فــراغ الإدارة!

وليد طوغان
كان «مثيرا» للغاية أن يركز من أجرى حوارات مع «مرسى» من الصحفيين الأجانب على أن يخصص قصة لكواليس عبارات الرئيس بالإنجليزية ومستوى إجادته لها وأصبح منبراً صحفياً جديداً تكرر عدة مرات حتى ظهرت علانية قصة «الدونت ميكس» كأن أحد مظاهره صور مرسى فى الخارج التى أثرت على صورة مصر عموما فى أول سنة فى زمن الإخوان!
ما بين صورة للرئيس مرسى فاتحا صدره فى ميدان التتحرير، بلا واق للرصاص - كما قيل - وبين أخرى له خطيبا بأحد المساجد لخصت صحيفة الصن البريطانية الوضع الرئاسى فى مصر، مدللة بالصورتين على وضع مؤسسة الرئاسة، وموقف المعارضة منها، إضافة إلى رأى الشارع الذى طرأت عليه الكثير من التغيرات، فى رئيس «ثورى» منتخب، خرج شباب الثورة للتظاهر ضده.
اعتبرت الصحيفة أن التضاد بين الصورتين، كان أهم ما مهد لظهور حركات مضادة مثل تمرد، التى سعت للاستفادة من ارتفاع السخط الشعبى ضد الرئاسة، بينما لم يكن مدهشا، تنامى دعم الشارع، ما حولها لـ «شبح مخيف» للإخوان، رغم نفيهم.
وأضافت الأزمات السياسية الكبرى، بعدا سلبيا آخر لصورة الرئيس مرسى، بعد شهور من انتخابه، دعمه التناقض والارتباك فى شكل القرارات الرئاسية، وطريقة صناعتها.
ونقلا عن محللين، اعتبرت الصن أن محاولة مرسى الاختلاف بطرق غير محسوبة كل الأوقات عن سياسات النظام السابق، أوقعته فى مجموعة تناقضات بدأت من زيارة مرتبكة لإيران لم تؤت ثمارها، وانتهت، بالتفاوض مع خاطفى الجنود المصريين فى سيناء، بما تركته تلك المفاوضات من غليان فى صفوف الجيش المصرى، وتساؤلات ملتهبة فى أذهان المصريين عما يدور فى أدمغة «الإخوان» تجاه المستقبل.
منذ انتخاب مرسى حسب الفايننشيال تايمز البريطانية، والرئاسة تكافح لقيادة بلد يترنح من أزمة لأخرى بينما يغوص اقتصاده فى عمق الخراب، وتتوالى الأزمات، لتضع الرئاسة على محك اختبارات، بدا منها التضارب فى قراراتها، تأكيدا على ارتباك القيادة السياسية، تهاوت معه «الدولة» إلى حد التفاوض مع خاطفى جنود نظاميين.
الأربعة أشهر الماضية، لم تخرج تحليلات الصحافة الغربية عما أسمته «الارتباك المتزايد فى مصر» ورغم محاولات الرئاسة تعزيز سلطة الرئيس مرسى وحكم الإخوان، إلا أن العكس هو الذى حدث، فتنامت الانقسامات بين السياسيين، إضافة إلى تصاعد عنف متكرر فى الشوارع.
وحسب محللين، فإن حملة تمرد التى قللوا من تأثيرها القانونى على استمرار الرئيس مرسى فى منصبه اعتبروها إشارة إلى واقع على الأرض لا يمكن تجاهله من أن صورة الرئيس مرسى، اختلفت إلى حد كبير فى أذهان كثير من المؤيدين فى الشارع، وفى وقت قياسى.. لن يجعل الأمور تستمر كما هى عليه.
وحمل محللون فى الغرب، معارضة وصفوها بالمرتبكة، مسئولية الوضع الحالى فى البلاد.
∎ دولة «الشاليموه»
قبل أيام، تداولت الواشنطن بوست عدة آراء لمحللين تعليقا على أزمة الجنود المختطفين فى سيناء، وعملية تحريرهم، تساءل فيها أحدهم عما إذا كان الجنود، «تم تحريرهم، أم أطلق سراحهم»؟، وقال المحلل، إن الوضع يختلف حسب الإجابة على السؤال السابق، فالجنود السبعة، لو حرروا، فالمعنى أن هناك دولة فى الخلفية، راجعت الترتيبات، وأصدرت القرارات، أما «إطلاق سراحهم بواسطة مختطفيهم» فلا يعنى أن العملية السياسية فى مصر تسير على أساس من الهيبة والقرار العالى».
