الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

القرآن.. وقضايا المرأة "6" (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا): زواج القاصرات.. «البيدوفيليا» الحلال!

يعتقد أعداء الإسلام أن النبى محمد عليه الصلاة والسلام كان يهوى النساء لدرجة أنه جمع بين عدد كبير من الزوجات، منهن صغيرة السن وهى السيدة عائشة، كما يعتقد بعض المسلمين أن الزواج من الطفلة القاصر هو من الاقتداء بأفعال النبى عليه الصلاة والسلام.



 

وعلمياً يعتبر اشتهاء الأطفال جنسياً مرضاً فى الطب النفسى يسمى «البيدوفيليا»، ويتم عند البعض من خلال اغتصاب الرجال لفتيات قاصرات فى سن الطفولة تحت مسمى الزواج.

والذين أجازوا الزواج من البنات القاصرات يستندون لروايات تنسب للنبى عليه الصلاة والسلام زواجه بالسيدة عائشة وهى طفلة فى التاسعة من عمرها، وهى روايات لا يمكن الاعتماد على الأعمار أو التواريخ التى جاءت بها، فالعرب لم يكن عندهم وقتها توثيق للمواليد ولا للزواج.

والتأريخ به الكثير من المبالغات، حيث بدأ التاريخ شفهياً فى مجالس قصص يتداولها الناس تعتمد على الغريب والعجيب لإبهار المستمعين، وبمرور الزمن من عصر الصحابة إلى عصر الأمويين والتابعين تكاثرت الروايات وتناقضت، ثم جاء العصر العباسى بالتدوين لكل ما يقال.

سن السيدة خديجة

فمثلاً عن سن السيدة خديجة عندما تزوجها النبى عليه الصلاة والسلام، لم يكن هناك تسجيل للمواليد فى مكة حتى نعرف تاريخ ميلاد الطفلة خديجة بنت خويلد، ولذلك اختلفت الروايات فى تحديد عمرها عندما تزوجت النبى عليه الصلاة والسلام.

قال ابن هشام فى «السيرة»: «فلما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خمساً وعشرين سنةً تزوج خديجة بنت خويلد»، ولم يذكر هنا سن السيدة خديجة، وقال ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» أنها كانت فى الأربعين حين تزوجها النبى: «عن أبى حبيبة مولى الزبير قال سمعت حكيم بن حزام يقول تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وهى ابنة أربعين سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس وعشرين سنة».

ثم يذكر ابن سعد أن عمرها كان 28 سنة حين تزوجها النبى: «عن ابن عباس قال كانت خديجة يوم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة ثمان وعشرين سنة»، ثم ينفى هذا الخبر ويقول إنها كانت فى الأربعين: «قال محمد بن عمر ونحن نقول ومن عندنا من أهل العلم إن خديجة ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة وإنها كانت يوم تزوجها رسول الله بنت أربعين سنة». 

سن السيدة عائشة

ومن الروايات الخاصة بسن اثنتين من أمهات المؤمنين هما السيدتان خديجة وعائشة، نجد الروايات تقول إن النبى عليه الصلاة والسلام حينما كان فى الـ 25 من عمره تزوج بمن تكبره بـ 15 سنة، وحينما أصبح فى الـ 53 من عمره تزوج بمن تصغره بــ 44 سنة.

فالروايات اختلفت فى سن أم المؤمنين السيدة خديجة عند زواجها بالنبى عليه الصلاة والسلام وأن عمرها كان بين 28 و40 سنة، ومع أنه توجد روايات للبيهقى والنيسابورى تدل على أنها كانت فى أواخر العشرينيات، إلا أن المفسرين أخذوا بروايات أوائل الأربعينيات.

أما عن زواج النبى عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة فتقول هى فى رواية منسوبة لها تسمى بالأرجوحة: «تزوجنى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة  فنزلنا فى بنى الحارث بن خزرج،‏ فأتتنى أمى ‏أم رومان وإنى لفى أرجوحة ومعى صواحب لى فصرخت بى فأتيتها لا أدرى ما تريد بى، فأخذت بيدى حتى أوقفتنى على باب الدار وإنى لأنهج حتى سكن بعض نفسى، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهى ورأسى ثم أدخلتنى الدار فإذا نسوة من الأنصار ‏فى البيت فقلن على الخير والبركة، فأسلمتنى إليهن فأصلحن من شأنى، فلم يرعنى إلا رسول الله  صلى الله عليه وسلم ‏ضحى فأسلمتنى إليه وأنا يومئذٍ بنت تسع سنين».

ونجد فى بعض الروايات أن أم المؤمنين السيدة عائشة كانت مخطوبة لمطعم بن عدى، قبل أن يخطبها النبى عليه الصلاة والسلام، وأنها ولدت قبل بدء الرسالة فى مكة بعام واحد، وتزوجت بعد عامين من الهجرة، أى كان عمرها 16 سنة حين تزوجها النبى عليه الصلاة والسلام.

وفى روايات أخرى نجد أن أخت السيدة عائشة وهى السيدة أسماء كان عمرها عند الهجرة 27 عاماً، حيث توفيت السيدة أسماء فى عام 73 هجرياً عن عمر يقارب 100 عام، وكانت السيدة عائشة أصغر منها بـ 10 سنوات، أى أن عمر السيدة عائشة عند الهجرة كان 17 عاماً، وتزوجها النبى عليه الصلاة والسلام وعمرها 19 عاماً.

