
عاطف بشاى
خدعوك فقالوا
خدعوك فقالوا إن تلك الأكلاشيهات الدارجة والتعميمات المخلة والتعبيرات الحنجورية التى يطلقها المتحذلقون الذين يزعمون باسم حرية التعبير وحقوقها المرعية تستوجب أن تعبر عن نفسها دون حجر أو تقييد أو استنكار أو شجب فيما يتصل بالمدعو «رامز جلال» فيما يقترفه سنة بعد أخرى فى برنامجه الرمضانى.. وأن المتلقى المستاء مما يراه ليس مجبرًا على متابعته ومن لا يعجبه ما يشاهده فعليه إغلاق التليفزيون أو تحويل وجهته إلى قناة أخرى ينعم فيها بما يروقه.. والحقيقة أن هذه الآراء تصدق فى حالة إذا اتفقنا أن ما يقدمه «رامز» يمكن تصنيفه باعتباره برنامجًا ترفيهيًا مسليًا يعتمد على أحد المقالب الطريفة التى يقع فى براثنها ضيف مخدوع فيثير المقلب ضحك وإعجاب واستمتاع المشاهدين بصرف النظر عن سطحية المحتوى أو عدم مخاطبته لعل المتفرج بمعلومة مفيدة أو معرفة ثقافية أو علمية أو تاريخية.. واقتصر الأمر على مجرد الترويح عن النفس وإشاعة نوع من البهجة والحبور.
وقد كان برنامج المقالب الشهير الذى يقدمه «إبراهيم نصر» عدة سنوات منتحلًا شخصية وهمية هى «زكية زكريا» يندرج تحت هذه النوعية من البرامج.. وكان يعتمد فى مادته على ردود أفعال ضحايا المقلب التى تتنوع وتتناقض باختلاف تركيباتهم النفسية والاجتماعية واختلاف ثقافتهم وأعمارهم وجنسهم.. وتمثل ردود الأفعال تلك طرافة.. وتكشف عن المفارقة المدهشة لسلوك الشخصيات.. وفى ذلك إثراء حقيقى للبرنامج.. يجعلنا نتأمل ونفكر ونضحك.. لكن ما يقدمه «رامز» لا يمكن تصنيفه باعتباره برنامجًا بل جريمة بكل المقاييس تنطوى على ترويع الآمنين من الضيوف والمشاهدين والسخرية منهم وإهانتهم والخوض فى تجريحهم بما يدعى معرفته بأمور حياتهم الشخصية فيما يسمى «بالتجريس» مصحوبًا بالتشفى.. وهو يمارس ذلك بقلب بارد وبسادية بشعة تنطوى أيضًا على «مازوكية» واضحة.. فكم اللعنات والشتائم التى يتلقاها من الضيف يتقبلها بسعادة غريبة.
ومن المضحك أن ينصرف الكثيرون عن الجانى ويلقون باللائمة على الضيوف الذين استجابوا بنوع من التواطؤ بالموافقة على الاستضافة المهنية مقابل جشعهم المادى.
إن هذا لا يعفى الجانى من ارتكاب الجريمة مع سبق الإصرار والترصد.
خدعوك فقالوا إن الميلودراما لا تمثل فنًا من الفنون المرئية الراقية لما تحتويه من أحداث فاجعة ومصادفات قدرية متوالية.. وأحزان قاتمة وبكاء وعويل ومبالغات مأسوية ولكن الحقيقة أن هناك ميلودراميات خالدة فى تاريخ السينما اتخذت من التراجيديا روحها ومغزاها وعمقها.. وتأثيرها الراسخ فى القلوب.. فاعتمدت على عاطفتى الخوف والشفقة التى أرسى دعائمها «أرسطو» والاندماج الانفعالى وتقمص سلوك البطل ومعايشة أحزانه ومعاناته والخوف على مصيره الغامض وكأنه مصيره هو.. وتخلت عن كثرة المصادفات واعتمادها على القدر دون إرادة فاعلة.. بالإضافة إلى الرسم الجيد للشخصيات بأبعادها الاجتماعية والنفسية وتبرر سلوكها تبريرًا منطقيًا يدفع بالأحداث إلى الأمام نحو صراع محتدم وذروة درامية مشتعلة.
وهذا ما فعله بالضبط كاتب سيناريو ومخرج مسلسل «البرنس» الذى يقوم ببطولته «محمد رمضان» حيث قدم شخصياته باعتبارهم من لحم ودم وأعصاب ونزاعات واطماع وأهواء.. وليسوا أنماطًا يضعهم فى قوالب جامدة.. ويعتبرهم ضحايا قدر غادر وزمن غابر يلقى بهم فى التهلكة دون ذنب أو جريرة.. وهم مستسلمون فى خنوع لمهب الريح دون مقدرة أو رغبة على تجاوز محنهم.
وكان نتيجة هذا الفهم الواعى لمفهوم الميلودراما الجيدة باعتبارها ابنًا شرعيًا للتراجيديا أو «المأساة» مسلسلًا جيدًا.. محكم السبك والحبك يتبارى فيه الممثلون فى مباراة من الأداء الخلاب.. ويصبح المسلسل طوق نجاة أو مصباحًا سحريًا وإنقاذًا مأمولًا لـ«محمد رمضان» يخلع بموجبه ثوبه القديم الذى كان يعتمد فيه على ميلودراما «البلطجة» ليرتدى ثوبًا جديدًا براقًا من ميلودراما الفن الجميل.