الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
 عمر الشريف.. حضور طاغٍ!

عمر الشريف.. حضور طاغٍ!

عرفناه من خلال تجسيد أدواره التى أبدع فيها ابتداءً من ظهوره على الشاشة المصرية فى زمن (الأبيض والأسود) ابتداءً من (صراع فى الوادى) و(صراع فى النيل) و(أيامنا الحلوة) و(إشاعة حب) و(نهر الحب) و(بداية ونهاية) و(فى بيتنا رجُل).. إلخ.. ثم غيابه عن السينما أثناء تعاظم سطوة المخابرات العامة قبل حرب (يونيو 67)؛ حيث اشترك فى تمثيل عشرات الأفلام الأوروبية والأمريكية.. ثم غيابه عن مصر مرّة أخرى نحو عشرين عامًا من (1965 - 1983م) لينطلق انطلاقته العالمية مع المشاهير.. ثم عودته مرّة أخرى إلى السينما المصرية ابتداءً من فيلم (أيوب) إخراج «هانى لاشين» ثم أعقبه بفيلم (الأراجوز) للمخرج نفسه.. و (المواطن مصرى) لصلاح أبو سيف و(حسن ومرقص) مع «عادل إمام».. إلخ..



لقد كان «عمر الشريف» دُرَّةً من دُرَر السينما المصرية.. والعالمية الغالية.. وهو يُعتبر الممثل الوحيد الذى عَبَر الحدودَ وانطلق ليحقق تميزًا عالميًا مبهرًا مع كبار المُخرجين الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين.. ووقف أمام ألمع الممثلين.. وحصل على «الجولدن جلوب» أكثر من مرّة.. بالإضافة إلى جائزة «التسامح».. وهى الأولى من نوعها من مهرجان البندقية عن دوره فى فيلم (إبراهيم وزهور القرآن) قدّم من خلاله شخصية بائع كتُب عجوز تنشأ بينه وبين شاب يهودى علاقة صداقة قوية.. إنه ذلك التسامح الذى شمل أيضًا حياته الشخصية.. فقد وُلد يهوديّا ثم اعتنق الإسلام وتزوّج نجمة سينمائية كبيرة مسلمة هى «فاتن حمامة»..

لكن المفارقة أنه أحب بعد ذلك نجمة يهودية هى الممثلة والمغنية (باربرا سترايسند) التى مَثّل معها فيلم (فتاة مرحة).. فما كان من الحكومة المصرية وقتها إلا أن قامت بمنع عرضه لغضبها من قيامه بالتمثيل مع شخصية يهودية..

ولا جديد أن نقول إنه كان يتمتع بموهبة فيّاضة فى فن التمثيل.. وإن الأفلام السينمائية المصرية التى قام ببطولتها قد اكتسبت فى كثير منها قيمة كبيرة بسبب تجسيده لبطولتها.. فالمُدهش مَثلًا أن دور العاشق الذى لعبه فى فيلم (نهر الحب) أمام «فاتن حمامة» والمأخوذ عن رواية (أنا كارنينا) قد جذب إليه جماهير المتلقين الذين تعاطفوا تعاطفًا جَمّا مع قصة الحب، أو فلنقل قصة الخيانة التى جمعت بينهما بعيدًا عن أعين الزوج المخدوع، الذى جسّد دورَه ببراعة «زكى رستم».. بل توحّدوا مع شخصيته وتمنوا أن ينتصروا له لينجح فى تتويج قصة الحب تلك إلى الزواج منها بعد التخلص من زوجها بالطلاق.. ذلك رُغم فشل السيناريست فى رسم الشخصيات بأبعادها الاجتماعية والنفسية ومخاصمتها للمنطق.. فالزوج الذى أراد له أن يكون منفرًا وكريهًا لم يكن هكذا فى حقيقة الأمر.. بل على العكس.. كريمًا معطاءً نبيل السلوك والخُلق.. ولا يستحق أن تتمرد عليه هذه المارقة الجاحدة لفضله عليها وعلى أسرتها.. لكنها طعنته فى شرفه.. دون جريرة أو مُبرر.. واستحقت بالتالى أن يُحرمها من رؤية ابنها..

ويقدم «عمر الشريف»- رُغم أنه كان فى بداية الطريق- درسًا فنيّا راقيًا لأبطال الكوميديا فى فن الأداء الكوميدى فى (إشاعة حب) إخراج «فطين عبدالوهاب»، فجسّد روح الشخصية وملامحها الداخلية معتمدًا على الموقف والحدث الدرامى دون تزايُد أو محاولة لإقحام لزمات خاصة أو افتعال للإضحاك.. فأعطى الدورَ عمقًا وأكسبه قدرة على البقاء فى ذاكرة ووجدان المتفرج..

تبقى من ذكرياتى عن لقاءات قليلة عابرة معه سجاياه العطرة من حضور طاغ فى الواقع كما فى السينما.. احترامه الكامل لعمله.. وحرصه البالغ على دراسة أبعاد الشخصية الدرامية التى يُجسّدها.. واللماحية والذكاء والفراسة فى رصد التفاصيل.. وحميمية علاقته بالمجتمع المصرى رُغم فترات بعاده الطويلة.!