الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

يتجاوز عمرها الـ160 عامًا وتحتوى على تحف نادرة وأجساد قديسين: كنيسة سانت كاترين.. أسرار «كنز الإسكندرية»

تعرف الإسكندرية طوال تاريخها بقدرتها على استيعاب الثقافات المختلفة، من كل بلاد العالم، وهو ما بقيت مبانيها ومعمارها شاهدًا عليه، وكأن كل مبنى سطر من حكاية وطراز دولة مختلفة، لتشكل جميعها حكاية الإسكندرية وحدها. وكان للجالية الإيطالية التى عاشت لفترة طويلة فى الإسكندرية تأثير كبير، وهو ما انعكس بشكل واضح على المبانى المعمارية، إذ تعد كاتدرائية سانت كاترين بالمنشية أبرزها حيث يتجاوز عمرها الـ160 عامًا، كما تحتوى على تماثيل وأيقونات نادرة.



 

عبر السطور التالية نذهب فى جولة إلى كاتدرائية القديسة سانت كاترين بالإسكندرية، إحدى أهم التحف المعمارية الموجودة بمدينة الإسكندرية، حيث المساحة الشاسعة وتحظى من الداخل بكم كبير ومبهر من الهياكل والتماثيل المجسمة لعدد من القديسين، بالإضافة لعدد كبير من اللوحات النادرة والنقوش والرسومات. 

أكد لويس لبيب أمير، راعى كنيسة سانت كاترين الكنيسة اللاتينية الفرنسيسكانية، لـ«روزاليوسف» أن كنيسة سانت كاترين أو «الراعية اللاتينية» كما يسميها ملحق بها دير، موضحا: «تم بناؤها على ثلاث مراحل فى عهد محمد على باشا، ثم تم بناء الواجهة بعد الحرب العالمية الثانية لأن الجالية الإيطالية كانت موجودة فى الإسكندرية بكثرة، لذلك محمد على باشا أعطاهم الأرض بمساحة شاسعة حيث كانت تصل إلى البحر ثم بدأت مساحة الأرض تقل بعد الحرب العالمية الثانية».

تحمل الكنسية اسم القديسة الشهيرة سانت كاترين التى ولدت من 1800 سنة وكانت معلمة لاهوت، كما توجد لها أيقونة كبيرة فى الفناء الرئيسى للكنيسة.

أجساد مقدسة

لا تقتصر أهمية الكنيسة على ما بها من مقتنيات وأيقونات فقط، إذ دفن بها أجساد الكثير من القديسين، يقول الأب لويس: (إيطاليا أهدتنا من 221 عامًا جسد القديسة «سابينا» الشهيدة «الجسد الذخيرة» وكلمة ذخيرة تعنى الأشياء المقدسة، بالإضافة لـ«جسد سلسبيل» فى صندوق من زجاج داخل حجرة على يمين مدخل الكنيسة نائمة مرتدية كامل ملابسها، وهى قديسة تعرضت للاضطهاد والقتل بسبب اعتناقها المسيحية).

وأيضا من أشهر المدفونين بالكنيسة الملك فيكتور عمانويل وهو آخر ملوك إيطاليا ولم يدفنوه بإيطاليا بسبب رفضه ضرب الإسكندرية؛ لذلك دفن هنا.. ولكن الآن إيطاليا اعتبرته رجل سلام لذلك طلبوا أخذ رفاته من هنا لدفنها بجانب زوجته، وتم نقل رفاته منذ حوالى 7 أشهر بحضور السفير الإيطالى والسفير الأمريكى واثنين متخصصين للتأكد من أنه المدفون بالكنيسة، بحسب ما يقول الأب لويس، مشيرًا إلى أن ذلك هو سبب تسمية ميدان سموحة الشهير بالإسكندرية بميدان فيكتور عمانويل. 

دفن أيضًا بالكنيسة بطريرك «فرا جنيف لسيونى» الذى كان بطريركًا على الإسكندرية وبورسعيد ودمياط والسويس ووجه بحرى ويوجد بطاركة ومطارنة مدفونين كما يوجد قساوسة، ويتجاوز عدد القديسين والبطاركة المدفونين بالكنيسة الــ13 قديسًا.

