الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الأبعاد السياسية والإعلامية لما جري في البرلمان الأوروبي

كيف لا نؤيد الحق في الخراب

الأبعاد السياسية والإعلامية لما جري في البرلمان الأوروبي

«لكل فِعل رد فِعل.. مساوٍ له فى المقدار مُضاد له فى الاتجاه».. هذه هى قوانين الطبيعة التي ترفضها دوائر فى الإعلام العالمى، وهى ترصُد الانتفاضة المصرية ضد قرار البرلمان الأوروبى وبنوده الـ 19، الذي اتخذ من «حادث جنائى» مُتمَثل فى مَقتل الإيطالى «ريجينى» مَدخلًا لأچندة سياسية معطلة، اعتبر البرلمان الأوروبى أن التغيرات العالمية التي جرت وأهمّها انتخاب «جوبايدن» ليخلف «دونالد ترامب» فى البيت الأبيض تُشكل لحظة سياسية مواتية لإعادة تفعيل تلك الأچندة، ومعها يستعيد البرلمانُ الأوروبى قدرًا من حضوره المفقود منذ سنوات.



 

ردودُ الفعل المصرية؛ بل والعربية أيضًا، كانت قوية مُعَبّرة عن حقيقة تجاوُز البرلمان الأوروبى، الذي سعى لتنصيب نفسه وصيّا على مصر، متجاوزًا كل الحدود.. جاءت انتفاضة الغضب السياسية واسعة من الأحزاب والبرلمان والإعلام وتفاعَل معها الرأى العام على مواقع التواصل الاجتماعى.. هذه الردودُ حاولت بعضُ الدوائر الإعلامية الدولية إفراغَها من ثقلها ومصداقيتها بأنها تعكس حالة «الولاء» للنظام الحاكم فى مصر.. وهى الصيغة التي يحاولون دومًا أن يُنعَت بها كل صاحب رأى أو موقف مختلف مع أچندتهم السياسية لتخويفه وإرهابه وفض المتابعين من حوله، أمّا إذا كنت تتفق مع أچندتهم السياسية تجاه بلدك فأنت من وجهة نظرهم صاحب رأى حُر ويخلقون لك مصداقية ولو زائفة وتنهال عليك الألقاب ومعها قطاع من الأتباع من أصحاب نفس الهوَى، والأمر لا يمنع من جائزة دولية تخلق البرستيج المطلوب وتكون غطاءً لتمويل صاحبها بآلاف الدولارات.. وتتبدّل الآية ويصبح العهر شرفًا والدعارة فضيلة.. وتكون نتيجة إرهابهم هى تحويل الدفاع عن هذا البلد وسيادته وكرامته إلى اتهام، وفى المقابل وبالتعوُّد تصبح العمالة والتبعية والتمويل أمرًا اعتياديّا مقبولاً شعبيّا وتصبح الخيانة وجهة نظر!

 

إن المسألة ليست هتافًا على الورق.. أو مظاهرة صحفية.. ولكنها مسألة مبدأ فى الأساس.. وقبل كل شىء محصلة تجربة عِشنا تفاصيلها وتَعلمنا درسَها ودفع العربُ ثمنَها من حياتهم واستقرارهم وهويتهم ومستقبلهم، وكادت مصرُ أن تنزلق إلى نفس المصير البائس لولا رحمة الله ولطفه وثورة الشعب المصري فى 30 يونيو، التي كانت تستجدى استعادة الدولة الوطنية قبل كل شىء.

