الثلاثاء 1 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أمريكا لن تجرؤ علي قطع المعونة العسكرية!

أمريكا لن تجرؤ علي قطع المعونة العسكرية!
أمريكا لن تجرؤ علي قطع المعونة العسكرية!


من زخم حالة إنكار متعمدة سادت واشنطن على مدى الثلاثة أشهر السابقة، عدت إلى القاهرة لأشهد ثورة الثلاثين من يونيو.. حيث زخم رفض شعبى غير مسبوق لحكم الإخوان، ودون أن أغفل متابعة موقف أمريكى للأسف لم تتم عملية قراءته بالشكل الصحيح، فلم يكن هناك تردد أمريكى أو نكوص عن دعم واضح لفصيل الإخوان كما تصور البعض هنا فى القاهرة، فصناع القرار الأمريكى كانوا على علم بسقوط شرعية الإخوان منذ فترة وتحديدا فى تلك اللحظة التى أعلنت فيها حركة تمرد وصول عدد الرافضين من الناخبين لحكم المرشد إلى 7 ملايين مصرى فى بداية يونيو.
 
وإذا علمنا أن القانون فى الولايات المتحدة الأمريكية، يفرض إعادة فورية للانتخابات أو ما يسمى بـ الـ RECALL إذا تم جمع توقيعات يساوى 25٪ من أصوات الناخبين فى الانتخابات غير الراضين أو الرافضين لأى مسئول منتخب بما فى ذلك الرئيس الأمريكى فى أى وقت كان سواء صباح انتخابه أو بعدها بأشهر أو حتى آخر يوم فى مدة خدمته، وللعلم- نفس الإجراء تم تنفيذه فى فنزويلا فى عهد الرئيس الراحل شافيز وهللت له أمريكا- لذا وبـخروج عشرات الملايين الرافضين لحكم مرسى وجماعته وبحساب مجموع الأصوات المدلى بها فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة فقد كان يكفى أمريكا لإعلان إعادة الانتخابات الرئاسية حصول تمرد على 4,6 مليون توقيع من مجموع الناخبين فى انتخابات 2012 فما بالنا بقيام تمرد بجمع توقيعات الرافضين لمرسى تماثل 5,86 ٪ من مجموع كل الناخبين!
 
إذن وبالنظر لما نشر حول قيام الطبيب عصام الحداد مستشار مرسى بمخاطبة الخارج ببيان استدعاء باللغة الانجليزية بزعم حماية الشرعية يكون فى حد ذاته   استدعاء للتدخل الأجنبى فى مصر يرقى إلى درجة الخيانة، ويستجوب التحقيق والمحاكمة.
 
أما بخصوص الدائر فى الولايات المتحدة وتحديدا البيان الذى أصدره الرئيس الأمريكى، وأعرب عن قلقه العميق إزاء الإجراءات العسكرية التى تمت فى مصر، وحث جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس، ومؤكدا أن الولايات المتحدة لا تأخذ جانب أحد باستثناء دعم الديمقراطية وسيادة القانون، فلم يكن مثل هذا التصريح تراجعا عن دعم الإخوان، وإنما ماحدث أن إدارة أوباما لم يكن أمامها سوى هذا الإعلان فمع تيقنها من سقوط شرعية مرسى، وهو ما كرسه خروج الملايين ضده فى أنحاء مصر فـأطاحت بـزعم الإخوان الذى تبنته واشنطن بأنهم القوة الوحيدة المنظمة والقادرة فى الشارع المصرى، إلا أنها كانت ملزمة بقانون أمريكى آخر يفرض على الإدارة الأمريكية تجميد أو قطع المساعدات المقدمة لأى دولة يحدث بها استيلاء عسكرى على السلطة، ولكن فى الحالة المصرية فالأمر مختلف، فمصر مهمة للغاية للمصالح الأمريكية، وقد تردد بعض الجهات الأمريكية تهديدات بتفعيل هذا القانون لكن الجميع يعرف جيدا أن ذلك لن يحدث قط، لأن أمريكا المستفيد الأول من تقديم تلك المساعدات التى صارت مجرد فكة لا تقاس بحجم ما تحصل عليه واشنطن من الحليف المصرى، وحتى مع إطلاق واشنطن عبر الكونجرس ومسئولى الإدارة من حين لآخر التهديدات المتعلقة بوقف المساعدات العسكرية لمصر فالأمر لا يعدو سوى «تهويش» باللغة الدارجة.
 