شفيع الأشياء الضائعة 

من ضمن الهياكل والتماثيل الموجودة فى الكنيسة، تمثال القديس «أنطونيوس شفيع الأشياء الضائعة»، ويقول عنه الأب لويس: «من يضيع منه شىء يطلب منه عودته ليعيده إليه.. وهو كان عالم لاهوت ويدرس للطلاب وتم سرقة أوراقه التى كان يجمعها لعمل كتاب.. وطلب من طلابه الدعاء بأن من سرق الأوراق يعيدها مرة أخرى ولكن الطلاب سخروا منه كيف من يسرق يعيد ما سرقه ولكنه ظل يدعو الله والله استجاب فجاء اللص وأحضر له الأورق».

الفرنسيسكان فى مصر

وعن أصل وجود الفرنسيسكان فى مصر، يقول الأب لويس: «نحن الفرنسيسكان موجودون بمصر منذ حوالى 820 سنة وقد جاء هنا منذ القدم القديس فرنسيس مؤسس الرهبنة الخاصة بنا وتلك هى لوحته وهو يقابل الملك الكامل الأيوبى على حدود دمياط لأن القديس فرنسيس كان قد أتى من فينسيا والتى كانت تسمى البندقية، جاء بمراكب ونزل بمنطقة دمياط وتقابل مع صلاح الدين ودخلوا أول حوار كبير فى العالم وكان الصلح بين الإسلام والمسيحية وبالفعل توقفت الحروب الصليبية لسنتين وتعتبر الفرنسيسكان هم حراس الأراضى المقدسة.. أى لا نملك الكنيسة أو الأراضى المقدسة ولكن نؤتمن عليها».

ويوضح: «يوجد لوحة قديمة تعبر عن أول حوار حدث بين مسيحى ومسلم فى عصر صلاح الدين الأيوبى رسمت بالزيت وهى كما سبق.. تعبر عن مقابلة القديس فرنسيس منذ حوالى 900 سنة مع الملك صلاح الدين».

أكبر أورج فى مصر 

من أبرز مقتنيات الكنيسة وجود أكبر «أورج» فى مصر، به 3600 زمارة ومساحته 6 أمتار، ويقول الأب لويس: «به موتور ويوجد واحد مثله بالقاهرة بمسرح سيد درويش وأنا من أقوم بإصلاحه حين يتعطل لأنى درست فى إيطاليا إصلاح الأورج 8 سنوات».

مقتنيات فنية

يوجد بالكنيسة لوحتان بهما أجزاء صغيرة من الفضة، حيث كان يأتى الزوار بتلك القطع الفضية كهدية للقسيس، وتم جمعها بعد ذلك فى لوحة وتعليقها كنوع من التبرك.

أصل الحكاية 

أكدت دكتورة شهد البياع، أستاذة التاريخ والمتخصصة فى الكنائس بمنطقة المنشية، أن «القديسة كاترين تُعتبر من الشخصيات التى تتناول الكنائس المسيحية بأغلبية مذاهبها قصتها، وتعتبرها من أبطال تاريخ الديانة المسيحية، وهى ذات أصل سكندرى ولدت بالقرن الثالث الميلادى من عائلة عريقة، وقد هيأ لها والدها كل سبل الفلسفة والعلم والتربية إلى جانب ما قد حظيت به من جمال وغني، وكان اسمها قبل أن تعتنق المسيحية ذوروثيا، كان والدها قد توفى وهى فى الخامسة عشر من عمرها».

وتابعت: «يقال: إن والدتها اعتنقت المسيحية قبلها، فتعمدت ودعيت كاترينا بمعنى: الإكليل أو الكثيرة الأكاليل.. وقد رفضت فى ذلك الوقت أن تعتنق المسيحية وظلت على وثنيتها، إلى أن حدثها أحد النساك عن السيد المسيح وكيف أنه الوحيد الذى يكون أهلا لها، فاشتاقت إلى معرفته وهامت به وأثناء حركة الاضطهاد التى شنتها الإمبراطورية الرومانية ضد المسيحيين، تصدت كاترين إلى حاكم الإسكندرية والإمبراطور ورفضت الانصياع إليه ودعته إلى نبذ ضلال الوثنية والكف عن اقتراب المزيد من الجرائم فى حق النساء».

