الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لا نعبد ما تعبدون!

كيف أفسد الإخوان والقطريون الإسلام فى أوروبا

لا نعبد ما تعبدون!

فى ميادين «معركة الوعى» ضد التطرف والإرهاب، حسنًا فعلت «المتحدة للخدمات الإعلامية» بإصرارها على الحصول على حق عرض الفيلم الوثائقى (الفرنسى- البلجيكى): [قطر.. حرب النفوذ على الإسلام فى أوروبا].. والحرب - هنا - محورها شبَكة مترامية الأطراف تضم عديد «العناصر المتطرفة» المنضوية تحت لواء «تنظيم الإخوان الدولى».



يعتمد الفيلم (الذى عرضته قناة «إكسترا نيوز» أخيرًا) بشكل رئيس على كتاب: «أوراق قطر»، الصادر بالفرنسية عن دار نشر (ميشيل لافون) للصحفييْن «جورج مالبرونو» (بصحيفة لوفيجارو) و«كريستيان شينو» (من إذاعة فرانس إنتر).. وهو كتاب يستند إلى آلاف الوثائق «المُسربة»- فى نحو 295 صفحة بطبعته الفرنسية- حول تمويل الدوحة (النظام القطرى) للمؤسّسات والبرامج التابعة لتنظيم الإخوان الدولى فى أوروبا.. وذلك عَبْرَ ما يُعرف بـ«مؤسّسة قطر الخيرية».



1 -أوراق قطر:

فى حديثه فور صدور الكتاب لـ«شبكة العربية»- قبل عام- قال الصحفى الفرنسى كريستيان شينو (أحد مؤلفَيْ الكتاب): إنَّ «قصر الإليزيه» كان على علم بالتمويل القطرى فى فرنسا - أو بجزء منه- وهم يُقَيّمون هذا التمويل بنحو 10 أو 14 مليون يورو..

.. وخلال الفيلم الذى عرضته «أمس الأول» قناة «إكسترا نيوز» الإخبارية، تم عرض عديد المقاطع المصورة عن حالة الترحيب والتحالف بين الرئيس الفرنسى السابق «ساركوزى» وأمراء الدوحة.. وكيف شكّل هذا التحالف ثنائيًّا واضحًا خلال ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربى»؛ إذْ كان هناك استهداف مزدوج (فرنسى/ قطرى) للعقيد «القذافى» ونظامه بليبيا.. وهو استهدافٌ تم الترويج له داخل المنطقة العربية عَبر فتوَى دموية لمفتى الإرهاب «يوسف القرضاوى» (القيادى بتنظيم الإخوان الدولى).. إذ حرَّض- فى حينه- «القرضاوى» جنودَ وضباط الجيش الليبى، بصورة مباشرة، على أن مَن يجد منهم العقيد «معمر القذافى»، فعليه أن يقتله(!).

يقول «كريستيان شينو» أيضًا: التقينا بمستشار لـ«ماكرون» (أى الرئيس الفرنسى الحالى)، وأكد لنا أنهم كانوا على علم بالتمويل القطرى.. وهو تمويل تُظهر الوثائقُ التى حصلا عليها (أى: كريستيان ومالبرونو) أنها فى حدود 30 مليون يورو(!)..

.. ويتابع: هذا كثيرٌ.. هذا يجعل من فرنسا أحد البِلْدان المستهدفة بتمويل مؤسّسة «قطر الخيرية» بعد إيطاليا التى كانت الأولى.. فهناك نحو 50 مشروعًا تموّلها قطر فى أوروبا من بينها 22 مشروعًا فى فرنسا.. وما كان يُحيّر، هو كيف يصل التمويل، عبر جمعيات».. فالمبلغ الإجمالى للتمويل الدينى (للمنظمات) فى أوروبا هو 260 مليونًا.. تساهم قطر وحدها بنحو 90 مليونًا (تتركز فى إيطاليا وفرنسا).. كما أن هناك فى إسبانيا مشاريع أيضًا، خصوصًا فى برشلونة وفالنسيا ومدريد.. وألمانيا وهولندا كذلك، وصولًا إلى أقصى الشمال النرويجى.. وفى سويسرا وأوكرانيا وبولندا وصولًا إلى شبه جزيرة القرم .. إلى جانب الدنمارك (مسجد كوبنهاجن الكبير).



