الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
دعاة السوشيال ميديا.. أمير منير.. شبح الدعوة "الحلقة الثانية"

دعاة السوشيال ميديا.. أمير منير.. شبح الدعوة "الحلقة الثانية"

لا يعنى وصف «أمير منير» بـ(شبح الدعوة) أن لديه قوّة روحية غامضة، ولا أنه ينتمى لعالم اللا مرئيات، هو (شبَح) وفْقَ لغة مستخدمى الفيس بوك، والشرائح التى يخاطبها فى فيديوهاته القصيرة، إنه وصف يرتبط بالاعتداد بالنفس، وبإظهار القوّة، والقدرة على إيذاء الآخرين أحيانًا.. هكذا يرى «أمير منير» ما هو عليه، وما يجب أن يكون عليه المسلمون من جمهوره، وهو يشرح فكرته فى حوار أجراه على شبكة الإنترنت مع زميل له هو «حازم صديق» قائلًا: (فى ناس تقولك المسلم لازم يبقى متواضع.. لا، لا، أنا جامد جدّا.. أنا زى خالد بن الوليد..(هشُقّك بالسّيف نُصّين)، ما الذى استدعى نموذج «خالد بن الوليد» القائد العسكرى فى ظروف تاريخية مُعّيّنة لحوار اثنين من دعاة الفيس بوك؟!.. ربّما قلة الثقافة..عدم فهم السّياق التاريخى والحضارى.. الرغبة فى تصدير نموذج (المسلم الشبَح) ليُرضى لدَى المراهقين تلك النوازع العُدوانية وما يرتبط بها من رغبة فى الشجار مع الآخرين وإثبات الذات.. وعلى من تعود عبارة الداعية (أنا خالد بن الوليد) (هشُقّك بالسّيف نُصّين).. هل هو يخاطب الآخرين فى العالم؟.. المختلفين دينيّا فى الوطن؟ المسلمين الذين ليسوا من أتباعه..؟، والأهم؛ ما الفائدة التى يمكن أن تعود على مصر كوطن عندما يُصدر أمير منير لجمهور المراهقين أن (الشّق) بالسيف هو الذى يجعلك مُسلمًا جيدًا؟



 

ريشة: عماد عبدالمقصود
ريشة: عماد عبدالمقصود

 

هل هذا كل ما يقوله أمير منير؟، فى الحقيقة لا.. إنه فَيض من غَيض، وقَطرة من بَحر، وحَبّة رمل من صحراء.. ونموذج على سبيل المثال لا على سبيل الحَصر.

من يكون- إذن- أمير منير؟.. يمكن القول إنه «ميسّى» الفريق بالنسبة للجيل الثالث من الدعاة الجُدُد، هو اللاعب الأبرَز، هو مؤسِّسُ ظاهرة دُعاة السوشيال ميديا، إنه الأكثر وَعيًا بما يفعل، وتخطيطًا له، إنه ليس شابّا مُتدينًا قرّر أن يسجل فيديوهات على السوشيال ميديا فلاقَى رواجًا ونجاحًا من حيث لا يَحتسب.. لا؛ إنه رُغْمَ عمره الصغير نسبيّا (35) داعية سَلفى تقليدى..قرّر أن يُطور أدواته، وأن يُحدّث لغته، وأن يستخدم عاميّة الشارع، أو العاميّة الجارحة حتى يصل إلى ما يريد.. هو أيضًا ذو طابع كوميدى مثل الشيخ «كشك»، وموقفه النفسى والفكرى يميل إلى الهجوم على مخالفيه، وتسفيه آرائهم، وفى هذا ما يعجب الشباب فى السّنّ الصغيرة؛ حيث الفورة النفسية والجسدية، والمَيل إلى الاشتباك مع الواقع ومع المخالفين، سواء كانوا أشخاصًا أمْ أفكارًا.