 

هذا التغيير فى المفاهيم بدأ يجد طريقَه إلى المنطقة العربية تحت نفس العنوان البَرّاق (حقوق الإنسان)، خلال العَقدين الماضيَين.. ظهر جيل وأكثر من النشطاء المرتبطين بالغرب تنظيمًا وتمويلًا وتبعية.. وتم تجميل التبعية؛ بل والعمالة من قِبَل الإعلام العالمى؛ لتصبح أمرًا شعبيّا مقبولًا، ثم ماذا جرى؟

 

أين حقوقُ الإنسان فى العراق التي تم التبشيرُ بها قَبل الاحتلال الأمريكى؟ أين حقوقُ الإنسان فى اليمن، التي كرمت من أجلها «توكل كرمان» وأصبحت شخصية عالمية؟ أين سوريا نفسها؟ وهل جلبت صواريخ الناتو فى عملية «فجر الأدويسا» حقوقَ الإنسان فى ليبيا؟.. هذا ليس تاريخًا يُذكر، ولكنه وشْمٌ على جبين العرب وهم ينظرون إلى الدول الوطنية تسقط الواحدة تلو الأخرى بعد شرائهم الوَهْم.. ولا أوطان حفظت ولا حقوق إنسان تحققت، وفى بعض الدول لم يَعُد هناك إنسانٌ؛ بل مُشَرّد أو لاجئ أو مفقود أو مقتول.. وهذا هو ثمَن التفريط فى الدولة الوطنية. 

 

حقوق الإنسان غاية نبيلة، وهى أساس عمل الحكومات والدول، ولكن بمفهومها الحقيقى والشامل، أمّا استخدامها كستار لأچندات سياسية فقد أضَرّ بها كثيرًا وشَوّه نُبل رسالتها.. فضلًا عن ذلك هى مسألة عالمية؛ بل هى جزءٌ من النظام العالمى وأصبح لها مجلسٌ دولى ٌّيتبع الأمم المتحدة فى چنيف، وهو المعنى بعمل المراجعة الدورية للدول، وتقوم مصرُ بالتعاون مع المجلس منذ تأسيسه وتقدّم ما لديها كل عام.

 

ولهذا تكون مسألة حالة حقوق الإنسان جزءًا مُهمّا من بيان مصر أمام العالم الذي يليقه الرئيس «عبدالفتاح السيسي» فى سبتمبر من كل عام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك.. وفى 22 سبتمبر الماضى، وفى كلمته أمام الدورة 75 للجمعية العامّة للأمم المتحدة؛ حدّدَ الرئيسُ السيسي بواقعية حقيقة وواقع ملف حقوق الإنسان فى مصر بمفهومها الشامل والحقيقى، وقال نَصّا:

 

«وفيما يتعلق بالمحور الثالث لعمل الأمم المتحدة، تحظى الأچندة الدولية لحقوق الإنسان بأهمية متزايدة لما لها من تأثير مباشر على تعزيز بناء الإنسان وتحسين مستوى الخدمات المقدَّمَة له، والحفاظ على حقوقه ضمانًا لتمتّعه بحياة كريمة وللتعامُل مع التحديات التي تواجهه على جميع المستويات، وهو ما يعضد فى الوقت نفسه استقرار المنظومة الدولية.

 

فلقد شرعنا فى تعزيز مسيرتنا فى مجال حقوق الإنسان على كل الأصعدة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية؛ إيمانًا منّا بضرورة التكامُل بينها فى ظل ما تضمّنه الدستور المصري وتعديلاته من مواد تضمَن الحقوق والحريات وحقوق الأجيال القادمة وتنشئ مجلس الشيوخ ودوره فى دعم النظام الديمقراطى، وتكفل للمرأة تمثيلًا مناسبًا فى المجالس النيابية؛ حيث يخصص للمرأة ما لا يقل عن ربع عدد المقاعد بمجلس النواب، فضلًا عن تنظيم عمل مؤسّسات الدولة وأجهزتها، والفصل بين السُّلطات وتكريس مبدأ تداوُل السُّلطة.

