السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
صلاح حافظ.. مدرسة الصحافة والمبادئ

صلاح حافظ.. مدرسة الصحافة والمبادئ

عشت عصر الكاتب الكبير الأستاذ «صلاح حافظ» مايسترو الصحافة المصرية عبر تاريخها، واقتربت منه أكثر عندما وافق على إجراء أطول حوار صحفى معه تحمَّس له ونشره الأستاذ لويس جريس على صفحات «صباح الخير» فى عدة حلقات شتاء سنة 1984.. وهى نفس الحلقات التى صدرت فى كتابى «ذكريات صلاح حافظ : الصحافة السلطان .. الغضب» سنة 1991.



وشاءت المصادفات أن يتولى «صلاح حافظ» رئاسة تحرير «صباح الخير» أثناء سفر أو غياب الأستاذ «لويس جريس»، وكنت وقتها أقوم بمهام سكرتير التحرير .. 

 

وشاءت الصدفة الجميلة أيضا أن يطلب منى المهندس عبدالصادق الشوربجي.. عندما كان يرأس مؤسسة روزاليوسف إعداد كتاب عنه يصدر فى سلسلة تراث روزاليوسف الذى كان صاحب فكرتها، وصدر بالفعل كتاب «صلاح حافظ مايسترو الصحافة : مقالات ومعارك لها تاريخ» سنة 2014..

لكن الحكايات والذكريات عن «صلاح حافظ» لا تنتهى ولا تتوقف أبدًا.

«لا تكاد توجد صحيفة فى مصر لم أعمل بها بعض الوقت، ولا يكاد يوجد فن من فنون الكتابة لم أعالجه، وارتباطى بالصحافة كان ارتباطا مهنيًّا ..».

هكذا كانت رؤية «صلاح حافظ»، ورغم إيمانه بالفكر الماركسى فإنه كان يترك أفكاره الماركسية على باب أى صحيفة أو مجلة يعمل بها، وينحاز للمهنة وأصولها سواء كانت من خصومه سياسيًا وفكريًا أو من ينتمون لمنهجه السياسى .. 

كسب «صلاح حافظ» احترام وتقدير ومحبة أبناء المهنة حتى خصومه السياسيين، قال عنه الأستاذ «مصطفى أمين»:«صلاح حافظ صحفى من الطراز الأول وقلم رشيق أمين هاجم وما جرح أحدًا وحارب وأحب أعداءه وأحبه هؤلاء الخصوم . كان محدثا ممتعًا وما جلسنا إلا وكان الضحك ثالثتنا وكان صديقا مخلصا».

ويعترف الأستاذ أنيس منصور : «صلاح حافظ من أحب وألطف المفكرين فى مصر، تختلف معه ولكن تبقى محبا له، صلاح حافظ المفكر الشيوعى المهذب، الفنان المضىء العقل، الجميل الروح».

أما الكاتب الكبير الأستاذ «موسى صبرى» فقد خاض أكثر من معركة مع «صلاح حافظ» ولعل أشهرها موقف كل منهما من أحداث 18 و19 يناير سنة 1977 التى كتبت عنها «روزاليوسف» قائلة: الحكومة أشعلت الحريق والسادات أطفأه.. وهاجم موسى صبرى فى الأخبار «صلاح حافظ» الذى رد فى «روزاليوسف» بمقال «موسى صبرى وأنا.. مدرسة قنابل الدخان والغاز المسيل للدموع»، ويرد موسى صبرى بمقال «عقدة الذنب عند صلاح حافظ»، ويرد «صلاح» على «موسى» بمقال «قبل أن تجمعنا زنزانة واحدة»!!

وطوال هذه الحملة الساخنة كثيرًا ما كان موسى صبرى يمتدح صلاح حافظ، ويعترف: «لم يؤثر كل ذلك فى الصداقة الطويلة التى ربطتنى بصلاح حافظ».