2 - الإخوان والدوحة.. وبينهما باريس:

بحسب مؤلفَى الكتاب، نشأت فكرته بالعام 2017م، واستمر العمل عليها عامَيْن: (الأول لترجمة الوثائق التى ضمت كثيرًا من التحويلات المالية القطرية للمنظمات الإسلامية فى أوروبا، والثانى للتحقيق والاستقصاء).. إذْ تنقّلا بين عديد الدول، مثل: (سويسرا وبريطانيا وألمانيا وكوسوفو وقطر)، وعدة مدن فرنسية مثل: (ميلوز، وليل، ولوهافر، وليون و بوردو).

.. وبحسب ما نمتلكه من معلومات، لم تكن المُغازلة (الحرام) بين «ساركوزى» و«أمراء الدوحة» (الموثقة بالفيلم والكتاب أيضًا) ابنة لعلاقة طارئة؛ إذْ امتدت جذورها لسنوات خلت، قبل أن يُعاد إخراج المَشهد بصورته الراهنة، فيما قبل عملية التواطؤ التى شهدتها «ثورات الربيع»(!).

فواقعيًّا.. بدأت رحلة «النفوذ الإخوانى» (المتطرف) المدعوم ماليًّا من الدوحة، داخل فرنسا، قبل عشرات الأعوام المنصرمة.. فداخل المنطقة الصناعية بـ«كورناف»، كان يقبع اتحادُ المنظمات الإسلامية فى فرنسا أو (اتحاد المنظمات الإسلامية لفرنسا)، بحسب الترجمة الدقيقة عن الفرنسية، وهو بمثابة الذراع الأوروبية الثانية للتنظيم الدولى للإخوان (تحول اسمه- بالعام 2017م- إلى «اتحاد مسلمى فرنسا»)..

.. إذْ ينقسم الاتحادُ، الّذِى يستمد قوته من شبكة تضم أكثر من 200 جمعية أهلية.. إلى 8 جهات إدارية.. تشرف كل جهة (تمثل بمندوب لدَى الاتحاد) على مجموع من الجمعيات، تقسّم بدورها إلى ثلاث مجموعات حسب درجة الولاء والالتزام: فالشباب، ينتمون إلى الشباب الإسلامى الفرنسى،أو إلى الطلبة المسلمين الفرنسيين.. والأخوات لـ(الرابطة الفرنسية للمرأة المسلمة).. وفى المجال الإنسانى (لجنة دعم فلسطين).. كما تضم (جمعية ابن سينا) الأطباء.. بينما يتجمع الدعاة تحت راية (جمعية أئمة فرنسا).

أمّا من الناحية التاريخية.. فقد أنشئ الاتحاد، فى العام 1983م، بـ«ميرتى موزيل» (Meurthe-et-Moselle)، بمعرفة كل من: التونسى «عبدالله بن منصور»، والعراقى «محمود زهير».

.. وكان فى بدايته، يتكون من تجمعات إسلامية، ذات تنظيم «شبه سرّى»، إذ امتدت جذورُه لتتضمن، اتحاد الطلبة المسلمين بفرنسا (AEIF)، الّذِى أنشأه فى العام 1963م «حميد حميدالله» (ذو أصول هندية)؛ إذْ كان ثمّة علاقة صداقة قوية بين «حميد» وكل من: «سعيد رمضان» (صهر حسن البنا مؤسّس التنظيم الإرهابى، ووالد الداعية طارق رمضان المُدان بعدة جرائم أخلاقية)، والقيادى الإخوانى السورى «عصام العطار».. ورُغم أنه كان اتحادًا صغيرًا؛ فإنه استطاع إقامة العديد من الفروع داخل المدن الجامعية الرئيسية فى فرنسا.