 

كما تعددت أوجُه العمل على تعزيز المواطنة وتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص دون تمييز لأى سبب، إلى جانب جهود تمكين المرأة المصرية ومكافحة مَظاهر العنف ضدها بجميع أشكاله، والدعوة لتجديد الخطاب الدينى وتأكيد حرية العقيدة واضطلاع الدولة ببناء دور العبادة دون تفرقة، فضلًا عن تمكين ذوى الاحتياجات الخاصة والاستثمار فى الشباب، لاسيما من خلال إدماجهم فى عملية صُنع القرار وإقامة حوارات مباشرة معهم من خلال منتديات الشباب الدورية وتنفيذ مبادرات تدريب وتأهيل الشباب للمشاركة الفعالة فى العمل العام.

 

أمّا على الصعيد الاقتصادى واتساقًا مع المنظور الشامل لرؤية «مصر 2030»؛ فالحق أنه لولا الدعم الذي أولاه شعبُ مصر إلى مؤسَّسات الدولة لما كان ممكنًا اجتياز المراحل الصعبة والمضنية لبرنامج الإصلاح الهيكلى، الذي كان لنجاحه إسهامٌ كبيرٌ فى تحصين الاقتصاد وتحجيم خسائره جرّاء جائحة فيروس «كورونا»، كما أننا من بين عدد قليل من الدول التي استطاعت تحقيق مُعَدّلات إيجابية للنمو، رُغم الجائحة، بالإضافة إلى السيطرة على مُعَدّلات التضخم وتراجُع البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ عشـرين عامـًا، فضلًا عن إقامة المشروعات القومية الكبرى فى مجالات البنية الأساسية وتوفير المسكن اللائق والطاقة، إلى جانب صياغة برامج اجتماعية تستهدف مَن هم أقل دخلًا لتوفير الحماية اللازمة لهم، وتخفيف آثار الإصلاحات عليهم، وكذا التركيز على أولوية الرعاية الصحية باعتبارها حقّا رئيسيّا من خلال تبنّى العديد من المبادرات والبدء فى تنفيذ مَراحل برنامج التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين المصريين، وهى كلها الجهود التي تُعَد إسهامًا مباشرًا لصَون حق المواطن فى عَيش كريم.

 

ولا يفوتنى هنا أن أشير إلى أننا، وفى خضم كل ما سبق ودون متاجَرة أو ابتزاز؛ لم نقصر أبدًا فى أداء واجبنا الإنسانى إزاء نحو ستة ملايين مهاجر ولاجئ ممن اضطروا لمغادرة بلادهم بسبب الحروب والأزمات السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة وتستضيفهم مصر حاليًا على أرضها وبين شعبها؛ حيث يتمتعون بجميع الخدمات التي تقدّمها الدولة للمصريين دون ما أى عَون أو دعم يعتد به من شركائنا الدوليين، رُغم الأهمية التي يُعَلقونها على حقوق هؤلاء المهاجرين».

 

بيان الرئيس أمام الأمم المتحدة والواقع المصري

 

هذا الجزءُ المقتبسُ من كلمة الرئيس «عبدالفتاح السيسي» أمامَ الدورة 75 من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة تمثل البيانَ الواقعى والشامل لحقوق الإنسان فى مصر.. وهنا علينا أن نسجل عددًا من النقاط:

أولًا: تولى الرئيس «عبدالفتاح السيسي» المسؤولية وأهم حقوق الإنسان وهو الحق فى الحياة (مُهَدَّد).

ثانيا: واجهت مصر الإرهابَ بمفردها وتلاعب الغرب بالمفاهيم والمصطلحات لإفراغ حربها على التطرف من مضمونها، وفى هذا الإطار ننشر ملفّا شاملًا داخل هذا العدد، أعده الباحث والكاتب «إيهاب عمر» حول التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية وتشابكه مع المصالح الدولية.

ثالثًا: خرجت مصر من تحت وطأة حُكم جماعة إرهابية كان فيه يحرم على المسلم أن يُعَيّد على المسيحى، وهو ما أعاد مفهوم المواطنة إلى نقطة تحت الصفر.. وفى هذا الإطار تقدّم الزميلة الصحفية «وفاء وصفى» تحقيقًا شاملًا عن ما تحقق للمواطنة فى مصر وحق الإنسان المصري فى حرية الاعتقاد وبناء دور العبادة.

