الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

شهور «مهنة الملوك» الصعبة

ارتبطت مهنة الفراشة وتنظيم الاحتفالات بالمناسبات والمراسم المختلفة، ما جعل العاملين فى ذلك القطاع يعانون من وقف حال مصدر رزقهم منذ انتشار فيروس كورونا،  فى مارس الماضي، إذ دخلوا فى نفق مظلم لم يخرجوا منه حتى الآن لعدم تحديد موعد لعودة حياتهم الطبيعية وأنشطتهم.



رغم مرور أكثر من شهر على نهاية إجراءات الحظر، وعودة أغلب الأنشطة كالنوادى والمقاهى والمساجد والكنائس، فإن قطاع الفراشة وتنظيم الاحتفالات مازال مغلقًا بسبب منع التجمعات والتكدسات لتخوف الحكومة من عودة انتشار الفيروس.

لجأ بعضهم لبيع معداته، وأصبح أغلبهم أسيرًا للديون، وفى السطور التالية ترصد «روزاليوسف» معاناة أصحاب تلك المهنة.

 

 الحاج علي.. من مهنة الملوك إلى رحلة الجوع 

بعد خمسين عامًا أفنى خلالها الحاج على الوسيمي، عمره بالعمل فى مجال الفراشة، قرر العزوف عن تلك المهنة ليقضى باقى سنوات عمره إلى جانب زوجته العجوز وأبنائه، ويقول: «أنا غير منتظر العمل تاني.. ولو اشتغلت هيبقى موسم واحد لسداد ديوني.. لكن هنلاقى موجة تانية لكورونا ونبدأ رحلة الجوع من جديد».

عقود مرت.. عمل خلالها الحاج على الذى يعد من قدامى العاملين فى مجال الفراشة، فى مهنة أطلق عليها من حوله اسم «مهنة الملوك»، حيث عاصر جميع الرؤساء وصنع فراشات لأهم الأحداث، لكنه يصف حاله الآن بأنه أصبح مثله مثل الشحات بل أقل منه: «الشحات يستطيع أن يمد يده للغير طلبًا للمساعدة فيتوفر لديه دخل يومي.. لكن أنا معنديش أى دخل.. فى حياتى مشوفتش أيام أسوأ من السبعة أشهر الأخيرة».

يساعد الحاج أحمد اثنان من أبنائه فى عمله،  أحدهما متزوج، والآخر كان يحضر لزفافه، الذى أجل نظرًا للظروف الصعبة، وإنفاق المبالغ التى كانوا يدخرونها للزواج.

يتذكر الحاج على «الأيام الحلوة» حسب وصفه، ومواسم ازدهار المهنة خاصة فى شهر رمضان بإقامة موائد الرحمن وإنارة المحلات، وعيد الأضحى الذى كان يربح خلال أيامه مبلغًا يصل إلى 15 ألف جنيه، لتجهيز شوادر الأضاحى والجزارين قبل بداية شهر ذو الحجة: «السنة دى جزار واحد هو اللى طلب منى أعمله شادر للعيد والحى أزاله».

فى نبرة حزن واستياء لما وصل إليه حاله يقول: «خسارتى كبيرة مش خسارة مال بس.. خسارة عليا وعلى أسرتى والناس اللى شغالة، كفاية الخسارة النفسية اللى الواحد فيها».

 قرر الحاج على بيع معداته بخسارة كبيرة، «الحاجة اللى تمنها 900 بأبيعها بـ 200 والكرسى اللى بأشتريه بـ 145بأبيعه بـ 35.. لازم أعمل كده هعيش إزاي».

كما اضطر الحاج على إلى أن يكدس المعدات فى مخزنين فقط بعد أن كانوا أربعة، بعد بيع جزء كبير منها، لتراكم الإيجار الشهري: «أنا مش ضامن الشهور الجايا هيحصل إيه».

فنى يتجه إلى السرقة بعد وقف حاله 

يوجد ما يقرب من 850 ألف شخص مسجل للعمل بالفراشة، وغير المسجلين أضعاف هذا العدد، بخلاف المرتبطين بالمهنة، جميعهم يعانون من وقف الحال، ويوضح الحاج علي أن أعدادًا كبيرة من العمالة تم تسريحها: «أحد الفنيين اللى معايا لجأ للسرقة لعدم توفر عمل بديل».