.. وكان الرافد الثانى للاتحاد، هو «المجموعة الإسلامية بفرنسا» (GIF)، الّتِى أنشئت فى العام 1979م، بمدينة «فلانسنيان» شمال شرق فرنسا، بالقرب من مدينة ليل؛ إذْ ضمت تلك المجموعة الطلاب التونسيين بقيادة الداعية أحمد جاب الله، الّذِى كان مرتبطًا، بدوره، و«حركة الرعاية الإسلامية المعارضة» (MTI)، الّتِى قادها «راشد الغنوشى»، وتحولت فيما بعد لحركة النهضة (الفرع التونسى للإخوان).. ورُغم أن «المجموعة الإسلامية بفرنسا» (GIF)، كانت هى القطاع الرئيس الّذِى يتحرك داخله الطلاب التونسيون؛ فإن المجموعة اتخذت فى حينه القيادى الإخوانى، لبنانى الجنسية، «فيصل مولوى» مرشدًا روحيًّا لها.

.. وفى أغسطس من العام 1983م؛ قرّرت تلك المجموعات توحيد رايتها.. وبالتالى.. كان أن أسّست «اتحاد المنظمات الإسلامية» (UOIF)؛ إذْ ساعد على هذا الأمر، عمل حكومة «ميتران» الاشتراكية، فى العام 1981م على «لبرلة» التشريعات الخاصة بإنشاء اتحادات أجنبية فى فرنسا.. كما أن السنوات الأولى من الثمانينيات كانت زمنًا ساده التفاؤل بين الأطياف الإسلامية المختلفة، عقبَ نجاح الثورة الإسلامية فى طهران، إذْ أحيت أمل «البديل الدينى» فى الحُكم.

إلّا أن نقطة التحوُّل، والانطلاق الكبرى فى مسار الاتحاد.. كانت فى العام 1990م.. عندما قام وزير الداخلية الفرنسى إذْ ذاك «بيير جوكس» بإلحاق مؤسّس الاتحاد التونسى (عبدالله بن منصور) بـ«مجلس التفكير حول الإسلام فى فرنسا» (CORIF)؛ إذْ كان يضم نحو خمسة عَشَر عضوًا، يمثلون مُدراء المساجد الكبرى والشخصيات الإسلامية المرموقة هناك.

 حينها.. كان أن توسعت الشبَكة السياسية والاجتماعية بل والأمنية للاتحاد.. وأصبح، فيما بَعد، مَقرّا رئيسيّا، لاحتواء الإسلاميين (التونسيين) الهاربين من مطاردات نظام «بن على».. فضلًا عن أنه أصبح محلًا لتجمّع العديد من قيادات التنظيم الدولى،تحت رعاية راشد الغنوشى أو الشيخ «الراشد» وفقًا لمكاتبات التنظيم السرية رُغم أن «الشيخ الراشد» فضَّل فى وقت تالٍ أن يبقى إلى جوار (أمانة لندن)، حيث بؤرة التنظيم، الأكثر سخونة(!).

.. وبين أروقة «كورناف»، توثق عديدُ الصلات بين نشطاء الاتحاد (خصوصًا التونسيين)، وعدد من دوائر الاستخبارات الفرنسية، مثل: (DGSE).. ولم يكن فى هذا التوقيت لـ«إخوان تونس» (نظرًا للمُلاحقات الأمنية من قِبَل نظام «بن على») تنظيم محدّد الملامح، إذْ تكشف وثائق التنظيم الدولى أنهم كانوا يعملون عبر (أمانة لندن)، حيث كان يقبع الشيخ راشد، بشكل مباشر.. ووفقًا لإحدى وثائق التنظيم (التى ضمَّناها بكتابنا «كعبة الجواسيس: الوثائق السّرّيّة لتنظيم الإخوان الدولى)، فقد أشار «التقرير الخارجى» للتنظيم، فيما قبل انتفاضة الشارع التونسى، إلى أنه كان ثمّة علاقة اتصال بين «الاستخبارات الفرنسية» و«إخوان تونس»(!).