وفيما بعد وعند نشر أولى حلقات ذكريات صلاح حافظ فى «صباح الخير» وكان عنوانها «للسادات قتلة آخرون» وكان من بينهم على حد قوله «صديقى الحميم جدا الأستاذ «موسى صبرى»، وأنا أعرفه جيدا وهو صديقى جدا ومن مشاكله الدائمة كما وصفه زميلى «مفيد فوزى» المقاتل «إنه رجل مندفع جدا وإذا آمن بشىء فإنه يبالغ فيه أكثر من صاحب الشىء نفسه وفى التزامه بالدفاع عن سياسة السادات شارك فى إقناع السادات بأن مواقفه صائبة ويهاجم كل خصوم السادات». 

وفى الحال أرسل موسى صبرى ردا على ما قاله صلاح حافظ فند فيه كل ما قاله .

لكن الملفت للانتباه أنه بدأ رده بهذه السطور : «فى حوار بين الزميل رشاد كامل وصديقى الحميم جدا «صلاح حافظ» امتدحنى الصديق الحميم جدا، ووضع على رأسى هالات فخار عديدة أعتقد مخلصًا أننى لا أستحقها .. لأننى أومن أن عملى هو واجبى وواجبى هو أن أقول كلمة الحقيقة أو ما أعتقده أنه الحقيقة، وعندما امتد هذا الحوار الممتع إلى النقد انتهى المطاف بصلاح حافظ إلى اتهام رقيق جدا لى وهو أننى دفعت بالزعيم الراحل أنور السادات إلى أن تصيبه رصاصة الاغتيال.. نعم ما أرق هذا الاتهام».

وفى نفس الرد ذكر الأستاذ «موسى صبرى» الذى وصف صلاح بقوله: أشكر لصديقى الماركسى الوطنى صلاح حافظ ولعله يتذكر الاجتماع الذى دعا إليه الرئيس السادات أكثر من أربعين صحفيا فى استراحة القناطر وأعلن فيه اختياره للأستاذ إبراهيم نافع رئيسًا لتحرير الأهرام والأستاذ إبراهيم سعدة رئيسًا لأخبار اليوم والأستاذ عبدالعزيز خميس رئيسًا لتحرير «روزاليوسف»، ولعل «صلاح حافظ» يتذكر الحوار الذى جرى بينه وبين السادات وعلى أثره عدَّل السادات عن اختياره رئيسا لتحرير روزاليوسف، ولعل صلاح حافظ يتذكر تدخلى فى الحوار أكثر من ثلاث مرات مؤيدًا وجهة نظر صلاح حافظ.. حتى ضج السادات منّى وقال لى مستنكرًا: هو أنت حتعرَّفنى من هو صلاح حافظ .. أنا عارف أنه وطنى».

ومن أهم المعارك التى خاضها الأستاذ «صلاح حافظ» كانت معركة سياسية مع أبناء روزاليوسف ونجومها وكتابها السياسيين، لكن منطق صلاح حافظ انتصر!

كان ذلك فى شتاء سنة 1975 عندما تلقت روزاليوسف مقالاً طويلاً بعض الشىء كتبه أستاذ الفلسفة د. فؤاد زكريا يناقش فيه علاقة جمال عبدالناصر باليسار المصرى ويصدر أحكاما قاسية عليه وعلى اليسار معًا. 

وباقى القصة يرويها الأستاذ صلاح حافظ قائلاً: كان الجو العام جو محاكمة لجمال عبدالناصر وكتب تظهر هنا وهناك تدينه بطريقة أو بأخرى وتنفد نسخها من السوق بمجرد أن تظهر ثم شيئا فشيئا تجاوزت الحملة حدود التضليل ودخلت مرحلة القذارة وأصبح يشترك فيها قوادون فى حملة ضارية ضد عبدالناصر!

وكان طبيعيًا أن يعترض الكتاب السياسيون فى روزاليوسف على نشر بحث الدكتور زكريا وأن يقرروا بالإجماع تأجيله حتى تنتهى حملة التشهير المبتذلة ضد عبدالناصر حتى لا يستفيد منه قادة هذه الحملة وقوادها . وتأجل نشر البحث لعدة أسابيع، ولكن الحملة كانت تزداد عنفا كل يوم وتزداد انحطاطا وهبوطًا واستهانة بعقول الناس وتخريبا لها .

