الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حكاوى الشقيانين!

وجوه بدأت التجاعيد تُعيد رسم ملامحها مع التقدُّم فى العمر، وأيادٍ أرهقتها السنون والعمل الشاق وأعادت التشقُّقات توزيعة الخطوط فى راحة اليد، وأرجُل باتت حركتها تقل يومًا تلو الآخر.. إنهم كبار السن الذين رفضوا الاستسلام للزمن، مصرين على استكمال رسالتهم فى الحياة، فرغم نهش الأمراض لأجسادهم النحيلة؛ فإنَّهم يجدون علاجهم وونسهم فى حب مهنتهم التى بدأوا ممارستها منذ نعومة أظافرهم. 



لكل واحد من الشقيانين حكاية خاصة به، ومع اقتراب اليوم العالمى للمسنين الذى يوافق 1 أكتوبر من كل عام، نلقى الضوء على عدد من حكايات من لا يزالون يصارعون الحياة، التى بدت تسير بسرعة البرق، من خلال عالمهم الصغير، رافضين التنازل عن أحلامهم وحبهم لمهنتهم.  

«مكوجى السعادة».. ابتسامة  عم عبدالله تتحدى صعوبات الحياة 

بمجرد أن تطأ قدماك دكان عم عبدالله صاحب الـ 72 عامًا تجد ابتسامته لا تفارق وجهه، دكانه الصغير يدعى السعادة، فرغم كثرة الهموم التى يمتلكها صاحبه؛ فإنَّ ابتسامته لا تفارق وجهه أبدًا: «الإنسان مننا فيه همومه، بس لازم نقابل الناس ببسمة عشان ميشيلهمش همه».

يبدأ عم عبدالله يومه فى كى الملابس فى تمام الساعة الـ10 صباحًا ويغلق أبوابه بعد صلاة العشاء، فرغم كبر عمره؛ فإنه لا يزال يتحدى آلامه لكسب لقمة عيشه ومساعدة أولاده، حتى أثناء فترة كورونا لم يستطع ترك عمله: «مساعدة أولادى هى اللى بتخلينى أنزل يوميا.. كورونا قعدتهم فى البيت.. أنا كل همى أساعدهم وأشوفهم مرتاحين، ومش عايز حاجة من الدنيا غير إنهم ميمدوش إيدهم لحد».

 

عم سعيد.. 45 عامًا فى النقش على النحاس

بين حارات حى الجمالية فى الحسين، داخل دكان صغير، يجلس عم سعيد صاحب الـ 62 عامًا وسط قطع نحاسية وبعض الأحجار الكريمة، والقطع الأنتيك، آملًا أن يزوره رزقه الذى تأثَّر بسبب كورونا، فبعد مرور 45 عامًا فى العمل بالنقش على النحاس، يرفض التخلى عن مهنته: «خلال الـ 5 شهور السابقة قلت حركة البيع والشراء وصلت لحد التوقف، لذلك لجأت للعمل بالأنتيكات بجانب النقش على النحاس»، فرغم كبر السن؛ فإن حبه للمهنة، يدفعه للعمل يوميًا من الساعة الـ 12 ظهرًا حتى الـ 8 مساءً.

 

«ترزى الدقى»: «القعدة  فى البيت بتموت»

8 ساعات يوميًا، يجلسها عم على صاحب الـ62 عامًا، داخل محله الصغير فى الدقى منكفئًا على ماكينة الخياطة الخاصة به: «القعدة فى البيت بتموت، أنا شغال فى الخياطة بقالى 40 سنة ومقدرش أستغنى عن شغلى».

طيلة الـ 40 عامًا، لم يتوقف يومًا عن العمل، وأن النزول لدكانه الصغير: «نعمة من ربنا محدش كان حاسس بيها.. فترة كورونا أثرت علينا وأجبرتنا على القعدة فى البيت.. لكن دلوقتى الأمور بدأت الحمد لله تتحسن».

 

«صانع الباليرينا».. 30 عامًا  من الإبداع 

منزل قديم حوائطه رمادية اللون بمجرد الدخول من أبوابه الحديدية تنتقل لعالم آخر، غرف سرية لصناعة أحذية راقصات الباليه نبعت من داخلها ألحان أغنيات محمد فوزى وعبدالوهاب، الحوائط تُزيِّنها صور تغطيها الأتربة، ألوان لأقمشة «الستان» تجذب الأنظار؛ حيث يجلس عم «محمود صالح» صاحب أقدم ورشة لتصنيع أحذية لراقصى الباليه.

بدأ عم صالح صاحب الـ  68 عامًا العمل مع أبيه، وهو فى سن الـ 13 عامًا، وافتتح ورشته الخاصة منذ 30 عامًا: «الإجازات الصيفية كانت بتعتبر موسم العمل للورشة، لكثرة المشاركين والمتدربين فى عطلة نهاية العام، إلا أن العام الحالى خاب الظن، بسبب كورونا وتوقف التدريبات والمتدربين والمسابقات».

يحرص عم صالح على التواجد داخل ورشته من الـ 6 صباحًا حتى العاشرة مساءً، ورغم تدريبه ابنه على المهنة؛  فإنه يرفض التوقف: «أنا حاسس إنى لو بطلت شغل هموت.. وحلمى أن ألاقى حد يرعى الورشة، ويعملها مصنع مخصص لصناعات أحذية الباليه».

 

«عم عبده».. حكاية رجل يخدم المعاقين

داخل ورشة صغيرة، فى شارع العبور بحى دار السلام بالقاهرة، يقف عم عبده صاحب الـ60 عاما، خلف ترابيزة خشبية تتناثر عليها العديد من القطع المعدنية أغلبها من الحديد، ليخرج من بين يديه جهازًا ليعوض مرضى الشلل النصفى السفلى عن ما أصابهم من عجز.

يحاول عم عبده والذى كان موظفًا فنى تفتيش لدى المصانع الحربية فى السابق، أن يقف بخبرته أمام العديد من الشركات التى تحاول نهب الغلابة واستغلال مرضهم، خاصة أن سعر الجهاز التعويضى لمرضى الشلل السفلى يصل إلى 15 ألف جنيه.

عم عبده تحدث معنا عن صناعة السيستم المحلى الذى اقترب على الاندثار رغم جودته ورخص ثمنه، وأسرار المهنة المهددة بالانقراض قائلًا: «تعلمت صناعة سيستم الأجهزة الخاصة بالشلل على يد اثنين من كبار الصنايعية وبعد وفاتهما أصبح لا يوجد غيرى يقوم بهذه المهمة حتى الآن بصناعة سيستم جهاز القدم يدويًا منذ عام 1978،  فالجميع الآن يعتمد على استيراد الجهاز من الصين وبيعه بسعر يفوق 5 أضعاف السعر المحلى للمريض رغم رداءة جودته».

يشعر عم عبده بالسوء مما وصل إليه الحال فى المجال: «دلوقتى الكل بيعتمد على شغل المستورد ويستسهل ولا ينظر إلى المريض بعين الرأفة، خاصة أن الأجهزة المستوردة تصل لـ15 ألف فى الجهاز الواحد ويكون عمره مع المريض أقل بكثير من عمر الجهاز المحلى المصنع فى مصر لكن نظرًا لأن الجميع علم طريق الصين فأصبح يستورد ولا يكلف خاطره أن يأتى لأحد يعلمه»، ويورد عم عبده شغله لكثير من المصانع مثل مصنع أبو الريش، إمبابة، طنطا، أسيوط، منطقة عابدين، شارع رشدي٬ الوفاء والأمل٬ وغيرها.