وكما علمت من بعض ممن هاتفتهم فى واشنطن، فإن أقصى ما ستفعله إدارة أوباما هو فتح تحقيق فى حقيقة ماحدث فى مصر لتعريفه إن كان انقلابا عسكريا   أم انقلابا شعبيا ربما تصاحبه إعادة نظر فى تجميد مؤقت أو ترحيل القرار لما بعد إجازة الكونجرس والرئاسة الأمريكية فى أغسطس انتظارا لإجراء المصريين لانتخابات رئاسية ستجب ماقبلها، وبالتالى ستقبل أمريكا خيار الشارع المصرى فى نهاية الأمر مع عدم تخليها عن محاولات السيطرة على من سيبلغ سدة الحكم فى مصر، وهى النتيجة التى يمكن قراءتها بوضوح فى تصريحات بعض من أعضاء الكونجرس على مدى اليومين الماضيين، وكذلك ماجاء على لسان الرئيس الأمريكى أوباما، وقد طالب البعض فى واشنطن أوباما بـحجب المساعدات فى المستقبل إذا لم تتم استعادة بسرعة العمليات الديمقراطية فى مصر، فى الوقت الذى جادل آخرون فى أروقة صنع القرار الأمريكى حول تعريف الانقلاب العسكرى بربط ماحدث فى مصر به معتبرين أن الإطاحة بمرسى تمت عمليّا بيد مرؤوسيه بالقوات المسلحة! أى أنه انقلاب، وذلك دون النظر إلى أن الأوامر صدرت للإطاحة بمرسى من قبل الشعب وهو بلغة الديمقراطية الأمريكية القائد الاعلى للجميع.
 
ووجدنا العديد من أعضاء الكونجرس بما فى ذلك الزعامات الجمهورية أقل شهية للتلويح كعادتها بقطع المساعدات العسكرية مع مصر، وقال بعضهم بأنه حين يتعلق الأمر بـتحديد مستقبل المساعدات الأمريكية لمصر، فإنه يتعين على الإدارة النظر بتعقل إلى الصورة الإقليمية فى إطار مصالحنا الأمنية الوطنية الحيوية، ونتوقف هنا عند تصريح السناتور بوب كوركر من تينيسى، الجمهورى البارز فى لجنة العلاقات الخارجية قبل يومين بقوله: «لدينا تعاون طويل الأمد مع مصر، وهو أمر ضرورى لتحقيق الاستقرار فى المنطقة، وهذا ما ينبغى أن تظل أولوية»، ولم يمنع ذلك قيام مسئولين أمريكيين بإطلاق تصريحات تهديدية ومنها ما جاء على لسان مسئول بوزارة الدفاع الأمريكية قبل ساعات حول وجود حوالى 550 من مشاة البحرية الأمريكية على أهبة الاستعداد فى القاعدة الجوية البحرية سيجونيلا فى جزيرة صقلية الإيطالية وفى قاعدة مورون الجوية فى جنوب إسبانيا، وإن كان لا يوجد أى قرار لم يتخذ بعد بشأن ما إذا كانت هناك نية لإرسالها إلى القاهرة، جاء ذلك بينما بات مرجحا وحسب مصادر متنفذة تحدثت معها أمس أن يوفد باراك أوباما إما وزير   الخارجية جون كيرى أو الدفاع تشاك هيجل أو كليهما إلى مصر والمنطقة للتأكد- حسب قول المصدر من مدى التزام العسكريين فى مصر بتسليم   السلطة للحكم المدنى عبر انتخابات رئاسية مبكرة، وجاءت هذه التصريحات بعد يومين من قيام رئيس الأركان الأمريكى الجنرال ديمبسى بـمهاتفة رئيس الاركان الفريق صدقى صبحى، وقال بعدها «كنت أريد الاستماع، والحصول على تأكيدات بأنهم سوف يقومون بحماية مواطنينا وأردت تشجيعهم على حماية جميع الشعب المصرى، وليس لاتخاذ جانب مع أحد الجانبين فى أى قضية معينة، وللتأكد من أنها كانت جزءا من القرار من هذا، ولكن فى دورها الصحيح كقوة عسكرية، والذى هو لضمان الاستقرار ولكن ليس محاولة للتأثير على النتيجة»، أى أن رئيس الأركان الأمريكى افترض المساواة بين معظم الشعب المصرى وجماعة الإخوان، واعتبرهما جانبين متناحرين وتناسى أن الشرعية بيد الجماهير أولا. وجاءت أنباء تتحدث عن سماع دوى انفجارات فى مدينة إيلات جنوبى إسرائيل كمقدمة أو محاولة من حماس لإرسال رسالة للأمريكان بان غطاء حماية إسرائيل من صواريخهم الذى وفره لهم مرسى وإخوانه قد رفع مع رحيله،    بالتزامن مع تهديدات الإسلاميين فى مصر باستخدام العنف ونغمة جديدة بدأت تتردد فى واشنطن حول المخاوف من اشتعال حرب أهلية تضرب المصالح الأمريكية التى تأثرت بالفعل فرفعت سعر النفط خمسة دولارات.
 