القديسة والإمبراطور

أعجب الإمبراطور بثقافة كاترين العالية، رغم صغر سنها فدعا إلى مناقشتها نخبة من العلماء؛ لعلها تنكر دينها وترضخ لأوامره، وقد دارت المناقشات حامية بينها وبين علماء الوثنية، فاستطاعت أن تسخف من كل آرائهم وتقودهم واحدًا تلو الآخر إلى الإقرار بضلال الوثنية والاعتراف بالمسيح، ما جعل الإمبراطور يأمر بحرق جميع هؤلاء العلماء.

كما أمر بأن تجلد القديسة كاترين وتحبس فى أكثر السجون تعذيبًا وتنكيلًا، ولما أصرت على موقفها أمر بأن تعذب بواسطة العجلات التى قد غرزت بدوائرها الخارجية مسامير تنهش لحم جسد القديسة كاترين، غير أنها لم تصب بأذى حتى الحرق.

 وصل نبأ شجاعة كاترين إلى زوجة الإمبراطور مكسيموس «الإمبراطورة فاوستينا» فعقدت العزم على زيارتها فى السجن ولم تخرج منه إلا وهى معتنقة المسيحية حيث استطاعت كاترين أن تؤثر عليها بحديثها عن السيد المسيح.

وأمام الإصرار الشديد من جانب كاترين بالإيمان بالمسيحية ورفضها التراجع عنها، أمر الإمبراطور مكسيموس بقطع رقبتها وفصل رأسها عن جسدها فنالت إكليل الشهادة في25نوفمبرعام307م، وكان مصير زوجة الإمبراطور هو نفس مصير القديسة كاترين.

نقل جسد القديسة إلى جبل سيناء حيث اكتشفه الرهبان بعد خمسة قرون، ومنذ ذلك الوقت يسمى الدير هناك باسمها، ومن هنا، يمكننا إدراك مدى أهمية هذه القديسة فى تاريخ الديانة المسيحية، كما يتضح سبب رسم العجلة دائمًا فى أى من الأعمال التى تصورها كرمز خاص بها، أما الكتاب الذى يظهر معها فيأتى دلالة على علمها وثقافتها، وغصن الزعف دلالة على الاستشهاد فى سبيل الدين.

 كنز الإسكندرية

توضح أستاذة التاريخ أن «الكنيسة تعد من أهم التحف المعمارية الموجودة بمدينة الإسكندرية، وربما يكون ذلك لأنها أقدمهن عمرًا، ففى عام (1834م) تم وضع حجر الأساس للكنيسة بعد أن صرح محمد على باشا بإقامتها على الأرض الموجودة عليها حاليًا، وكان ذلك بعد عدة محاولات للرهبان الفرنسيسكان الذين حضروا إلى مصر منذ عام (1219م)، والكنيسة الحالية شيدت على أنقاض كنيستين، الأقدم: وهى صغيرة الحجم شيدت عام 1636م، وكانت مقرًا للراهبات الفرنسيسكان، والثانية: أقيمت عام 1834م على أنقاض الكنيسة القديمة ولكن حجم مساحتها كان أكبر؛ إذ قام محمـد على بمنح الرهبــان الفرنسيسكان مســاحة أكبر من الأرض».

وتضيف البياع: «المبنى تصدع لعيـوب فى البناء فانهار.. وفى عــام 1842م تم بناء كنيسة جديدة تجمع بين مجموعة من الطرز المعمارية والفنية المختلفة التى قام بعمل تصميماتها المهندس الإيطالى الراهب سيرافينود اباتشينو وقد تم تدشينها وافتتاحها يوم 25 نوفمبر(1850م) وقام المهندس الإيطالى ماريو افيتا على أعمال الترميم 1920م».