الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

محمد هشام عبية يكتب: الغول.. تلك الصرخة المكتومة تحت أقدام الشر

فى الأغلب فإن كثيرين قد قرأوا عن قانون ساكسونيا، لكن وحده «وحيد حامد» الذى استطاع أن يحول نص قانون جرى تطبيقه فى العصور الوسطى ويتم فيه التمييز فى أحكام القانون وفقًا لثراء أو فقر المتهم، إلى واحد من أجرأ أفلام السينما المصرية وأكثرها إمتاعًا رغم مرور ما يقرب من ثلاثين عامًا على عرضه (بخناقة رقابية) لأول مرة.



اختيار فيلم واحد لـ«وحيد حامد» للكتابة عنه مسألة شديدة الصعوبة، مع بعض التفكير، اكتشفت أن جزءًا كبيرًا من تكوينى السينمائى، وذاكرتى الفنية مصنوعة بيد «وحيد». بشكل تلقائى تنساب جمله الحوارية على لسانى حينما أريد الاستشهاد بعبارة موحية قوية ذات دلالة، أتذكر أبطاله ومصائرهم العالقة فى بعض الأحيان، أو التى تعود إلى نقطة البدء كما كانت بعد محاولة للانعتاق، فأجد نفسى واحدًا بينهم، لكن تبقى شخصية الصحفى «عادل عيسى»، فى فيلم (الغول) 1983، واحدة من شخصيات عوالم «وحيد حامد» الأكثر أثرًا فى نفسى، حتى إنى لا أستبعد أن هذه الشخصية فى هذا الفيلم تحديدًا كانت- برفقة شخصية الصحفى الذى جسد دوره الفنان «عبدالعزيز مخيون» فى مسلسل (أنا وانت وبابا فى المشمش)- أحد أهم دوافعى لأن أصبح صحفيًا يومًا ما، كيف لا و«عادل عيسى» فى (tالغول) لا يقاوم الظلم والفساد والنفوذ ويسعى لإحضارهم جبريًا أمام سطوة القانون فحسب، وإنما حينما يجد يد العدالة مغلولة، يجد نفسه مضطرًا لأن يطبقها بيده، حتى وإن فتح ذلك الباب لألف سؤال ومخاوف لا تنغلق أبوابها.

يبدأ «عادل» أحداث الفيلم وينهيها، وهو مطلق اللحية، غير مهندم، يبتسم بشكل عصبى، لكنه يبدو واثقًا مما جرى، فيما قبل البداية، ولأنه صحفى مشاغب، جرى نقله من القسم السياسى للجريدة التى يعمل فيها إلى مجلة فنية، خسر زواجه، وظفر بابنته الوحيدة التى يراها بضع دقائق كل أسبوع. فى النهاية وقبيل ساعات من حسم «عادل» لأمر العدالة المنقوصة وفق ما يرى، عادت لحيته غير المهذبة للظهور، استحوذ عليه الاضطراب مجددًا، لكنه وبين هذا وذاك، عندما كان يسعى ويحقق ويقاتل من أجل إثبات أن ابن رجل الأعمال ذائع القوة والنفوذ «فهمى الكاشف» هو الذى يقف وراء مقتل متعهد حفلات، وحاول اغتصاب راقصة، تدفقت الحياة إلى عروقه، لقد استعاد شغفه وحماسه، بحث وخطط ونفذ عملية لتهريب الراقصة المحتجزة لتشهد على الجانى، وكأن رسالة ذلك الفيلم الشجاع لا تتعلق فقط بنقد العدالة مغلولة اليد أمام ذوى النفوذ فى كثير من الأحيان، وإنما فى أن الإنسان يستعيد ذاته حينما يجد نفسه على طريق الانتصار للمستضعفين فى الأرض، وحينما يواجه الغيلان بصدر مفتوح، وبيقين من أنه قادر على هزيمتهم، ولو بعد حين.

فى مشهد لافت فى الدقائق الأخيرة من الفيلم، يرسل رجل الأعمال مجموعة من البلطجية لتأديب الصحفى المشاكس، «يستفردون» به فى شارع مظلم وينهالون عليه ركلاً وضربًا حتى يكاد يموت بين أيديهم، المدهش أن عادل رغم كل هذا العنف الساحق الذى يتلقاه منفردًا، لم يصدر آه واحدة، سالت الدماء على وجهه واعوجت ملامحه، ولم يمنح أعداءه نشوة سماعهم لصوته متوجعًا، لعل الرسالة هنا كانت شديدة الوضوح، بينما اختار «وحيد حامد» أن ينهى فيلمه المدهش الآخر (النوم فى العسل) بـ(آه) جماعية أمام مقر البرلمان، وهكذا بين آه مكتومة تحت أقدام النفوذ والفساد والشر، وآه صارخة غاضبة أمام أصحاب القرار الذين تهاونوا فى واجباتهم وتخلوا عن المسئولية، يتجلى عالم «وحيد حامد»، ويتجلى السر وراء بقاء فنه طازجًا ملهمًا راسخًا مهمًا مر الزمن.