
أميرة بهي الدين
إنها حقّا مصر العظمَى
خلال أيام قليلة، سيتحرك فى قلب القاهرة موكب المومياوات الملكية، الذى يضم 22 مومياء من ملوك وملكات مصر القديمة، من المتحف المصرى بالتحرير مرورًا بميدان التحرير عبورًا على كورنيش النيل وصولًا لمتحف الحضارة المصرية بالفسطاط.
وإذا كان لهذا الموكب أهمية سياحية كبيرة بالنسبة للدولة المصرية، ويحظى باهتمام إعلامى مصرى ودولى كبير، وتترقبه الدوائر الأثرية وعلماء المصريات فى مصر والعالم لما يصاحبه من إحياء طقوس الاحتفالات الفرعونية المهيبة لمواكب الملكات والملوك المصريين القدامَى وإخراج الاحتفال بشكل يليق وعراقة وهيبة وعظمة الحضارة المصرية منذ أول التاريخ؛ فإن دلالات ذلك الاحتفال ورسائله للشعب المصرى وللعالم أكبر كثيرًا من مجرد الاحتفال بالمومياوات الملكية على أهمية ذلك وقيمته التاريخية والعلمية الكبيرة.
وعلينا جميعًا- نحن المصريين- وحينما يمر الموكب الملكى فى تلك الليلة الجميلة بقلب ميدان التحرير، ونحن نصفق فخرًا وفرحًا لملوكنا وملكاتنا العظماء، ونهتف حماسًا باسم حضارتنا وباسم وطننا، علينا ننتبه للمحطة الأولى للموكب الملكى، ننتبه لميدان التحرير وكيف تبدّل شكله وحاله وتغير وتزيّن برموز حضارتنا الخالدة، وكيف استعاد هويته وشخصيته المصرية العظيمة، علينا نتذكر كيف أصبح الآن وكيف كان وقتما تصوّر «البعض» من أعداء الدولة المصرية وأهل الشر من الخارج والداخل منذ سنوات قليلة أنهم قد تمكنوا منه وأمموه لصالحهم وصالح أهدافهم الخبيثة- مستغلين الأحلام المشروعة لبعض المصريين فى التغيير- فاستخدموه على أهميته الاستراتيجية فى قلب القاهرة رأس حربة لإشاعة الفوضى ومحاولات هدم الدولة المصرية ومؤسّساتها، فشاهدنا بمنتهى الأسَى «هيلارى كلينتون» تتجوّل وتحيى المتواجدين فيه تحية الغازين الفاتحين المنتصرين بعدما تصوّرت أن كلمات رئيسها وقت ذاك (now means now) أثمرت انتصارًا على الدولة المصرية وأفلحت فى تحقيق الخطوة الأولى لتفعيل نظرية الفوضى الخلاقة، وشاهدنا بمنتهَى الغضب مفتى الإرهاب «يوسف القرضاوى» وحليف الإخوان الإرهابيين يُحيى المحتشدين فى الميدان ويؤمّهم فى صلاة الجمعة ويخطب بهم «خطبة النصر» لصالح حلفائه الإرهابيين ممن تصوّروا وقتها أن الجائزة الكبرى مصر قد وقعت بين أيديهم، وشاهدنا بمنتهى الرفض الجاسوس الإسرائيلى «إيلان تسايم جرابيل» الذى وصل مصر مساء الجمعة 28 يناير 2011 باعتباره مراسلا لإحدى الصحف الأجنبية يتجوّل ويتصوّر ويُقيم إقامة شبه دائمة فى ميدان التحرير رافعًا لافتات مؤيدة للتغيير والثورة مستهدفًا فى حقيقة الحال رصد الأحوال الأمنية وحال المصريين فى مصر وقت ذاك لصالح الموساد الإسرائيلى، وشاهدنا بمنتهى الكراهية عرّاب الربيع العربى الصهيونى «برنارد ليفى» يتجول بين المتظاهرين متواجدًا بكثافة مع قيادات الإخوان الإرهابيين ليُعَبّر عن موقفه فى النهاية وبعد ثورة الثلاثين من يونيو بالهجوم على القوات المسلحة المصرية وإدانته لفض بؤرة رابعة الإرهابية..