وفى الواقع- كما يُمكننا أن نلحظ أيضًا بين مَحاور الفيلم الوثائقى الذى عرضته أخيرًا «المتحدة للخدمات الإعلامية»- فإنَّ هذا التقارب بين «الإخوان» والدوائر الرسمية الفرنسية فى الماضى، مكَّن الفرع الفرنسى للتنظيم من تأسيس مؤسّسة دعوية، تلقت ملايين اليوروهات من «الدويلة القطرية».. وهذه المؤسّسة، هى: «المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية».



3 – 10 مؤسّسات لتضليل الجاليات:

عكسَ الفيلمُ الوثائقى بجلاء شديد، أن الهدف الرئيس لشبكتَى: (الانتشار الإخوانى، والتمويل القطرى)، هو التحكم فى توجهات الجاليات الإسلامية داخل القارة العجوز.. وهو استخلاص صحيح تمامًا، ودقيق إلى أبعد مدَى؛ إذْ يؤكد أحدث برامج «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» (وهو المَظلة الكبرى لتنظيمات الإخوان بالخارج، بما فى ذلك اتحاد فرنسا)، أن الاتحاد وضَع خطة استراتيجية متعددة الأهداف؛ لاختراق الجاليات الإسلامية، وتوجيهها وفقًا لأجندة تيار «الإسلام السياسى»..

.. ولعل «المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية» هو إحدى نقاط الارتكاز المهمة التى يعتمد عليها كل من: «تنظيم الإخوان» و«النظام القطرى» فى هذا الأمر.. إذْ وفقًا للمعلومات الموثقة التى بحيازتنا (وتكمل بدورها المَشهد التشريحى لتنظيمات الإرهاب فى أوروبا)، فإنَّ المعهد أحد «عَشْر مؤسّسات» مركزية يعتمد عليها نشاط تنظيم الإخوان الدولى بالقارة العجوز، وتتبع اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا»..

.. وتلك المؤسّسات، على سبيل الحصر والترتيب، هى:

(أ)- المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية بـ«باريس» و«شاتو شينون».

(ب)- المعهد الأوروبى بـ«ويلز بريطانيا».

(ج)- المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث (وهو المجلس الذى أسّسه شيخ الإرهاب «يوسف القرضاوى»، ويضم عديد الشيوخ من أعضاء ما يُسمَّى بالاتحاد العالمى لعلماء المسلمين).

(د)- المنتدى الأوروبى للمنظمات الشبابية والطلابية.

(هـ)- مؤسّسة «الوقف الأوروبى».

(ز)- اتحاد المدارس العربية الإسلامية.

(ح)- المنتدى الأوروبى للمرأة المسلمة.

(ط)- المنتدى الأوروبى للإعلاميين.

(ك)- مؤسّسة القرآن الكريم فى أوروبا.

(ل)- منتدى رجال الأعمال (وهو منتدى يعمل بتوجيه مباشر من رجال أعمال التنظيم وعلى رأسهم القيادى «يوسف ندا» مؤسّس بنك التقوى المتهم بتمويل الإرهاب فى أعقاب أحداث 11سبتمبر).

.. كما تُعَد برامجُ الاتحاد، امتدادًا مباشرًا لما عُرف دوليّا بـ«وثيقة المشروع».. وهى الوثيقة الخاصة بعملية تنظيم العمل لاختراق المجتمعات الأوروبية (إخوانيّا).. وفى الواقع فإنَّ الوثيقة (التى تمت الإشارة إليها خلال الفيلم الوثائقى أيضًا) كانت تحمل عنوان: (نحو استراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية).. وتُعَد أول ورقة تنظيمية [متكاملة] تصدر عن التنظيم الدولى فى العام 1982م.. ومن المفارقات اللافتة أنها كشفت- بشكلٍ مباشر- عن سعى الجماعة لتأسيس جهاز رصد معلوماتى (جهاز استخبارات خاص)، يعتمد الوسائل التكنولوجية الحديثة(!).