ما يرويه أمير منير عن قصة التزامه، يتكرّر فى روايات كل دعاة السوشيال ميديا، الرواية هنا بخصوص ما يسمونه هم (بداية الالتزام).. لحظة التحوُّل من شاب عادى..(عادةً ما يكون فاسدًا.. وتُقدّم حياته باعتبارها حياة جاهلية).. ثم تحدث لحظة التنوير.. بطريقة ذاتية.. فردية.. لا دَور فيها للجماعات.. هذه رواية تبدو مناسبة تمامًا لوضع مصر بعد يونيو 2013، وهى تختلف عن رواية الجيل الأول من الدعاة الجُدُد؛ حيث نشأوا كلهم أو أغلبيتهم فى كنَف جماعة الإخوان المسلمين، ثم أطلقتهم الجماعة على المجتمع فى صورة دُعاة.. إلخ. لم تَعُد هذه الصيغة تَصلح بعد 30 يونيو، لذلك حلت مَحلها صيغة الإيمان الفردى.. الذى يصيب شخصًا ما فيحوّله من شاب عادى، أو فاسد أحيانًا إلى داعية.. هكذا يروى أمير منير كيف تحوَّل فى الثالثة والعشرين من عمره، وأصبح ملتزمًا دينيّا، وكيف أدرَك منذ اللحظة الأولى أنه يريد أن يصبح داعية فانطلق يحضر دروس الدعاة السّلفيين، ثم ساعده إطلاق القنوات السّلفية فى الفضاء المصرى عام 2009 على مزيد من التحصيل، وتجهيز نفسه لدَور الداعية.. من الوارد جدّا أن يكون قد انضم لجماعة سَلفية هنا أو هناك.. ومن الوارد أن هذا لم يحدث.. لكنه فى هذه النسخة يقدّم نفسَه كمُتدين فردى لم ينتمِ لجماعة بعينها.. لحظة النجاح لم تأتِ بمجرد احتراف الدعوة.. على العكس.. قبل النجاح كان هناك فشل، النجاحُ جاء مع قرار التخلى عن اللغة التقليدية، عن الوقار اللازم للحديث فى شئون الدين، عن اللغة التى تليق بالحديث عمّا هو مُقدّس.. والدخول إلى عالم (التريند).. كان التريند وقتها أغنية لمطرب شعبى اسمه «سعيد الهوا».. يغنى أغنية يقول فيها (عملت واحد أمبليه) سَخر الشباب من الأغنية، لكن أمير منير قرّر أن يركب التريند..صاغ درسًا دينيّا عنوانه «سعيد الهوا» وعُرف بعدها باسم الشيخ «أمبليه».. بَعدها شاعت عبارة للمستشار مرتضى منصور يقول فيها: (أقسم بالله أجيبك بَلبوص).. فصاغ أمير منير درسًا دينيّا مستوحَى من العبارة.. وكيف يكون الإنسانُ (بلبوصًا) يوم القيامة.

ولكن.. هل درَسَ أمير منير الفقه أو الشريعة.. الإجابة بكل تأكيد لا.. هو صيدلى فشل فى إدارة صيدلية خاصة فأغلقها وتفرّغ للدروس الخصوصية، لكنه لم ينجح أيضًا فقرر أن يكون داعية.. وهل الداعية وظيفة؟ بالنسبة لفقهاء وعلماء كبار مثل ابن حنبل..لا.. لا توجد وظيفة تسمى داعية أو حتى عالم دين.. إن الدين بالنسبة لهؤلاء رسالة وليس مهنة أو وسيلة لكسب الرزق.. هذا الفهم ظل ممتدًا حتى لداعية متطرف مثل عبدالحميد كشك.. كان «كشك» متطرفًا بالفعل.. لكنه كان يترفّع عن الكسب المادى من دعوته.. كان يرفض أن يحصل على عائد لتوزيع خُطبه الساخرة التى وزّعت مئات الآلاف من النسخ.. بالنسبة لـ أمير منير الدين مهنة.. ووسيلة لكسب الرزق.. وهو يختم الفيديوهات التى يقدمها بدعوة المُشاهدين أن يتبرعوا له على موقع (باترن)، وهو موقع إلكترونى مخصَّص لجمع التبرعات بوسائل الدفع الإلكترونية، وهو فضلًا عن هذا يطلب من مشاهديه أن يقوموا بواجب اللايك والشير التى تعنى مزيدًا من الانتشار للدروس القصيرة ومن ثم مزيدًا من العوائد.

لقد تحوَّل الدينُ على يد الدعاة الجُدُد وأمير منير آخرهم من (رسالة) إلى (سلعة)، إن هذا هو ما يؤمن به، إذْ يقول لمحاوره إن الدين بالنسبة له هو (برودكت) أو منتج.. ينطقها بالإنجليزية، أمّا هو فـ (ماركتير).. وترجمتها مندوب مبيعات.. وكما نعرف جميعًا فإن أى مندوب مبيعات يحصل على نسبة من الأرباح أو من ثمَن السلعة.

