أنور السادات.. شمس لا تعرف المغيب

موفق بيومى يكتب:
كان الرئيس السادات هو الوجه الوحيد المعروف من أعضاء مجلس قيادة الثورة لدى الشارع المصرى قبل قيام حركة الجيش فى 23 يوليو 1952، وذلك بسبب اقتحامه لمجالين أساسيين قدماه إلى الجماهير أولهما نشاطه السياسى وثانيهما عمله الصحفى،أما عن نشاطه السياسى فقد توجه السادات باشتراكه فى اغتيال أمين عثمان وهى القضية التى شغلت الرأى العام لشهور طوال متتالية شهدت القبض على مجموعة كبيرة من المتهمين فى القضية، كان السادات بطبيعة الحال من طليعتهم ثم ما أعقب ذلك من محاكمات تابعتها مصر كلها بشغف وترقب حتى حصل السادات على البراءة فى يوليو من عام 1948.. وها هى بعض الصور المنشورة على صفحات مجلة المصور بهذه المناسبة.. ومن المعروف أن «المصور» سارعت بالتعاقد مع السادات فى أعقاب القضية لكتابة مجموعة من المقالات الأسبوعية عن مذكراته بالسجن وهى المقالات التى جعلت اسمه عملة رائجة ومطلوبة فى السوق الصحفية المصرية وأكسبته شعبية «معقولة» ليس فقط لدى أهل السياسة ولكن أيضًا عند المواطن العادى.
اللافت للنظر فى صور السادات هو حرصه المبكر ورغم كونه سجينًا لا يملك جنيهًا واحدًا فى جيبه، فإنه يحافظ على أناقته التى اشتهر بها طوال عمره.. تلك الأناقة التى كانت نقطة ضعفه حينًا ونقاط قوته فى أحيان كثيرة أخرى فها هو خلف القضبان بالجاكيت- رغم صهد يوليو!- والقميص الأبيض رمز الأناقة و«الكراڤت» الملائم لهما لونيًا وحرصه أن يكون شاربه مقصوصًا بعناية مع تسريحة شعر- على بساطتها- بالغة الوقار.
من عام 1948 إلى 1954 حيث نطالع السادات وقد تحول من يوزباشي- أى نقيب- مفصول من الجيش إلى عضو بارز فى مجلس قيادة الثورة وها هو «ريبورتاج» مصور بنفس المجلة يضم كنزًا من الصور النادرة الاستثنائية بل هى أقرب إلى الصادمة بمقاييس وقار رجال السلطة حينذاك حيث تقدمه بهويته «الأهلاوية» الصريحة من حمام سباحة النادى الأهلى مع مجموعة من أصدقائه وقد ظهر السادات فى الصور بأكثر من مايوه فى استعراض وغزل مبكرين لعدسات الصحافة فهو يمارس السباحة أو يؤدى تمرينات رياضية مختلفة أو يجلس مسترخيًا وأخيرًا وهو يتناول «شقة بطيخ» بالشوكة والسكين!
من «آخر ساعة» فى هذه المرة وبتاريخ 9 مارس 1955 يكمل السادات عرضه المتميز لكل ما هو جديد ومثير من خلال صورة له وهو يزور جزر الملايو مرتديًا الزى الوطنى لها يعلوه طربوش قصير مختلف تمامًا عن الطربوش المصرى الشهير.
من نفس الأرشيف الساداتى نطالع فى 30 أبريل 1957 خبرًا بجريدة الأهرام عن ترشحه فى دائرة تلا مسقط رأسه وأنه قام بنفسه بدفع رسوم الترشيح لمجلس الأمة بمبنى المديرية - أى المحافظة- مع صورة وقورة له.
ننتقل إلى عام 1964 حيث قام السادات الذى كان يشغل وقتها منصب رئيس مجلس الأمة بزيارة إلى واشنطن وصورة له تجمعه مع أحد كبار السياسيين الأمريكان وكان السادات كعهده دائمًا فى كامل أناقته مع احتفاظه بابتسامته الساحرة الأخاذة.
من رئيس مجلس الأمة إلى نائب رئيس الجمهورية الذى يستعد لارتقاء سدة الرئاسة وخبرين متتالين من جريدة الأهرام أولهما بتاريخ 10 أكتوبر 1970 ومانشيت يقول «الجماهير تزحف لتؤيد السادات على طريق عبدالناصر» مع تفاصيل طويلة وكاملة عن خروج الملايين لتأييد رئيس الجمهورية المؤقت أنور السادات والإدلاء بأصواتها لصالحه فى الاستفتاء على اختيار الرئيس الجديد، أما «المانشيت» الثانى فكان بعد انتهاء الاستفتاء وظهور النتيجة وكان بعد أسبوع من الخبر الأول أى بتاريخ 17 أكتوبر وهو يقدم لنا التفاصيل كاملة حيث يقول:
«السادات رئيسًا للجمهورية بأصوات 6٫432٫587 ناخبًا»
«85 ٪ من مجموع عدد الناخبين اشتركوا فى الاستفتاء»
«90٫04 ٪ من المشتركين فى الاستفتاء قالوا نعم»
«711٫252 مجموع آراء غير الموافقين»
«السادات يحلف اليمين الدستورية اليوم أمام مجلس الأمة»
من صخب السياسة وضجيج الحكم ننتقل إلى لحظة إنسانية فارقة فى حياة السادات الأسرية وصفحة بمجلة الإذاعة والتليفزيون فى شهر أكتوبر 1971 ومجموعة من الصور لحفل خطبة لبنى السادات إلى أحمد المسيرى وهو الحفل الذى أقيم فى حديقة استراحة القناطر الخيرية.
