القبول كى يمنحه لغيره، وتحديد أعداد محددة للذّكر أمر لم يرد فى القرآن ولا فى السُّنة أيضًا، عدا ما ورد على لسان النبى- صلى الله عليه وسلم. 

أضاف إنه ليس هناك أحدٌ بعد حضرة النبى يوحَى إليه ولو كان من الصحابة الكرام، والمسائل فى العبادات توقيفية لا تخضع للتجربة،  والزيادة على ما فعله النبى وإلصاقه بالشرع أو الدين  اتهام له- صلى الله عليه وسلم- بكتمان ما فيه خير لأمّته، وحاشاه أن يتهم بذلك، وقد قال كما ورد فى كتاب الله العزيز «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»، وقال فى الحديث الشريف «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ»، أى مردود وغير مقبول.

 الحقيقة فى الذِّكْر 

وحول حقيقة التوجيه فى الذِّكْر يقول د.«مجدى عاشور» المستشار العلمى لمفتى الجمهورية وأحد كبار علماء الطريقة الصديقية الشاذلية: إن مفهوم الذِّكْر هو ذكر الله بأسمائه وصفاته تجعل الإنسان يعيش حالة مع الله، ولقد علمنا كيفية الذِّكْر، وجعل الذِّكْر مطلقًا لكل الناس لا يُستثنى أحد عن أحد، والذِّكْر المصطلح الوحيد الذى تبعه لفظ «كثيرًا» فى قوله تعالى: «اذكروا الله ذكرًا كثيرًا»، ولتحقيق الكثرة بحاجة لفهم، ومقيدة بعدد.

وأوضح أن الإذن بالذِّكْر له أساس، وإن بعض الأسماء والأذكار بحاجة لتوجيه وتعلم كصفات الجلال التى بها شِدّة مثل القهّار والمنتقم قد لا يتحملها الإنسان بطبيعته؛ حيث إن تجليات تلك الأسماء كبيرة، فهنا يأتى الشيخ ليعلم معنى تلك الأسماء وموضع ذكرها والمقام والحال التى يقال بها الاسم.

أضاف إنه لا يوجد فى القرآن والسُّنة ما يُعرف بالإذن فى الذِّكْر، ولكن هناك مجربات بعدد معين فى الذِّكْر كمَن يقول ذكر الله 100 مرة. موضحًا إن الإذن بالذِّكْر يقوم على أمور تجريبية، ولكن شرعًا الذِّكْر مطلق ومتاح لكل إنسان، فأخذ الإذن ليس أساسًا فى الذِّكْر.

ولفت إلى أن الإنسان يجوز له الذهاب لشيخ يدله على فضل ذكر الله، وهو ليس من قبيل السمع والطاعة العمياء التى نراها فى تيارات الفكر المتشدد بأن الحق معه دائمًا.

وشدد «عاشور» أن الذِّكْر من الأعمال الصالحة التى تصلح النفوس، وهو حضور بالقلب قبل الجسد. موضحًا إن قضية الأعداد فى الذِّكْر لا يعد تعارضًا مع قوله تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ»؛ حيث إن الآية تدل على قرب الله من دعاء العبد ولو بالقلب ولا تنفى عدد الأذكار.

 موقف مشايخ الصوفية 

وعن موقف الصوفية ومشايخها من قضية الإذن بالذِّكْر يكشف الشيخ «أحمد التسقيانى» شيخ الطريقة التسقيانية، أن مسألة الإذن ليس شرطا فى الذِّكْر، ولكن هناك ما يُعرَف بتعلم الذِّكْر، والالتزام به. مشددًا أن هذا لا يُعد إذنًا، وإنما تعليم، ومحاولة بمعاونة الناس على الطاعة وشغل الفراغ بالعبادة؛ حيث إن دور شيخ الطريقة هو التوجيه وليس الإذن كما يقول البعض.