عودة يبيع معداته لسداد ديونه

«باب رزقنا مقفول بأمر الحكومة» هكذا يقول محمد عودة، صاحب مكتب فراشة فى منطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة، معبرًا عن حزنه الشديد بعد أن تسبب انتشار فيروس كورونا منذ مارس الماضى فى سد باب رزقه، إلى أن أصبح أسيرًا للديون هو وأسرته المكونة من زوجة وطفلين.

«قرارات الحكومة مزعلاني.. مفيش منطق فى الدنيا يقول إن كل الناس تشتغل واحنا نقعد فى البيت» حالة من السخط تظهر على «عودة» حينما يتحدث عن القرارات الحكومية بشأن الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار كورونا، وعودة فتح الحياة من جديد، مستنكرًا فتح جميع الأنشطة عدا النشاط الخاص بمهنته.

اضطر «عودة» بسبب توقف عمله أن يبيع جزءًا من معداته لسداد ديونه والأقساط المطلوبة منه لسيارة نقل اشتراها قبل الجائحة، بقيمة 4500 جنيه شهريًا، إضافة إلى إيجارات ثلاثة مخازن إيجار الواحد منها ألف جنيه.

مليون جنيه خسائر

خابت توقعات «سامح» بعد أن سافر إلى الصين فى ديسمبر الماضي، لاستيراد معدات جديدة يطور من خلالها شركته الخاصة بتجهيز الحفلات، استعدادًا للموسم الجديد فى يناير مع احتفالات رأس السنة الجديدة، ولم يكن يتوقع أن يصبح مصير تلك المعدات التى دفع فيها مبالغ طائلة فى المخازن: «دفعت كل السيولة المتوفرة لدى على أمل بداية موسم أقوى».

أصبحت المعدات بلا قيمة بعد شهر واحد فقط من استقدامها، بعد أن انتشر الفيروس فى مصر: «كأن الدنيا توقفت منذ شهر يناير، الموسم بيكون شهر يناير فقط ليعود الموسم الجديد فى مارس لكنه لم يعود».

تعد مواسم رأس السنة والأعياد فرصة كبيرة لتشغيل الشركة والعاملين وجنى الأرباح، ويتذكر «سامح» فى حماس شديد أنه فى مثل ذلك الوقت من كل عام تعمل الشركة كخلية نحل فى تجهيز حفلات يوميًا لنجوم كبار مثل الفنانين عمرو دياب ومحمد حماقي، إضافة إلى حفلات الزفاف، ليعاود الحديث بنبرة تملؤها الحسرة حول الوضع الحالى قائلًا: «احنا فى مصيبة كبيرة».

قيمة كبيرة من الخسائر تخطت المليون جنيه تقريبًا تعرضت لها الشركة خلال فترة الجائحة: «مهما أقول من خساير فهى أكبر من أى تخيل»، ويشير «سامح» لأنه ملتزم بدفع قيمة نصف الرواتب للعمال لعدم استطاعته الاستغناء عنهم، إضافة إلى الإيجارات والمصروفات الأخرى.

200 مليون جنيه خسائر العاملين بالفراشة منذ بداية الجائحة

 من جانبه قال محمد فوزى، رئيس شعبة الفراشة بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن أكثر من 5 ملايين مقاول فراشة على مستوى الجمهورية، متوقفون عن العمل منذ مارس الماضي، وأن خسائر القطاع تخطت مبلغ مائتى مليون جنيه.

وندد فوزى بقرارى إلغاء شوادر الأضاحى خلال الموسم الحالي، وإلغاء إقامة صلاة العيد بالمساجد، فى ظل أنهم ينتظرون أى موسم لتعويضهم عما سبق من خسائر.

وأشار إلى اتجاه أعلب العاملين فى مجال الفراشة لبيع ممتلكاتهم، قائلًا: «هيصرفوا منين مش لاقيين ناكل وخلاص تعبنا وبنبيع حاجتنا».

 وأكد أن جميع العاملين بالفراشة يلتزمون بقرارات الحكومة، لكنهم اقتربوا من الانفجار لعدم استطاعة أغلبهم تحمل الوضع أكثر من ذلك، مشيرًا لأن «الوضع لو استمر أكثر من ذلك هنموت.. مش هنقدر نستحمل».