ها نحن الآن وجهًا لوجه مع المحطة الأكثر أهمية فى تاريخ الرئيس السادات ومانشيت أهرامى بتاريخ 10 أكتوبر 1973 أى فى اليوم الرابع لمعركة الثأر واسترداد الأرض التى حلم بها السادات مع جموع الشعب المصرى طوال ستة أعوام وبعد أن تأكد نجاح الهجوم المصرى، يقول المانشيت الرئيسى «يوم مجيد للقوات المسلحة المصرية» ثم مجموعة من العناوين الفرعية الشارحة التى تتحدث عن معارك شرسة بالدبابات فوق أرض سيناء مع صورة لمجموعة كبيرة من الأسرى وصورة أخرى لأشهر أسرى إسرائيل فى مصر وهو العقيد عساف ياجورى.
محطة أخرى بالغة الأهمية فى تاريخ السادات بل وتاريخ مصر بأكملها نتوقف عندها الآن وهى حصول الرجل على جائزة نوبل للسلام كأول مصرى يحصل عليها كثمرة للصلح مع إسرائيل حيث تطالعنا جريدة «الوفاق» الإقليمية الصادرة من المنصورة بتاريخ 18 ديسمبر 1978 بتفاصيل الكلمة التى ألقاها المهندس سيد مرعى نائبًا عن السادات فى احتفالات تسليم الجائزة بالعاصمة النرويجية «أوسلو» وكان أبرز ما فيها الموازنة بين الحرص المطلق على السلام والإصرار – المطلق أيضا – على حقوق الفلسطينيين وضرورة عودة الأرض.
مازلنا مع توابع خطوة السادات العملاقة وزيارته لإسرائيل وتوقيعه على اتفاقية السلام حيث تهبط بنا آلة الزمن فى 27 مارس 1979 ومانشيت ضخم لجريدة الأخبار يحمل جملة «مبروك.. السلام» وكان بمناسبة توقيع اتفاقيتى السلام والحكم الذاتى الفلسطينى مع تفاصيل عن بدء الانسحاب من العريش بعد شهرين.
تحقيق جديد ومختلف هذه المرة تقدمه لنا الأهرام بتاريخ 16 فبراير 1980 عن بريد الرئيس السادات الإنسانى وما يحمله من الخارج عن طلبات وأمنيات ومشاعر الشارع الأوروبى والأمريكى تجاه الرئيس السادات الذى يحرص أن يتابع القدر الأكبر من هذه الرسائل كما أنه يقوم أحيانا بالرد شخصيًا على بعض الرسائل ذات الخصوصية وتلبية مطالب مرسليها.
فى العام نفسه وبتاريخ 30 يوليو 1980 نطالع أحد الجوانب التى تجمع بين السادات السياسى والسادات الإنسانى وصورته بالزى العسكرى تحتل ثلث الصفحة الأولى من جريدة الأهرام وهى الصفحة التى حملت بأكملها تفاصيل جنازة الشاه محمد رضا بهلوى آخر أباطرة إيران الذى تحمل السادات «ابن البلد» مسئولية وواجب استضافته بعد أن لفظه العالم كله وتبرأ منه وبعد أن استنفدت الولايات المتحدة أغراضها منه، ولكن كان للفلاح ابن ميت أبوالكوم رأى آخر هو الأكثر صدقا وشهامة رغم ما سببه هذا الرأى من متاعب داخلية للسادات وأثار عليه المزيد من كراهية ومعارضة التيارات الإسلامية المتشددة الكارهة للشاه والمتعاطفة قلبا وقالبا مع الثورة الإيرانية الدموية، يقول المانشيت :
«وداع الشاه الراحل إلى مثواه الأخير فى موكب مهيب»
«السادات يتقدم موكب المشيعين مع أسرة الشاه وكبار الشخصيات من عابدين إلى الرفاعى».
أخيرا تتوقف بنا آلة الزمن فى المحطة الأخيرة وفى نفس اليوم الذى خرجت فيه الجماهير المصرية بالملايين قبل أحد عشر عاما لتبايع السادات فى 10 أكتوبر 1970، فى نفس اليوم من عام 1981 نطالع جريدة المساء الصادرة فى اليوم التالى لتشييع جنازة الرئيس السادات شهيد السلام وهى تروى لنا بدقة تفاصيل الوداع العالمى للرجل ذلك الوداع الذى انزوت فيه الجماهير فى بيوتها مكتفية بالمتابعة عبر شاشات التليفزيون وتاركة شرف توديع الرجل لعشرات من الرؤساء والملوك ورؤساء الحكومات ومئات من الممثلين الرسميين ورؤساء الوفود من كل دول العالم الذين جاءوا لتشييع نعش يحمل جسدًا غيبه الثرى، ولكن بقى التاريخ والذكرى والمواقف أحياء لا تموت.