4 – ماذا قالت المخابرات الألمانية؟:

قبل ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربى»، كان لدَى أجهزة الاستخبارات الألمانية عديد الشكوك حول «المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية».. وكانت تلك الشكوك تدور بالأساس حول القيادى «إبراهيم الزيات» المقيم هناك.. حينها كان أن ربطت شرطة «ميكينهايم» بين «الزيات» و«المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية»، وهو ما توافق ورؤية بعض وكالات الاستخبارات الألمانية، التى كانت ترى أنه (أى: المعهد) «مَفرخة» لرجال الدين المتطرفين.. وتشير وكالة (BND) للاستخبارات الخارجية إلى ارتباط اسمه بعدد من القضايا، الخاصة بعمليات «غسْل الأموال».

وفى الواقع.. فإننا نرى أن ارتباط «الزيات» بالمعهد، طبيعيّا.. ويتماشى وسياق الشبكة العامة الّتِى شكّلها تنظيم «الإخوان» داخل أوروبا (المموّلة قطريّا).. فالمعهد - كما سبق أن أوضحنا - نشأ برعاية «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا» التابع لاتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا.. ويخضع لإشراف مباشر من الداعية «أحمد جاب الله».. وهو داعية تونسى المولد والمنشأ، تولَّى رئاسة «اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا» بين عامَى (1985 و1991م)، وبين عامَى (2011 و2013م).. كما شغل موقعَى: «عميد المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية فى باريس، ونائب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا».. ويُعَد أحدَ الأعضاء البارزين بـ«المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث».

.. كما أن «صبيحة أربكان» (زوجة الزيات وابنة شقيق القيادى التركى «نجم الدين أربكان») عنصرٌ بارزٌ بـ«مركز دراسات المرأة»، التابع للمعهد.

 .. وبحسب وثائق التنظيم ذاتها، تأسّس المعهد فى بادئ الأمر خلال العام 1992م، بالتوازى مع إدارة «اتحاد المنظمات» لعدد من المساجد والمدارس، والمخيمات الشبابية، الموزعة بين أنحاء فرنسا.. وكثير من دروسه تعطى عن طريق المراسلة، إذْ يسعى الاتحادُ من خلال «معهده» لتكوين الأئمَّة بما يتفق وفهم الجماعة للإسلام(!).. ويضم المعهد قِسْمًا لـ«أصول الدين»، وآخر لـ«الشريعة الإسلامية».. ويحتوى على 12 غرفة ومكتبة، وقاعتين للمطالعة وتسع قاعات للدراسة.. ومن أشهَر المترددين عليه، كذلك إلى جانب «الزيات» «طارق رمضان»، ابنُ سعيد رمضان، الّذِى يحمل الجنسية السويسرية، ويُعَد أحد الفاعلين البارزين بـ«التجمع الإسلامى فى ألمانيا».

ومع هذا.. لم تظهر شكوك الأجهزة الأمنية [الفرنسية] حول المعهد إلّا فى وقتٍ أخير(!).



 

5 – استفاقة باريس!:

مع بداية أغسطس الجارى، قالت صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية إنَّ مكتب المدعى العام فى بلدة بوبينى (بالضاحية الشمالية الشرقية لباريس) فتح تحقيقًا أوليّا (غير مُعلن)، قبل شهر حوْل تُهَم تتعلق بـ«خيانة الأمانة» تستهدف إدارة المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية.. وأنَّ التحقيقات تتعلق «بأساليب تمويل أنشطة المعهد».

وفى توافق مع التقارير السابقة للاستخبارات الألمانية، بدأ الإعلام الفرنسى يصف «المعهد» بأنه «مَدرسة الأئمة الغامضة».. إذْ يكتنفه الكثير من الغموض والأسرار (بحسب مصادر الصحيفة).. وتَعتبر الأوساط الفرنسية أن الغموض الذى يلف نشاط وشبكة المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية يعود إلى طبيعة محتوى التدريس وأيديولوجية مؤسّسيها (المتقاطعة وتنظيم الإخوان) والمدرسين الذين يعملون بها إلى جانب مصادر تمويلها [ومنها مصادر التمويل القطرية].

