الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
العالم لا يجامل مصر.. هذا هو اقتصادنا في عام اهتزت فيه الأرض

العالم لا يجامل مصر.. هذا هو اقتصادنا في عام اهتزت فيه الأرض

- الاقتصاد المصري من الأعلي نموًا علي مستوي العالم في 2020



 

- الجنيه بين أفضل 3 عملات أداء في العالم ومعدل النمو سيصل لـ 5.4% خلال عام 2021 – 2022

 

اقترب ديسمبر من النهاية ومعه ينتهى عام استثنائى على الأرض.. عامٌ شهد حَدثًا (كونيّا) هدّد الحياة نفسَها ولم يقف عند حد التأثير العنيف عليها، سواء كان التأثير سياسيّا أو اقتصاديّا.. متغيرات كثيرة جعلت كل المُحَللين يتجهون إلى محاولات قراءة عالم ما بعد «كورونا»،  رُغْمَ عدم انتهاء زمن «كورونا».. ومع ذلك الكل حاول تصنيف العالم الجديد حسب الهوَى الأيديولوجى بين اليمين واليسار.. بمعنى أن أغلبهم توقّع شكل العالم على حسب ما يتمنّى وليس على أسُس ومُعطيات الواقع.

وفى خضمّ هذا الظرف الكونى الاستثنائى كان من اللافت أن يكون الاقتصاد المصري هو(البَطل) والنموذج الذي انتزع شهادات الإجادة من المؤسَّسَات الاقتصادية الدولية والدوريات الاقتصادية العالمية.. وفى هذا العَدد نبحث فى إجابة عن سؤال واضح: هل من الممكن أن تجامل هذه المؤسَّسَات مصرَ؟ وهو ما تقدّمه الزميلة الأستاذة نعمات مجدى من خلال رصد شامل لأهم التقارير الدولية التي تناولت الاقتصادَ المصري خلال عام 2020، ويتصدر هذا الملف الجزءُ الأول لحوار شامل مع الاقتصادى العالمى «طلال أبوغزالة»، وهو مَن تحدث فى بداية 2020 عن أفُق غير مسبوق يتجه إليه الاقتصادُ المصري، وأنه من المتوقع أن يصل ترتيبه إلى السادس عالميّا بحلول عام 2030.. وهو ما يثبت أن الفكر الاقتصادى المصري يمضى بنجاح بعيدًا عن تناطحات اليمين واليسار الاقتصادية، وأكبر دليل على ذلك ما حققه الصندوق السيادى المصري، وهو ما سنوضّحه لاحقًا.

2030.. هذا التاريخ يتردد كثيرًا على مسامع المصريين؛ لأنه التاريخ الذي صك به أول مخطط استراتيجى معلن بعيد المدَى للدولة المصرية، والمتمثل فى استراتيجية التنمية المستدامة وتوطينها فى كل المجالات، ويستهدف التحديث الشامل للدولة المصرية وبناء الإنسان المصري المعاصر والارتقاء بجودة الحياة للمجتمع المصري.. وكل فرد داخل دولاب عمل الدولة المصرية الآن، أيّا كان موقعه، يعمل لتحقيق الأهداف المَرحلية لهذه الاستراتيجية المُعلنة.. وكل استهداف تتعرض له الدولة المصرية من خصومها فى الخارج والداخل؛ إنما هدفُه الرئيسى هو تعطيل مصر عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية العُليا وإقحام الرأى العام المصري فى حالة من الارتباك المستمر والدفع به إلى دوّامات من التشتيت والتشكيك.

ولأن لغة الاقتصاد لا تتجمَّل ولغة الأرقام لا تعرف المُراوَغة أو المناوَرة؛ فإن عنفوان اقتصادنا فى ظل كارثة كونية وتمكّن الدولة المصرية من المُضى بخطوات ثابتة نحو استراتيجيتها؛ إنما يؤكد أننا على الطريق الصحيح بما يُعَزّز ثقتنا فى أنفسنا وأن هذه الأمَّة قادرة على تحقيق المستحيل إذا أرادت.. ويثبت بُعد نَظر القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس «عبدالفتاح السيسي»، الذي اتخذ قرارات الإصلاح الاقتصادى فى توقيت مبكر وكأنه يقرأ من كتاب المستقبل.. لك أن تتخيل كيف كنا سنواجه تحديات عالم اليوم بالغة القسوة باقتصاد مُشَوَّه هيكليّا؟.. كيف كان سيبحر هذا البلدُ فى خضمّ أمواج متلاطمة إن لم يكن يمتلك رؤية؟ صيغة الحياة يوم بيوم هل كانت ستجدى مع عالم الكل فيه يصرخ (نفسى نفسى)؟ 