وخرج علينا خبراء أمريكيون ومنهم جويل روبين، وهو ضابط مكتب وزارة الخارجية السابق للمنطقة فقال إن «القاهرة هى المدينة الرائدة فى العالم العربى وهى أهم دولة فى الشرق الأوسط، فى نواح كثيرة»، وقال إيزوبيل كولمان مصر، وهو زميل بارز فى مجلس العلاقات الخارجية، مع «أكبر عدد من السكان، وهى الأكبر اقتصاديا وتملك موقعا جغرافيا حاسما وإذا تحول الموقف بها إلى حرب أهلية دموية رهيبة، فالأمر سيكون سيئا   ليس فقط لمصر بل بالنسبة للمنطقة بأسرها وسيتسبب فى زعزعة استقرارها»، وقال مارك جينسبيرج، وهو سفير الولايات المتحدة السابق لدى المغرب وأحد كبار مستشارى البيت الأبيض للشرق الأوسط أن الـ 24 إلى 48 ساعة القادمة، ستكون لدى   للولايات المتحدة مهمة حاسمة وهى التأكد من الحفاظ على قناة السويس مفتوحة ومناقشة الخطوات المقبلة فى مصر.
 
وقال مسئولون وخبراء إن مصر وإسرائيل شريكان للولايات المتحدة فى معاهدة السلام الموقعة منذ 34 سنة، وأكبر تهديد من أحداث يوم الأربعاء هو إبقاء معاهدة السلام على قيد الحياة! على أية حال فإن مهمة كيرى وهيجل لن تكون فقط التأكد من سلامة الملاحة فى قناة السويس أو حماية إسرائيل بل ستمتد إلى الضغط وبقوة من أجل ضمان مشاركة ما يسمى بـالأحزاب الدينية فى العملية السياسية المقبلة فى مصر وهو أمر ظاهره الحفاظ على الثوابت الديمقراطية لكن باطنه يتعلق بالإبقاء على تفعيل خطة أمريكية سبق وأن نشرناها على هذه الصفحات مرارا على مدى عامين وهى باختصار ومجددا كسب الوقت بالدفع بالمتأسلمين الذين بصموا على ضمان مصالحها الإخوان ثم السلفيون ثم ربما نسخة جديدة من المتمردين الإخوان- إذ تضمنت الخطة البديلة تشجيع قيام تمرد داخلى من شباب الإخوان بخلق كيان سياسى جديد يتبرأ من إخوان اليوم وتشجيع الموالاة فى المجتمع السياسى المصرى على إدماجهم فى الحياة السياسية ومن ثم فى أى انتخابات قادمة، وبالتالى تكسب واشنطن الوقت ريثما مرور ثلاث سنين على الاقل منذ ثورة يناير لإعداد مجموعة مدنية مضمونة- جارٍ إعدادها حاليا- تؤمن بالمبادىء الأمريكية والمصالح الأمريكية!
 
وحتى هذه اللحظة لا يبدو أن واشنطن مستعدة للتخلى عن هذا الهدف حتى مع صدمتها، وللمرة الثانية فى ثورة بلا رأس وفى انهيار سريع لموالاتها من الإخوان أمام شعب عجيب غريب وعبقرى رغم بساطته كشف حقيقة الإخوان ولفظهم بسرعة أذهلت الأمريكيين، لذا نطالب بالحيطة من المحاولات الأمريكية غير المباشرة للاستمرار فى دعم التحزب السياسى الدينى، كما نطالب بوضع مادة تقنن اعادة فورية للانتخابات فى حال رفض نسبة- يتم تحديدها - للحاكم المنتخب وعلى المطالبين فى مختلف وسائل الإعلام فى مصر التوقف فورا عن المطالبة بالسماح بالأحزاب الدينية بالاندماج فى العملية السياسية بزعم المسامحة والمشاركة لأن معنى ذلك ببساطة هو القيام تطوعا بتقديم خدمة مجانية لمصالح لا تقدر بمال لواشنطن ولإسرائيل، أمن مصر القومى أهم وعلى من يريد المشاركة فى الحياة السياسية خلع عباءة استغلال الدين.