الجمعة 6 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الصلاحية الأبدية لـ«بوب مارلى»

فى كل مرّة أستمع فيها إلى أغنيات الفنان الجامايكى «بوب مارلى»، يزداد عشقى الشديد له ولمسيرته، باعتباره واحدًا من أساطير الغناء فى التاريخ، أعماله قادرة على عبور الأزمان، تستطيع أن تُعَبر عن أحداث عديدة، حتى بعد وفاة صاحبها بعشرات السنين، وهو ما يعنى أن خطر التمييز العنصرى الذى حاول «روبرت نيستا مارلى» محاربته بالموسيقى لايزال موجودًا بيننا.



 

 

لون البشرة كان له التأثير الأكبر فى الكثير من الأغانى الخالدة لأسطورة موسيقى «الريجى»، فهو ابن الكابتن «نورفال مارلى» الضابط فى البحرية البريطانية «أبيض اللون»، وأمّه السيدة الجامايكية السمراء «سيديلا بوكر»، وبسبب رفض عائلة والده لهذه الزيجة، قام «نورفال مارلى» بهجر زوجته وتركها مع ابنها «روت»، الذى لم يسلم هو الآخر من عنصرية أهل مدينته فى «جامايكا»؛ لأن لون بشرته لم يكن أسود خالصًا مثل باقى سكان القرية، وهو ما جعله يتحمل الكثير من المصاعب حتى من أبناء وطنه الذين يعانون هم أيضًا من العنصرية من قِبَل أصحاب البشرة البيضاء؟!

 

هذه البيئة التى نشأ فيها «بوب مارلى» جعلته يرفض كل أشكال التمييز العنصرى، وحاول بقدر المستطاع فى الكثير من الأغانى معالجة هذه الأمور، وكانت أغانيه محفزة للمستضعفين والمظلومين والمهمشين للمطالبة بحقوقهم والحصول عليها.

 

فمثلًا، قام «مارلى» بالتأكيد على مبادئ المساواة بين البشر فى أغنية (war) عندما قال: «إن الحروب ستظل قائمة فى كل مكان حتى نتخلى عن الأفكار التى تجعل أحد الأعراق متفوقة على غيرها، وألّا يكون هناك مواطن درجة أولى، ومواطن بدرجة أقل، وألّا تكون هناك أهمية إلى لون بشرة الإنسان»، وهذا ما يحدث حاليًا!.

 

ومن أهم ما كان يميز «بوب مارلى»، هو طريقة غنائه فى المطالبة بحقوقه وحقوق مَن يمثلهم بكل كرامة وكبرياء، وأكبر دليل على ذلك أغنية (Jammin) التى تقول «لن تستطيع طلقات الرصاص أن توقفنا، وسنظل نغنى حتى تنتهى بنا الحياة، ولن نتسول ولن ننحنى، ولسنا خاضعين للشراء أو البيع، وبالاتحاد سندافع عن حقوقنا».

 

وإذا كان البعض يندهش لماذا يقدم  فنان على استخدام كلمات مثل «الرصاص»، و«الحرب» فى أغانيه، ولماذا لم تكن أغانيه حالمة بالشكل المتعارف عليه؟ فالإجابة تأتى من أن حياة «بوب مارلى» نفسها كانت صعبة للغاية وأكثر من مرّة تعرضت حياته للخطر، ومنها ما حدث يوم 3ديسمبر عام 1976م ومحاولة اغتياله مع زوجته «ريتا مارلى»، وأيضًا مدير أعماله من قِبَل مسلحين فى منزله، وقد أصيب بجروح طفيفة فى الصدر والذراع، بينما نجت زوجته بأعجوبة من الموت عندما اخترقت الرصاصة العمامة التى كانت ترتديها ولم تصب بأى أذى، وهذا يؤكد صدق ما كان يقدمه فى أغانيه وأنه كان مُعبرًا حقيقيّا عن واقع مؤلم ومرير.

 

محاولة اغتيال «بوب مارلى» جاءت بالتزامن مع فترة التوتر بين حزب العمال والحزب القومى الشعبى فى جامايكا، وكان الأسلوب المتبع بين الحزبين هو تجنيد المسلحين من أجل خوض حروب خلفية لتحقيق المكاسب السياسية عن طريق السلاح. هذه الواقعة المؤلمة عبّر عنها فى أغنية (ambush in the night) عندما قال «انظر إليهم يتقاتلون من أجل السُّلطة، ولكنهم لا يعلمون أن وقت موتى لم يأتِ بعد، ولذلك يحاولون رشوتنا بأسلحتهم وأموالهم ويحاولون الحط من شرفنا، ويقولون إن ما علينا معرفته هو فقط ما يقولونه لنا، كأننا جهلة»، ويكمل سرد  تفاصيل محاولة اغتياله قائلًا: «كمين فى الليل، أطلقوا النار علىّ، كل الأسلحة موجهة ناحيتى، لن يستطيعوا المساس بنا».

 

«بوب مارلى» كان فنانا له تأثير كبير على مجتمعه، والدليل ما فعله فى الحفل الذى أقيم عام 1978، عندما دعا المتحاربين فى جامايكا لنبذ الخلافات وتحقيق السلام، وكان من ضمن الحضور «مايكل مانلي» الوزير الجامايكى و«إدوارد سياجا» زعيم حزب العمال المعارض، وتصافحا على المسرح وسط هتاف الآلاف من الحضور على موسيقى «الريجي»، كمحاولة منه لوقف أعمال العنف الواقعة بين أهالى وطنه.

وبشكل شخصى، ستظل أغنية(One Love) هى أكثر أغنية أحب سماعها بصوت «بوب مارلي»، خاصة فى الجزء الذى يقول فيه: «حب واحد، قلب واحد، فلنتحد سويا ونشعر بأننا بخير»، وأتصور أنه لو آمن الكثيرون بمقاصد هذه الأغنية لتغير شكل العالم إلى الأفضل، ولم نكن نرى كل هذه الأفعال العنصرية من حولنا!>