فى عام 2020.. شهد صندوقُ النقد الدولى أن مصرَ حققت واحدًا من أعلى معدلات النمو الاقتصادى. أمّا «الإيكونوميست» فتحدّثت عن قدرة مصر على السيطرة على معدلات البطالة واستطاعتها الحفاظ على إنجازها. أمّا  وكالة «موديز» فحافظت على تصنيفها الائتمانى لمصر وأبقت على نظرتها المستقبلية المستقرّة للاقتصاد المصري، وأن مصر لديها احتياطى نقدى كافٍ لتغطية التزاماتها الخارجية لثلاث سنوات مقبلة، فى حين أعلنت وكالة «فيتش» أن مصرَ من الدول القليلة بين الأسواق الناشئة التي ستشهد زيادة فى معدلات النمو العام المقبل 2021. واعتبرت «بلومبرج» مصرَ نَمِرًا اقتصاديّا بحفاظها على معدلات النمو لمدة تسعة أشهُر على التوالى فى عام جائحة «كورونا». أمّا مؤسَّسَة «ستاندرد آند بورز جلوبال» فذهبت إلى تحقيق الاقتصاد المصري إلى معدلات نمو قوية بحلول عام 2022 تصل إلى 5,4 % مع تعافى النشاط السياحى وعودة النمو القوى لقطاعات الطاقة وتحسُّن بيئة الأعمال بسبب استكمال الإصلاح الهيكلى.. فضلًا عن تصنيف الجنيه المصري ضمن أفضل 3 عُملات أداءً فى العالم.. هذه مجرد عناوين لتفاصيل أكبر تتصفّحها داخل هذا العَدد.

المستقبل ليس غيبًا محجوبًا عن البَشر.. المستقبل موجودٌ فى اللحظة التي تعيشها.. مُعطيات الواقع هى عناوين الغَد.. هذا المعنَى خرجت به بعد لقاء نظمته الدكتورة «هالة السعيد» وزيرة التخطيط والتنمية  الاقتصادية مع عدد من الكُتّاب ورؤساء التحرير، والحقيقة أن صندوق مصر السيادى كان بالنسبة لى عنوانًا مُبْهَمًا أتجاوزه إذا مَرّ أمامى.. أتعامَل معه كجُملة اعتراضية إذا قادتنى الظروفُ لأى حديث اقتصادى.. لكن بَعد هذا اللقاء أدركتُ أن النجاحَ المصري لم يأتِ صُدفة، وأن هذا الصندوق يشكل رقمًا بالغ الأهمية فى معادلة النهضة الاقتصادية التي تشهدها مصر، وأنه بالفعل مستقبل الأجيال القادمة.

عندما تولى الرئيس السيسي المسؤولية كانت مصرُ تمتلك اقتصادًا مريضًا مهددًا يليق بالظرف السياسى الفوضوى الذي ضربها، هذه البيئة مثلما كانت تحتاج إصلاحًا جذريّا يُغيّر وجه الحياة فى مصر ويعيد للاقتصاد المصري عافيته كانت تحتاج فى الأصل إلى كيان اقتصادى كبير قادر من خلال الشراكة مع شركات ومؤسَّسَات محلية وعالمية على زيادة الاستثمار والتشغيل والاستغلال الأمثل لأصول وموارد الدولة؛ لأن الاقتصاد المصري لم يكن مَصدر ثقة، سواء للمستثمر المحلى أو الأجنبى.. كما أن مراعاة استهداف تحقيق أثر اجتماعى واقتصادى لن يرد فى مخيلة المستثمر، فهو بطبيعة الحال باحث عن الربح فقط، وهو منطق أصيل ومشروع، ولكن الصندوق يتحرك على خريطة القُطر المصري من خلال (محفظة) تضم فرصًا استثمارية محددة الأولويات.. هذه الأولويات تتلخص فى تعظيم العائد من أصول الدولة وتوطين الصناعة والتكنولوجيا وإمكانية إدارة الأصول لتطويرها وتعظيم العائد منها مع جذب المستثمرين من الداخل والخارج.