رابعًا: عندما تحمَّل الرئيس السيسي المسؤولية؛ والمرأة فى مصر مستهدَفة لمجرد كونها امرأة، فعليّا كان يتم تصنيفها على أنها مواطنة من الدرجة الثانية؛ لأنها امرأة فى ردة بالغة القسوة تليق بحُكم جماعة إرهابية ولايزال فى الغرب وداخل الاتحاد الأوروبى وداخل البرلمان الأوروبى مَن يُصنف الإرهاب على كونه معارضة.. اليوم ونحن نودّع عام 2020 ونستعد لعام جديد وفيه برلمان جديد تحظى فيه المرأة بتمثيل لم يحدث من قَبل فى تاريخ مصر، مقارنة بكل البرلمانات السابقة، وهى الدراسة التي تقدّمها الزميلة الصحفية «رغدة أبو رجب» داخل هذا العدد.

خامسًا: تولى الرئيس السيسي المسؤولية وحق الإنسان المصري فى الرعاية الصحية متدنٍّ وأكثر من 13 مليون مصري يواجهون الموت من فيروس «سى» ومعدّل الإصابة بالعدوَى سنويّا بالملايين، وتمكنت الدولة المصرية من تحويل العجز إلى أسطورة نجاح بشهادة منظمة الصحة العالمية.

سادسًا: تولى الرئيس السيسي المسؤولية والبطالة فى أعلى مستوياتها، ونجح فى خفضها إلى أدنى مستوياتها، وهو ما حفظ حق الإنسان المصري فى العمل، ولغة الأرقام لا تكذب، وهى نفسها التي أعطت اقتصاد مصر الأفضلية فى إدارة أزمة «كورونا» فى الوقت الذي لم تصمد فيه أغلب اقتصاديات العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبى.

سابعًا: تولى الرئيس السيسي المسؤولية وقطاع كبير من المصريين يسكن عشوائيات غير آدمية، ولم تحرّك جماعات حقوق الإنسان ساكنًا طيلة عُقود ولا الدول التي تمولها، ولكن الدولة الوطنية المصرية تحرّكت وغيّرت وجه الحياة للأفضل تجاه قطاع من شعبها، فحفظت الدولة المصرية لأولادها الحق فى الكرامة الإنسانية.

ثامنًا: تولى الرئيس السيسي المسؤولية وعدسة الرؤية تجاه الشباب لا تتجاوز حدود ميدان التحرير ومجموعات معروفة بالاسم، وهم مَن يدافع عنهم الغربُ لأسباب تخصّه وتخصّهم.. ولكن الدولة فتحت عدسة الرؤية وأصبحت تشمل شبابَ القُطر المصري كله، وأصبح الشبابُ سَندًا حقيقيّا لدولته، وأصبحت تجربة مصر فى الحوار مع الشباب وتمكين الشاب مرجعية إقليمية.

تاسعًا: إن مصر تستضيف على أرضها أكثر من ستة ملايين لاجئ- بحسب ما أعلنه الرئيس «عبدالفتاح السيسي» أمامَ الدورة 75 من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة- ولا تُسكنهم فى مخيمات ولا تبتز المجتمع الدولى بهم ولم تصدّرهم إلى أوروبا فى موجات من الهجرة غير المشروعة عبر مراكب الموت؛ لأن الدولة المصرية حاضرة وقوية، وانخفضت معدّلات الهجرة غير المشروعة من مصر خلال السنوات الأربعة الماضية تجاه دول الاتحاد الأوروبى.

أخيرًا: إن هذا قدر من حقوق الإنسان بمفهومها الشامل كما حفظته وقدّمته الدولة المصرية لشعبها.. أمّا ابتداع حق جديد وهو حق الإنسان فى (التدمير والخراب)؛ فلن يكون له مكان وسنواجهه.. زمن الفوضَى انتهى.