
عاطف بشاى
نقد النقد
حفلت مجلتنا الغراء بملف مثمر يحمل رأى وشهادة اثنى عشر ناقدًا وناقدة فى تغطية جيدة لدراما المسلسلات الرمضانية.. فهاجم «عصام زكريا» الرسم المضطرب للشخصية الرئيسية فى مسلسل «لعبة النسيان» حيث يسود الغموض والالتباس، ما يؤثر على مصداقية العمل برمته.. وينتقد الإسراف فى استخدام (الفلاش باك) حيث يتم تركيب البناء كله وفقًا لعملية استعادة الشخصية لذاكرتها وبالتالى لا تشغل مشاهد الحاضر سوى جزء صغير.. ويصبح هذا الجزء لا قيمة له لأنه يتحول إلى (زمن ميت) وذلك يمثل خطأ جوهريًا فى البناء الدرامى.
وتأتى المقارنة الذكية فى مقال «طارق مرسى» بين رائعة «نجيب محفوظ» (القاهرة 30) التى جسدها «صلاح أبو سيف» فى فيلم من أهم كلاسيكيات السينما المصرية وبين مسلسل (ليالينا) لتكشف عن فداحة عدم القدرة على التعبير عما يسمى بالحتمية الاجتماعية والتاريخية.. وبالتالى تنصب المقارنة فى تفوق (القاهرة 30) فى رصد البعد الاجتماعى والتاريخى الذى نجح فيه السيناريو والإخراج فى تجسيده لأحوال مصر الملكية.. وانعكاس الفساد السياسى وطغيان حكومة صدقى باشا الذى صرح عندما شكل وزارته أنه سوف يسعى إلى أن يرتدى كل اثنين من الفلاحين جلبابًا واحدًا.. وانعكاس هذا الطغيان على الطبقات الفقيرة.. على عكس مسلسل «ليالينا» الذى فشل كاتبه ومخرجه فى التعبير عن فترة تمدد التعصب الدينى والتيارات الإرهابية فى فترة الثمانينيات.. ومن ثم فشل المسلسل فى تحقيق أهدافه الفكرية.. وانصرف إلى معالجات شكلية وسطحية للواقع الاجتماعى والسياسى فى مصر فى تلك الفترة.. والمقال جيد حيث يضع فيه الناقد تركيزه على لب وجوهر المحتوى والمضمون.
كما أن التحليل الرصين لـ«رامى عبد الرازق» لمسلسل (الفتوة) حيث يركز على أسباب النجاح الأساسية باعتماد المؤلف على الرسم الجيد للشخصيات الدرامية بأبعادها النفسية والاجتماعية ومن ثم قدرة هذه الشخصيات على إنشاء الصراع الدرامى وصولًا إلى المضمون الذى يؤكد فيه أن «العدل والدم» لا يمكن أن يجتمعا إذا ما أراد الإنسان أن يحافظ على جوهر إنسانيته ولون قلبه صافيًا.. والمقال يمثل نموذجًا جيدًا لقدرة الناقد على تفنيد البناء الدرامى الذي أجاد السيناريست نسجه وكيفية تجسيده إخراجيًا بالإضافة إلى نقد تفاوت مستويات المونتاج والتصوير والديكور والتمثيل فى خدمة الموضوع المطروح.. وأنا أتفق تمامًا مع «مجدى الطيب» فى سخطه على الأصوات التى ارتفعت تقلل من تميز «محمد رمضان» فى مسلسل (البرنس) وتعقد مقارنة بينه وبين «أحمد زاهر» بدلًا من أن تصفق «لمحمد رمضان» لأنه استعاد توازنه وبريقه وبرهن بجلاء أنه يمتلك موهبة حقيقية.. لكن ما يبعث على الأسى والغيظ أن تتجاسر ناقدة باستهلال مقالها بعبارة تقول فيها أن الهدف الأساسى من أى فن هو التسلية والمتعة وأن ذلك هدف راقٍ..استطاع مسلسل (اللعبة) تحقيقه. وهى عبارة يمكننا أن نسمعها تتردد على ألسنة العامة الذين يدخلون دور العرض السينمائية أو يتحلقون حول أجهزة التليفزيون ليشاهدوا المسلسلات وفى جعبتهم أكياس اللب والسودانى.. والفشار أو يذهبون مع أولادهم إلى الملاهى أو عروض السيرك فيضحكون ملء أشداقهم على فكاهات البلياتشو وبين الفقرات.. وليس مجالنا الآن أن نشرح لناقدة متخصصة ماهية الفنون وعلاقتها بالفكر والابداع والثقافة والوعى والعقل والوجدان..
والملاحظ هنا أن ارتباط التسلية بمفهوم الفن ينسحب على بعض النقاد بشكل واضح ومحدد عند تقييمهم للأعمال الكوميدية.. فهم لا يدركون أن الكوميديا تخضع للبناء الدرامى مثل التراجيديا.. ويتحدد البناء الدرامى فى المقدمة المنطقية ورسم الشخصيات بأبعادها المختلفة وصناعة الأحداث وتتابعها وتصاعدها وصولًا إلى الصراع ثم الذروة التى من خلالها يحل هذا الصراع.. وبالتالى فهم لا يدركون أن الكوميديا فن عظيم يعالج تناقضات الواقع وقضايا المجتمع وعورات الشخصيات ويخلع الأقنعة عن الفاسدين والأفاقين والانتهازيين والمدعين.. ويسعى إلى عالم بديل متحرر من مثالب واقع ردىء.. ويحدث صدمة فى وعى وعقل المشاهد تدفعه إلى السعى لتغيير واقعه فى إطار من السخرية متسلحًا بالمفارقة وسوء التفاهم.. ويصبح الضحك نتيجة لهما وليس هدفًا تحكمه أساليب الضحك الاصطناعى مثل «الإفيهات» الغليظة والنكات التافهة وتبادل القافية والتلاسن الممجوج لذلك فلا عجب أن يصرح «مصطفى عمار» أن جزءا كبيرا من فشل مسلسل «رجالة البيت» لا يتحمله صناع المسلسل وحدهم فالمشكلة ليست فى ضعف المسلسل بقدر تغير مزاج المتلقى الذى أصبح أكثر توترًا وحزنًا بسبب محاصرة فيروس «كورونا» له وزيادة عدد الوفيات.. الأمر الذى جعل نسبة كبيرة جدًا من المشاهدين يصابون بالاكتئاب ومن ثم إضحاكهم من خلال عمل كوميدى أمر فى غاية الصعوبة!!
والحقيقة أنى أصبت بالاكتئاب من جراء هذا الرأى.