لدَى أمير منير سنرى أيضًا هذا المَلمح الواضح، الذى يتكرر بين الدعاة الجُدُد لدرجة الاستنساخ.. وهو خَلط الدين بمناهج التنمية البشرية التى وُلدت فى حضن الكنائس الأمريكية بالأساس.. وهو يقول إنه تلقى دورات فى التدريب فى الجامعة الأمريكية ودورات أخرى لتقديم الاستشارات الأسرية وتربية الأبناء.. فى هذه الدورات يبيع أمير منير اسمَه كداعية دينى.. فإذا لم يثق الناس فى داعية شهير ليتلقوا على يديه مبادئ التنمية البشرية ففى من يثقون؟

من الأشكال المبتكرة (موجودة منذ الجيل الأول من الدعاة).. إلقاء محاضرة دينية على الجمهور مقابل مبلغ مالى؛ حيث يتم تأجير قاعة حفلات أو محاضرات، وطبع تذاكر، وبيعها للجمهور مقابل درس دينى من نجمه المفضل.. لكن هذا ليس كل شىء.. ففى بودكاست يظهر فيه أمير منير كضيف ويقدمه داعية إعلامى سَلفى آخر هو حازم صديق، يعلن «حازم» أن البرنامج برعاية إحدى شركات السياحة الدينية، ويعلن للجمهور أن الشركة التى ترعى برنامجه هى الوحيدة التى تراعى السُّنة النبوية فى مَناسك الحج والعمرة..ثم يعلن أن ضيفه الداعية سيكون المرشد الدينى لرحلة الحج والعمرة التى تنظمها الشركة المعلنة.. يمسك الداعية بزمام الكلام ويعلن للمذيع وللجمهور  أن (البوينت)- ينطقها بالإنجليزية- أو النقطة الفاصلة التى حسمت موافقته على التعاون مع الشركة الراعية له وللبرنامج هو التزامها بالسُّنة! بل إنها الشركة الوحيدة التى تلتزم بالسُّنة من بين شركات السياحة الدينية! وهكذا يبيع الداعية لجمهوره ليس فقط فريضة الحج.. ولكن سُنة الحج أيضًا.. وكما هو معروف فكل شىء بحساب.

لفت نظرى أيضًا أن الشركة الراعية للداعية تنظم رحلات لمكانَين اثنين وفق الإعلان الذى يقدمه المذيع، أولهما هو الأراضى المقدسة، وثانيهما هو استنبول وجميع المُدن التركية مع خصومات مغرية..السَّفر إلى تركيا ليس ممنوعًا بكل تأكيد..لكن يبقى الأمرُ ذا دلالة فى سياق ما نتحدث عنه.

يسأله المذيع عمّا يقدمه وفكرة أن يجعل الدين تابعًا للتريند وأن (ينزل) به إلى مستوى منخفض.. ويخبره أنه مختلف معه فى هذا..يشرح أمير منير وجهة نظره، وهى كلها تدور حول فكرة (الغاية تبرر الوسيلة) و(إللى تكسب به العب به).. وهو يصارح محاوره بأنه هو نفسه يكره ما يفعل وأنه (متضايق منه)، ولكنه يقدم أعذاره لابتذال الدين.. فالناس لم تعد تسمع.. ولا بُدَّ من بذل مجهود غير طبيعى حتى يسمع الناس.. ولو أن الفيديو الذى يحتوى الدرس طويل فإن الناس لا تسمعه.. لذلك فكر مثل (الماركتيرز)..أو مندوبى المبيعات.. ويشرح.. أنا (عاوز أوصل للناس) فلو همّا بيحبوا الكورة أجيلك من الكورة.. بيحبوا أغنية أجيلك من الأغنية..اتعلقت بموقف مُعَين أجيلك منه.. ثم يشرح خطته ببساطة.. عندما يبدأون فى التعلق بالشخصية التى تقدّم الدين (يقصد نفسه).. هنا يبدأ (التويست).. أو التحوُّل.. تقدر تتحوّل..تقدّم إللى أنت عاوزه.. تلاقينى فى الفترة الأخيرة عملت فيديوهات طويلة زى الحجاب.. واتخليت عن فكرة التريند).

يسأله المذيع عن فكرة أن الدين غالٍ وأنه (سلعة) الله الغالية وأنه يحتار هل يجب أن يرتفع الناس للدين أمْ أن الدين هو الذى يجب ينزل لهم؟.. يجيب أمير بأن الدين (سلعة)، وأنه هو الذى يبيع هذه السلعة، ولو شعَر الناس بابتذال فيما يقدّم فإنه يكون هو (المبتذل) وليس الدين.. هل سمعنا من قبل عن بائع مبتذل لبضاعة راقية.. فى الحقيقة لا.. فالبائع يدل على السلعة التى يبيعها ويسمها بطابعه..لم نسمع من قبل عن بائع مبتذل لسلعة راقية..ثم من قال إن الدين سلعة أساسًا؟! 

(فى الحلقة التالية..

«ابن باز يرتدى البولو»)