وهنا قررت روزاليوسف ربما لأول مرة أن تتجاهل رأى كتابها وتتصرف عكس نصيحتهم وتنشر البحث الذى أجمعوا على عدم نشره، وبمجرد نشر الحلقة الأولى من البحث انصرف الرأى العام عن متابعة بضاعتهم المبتذلة إلى متابعة المناقشة الموضوعية الراقية فى روزاليوسف .. وحرصت روزاليوسف على أن تتلو بحث الدكتور زكريا ردود عليه تتمتع بنفس المستوى من الجدية والموضوعية، وكان كُتاب السياسة فى روزاليوسف بالطبع أسبق الجميع؛ لكن كتابا من خارج روزاليوسف بدأوا يقتحمون الميدان وتراكمت الردود والبحوث والمقالات». وهكذا صدر كتاب «عبدالناصر واليسار المصرى، د. فؤاد زكريا والرد عليه فى سلسلة الكتاب الذهبى بفضل منطق ورؤية صلاح حافظ.. وملخصها ببساطة : 

«قل ببساطة ما تشعر به تشارك – دون قصد – فى دفع عجلة التاريخ!! لا يهم موقعك من هذه العجلة، لا يهم مستوى القضية التى أنت مشغول بها .. لا يهم أن تكون زعيمًا أو رئيس تحرير، أو أديبًا، أو مجرد ريشة تصحح أخطاء الآخرين، يكفى أن تؤدى مهمتك بإخلاص وحماس وأن تعبر فيها عما فى ضميرك دون زيف لكى يكون لك دور فى صياغة المستقبل، لا تشغل نفسك بالتاريخ، قل ما تؤمن به، وعبر عما فى داخلك.. تشارك دون أن تدرى فى صنع التاريخ» 

كان الأستاذ «لويس جريس» رئيس تحرير صباح الخير شديد الحفاوة بكل ما كان يكتبه صلاح حافظ على صفحات المجلة وخاصة سلسلة مقالاته «دبرنا يا وزير» ويقول «إن صلاح حافظ.. مدرسة صحفية قائمة بذاتها، لم يسبقه إليها أحد لأنه مزيج من العلم والأدب والفن والموقف يصل إلى القارئ فى أسلوب رشيق بعذوبة ورقة والفكرة اللماحة الذكية والبسيطة».. 

 وفى كل الأعداد الخاصة التى أصدرها عن النجوم «حسن فؤاد» و«جمال كامل» وعبدالرحمن الشرقاوى وصلاح جاهين، كان الأستاذ لويس يصطحبنا – أنا والزميل فوزى الهوارى المشرف الفنى – إلى بيت صلاح حافظ، ونضع المادة الصحفية أمامه ليتولى تبويبها مع وضع لمساته سواء بكتابة مقدمة هنا أو عنوان هناك .. وأمام دهشتى – أنا وفوزى – كان يقول لنا صلاح حافظ أشطر وأمهر منى فكيف لا أجعله رئيسًا للتحرير من جديد!!  وفى آخر مرة قمنا بزيارته لإعداد العدد، وبعد أن فرغنا منه ضحك صلاح حافظ وقال: إيه رأيك يا لويس نعمل عددين خاصين عنك وعنى، ولما نموت فى أى وقت تبقى الأعداد جاهزة للنشر!!

وانخرط الاثنان فى نوبة ضحك أعقبتها نوبة بكاء وسط دهشتنا البالغة.

وما أكثر الذكريات عن مايسترو الصحافة ولقد أسعدنى كثيرا عندما طلبت منه أن يكتب لى إهداء بخط يده على نسخة كتابه «ذكريات صلاح حافظ» فكتب يقول: «أخى العزيز رشاد: «أهديتك هذه الذكريات شفويًا.. يسعدنى أن أهديك إياها تحريريا.. مع شكرك على أنك وفرت علىَّ جهد الكتابة وكتبتها أكثر شبابا مما كنت سأفعل.. مع حبى.. صلاح حافظ»   ولا تزال مدرسة صلاح حافظ تعلمنا وتلهمنا دروس الصحافة والحياة .