وتشير الصحيفة، كذلك، إلى أن المعهد معروف لدَى أجهزة الاستخبارات الفرنسية، وهى تضعه تحت رقابتها بسبب تبَنّيه ودعمه لـ«الإسلام الراديكالى» (بشكل غير مُعلن)؛ إذْ يوظف أسلوب التضليل باعتماد خطاب يدافع عن الإسلام المعتدل ونبذ التطرف.. إلّا أنه يغذى «الراديكالية» من جانب آخر.. وتضرب الصحيفة المَثل بعميد المعهد «أحمد جاب الله» (الذى أشرنا لسيرته الذاتية آنفًا)، وأنه أبرز مِثال لتجسيد التناقض بين «الخطاب المُعلن» للمؤسّسة التابعة لتنظيم الإخوان الدولى و«حقيقة الأفكار التى تؤمن بها» وتدعمها سرّا.. إذْ تقول:

[يسعى «جاب الله» للترويج لنفسه على أساس أنه صاحب «سيرة ذاتية جيدة» و«مدافع عن الإسلام السلمى»، لكنه لا يستطيع إخفاء حقيقة أنه كان رئيسًا لاتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا (أو اتحاد «مسلمى فرنسا»)، الذى يُعَد الفرع الفرنسى لتنظيم الإخوان.. كما أنَّ بعض طلابه أصبحوا جهاديين، ومن بينهم «رضا حامى» الذى تم تجنيده فى سوريا لاستهداف قاعة حفلات وتم القبض عليه قبل أشهُر من الهجوم على مسرح باتاكلان فى باريس فى العام 2015م.. كما تخرّجت «إيناس مدنى» فى المعهد.. وهى السيدة، التى حُكم عليها بالسجن 30 سنة لمحاولتها تفجير سيارة أمام كاتدرائية نوتردام فى باريس فى سبتمبر من العام 2016م.. فيما غادر البعض من الطلاب الآخرين فرنسا لينضموا إلى جبهات القتال فى سوريا].



6 – ألغاز سويسرا:

توقفَ الفيلمُ الوثائقى (الذى حصلت عليه «المتحدة للخدمات الإعلامية») كثيرًا حول شخصية «محمد كرموس» وزوجته، المقيميْن بسويسرا.. وفى الحقيقة، فإن دائرة كرموس، تمتد من سويسرا إلى قلب فرنسا، أيضًا، عبر «المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية».. ووفقًا لصحيفة «لوباريزيان» الفرنسية، أيضًا، فإنَّ «مارثا لى» (Martha Lee)، وهى باحثة بالمرصد الإسلامى التابع لمنتدى الشرق الأوسط، أشارت إلى أن «المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية» درَّبَ كثيرًا من أعضاء ونشطاء جماعة الإخوان فى أوروبا. وقالت إنه بالعام 2007م، تم القبض على أمين صندوق المعهد (أى: محمد كرموس) أثناء جلبه لمبلغ بقيمة 50 ألف يورو [نقدًا] من النظام القطرى.. ولفتت إلى أن كرموس وزوجته يشاركان بشكل وثيق مع الشيخ «يوسف القرضاوى» (المقيم فى قطر).

ووفقًا لتقارير إخبارية فرنسية، فإنَّ السُّلطات الباريسية تحقق أيضًا فى مصادر التمويل (المشبوه) للمعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية، إذْ تم الكشف- أخيرًا- عن تحويلات تلقتها هذه المؤسّسة من الكويت وقطر.. وفى أغسطس من العام 2018م، حصل المعهد (أو مَدرسة الأئمة، بحسب التوصيف الدارج بالصحافة الفرنسية) على تبرُّع بقيمة 750 ألف يورو من مؤسّسة «قطر الخيرية» (الممولة للإرهاب).. كما حصلت على مبلغ بقيمة 150 ألف يورو من إدارة الشئون الإسلامية فى الكويت فى نوفمبر من العام 2019م، إضافة إلى تحويل 600 ألف يورو من حساب مصرفى بريطانى كان قد موّل مركزًا إسلاميّا فى مدينة مرسيليا(!).