ضمن آراء المحللين، كانت أزمة الجنود، أحد أهم الاختبارات التى قدمتها الظروف بوصفها امتحاناً صعباً، وطلبت من الإدارة المصرية الإجابة على جميع أسئلتها، فيما اكتفت الرئاسة من جانبها بإجابة السؤال الأخير فقط، وخرجت لتعلن نجاحها بامتياز».ففى أزمة الجنود، ظهرت المفارقة الكبرى، إذ إن جماعة الإخوان التى طالما نادت بضرورة الحشد لتحرير القدس بالسلاح، كانت هى نفسها التى ذهبت للتفاوض لتحرير جنودها، وسط ما قيل عن مطالبات رئاسية بالحفاظ على حياة الخاطفين، أدت لتذمر شديد بين قيادات الجيش، اللجوء إلى التفاوض، مشروع أحيانا تحتمه الظروف، لكن أزمة الجنود، حسب المحللين، وملابس الحادث، جعل تفاوض الرئاسة أشبه بمحاولة اللعب مع «ثعبان مهاجم» بماصة مياه غازية «شاليموه» على حد وصف «الصن».
فقد أفقد موقف الرئاسة المتسامح مع الخاطفين، الرئيس مرسى حسب تحليلات غربية، كثيراً من أسهمه الدعائية فى الشارع، وكان لابد أن تؤدى الأزمة إلى ربط ما بين ما بدا أنه تقدير إخوانى لموقف الخاطفين، وبين انتماء الجماعة الأيديولوجى، وقربهم الفكرى من الجماعات الجهادية والسلفية المنتشرة فى سيناء.
حسب المحللين، أثرت أزمة سيناء على هيبة الرئاسة المصرية، وأدت لتوغل صيغ من الشكوك فى نفوس البسطاء فى الشارع، اعتبروا التفاوض مع إرهابيين، إما جهلاً بأصول إدارة الدول أو تعاطفاً مع الخاطفين على حساب المخطوفين.
الملاحظة التى ناقشتها الأوبزرفر أيضا، هى أن البسطاء الذين ضربتهم الأسئلة فى أزمة الجنود، هم من أتوا بأول رئيس مدنى إلى سدة الحكم بالانتخابات، لإيمان راسخ بإمكانات جماعة دينية تقربت إليهم بخدمات علاجية بأجور رمزية وأخرى تعليمية بالمجان وثالثة غذائية بنظام الصدقة والكفالة، على التغيير، ثم جاءت أزمة سيناء، لتحول مشاعر التفاؤل لدى هؤلاء البسطاء إلى دهشة، مشوبة بالحيرة.
غير أزمة الجنود، ركزت «بالتيمور صن» الأمريكية، على أهم ما رأت أنهما سحبا من رصيد الرئيس مرسى فى الشارع من نقاط، الأولى كانت دعوة الرئاسة المستمرة لحوار وطنى قالت الصحيفة إن غرابتها فى أنها تجددت على شكل جولات، رغم تناقص عدد المشاركين فيها من أحزاب، اقتصرت على الموالين للإخوان.
الثانية، كانت محاولة الاتجاه الإخوانى لإيران، وسط معارضة سنية داخلية، فى مناورة غير محسوبة، وصفتها الصحيفة «بكرة البلياردو التى لم تضرب الضلع الثالث من الطاولة».
محاولة التقارب الإخوانى الإيرانى، لم تكن حماقة، بقدر ما كانت جهدا مهدراً، وصفته «بالتيمور صن» بالعدو دون ملابس رياضية ودون سباق معلن».
فالدولة الإخوانية، على حد وصف الصحيفة، التى كانت فى قمة معارضتها لنظام الأسد فى سوريا، هى نفسها التى قدمت نصرا دبلوماسياً من أرفع المستويات لإيران المناصرة للأسد، بزيارة الرئيس مرسى إلى العاصمة طهران، مطالبا بدعم إيرانى لاقتصاد مصرى وصفه مرسى بالواعد فى خطابه هناك.
فالإدارة الأمريكية التى مازال الإخوان فى مصر يحاولون الحفاظ على التفاهمات معها، انعدمت لديها، وللمرة الأولى، التكهنات بشكل واضح، حول مساعى الإخوان، ورغباتهم فى الملف الإيرانى، كثرة الأزمات التى تسببت فيها الرئاسة، هى التى جعلت «بالتيمور صن» تصف الوضع بالأقرب إلى «فراغ القيادة».