لكن الحال تغير كما نراه وسنراه بشكل أوضح وقت عبور موكب المومياوات الملكية أثناء الاحتفال المهيب الذى تقيمه الدولة المصرية لهم ولحضارتنا الخالدة، وعلينا نتذكر وقتها كيف صار ميدان التحرير بعدما تزيّن وتجمّل بشمس الحضارة المصرية مسلة الملك رمسيس الثانى تتوسط الكباش الأربع رمز الخصوبة فى الميثولوجيا المصرية ورمز الإله «آمون» الإله «الخفى الذى لايراه أحد»، مسلة الملك المصرى العظيم الأكبر والأقوى فى تاريخ الإمبراطورية المصرية بألقابه التاريخية كحامى مصر، قاهر البلاد الأجنبية، القوى فى الحق، عظيم الانتصارات، علينا أن نسمع- وقت مرور الموكب الملكى بميدان التحرير يتصدره مومياء الملك العظيم رمسيس الثانى- صوته مهيبًا عاليًا تنطق به مسلته من قلب القاهرة، قلب ميدان التحرير، تحكى وصيته لابنه «مرنبتاح» ملك مصر «أنت يا ملك كيمت القادم، أعلم إنك ورثت عن أجدادك مملكة عظيمة، لا تغيب عنها شمس رع أبدًا، فهى أرض الإله المقدسة،التى جعلها نورًا للعالم ولا يرضى الإله أن تموت أرضه أبدًا، فحافظ عليها من أعدائها كما حافظ عليها أجدادك من قبل»، وكأنه يوصينا- نحن المصريين- أبناء وأحفاد تلك الحضارة العظيمة بالحفاظ على أرضنا وحضارتنا مثلما حافظ عليها أجدادنا وملوكنا العظماء السابقون، وكأنه يحذر أهل الشر والطامعين والغزاة من المساس بمصر وشعبها وأرضها ويُذكرهم بهزيمتهم التى بدأت منذ أول التاريخ وستلاحقهم لآخر الزمان.
علينا جميعًا وقت مرور موكب المومياوات الملكية والموسيقى تصدح حولهم والإضواء تسطع أمام توابيتهم أن نرى وبحق كيف أشرقت شمس مصرية خالدة فوق ميدان التحرير تعلن من قلب القاهرة نهاية أيام الفوضى وتهديد الدولة المصرية، وبداية زمن مختلف، زمن يحمل لحضارتنا ووطننا الأمن والطمأنينة والحماية والقوة، زمن يتزين بمسلة الحضارة المصرية ويحتفى بملوك وملكات الحضارة المصرية القديمة، زمن أفلح وسط حروب ضارية شنت ضد المصريين لسنوات طويلة ولاتزال تستهدف تمزيق جذورهم الحضارية وطمس هويتهم وشخصيتهم الوطنية وقهر فخرهم بحضارتهم ووطنهم، وتكريس الدونية والهزيمة النفسية ونشر الإحباط والضياع فى بعث وإحياء انتماء المصريين لحضارتهم الخالدة المهيبة وملوكهم العظماء، زمن أفلح يذكر كل المصريين بكل فخر واعتزاز بانتمائهم لهذه الحضارة العظيمة المهيبة التى تركت خلفها ملوك وملكات خالدين ليس فقط ببنائهم لتلك الحضارة وتحقيق انتصاراتها على أعدائها وهزيمة كل الطامعين فى خيرها ومعارفها وثرواتها، بل خالدين أيضًا بأجسادهم ومومياواتهم رمزًا ودليلًا على احتكار تفوّق معرفى وعلمى عجز العلم الآنى على تطوّره على اكتشاف أسراره وحل شفراته المستعصية، ملوك وملكات خلدهم التاريخ ليبقوا فى ذاكرة مصر والمصريين والعالم كله رموزًا حيّة للحفاظ على حضارتهم وتراثها الإنسانى، زمن يقول بصوت التاريخ والحاضر، بصوت الماضى والمستقبل، بصوت الملك العظيم رمسيس الثانى وكل الملكات والملوك، بصوت كل المصريين، إنها حقّا مصر العظمَى.