الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كوميديا الورش!

كوميديا الورش!

ما زال فيروس كورونا «دراما الورش» سادرًا فى غيه منتشرًا انتشارًا مخزيًا فى المسلسلات الرمضانية هذا العام كالأعوام السابقة.. وتبدو أعراضه منذ الحلقات الأولى بل منذ الكادرات الأولى واضحة وجلية وغير مستترة... وبالتالى فإن الكتابة النقدية منذ الحلقات الأولى، بل منذ الكادرات الأولى، لا تحتمل الانتظار أو التريث ولا يجانبها الصواب عند التقييم.



 

ونظام الورش يعنى أن يشترك مجموعة من كتاب السيناريو الهواة فى كتابة وصياغة وتوليف العمل الدرامى برئاسة أو تحت ملاحظة منسق أو مشرف عام يكون هو «الألفة» وهو الذى يختار هذه المجموعة وفقًا لتصوره أو «استلطافه» لهم ليكون منهم فريق عمل ويوزع عليهم المهام.. فهذا يكتب المشاهد الخاصة بالبطل.. وعلاقته بالبطلة.. والثانى يكتب المشاهد الخاصة ببعض الشخصيات الرئيسية والثالث يختص بتأليف الأحداث.. ورابع يهتم بالشخصيات الثانوية و«الكاركترات» وخامس يؤلف الحوار وسادس يطعم هذا الحوار ببعض اللزمات أو الإيفيهات.. ثم يقوم «الألفة» بمراجعة العمل ومحاولة ربط عناصره المفككة ليصبح نصًا تليفزيونيًا.. هو خليط مشوه لثقافة وفكر ورؤية وتصور ووجهة نظر وأسلوب وطريقة وذائقة الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة المشتركين فى تلك «الطبخة» المنفرة التى لا تحقق اتساقًا أو ترابطًا منطقيًا أو جمالًا يجمع بين عناصرها.

 

وبذلك يتحول السيناريو الذى هو فن وعلم وحرفة قائمة بالأساس على الموهبة التى يمتلكها فنان فرد شأنه فى ذلك شأن الشاعر أو النحات أو الموسيقى أو الفنان التشكيلى أو الروائى إلى صنعة لا إبداع فيها ولا خلق ولا خيال خاص ولا أسلوب مميز ينفرد به المبدع.. فالحرفة يمكن تعلمها من خلال بعض التدريبات.. والسمكرى يمكن أن يكمل عمله سمكرى آخر.. والصبى بمرور الأيام يصبح أسطى مسئولًا عن صيغة الذوق العام والهوية الوطنية.. ويتحول العمل إلى سبوبة يوزع فى نهايتها ناظر الأنفار «الأبيج» على «الغرابوة» من شغيلة الترحيلة.. كل واحد وعدد الحلقات التى كتبها.. وإديها مية تديك طراوة.. واقلب اليافطة.. وسقع وبيع يا معلم.

 

ونحن لسنا فى احتياج لذكر أمثلة متعددة لهذه الخطايا المرئية، فالمتفرج رغم تلوث ذوقه بالأعمال الهابطة لسنوات طويلة أصبحت فيها دراما «الورش» هى البديل العصرى للمسلسلات التليفزيونية تمييزًا عن الدراما العجوز التى ابتدعها الرواد منذ الستينيات وسار على نهجها كتاب السيناريو من الأجيال التالية.. هذه الدراما التى حاول البعض من كتاب الصدفة والردة الحضارية والثقافية والفنية التى نعيشها الآن معتمدين عليها ويدشنونها بالتواطؤ مع منتجى المرحلة.. أقول إن المتفرج رغم ذلك قادر فى النهاية على التمييز بين الغث والسمين الجيد والردىء فى هذه السوق العشوائية.

 

يتصدر هذه السوق مسلسل «سكر زيادة» الذى تتقاسم بطولته النجمتان «نبيلة عبيد» و«نادية الجندى» بعد غياب طويل عن الشاشتين.. وكانتا فى الزمن الماضى تتصارعان على احتلال قمة النجومية فى السينما.. والمسلسل يتناول تيمة مستهلكة لامرأتين تتنازعان على الإقامة فى فيللا تدعى كل منهما أنها الأحق فى البقاء بها فتصبح الحلقات ميدانًا للاشتباكات الصارخة.. والمعارك الضارية التى تتسلحان فيها بكل مفردات «الردح الحريمى» والتناحر اللفظى الرخيص.. وتدبير المقالب التافهة والمؤامرات والحيل الوضيعة.. وسط جلبة وضوضاء وسلوكيات متدنية.. وتتفوق فى النهاية السطحية فى التناول على أى مضمون له قيمة أو علاقة بمشاكل الواقع وقضايا المجتمع.. فرسم الشخصيات يفتقر إلى أى دلالات أو أبعاد اجتماعية أو نفسية والحوار يحتشد بإفيهات غليظة مسفة والذى يتصور فيه «شلة» هذه «الورشة» أنه ينتمى إلى الكوميديا.. والحقيقة أن الكوميديا، ذلك الفن العظيم الذى يعالج تناقضات الواقع وعورات الشخصيات وعيوب المجتمع.. ويخلع الأقنعة عن الفاسدين والأفاقين والانتهازيين ويسعى إلى عالم بديل متحرر من مثالب واقع ردىء.. الحقيقة أن الكوميديا تبكى وتنتحب من جراء ما يفعله بها العابثون من هزل لا يرتقى حتى إلى كوميديا «الفارس» الممجوج.

 

وجدير بالذكر أن الفكرة الأساسية التى تعتمد على سوء التفاهم الناشئ بين غريمين متصارعين على عقار سبق أن قدمها «نور الشريف» و«سعاد حسنى» فى فيلم جميل هو «غريب فى بيتى» تأليف «وحيد حامد» وإخراج «سمير سيف».. فشتان بين المعالجة فيه التى تستند إلى سيناريو يحتوى على بناء درامى محكم لوضع يمس الواقع الاجتماعى الملموس.. ومعالجة رشيقة وجذابة لعلاقة حب تنمو بين متخاصمين.. تصالحا فى مواجهة ظروف قاهرة.. فامتزجا فى علاقة حب رقيقة مغلفة بمواقف كوميدية ساخرة وطريفة.. وبين معالجة سطحية لمسلسل متهافت.

 

وما ينطبق على مسلسل النجمتين المتناحرتين هذا ينطبق على بقية مسلسلات الورش كالكارثة المسماة بـ«رجالة البيت» التى تشبه هزليات مسارح روض الفرج فى الأربعينيات.. ومسلسل «100 وش» الذى تتصارع فيه نيللى كريم بصفتها لصة محترفة لا قلب لها ولا ضمير مع لص آخر عتيد الإجرام هو «آسر ياسين» فى سياق بالغ السخف والافتعال يفتقر إلى كل عناصر البناء الدرامى المقنع. ولا عزاء للمشاهدين..