وقالت الصحيفة فى تقرير كتبه أستاذ الصحافة فى جامعة ستانفورد جويل برينكلى إن «فراغ القيادة» هو الوباء الأعظم الذى تواجهه مصر، واعتبر صراحة أن «الرئيس مرسى ليس لديه فكرة عن طبيعة، أو طريقة الحكم».
وقال «بيرنكلى» إن الرئيس يبدو فى حيرة واضحة إزاء السياسة الخارجية لبلاده، سواء فى كيفية التعامل مع ملف أفريقيا، التى أعلن فور توليه الرئاسة، توفيره كل الطاقات للاتجاه إليها تلافيا لفشل النظام السابق، ثم سرعان ما فوجئ بإجراءات أفريقية، أظهرت أن إدارته للملف الأفريقى «مازال بها ما لايفهمه». أو فى ملف علاقاته مع واشنطن، التى بدأت تطرأ عليه تغيرات الفترة الأخيرة، ما أشعر الإخوان بالتهديد، إلا أن الرئيس رغم ذلك مازال يسير على نفس الطريق، بنفس الخطوات.
ووصف التقرير الرئيس مرسى بالذى أصبح مشلولاً بصورة تامة أمام تدهور الاقتصاد، والمغالى فى توقعاته بالنسبة لملفات السياسة الخارجية، منتقداً تحجيمه جهد وزارة الخارجية، بسبب اعتماد رئاسى واضح على استشارات، لا تملك عمق الخبرة الدولية، يقدمها مستشار الرئيس مرسى الدكتور عصام الحداد.
∎ البحث عن بديل
موقع «أمريكان ثينكر» أكد أن الأوضاع فى مصر جعلت شكوكاً تساور الكثير من المحللين، من أن واشنطن، تتعمد تغذية الصراع السياسى فى مصر، لأن إدارة أوباما، اختارت أمن إسرائيل، بدلا من الديمقراطية فى مصر.
وألمح الموقع فى تقرير مطول، إلى أن الرئاسة المصرية فهمت رسائل أمريكية فى الموضوع على هذا النحو، فتحركت بسرعة، بخطاب من الرئيس مرسى للرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز الشهير بصديقى العزيز، فى مبادرة غير متوقعة، سرعان ما تراجع عنها مرسى، ونفت الرئاسة المصرية صحة الخطاب من الأساس.
قالت «أمريكان ثينكر» إنه ربما فهم الإخوان الرسائل الأمريكية خطأ، وربما أرسلت واشنطن رسائل مبهمة للجماعة، تحركت على أساسها الرئاسة المصرية، نحو «دبلوماسية باسمة» مع إسرائيل قبل أن تحسب ما يمكن أن يسببه ذلك التحرك السريع من صدمة فى الداخل المصرى.
ونشر المحلل الإسرائيلى تسيفى برئيل، تقريرا فى صحيفة هاآرتس، أكد فيه موافقة الرئاسة المصرية على تركيب الجساسات، استجابة لشرط إسرائيلى لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وقال برئيل إن الطلب الإسرائيلى، تم طرحه، دون أن يتوقع الإسرائيليون الاستجابة له، بينما الرئاسة المصرية كانت مدفوعة وقتها بعدة عوامل، على رأسها الرغبة فى التوصل إلى اتفاق تهدئة بين حماس وإسرائيل، كعربون لإدارة أوباما، بأن الإخوان قادرون على التحكم فى الأمر على الحدود المصرية.
وعادت الصحافة الأمريكية، للقول بأنه حتى رغم معارضة الجيش المصرى وقتها، فإن مجرد بوادر استجابة الرئيس مرسى، للطلب.. يعنى أن هناك فى الأمر ما لم يفهمه أحد بعد.
واتهم «أمريكان ثينكر» إدارة أوباما بالحماقة، معتبرا أن مصر تخضع لحكم الإخوان بتحريض من أوباما المستمر فى دعمهم، رغم أن تزايد هيمنة الإسلاميين على مصر، ينذر بظلام جديد على الشرق الأوسط، بدليل دستور وضعوه، كان بمثابة خارطة طريق للدكتاتوريين والطغاة!
وتساءل الموقع: لماذا لاتدرك إدارة أوباما خطورة الوضع المصرى المحفوف بالمخاطر؟ وهل تغمض عينيها عن عمد؟ أم أن لأوباما هو الآخر أجندة غامضة؟