الدكتورة «هالة السعيد» لفتت إلى نجاح الصندوق الذي أنشئ فى عام 2018 إلى جذب مستثمرين وشركاء من الداخل والخارج، وكل ذلك رُغم التحديات الاقتصادية التي شهدها العالمُ فى الفترة الأخيرة.

حديث وزيرة التخطيط تضمَن العديدَ من الشراكات المحلية والعربية والدولية، ولكن كان من أهمّها اتفاق تعاون عَقده الصندوق مع جهاز الخدمة الوطنية فى فبراير 2020 للمشاركة فى استثمار الأصول المملوكة للجهاز أمّا من أهم الشراكات الإقليمية؛ فكان إنشاء منصّة استثمارية مع الأشقاء فى دولة الإمارات العربية المتحدة (أبوظبى القابضة) بقيمة 20 مليار دولار، أمّا على المستوى الدولى؛ فقد وقّع الصندوق فى يناير الماضى على هامش أعمال القمة الاستثمارية البريطانية الإفريقية مذكرة تفاهم مع شركة ACTIS LONG LIFE بهدف الاستثمار المشترك فى مجالات الطاقة والبنية التحتية.

صندوق مصر السيادى المملوك للدولة برأس مال مرخّص مائتَى مليار جنيه مصري ورأس ماله المُصدر خمسة مليارات جنيه يعمل حاليًا على عدة مشاريع فى مجموعة من القطاعات المختلفة؛ خصوصًا القطاعات التي تحظى بالأولوية الآن فى ظل تداعيات فيروس «كورونا» المستجَد؛ لتشمل قطاع الخدمات الصحية المتنوعة ومشروعات المخازن الاستراتيجية، بالإضافة إلى الاستثمار فى القطاع الزراعي والتصنيع الغذائى وقطاع البنية الأساسية والتحتية والتحوُّل الرقمى، ويركز بقوة على ملف توطين الصناعة،  وهنا يمكن الإشارة إلى تأسيس الشركة الوطنية المصرية لصناعات السّكك الحديدية، التي تُعَد نقلة حقيقية فى توطين صناعة السكك الحديدية فى مصر.

ويبقى سؤال مشروع حول مَن يراقب هذا الصندوق؟

هذه المسألة، التي تُعَد بابًا مفتوحًا للشائعات أغلقتها وزيرة التخطيط بإعلان تفصيل آلية الرقابة؛ حيث تتم مراجعة حسابات الصندوق من خلال أكثر من جهة، من بينها الجهاز المركزى للمحاسبات، وكذلك من المراقبين المقيدين لدَى البنك المركزى أو الهيئة العامّة للرقابة المالية، بالإضافة إلى أن قانون إنشاء الصندوق قد أوجب إرسال نسخة من القوائم المالية السنوية إلى رئيس مجلس النواب خلال ثلاثة أشهُر من انتهاء السَّنة المالية.

تجربة الاقتصاد المصري تشكل قصة نجاح مطلقة فى عام أقل ما يوصَف به أنه كارثى.. وتُعَد نموذجًا حقيقيّا لعالم ما بعد «كورونا» بعيدًا عن تجاذبات اليمين واليسار الاقتصادية، بمعنى أن عالم اليوم يمضى إلى التحرُّر من قوالب الماضى ويقوم على تبنّى سياسات اقتصادية مَرنة.. انتهَى زمنُ النظريات التقليدية، وصندوق مصر السيادى خير مثال على ذلك.. لم تَعُد المسألة الإيمان بالنظام الرأسمالى أو انتقاده والمُضى فى الاتجاه المعاكس، ولكن كل دولة أصبحت تتحمَّل مسؤولية إحراز التقدّم الاقتصادى وتصنع بنفسها النموذج الذي يتلاءم مع طبيعتها ويحقق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية.. وهذا ما تفعله مصرُ التي تمضى رُغم كل التحديات نحو هدفها الاستراتيجى المعلَن (مصر 2030)..

و.. (للحديث بقية)