وعموماً لم يتم تحديد سنوات الميلاد للمسلمين الأوائل إلا بعد وفاتهم استناداً إلى الرواية الشفهية، والتى تحدد تاريخ ميلاد شخص معين بعد أن يكون معروفاً ومطلوب الكتابة عنه، ولذلك فتاريخ ميلاد السيدة عائشة قد كتبه من لم يرها، بل عاش بعد موتها بعشرات السنين. 

 

شروط الزواج قرآنياً

ويرى البعض أن البنات فى ذلك العصر كن يبلغن فى سن ست سنين، مع أنه جاء فى حديث للنبى عليه الصلاة والسلام: «مُروا أولادكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا، وفرقوا بينهم فى المضاجع»، فالتفريق فى المضاجع يدل على بداية سن البلوغ، ويكون بعد سن 10 سنوات الذى يضربون فيه على ترك الصلاة، ولذلك حدد تعالى الفترة التى يخرج فيها الإنسان من الطفولة بالبلوغ: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) النور 59، فوجوب الاستئذان دلالة على وصول الأطفال لمرحلة البلوغ والإدراك.

وفى قوله تعالى: (وَاللَّائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..) الطلاق 4، فالمطلقة جعل تعالى عدتها ثلاثة أشهر حتى يتم التأكد من عدم وجود حمل، أما قوله تعالى: (وَالَّلائِى لَمْ يَحِضْنَ)، فسره البعض خطأ على أن عدم الحيض مقصود به الفتيات الصغيرات غير البالغات مرحلة الحيض، مع أن الخطاب فى الآية عن المطلقات من النساء وليس عن الفتيات الصغيرات، فالآيات التى تتحدث عن الزواج والطلاق تذكر النساء ولا تذكر الفتيات أو الأطفال.

والآية تتكلم عن النساء اللاتى فقدن الأمل فى نزول الحيض حسب معرفتهن أو بسبب مرض، أما قوله تعالى: (وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ)، فهو خاص ببعض النساء اللاتى تجاوز عمرهن الفترة الزمنية المعروفة للحيض ولم يحضن بعد هذه الفترة، ولا يعنى الطفلة التى لم يبلغ عمرها فترة الحيض، ولو كانت الطفلة هى المقصودة لجاءت الصياغة مختلفة للعبارة مثل «واللائى لم يبلغن النكاح»، بما يشابه عبارة (بَلَغُواْ النِّكَاحَ)، فالصغيرات اللاتى لم يحضن هن لم يبلغن النكاح ولا زواج لهن.

فالروايات مختلفة ولا يمكن الاعتماد عليها، فى الوقت الذى يوجهنا فيه تعالى إلى شرطين للزواج هما البلوغ وسن الرشد: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا..) النساء6 ، الآية تدل على وجود سن معينة لبلوغ النكاح، ولا تبلغ الفتاة سن الرشد والزواج فى سن الـ6 أو الـ 9 سنوات، ولو كان الزواج جائزًا فى أى سن ما جاءت هذه العبارة (حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ).

فمن شروط الزواج أن يصل كل طرف إلى سن معينة، وفى تلك السن يكون قد بلغ النكاح ويجوز عقد الزواج له، أما قبل ذلك فلا يجوز، كما أنه تعالى يخاطب أزواج النبى عليه الصلاة والسلام: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ) الأحزاب 32، فالخطاب موجه لنساء راشدات تجاوزن سن الطفولة.

وعن العقود قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ..) المائدة1، وعقد الزواج من العقود ومن شروطه الإيجاب والقبول، أى أن الزوجين يمتلكان الوعى والإدراك ببلوغهما سن الرشد للموافقة على الزواج والإقرار بمضمون العقد، فالعقد يلزم المتعاقدين بتنفيذ ما التزما به، ولذلك يجب أخذ موافقة المرأة فى عقد الزواج، أما الطفلة القاصر التى لم تبلغ سن النكاح، فلا يجوز الزواج منها لأنها ناقصة الأهلية فهى لم تبلغ ولم تصبح راشدة.

ولذلك فالزعم بأنه يجوز العقد على الطفلة التى لم تحض ولم تصل إلى فترة البلوغ والرشد هو ضد أحكام كتاب الله تعالى، ومثل هذه الروايات يستخدمه أعداء الإسلام فى الإساءة للنبى عليه الصلاة والسلام كمقدمة للإساءة للقرآن الكريم، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) الأحزاب 53، ولذلك ينهانا تعالى عن توجيه أى أذى لرسول الله لا فى حياته، ولا بعد مماته. 

وتختلف الروايات عن القصص القرآنى الذى قال عنه تعالى: (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ..) آل عمران62 ، فالقصص القرآنى تحدث عن أحداث عاصرت نزول الوحى فتم تسجيل الحدث مجرداً من الزمان والمكان والأشخاص ليكون موعظة وعبرة للناس فى كل زمان ومكان.

مع الوضع فى الاعتبار أن القصص القرآنى حق مطلق لأنه كلام الله تعالى، أما الحق فى الروايات التاريخية فهو نسبى لأنه كلام البشر، ولذلك فالقصص القرآنى يصحح لنا أخطاء الروايات التاريخية.