محمود سماحة
روزاليوسف.. الأسطورة واللعنة والوصية
منذ أكثر من ست سنوات، كنت قد قررتُ أن أعتزل العمل الصحفى عقب وفاة أستاذنا الكبير «عبدالله كمال» رئيس تحرير روزاليوسف الأسبق (رحمه الله).
ودّعته وودّعتُ العمل الصحفى مع وداع وتشييع جثمان الأستاذ إلى مثواة الأخير، لم يكن مجرد كلام، كان قرارًا نهائيًّا، وكنتُ أتأكد من صوابه كلما تابعت ما يحدث فى المؤسَّسة على مَدار سنوات.
إلّا أننى أعودُ للسبب نفسه الآن وأدعو كل أبناء جيلى للعودة، فنحن فى رقبتنا جميعًا «وصية ميت» وصية غير مكتوبة وتكليف ضمنى وبديهى، فمنذ اللحظة الأولى للأستاذ «عبدالله كمال» فى رئاسة التحرير وهو يُنفذ مخططًا للاستثمار فى شباب ليكونوا بمثابة وثيقة تأمين تنقذ المجلة من تقلبات الزمن، لذلك سعى منذ اللحظة الأولى لأن تكون له مَدرسته الصحفية وأبناء يحملون رسالته من بَعده، فلم يمر شهران على توليه رئاسة تحرير «روزاليوسف» (الأسبوعية) إلا وكان قد استطاع تعديل ترخيص إصدارها ليقوم بإصدار النسخة اليومية من «روزاليوسف» فى أغسطس 2005م؛ ليجمع فيها عددًا كبيرًا من الشباب، وخلال سنوات صَنع منهم نجومًا فى تخصُّصَاتهم فى الوقت الذى كان أكبر حلم لأى صحفى شاب الحصول على فرصة للتدريب فى أى صحيفة خاصة، حتى لو بترخيص قبرصى، وكان الاقتراب من أبواب مؤسّسة قومية مجرد حلم مستحيل، ففتح أبواب المَدرسة المغلقة لعَشرات الشباب، فكنا نحن ثمار التجربة التى استفدنا منها أكثر مما استفاد هو.
ربما لا تكون «روزا» فى أحسن أحوالها لكن كما كتب الأستاذ فى افتتاحية كتاب (كلمة السّر) «الهزيمة ليست قدرًا.. والنصرُ ليس صدفة»، فعندما تتأمل تاريخ «روزاليوسف» منذ عام 1925م حتى اليوم تجده مشوارًا حافلًا بالانتصارات والانكسارات، يميزه النمط والتكرار.
فما بين صعود نجم «روزا» فى سماء الصحافة وسقوطها المؤلم قصص تختلف فيها الأسماءُ وتتشابه المواقفُ، وربما البدايات والنهايات أيضًا بشكل متكرر؛ لتصبح تجسيدًا لأسطورة «سيزيف» الإغريقية الذى قدّر له أن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادى، فيعود إلى رفعها إلى القمة.
هكذا الحال مع «روزاليوسف» كلما وصلت لقمة مجدها وصنعت أسطورتها، تعود لتصيبها لعنة التراجُع وتفرّق محاربيها وتبدو وكأنها عجزت عن إنجاب غيرهم فتسقط إلى سفح جبل المهنة وتنطفئ شعلة التنوير المقدسة فى محرابها وترقد على رجاء القيامة، حتى تنكسر اللعنة وتقوى على أن تحمل حملها الثقيل وتصعد به إلى القمة مرّة أخرى.
إلا أن الثابت أن هزيمة «روزا» لم تكن أبدًا قدرها، وانتصارها على الأزمات لم يكن أبدًا وليد الصدفة، دائمًا كان طوق نجاة المستقبل قد أعده سلفًا مَن عَبَروا بها الأزمات السابقة.
لذلك فالعودة إلى «روزا» الآن فرض عين علينا جميعًا، اتفقنا أو اختلفنا، وبعيدًا عن مشاريعنا وطموحاتنا الشخصية هناك وصية واجب تنفيذها ودَيْن علينا أن نُسدده ومَدرسة يجب أن تفتح أبوابها لإعداد جيل جديد يكون طوق نجاة للمستقبل.