وحول كيفية عمل الطريقة الصوفية فى توجيه التابعين لها أوضح «التسقيانى» فى كل محافظة نائب يحل محل الشيخ فى حلقات الذِّكْر وإعطاء العهد الذى يعنى الالتزام بطاعة الله تعالى، وترك المعاصى، ويبدأ بعدَها بالالتزام بالطاعات، وهو أمرٌ أشبه بالعون على التوبة والالتزام والقرب من الله.

ولفت إلى أن الصوفية لا تقوم ببدعة فى الدين كما يدعى البعض وإنما تسير على النهج النبوى ووسطية الإسلام فى إدخال الحب للطاعة فى القلوب من خلال ذكر الله، وهو ما يتميز به التصوف الصحيح.

واختتم قائلا: الأوراد فى الطرُق الصوفية لها سَند يرجع فى أصلها إلى ما ورد فى السُّنة الصحيحة عن سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن أى طريقة صوفية يتم اعتمادها تقدم أورادها وسَندها لمشيخة الطرُق الصوفية للتأكد منها وعلى أساسه يتم اعتماد الطريقة الصوفية. 

فيما يتحدث د.«عبدالحليم العزمى» المتحدث باسم الطريقة العزمية بصورة مفصلة عن مسألة الإذن بالذِّكْر قائلا: إن الذين استشكلوا الإذن فى الذِّكْر لم يفهموا أمرَيْنِ على وجههما الصحيح..الأول: معنى اﻹذن بالذِّكْر. والثانى: سر العدد..ففهموا أولًا أن معنى اﻹذن بالذِّكْر أن اﻹنسان لا يستطيع أن يذكر الله تعالى إلا إذا كان معه إذنٌ بذلك، وهذا فهمٌ غير صحيح مطلقًا؛ ﻷنهم لم يفهموا معنى اﻹذن بالذِّكْر عند أهل العلم.

أضاف إن معنى اﻹذن بالذِّكْر الإجازة فيه، ويمكن هنا أن نقيسه على اﻹجازة فى القرآن الكريم، فلم يقل أحدٌ من المسلمين قَطُّ إن اﻹجازة فى القرآن الكريم تعنى أنه لا يجوز ﻷحد أن يقرأ القرآن إلا بعد أن يأخذ اﻹجازة؛ بل كل مسلم من حقِّه أن يقرأ القرآن متى شاء ما دام على طهارة، لكن اﻹجازة فى القرآن تحقق لقارئ القرآن فضيلة أخرى، وهى أنه سيقرأ القرآن بصورة صحيحة كما قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما قرأه الصحابة والتابعون والعلماء من بعدهم إلى يومنا هذا.. وكذلك اﻹجازة فى القرآن تجعل صاحبها متصلًا بسَند نورانىّ حلقاته أهلُ العلم ورأسُهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واستطرد: «إن معنى اﻹذن فى الذِّكْر قريب من معنى اﻹجازة فى القرآن الكريم، فأنت عندما تأخذ اﻹذن فى الذِّكْر من أحد من أهل العلم تكون بذلك قد اتصلت بسند نورانىّ رأسُهُ الجناب النبوى المعظَّم صلى الله عليه وسلم، وهذا فى اﻷذكار الواردة عنه.. وتتحقق لك فضيلة بهذا اﻹذن ليست موجودة لمَنْ ليس عنده هذا اﻹذن، وهو أنك تعلم متى كان النبى صلى الله عليه وسلميذكر بهذا الذِّكْر، وكيف كان يذكر به، وكم مرّة كان يذكر به، وهكذا، فكل هذا يعلِّمك إياه الشيخ عندما يأذن لك بالذِّكْر.. وقد درج العلماء قديمًا وحتى اليوم على أخذ اﻹذن من الجيل الذى قبلهم فى ذكر الله تعالى، وهذا مشهورٌ ومعروفٌ عند طلاب العلمِ، وعندما يطالع اﻹنسان تراجُم العلماء يجد ذلك منثورًا فيها بصورة غزيرة.. وبهذا نفهم أن معنى اﻹذن بالذِّكْر ليس أبدًا أنه لا بُدّ على كل إنسان أن يأخذ إذنًا من شيخ حتى يذكر الله؛ بل يستحب لكل إنسان أن يكثر من الذِّكْر، سواء كان معه إذن أمْ لا، وأن مَن أخذ إذنًا يتحقق له فضيلة اتصال السَّند، ويتحقق له فضيلة العلم بأفضل الكيفيات للذكر وما هى السُّنة النبوية المشرفة فيه..

