لكن الخوف من هدم الآثار على طريقة طالبان!
محمد أنور
بين الإسلاميين والفنون حالة من الكراهية وصلت لحد تحريم الفنون من رسم ونحت وموسيقى وغناء، لدرجة أن يجعلوا الناس يقومون بتأنيب أنفسهم على استمتاعهم بالفنون فيبحثون عن التوبة والكفارة.
فالإسلاميون يدعون لتحريم فن النحت، مع أن إنشاء كلية الفنون الجميلة تم بناء على فتوى لإمام محمد عبده: «أن التماثيل حرام إذا كان الناس يعبدونها»، والحقيقة أن الحرام هو كل ما ورد تحريمه فى القرآن الكريم، وكل الفتاوى التى تحرم ما لم يحرمه الله تعالى ليست صحيحة.
وجاءت الدعوة التى أطلقها أحد قيادات الحركة السلفية الجهادية لهدم الأهرامات وأبى الهول والتماثيل لأن المسلمين حسب قوله مكلفون بتطبيق تعاليم الشرع، والدعوة تكرار لدعوات سابقة وصاحبها شارك فى تحطيم تمثالى بوذا فى أفغانستان عام .2001
وقد أقرت منظمة اليونسكو فى عام 1972 اتفاقية حماية التراث العالمى والتى تلزم الدول أعضاء الأمم المتحدة بالمحافظة على التراث، ولكن الحركات الإسلامية صارت تهدد الآثار وخاصة المنحوتة منها، مثل ماحدث من حركة طالبان حين هدموا تمثالى بوذا وأتلفوا التماثيل الموجودة فى متاحف أفغانستان.
وقد حاولت اليونسكو منعهم من خلال لجنة من رجال الدين المسلمين من بينهم الشيخ يوسف القرضاوى ولكنهم فشلوا، بسبب أن رجال الدين أنفسهم لهم نفس المرجعية الفقهية المشتركة مع طالبان.
ونفهم معاداة الإسلاميين للتماثيل من نص للمؤرخ المصرى المقريزى فى القرن 15م: «إن سبب كسر الأنف والتشويه الذى يظهر فى وجه أبى الهول يرجع إلى تخريب شخص متعصب يسمى محمد صائم الدهر، فى نحو عام 780 هـ، بدعوى تغيير المنكرات، وظناً منه أن هذا الفعل من جملة القربات والأعمال الصالحات»، وقد فعل ذلك متأثراً بفتوى لأبى حامد الغزالى والتى دعا فيها تلاميذه إلى تشويه التماثيل لأن «مشاهدتها منكرة وغير جائزة»، مع أن الله تعالى لم يحرم التماثيل أو الفنون.
ويستند الإسلاميون إلى واقعتين وهما تحطيم النبى إبراهيم عليه السلام للأصنام، وتحطيم النبى محمد «عليه الصلاة والسلام» للأصنام حول الكعبة بعد فتح مكة، والقرآن الكريم سجل الواقعة الأولى فى قصة النبى إبراهيم: «فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم..» الأنبياء 58 لأن العبرة من الواقعة فى إنكاره عليه السلام على قومه أعتقادهم أن تلك الآلهة المزعومة هى التى تنفع وتضر، فكسرها ليثبت أنها مجرد أحجار صماء.
ولم يسجل القرآن الكريم الواقعة الثانية فى الحديث عن فتح مكة: «إذا جاء نصر الله والفتح» النصر 1 لأن تحطيم النبى عليه الصلاة والسلام للأصنام حول الكعبة يعتبر رمزاً لانتهاء عهد عبادة الأصنام.
فالتماثيل ليست حراماً فى ذاتها بدليل أن النبى سليمان كان يستخدم التماثيل للزينة: «يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل..» سبأ 13 ومن هنا نفهم قوله تعالى: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان..» الحج 30 فالتماثيل تتحول إلى أوثان بعبادة النالس لها مثل ما قال النبى إبراهيم: «إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً..» العنكبوت 17 فالكهنة كانوا يؤلفون الأساطير عن التماثيل ليجعلوها آلهة معبودة.
ولم ينكر النبى إبراهيم عليه السلام نحت التماثيل ولكن أنكر عليهم عبادتها: «قال أتعبدون ما تنحتون» الصافات 95 فقام بتكسير أصنامهم ليس لأنها تماثيل ولكن لأنها أصنام يعبدها الناس.
أما عن فتاوى التحريم فإن الحرام يحدده تعالى فقط: «أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله» الشورى 21 وأى إضافة للمحرمات هى اعتداء على التشريع الإلهى: «يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» المائدة .87
وليس من حقنا أن ننسبب لله ما لم يأمرنا به: «قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون» الأعراف .33
وقد اعتبر المتشددون الإبداع الفنى مشاركة لاختصاصات الله فى الخلق، ونسبوا «للنبى عليه الصلاة والسلام» روايات تتوعد المصورين والنحاتين بالعذاب فى الآخرة، مع أن الفنون من المواهب التى وهبها الله تعالى للإنسان، وهى من الأدوات التى يمكننا إحسان استخدامها فى الارتقاء بأخلاق الناس ونشر الثقافة والمعرفة ودعم التفكير الإيجابى بينهم.
فالأفكار المتشددة جعلت من التدين أداة للتخلف والجهل نتيجة فقر الفكر والمعرفة، والثقافة الدينية الشائعة تدفع الإنسان لعدم حب الجمال حتى لا يحب الدنيا مع أن الله يقول: «ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون» النحل 6 ومع أنه ورد عن النبى «عليه الصلاة والسلام»: «إن الله جميل يحب الجمال»، إلا أن المتشددين اعتمدوا على تحريم الفنون بناء على ما انتقوه من بعض الروايات لأن ثقافتهم تعتمد على فكر الاتباع والتقليد وتقوم على التحريم.
والنتيجة أن الناس زاد بينهم النفور بدل التسامح، والكراهية بدل المحبة، وتأنيب النفس بدل السلام معها، وبذلك صارت مهمة المتشددين تعقيد الدين مع أنه ورد عن النبى عليه الصلاة والسلام «يسروا ولاتعسروا، وبشروا ولاتنفروا».
إن ثقاة التشدد تتعارض مع الاستمتاع بالفنون، وبالتالى جعلوا الناس يعتقدون أن الدين ضد السعادة وأن الله يمقت الضحك، حتى إن المتشددين عندما يضحكون يقولون اللهم لاتمقتنى، متوهمين أن الله يحب الحزن والكآبة مع أن الله تعالى يقول: «وأنه هو أضحك وأبكى» النجم 43 إنهم يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون الطريق إلى الجنة، وأن الدنيا مجرد جسر للآخرة وكل ما يثير عند الإنسان حب الدينا يقلل من حب الآخرة.
أما عن الادعاء بأننا مكلفون بتدمير آثار الأمم السابقة، فمصر ذكرها النبى «عليه الصلاة والسلام»: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدى فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً، فذلك الجند خير أجناد الأرض»، «إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيراً»، ولم يأمر «عليه الصلاة والسلام» ولا أى من الخلفاء الراشدين بتدمير آثارها وتماثيلها.
قال تعالى: «أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارًا فى الأرض» غافر 21 لقد عاشت أمم سابقة عبدت الأصنام وبقيت أصنامهم ومعابدهم آثاراً مهجورة، ومع ذلك لم يأمر تعالى بتدميرها بل أمر بالسير فى الأرض والبحث فى تلك الآثار ودراسة أحوال السابقين للاستفادة والعبرة من تاريخهم.