تؤكد صحيفة لوباريزيان (كما يؤكد الفيلم الوثائقى، وكتاب: أوراق قطر) أن هذه العمليات والتحويلات غير قانونية.. وهو ما جعل المحققين يسعون إلى تحديد المشاريع التى موّلها صندوق الهبات التابع للمعهد. كما تشمل التحقيقات التى تجريها السُّلطات الفرنسية تهمة اختلاس الأموال المخصصة للمعهد لتحقيق مكاسب خاصة.

فى وقت سابق، كان أن خضعت مبانى «المعهد الأوروبى» لفحص أمنى غير معلن، كما أمرَ بإغلاق المعهد لعام واحد فى 2019م.. إلّا أن القائمين على المعهد تمكنوا من مواصلة أنشطته عبر تأجير غرف بمدارس خاصة فى باريس.. وأطلق المعهد حملات لجمع تبرعات، تم الإعلان- على إثرها- عن إنشاء صندوق هبات لضمان توافر التمويلات يتم توظيفها فى تنفيذ خطط المؤسّسة وإعادة تأسيس مبانيها. كما أطلقت «اشتراكًا فى تمويل مشروع حرم جامعى مستقبلى».. ويجرى المعهد عدة اتصالات خاصة مع مؤسّسة قطر التى تموّل مشاريع التنظيم حول العالم؛ لتنفيذ خططه ومشاريعه.

تقول، كذلك، المصادرُ الفرنسية «لقد انتهوا لأن المقايضة التى فرضتها مؤسّسة قطر كانت لضمان مِلْكية المبنى». وتحقق السُّلطات إلى جانب التقصّى فى مسألة تمويلات المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية، فى التحويلات المالية الأخيرة بين الكويت وقطر والمعهد الدولى للصحة والبيئة».



7 – فرنسا ليست وحدها:

يسعى «الإخوان»- إذن- للتغلغل بقوة فى فرنسا؛ لاختراق مؤسّسات الدولة، والتمدُّد داخل المجتمع عبر «التعليم» (كقوة ناعمة).. وعبر سنوات خلت، كان المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية رائدًا فى افتتاح عديد المدارس والمنظمات والجمعيات الإسلامية.. حتى أصبح بفرنسا وحدها نحو 30 مَدرسة تتخذ صفة الإسلامية، من بينها معهد ابن سيناء الذى شارك فى تأسيسه «عمار لصفر» الرئيس الحالى لـ«اتحاد مسلمى فرنسا» (اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا).. وهو الأمرُ الذى دفع وزيرَ الداخلية الفرنسى «جيرالد دارمانين» للتعبير- خلال الشهر الماضى- عن مخاوفه [فى حديث صحفى] من انتشار تيار «الإسلام السياسى» (وعلى رأسه تنظيم الإخوان).. كما حذر- نهاية الشهر الماضى- تقريرٌ صادرٌ عن لجنة خاصة بمجلس الشيوخ الفرنسى من خطر «الإسلام الراديكالى» فى البلاد، وأن الإخوان تغلغلوا فى مفاصل المجتمع الفرنسى.

إلّا أن فرنسا لم تكن وحدَها فى هذا المضمار- وإن كانت محور انطلاق الكتاب والفيلم الوثائقى- إذْ امتدت الشبكة التى تموّلها «قطر» لدعم الإسلام الراديكالى داخل عديد البلدان بالقارة العجوز.

فوفقًا لـ«أوراق قطر» شهد العام 2014م، تمويلًا قطريّا لـ113 مسجدًا ومركزًا إسلاميّا فى جميع أنحاء أوروبا، بنحو 71 مليون يورو.. وكانت إيطاليا هى الدولة التى استثمرت فيها أكثر من غيرها، حيث أقامت 45 مشروعًا بقيمة 22 مليون يورو.. كما استثمرت قطر فى نحو 45 مشروعًا فى إيطاليا (بشكل رئيس فى جزيرة صقلية)، وشمال البلاد فى مدن: («سارونو» فى بياتشينزا، مرورًا بـ«بريشيا» والساندريا).. إلى جانب عديد البلدان الأوروبية الأخرى.