وحول قضية العدد فى الذِّكْر يوضح د. «عبدالحليم العزمى» إن هناكَ أذكارًا واردةً عن النبى صلى الله عليه وسلم هى التى يُتعبَّد الله تعالى بها، واشتملت عليها كتب اﻷذكار النبوية وأسفار السُّنة المشرفة.. لكن هناك نوعٌ آخر من اﻷذكار ذكره أهل العلم قديمًا ودرجوا على العمل به حتى اليوم، وهو ما عُرف باسم (المجرَّبات)، فعندما نظر أهل العلم فى الوحى الشريف، كتابًا وسُنَّةً، وجدوا أن الله تعالى قد فضَّل بعض اﻷسماء واﻷحرف، وأنه قد أمر بالذِّكْر بأعداد مخصوصة، فمثلًا أمر بالذِّكْر بعد الصلاة بـ(سبحان الله) 33 مرّةً، وأمر بالذِّكْر بـ (سبحان الله وبحمدِهِ) 100 مرّة، وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أنه يستغفر الله 70 مرّة، فوقفوا يتأمَّلون هذه اﻷعداد المخصوصة، ولماذا لم يكن الذِّكْر بغير عدد محدد، ويذكر كل إنسان بعد الصلاة قدرَ استطاعتِهِ؟ فوجدوا أن هذا التخصيص يدلُّ على أن الذِّكْر بهذا اللفظ هذا العدد من المرّات يتحقق به شىءٌ مُعَين لا يتحقق لو أنك ذكرت بعدد آخر.

أضاف: إن أهل العلم فهموا هذا الوحى الشريف، وبدأوا فى التفتيش حول أسرار الحروف وأسرار الأعداد، ومن هذا التفتيش ومحاولة الفهم العميق للوحى الشريف وﻷسرار الله فى الكون بدأوا فى الذِّكْر بالمجرباتِ..فمثلًا: اسم الله (اللطيف)، حاولوا أن يفهموا سر هذا الاسم الشريف فوجدوا أن مجموع أعدادِهِ بحساب الجُمَّل هو 129، فجرَّبوا أن يذكروا  الله تعالى بهذا الاسم 129 مرّة فوجدوا أن الله تعالى يلطف بالعبد فعلًا، وجرّبوه كثيرًا فوجدوا ذلك يتحقق للعبد إذا كان على يقين وصلة بالله تعالى، فبدأوا ينصحون به ويعطون اﻹذن فيه.. وهكذا قلْ فى المجربات، ولا أستطيع أن أطيل فى شرح ذلك ﻷنه علم كبير وفيه مؤلفات طويلة، وليس اﻷمر جديدًا ولا غريبًا، 

وقال مختتمًا: إن الذِّكْر من حيث الإذن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أذكار فيها إذن عام كالتى جاءت بها السُّنة والتى اشتهر عن المشائخ أنهم أعطوا فيها إذنًا عامّا، وأذكار فيها إذن لكن من أخذها بلا إذن لا تضره وقد تنفعه لكن نفعها ليس كالذى أذن فيها كأوراد الطرُق، وأذكار لا تؤخذ إلا بإذن كأذكار الأسماء الحسنى وأعداد الآيات..القليل منها لا يضر والإكثار منها قد يهلك؛ لأن لها أنوارًا قوية قد لا يتحملها الذاكر.. فالإذن هو عبارة عن تحصين من الشيخ.. التكلم عن الإذن من ناحية التأثير على الروح وليس من ناحية الأجر، وإلا فكل ذكر فيه أجر.