«الكتيبة 12» تحارب أورام العيون بـ«قصر العينى»

ابتسام عبدالفتاح
عيون مرهقة أتعبتها مرارة الألم تنتظر فى الخارج كلمة يُطمئن بها الطبيب أفئدة الزائرين، التى جاءت تسأل عمَن يشكو آلام العيون، ممرضات يُسرعن فى عَجَلة منهنّ لاستحضار ما تطلبه غرفة العمليات، اتصالات هاتفية لا تنقطع ترن فى طرقات وحدة أورام العيون بمستشفى قصر العينى بوسط القاهرة تسمع وترجو الله أن يُخفف عن مرضى يأنّون أوجاع البصر، وكلمات مطمئنة تتناثر من أفواه ملائكة الرحمة بين الجميع: «اطمئنوا كل شىء عل ما يرام».
هنا، وداخل قسم 12 برمد قصر العينى كتيبة من أطباء مهرة أخذوا على عاتقهم عبء علاج أورم العيون بجهاز القرص المشع بالمجان للفئات محدودة ومعدومة الدخل والذين جاءوا من كل حدب وصوب يرنو إلى أمل العلاج بعد أن ضاقت بهم أرجاء المستشفيات الخاصة؛ نظرنا للتكلفة العالية، فما كان بهم إلا أن يرتموا فى أحضان وحدة أورام العيون التى تساهم فى تخفيف آلام الموجعين على تبرعات المصريين:«فيها حاة حلوة».
«روزاليوسف» كانت هناك،على عتبات الموجعين والمحرومين من نظرة المستشفيات الاستثمارية، تستمع لكتيبة طبية صنعت على مهل، تُشفى وتشقى؛ لتسعد مَن لجأ إليها طالبًا العلاج ولو بالمجان.يقول الدكتور هانى حمزة، أستاذ جراحة العيون بمستشفى قصر العينى، صاحب فكرة تأسيس وحدة لعلاج أورام العيون بمستشفى قصر العينى، إن تخصص أورام العيون كان ينقصه قسم الجراحة بالمستشفى، من هنا عجّلت باختيار طاقم أطباء كفء للعمل بالوحدة الأولى قوامها 7 أطباء فى تخصصات الرمد المختلفة.
وعن طبيعة أورام العيون، يرصد الاستشارى الكبير، الذى انضم للفريق المعالج منذ 15 عامًا، قائلًا: «هناك أورام خبيثة وحميدة، فأنواع هذه الأورام خمسة، منها ما هو شبكى، اللمفومة، ميلانينى، خلية حرشفية، والعينى الوعائى، وهناك ورم عين مبكر يصيب الأطفال، فلدينا حالة واحدة بين كل 20 ألف مولود وهى نسبة ليست بالقليلة؛ ولتفادى هذا الأمر لا بدّ من الاكتشاف المبكر».
أضاف حمزة: «لدينا قسم عيون الأطفال بمستشفى أبو الريش وهو على أعلى مستوى فى كشف الأورام التى تصيب الأطفال منذ مرحلة الولادة، وتحوّل تلك الحالات للعلاج هنا بوحدة أورام العيون، سواء للعلاج الكيماوى أو علاج القسطرة بالكيماوى، وهناك أنواع أخرى من العلاج بالليزر وقرص مشع، وجميعها بالمجان».
ورصد استشارى قصر العينى أورام العيون التى تصيب الكبار، ومنها ورم الميلانى الخبيث، مؤكدًا أن ميلانوما العين تحدث بصورة أكثر شيوعًا فى خلايا العنبية وهى الطبقة الوعائية للعين التى توجد بين الشبكية، وهى الطبقة النسيجية الرقيقة التى تحد الجدار الداخلى الخلفى لمقلة العين، وبياض العين (الصلبة)، ويمكن أن تحدث ميلانوما العين فى الجزء الأمامى من العنبية (القزحية والجسم الهدبى) أو فى الجزء الخلفى منها (الطبقة المشيمية)، مضيفًا: «كان لدينا اعتقاد بأن هذا الورم يصيب كبار السن فقط، لكن اكتشفنا أنه يصيب الشباب فى مراحل عمرية مختلفة، مشددًا على ضرورة الاكتشاف المبكر للمرض؛ لأن حجم الورم يحدد نوعية العلاج ما إذا كان بإشعاع موضعى أو أقراص إشعاع، لمنع انتشار الورم التى يستوجب معها فى هذه الحالة استنصال العين وتركيب كرة من مادة السليكون، يتبعها تركيب جزء أمامى للعين».
وعن أعراض أورام العيون، قال حمزة إنها تظهر فى ضعف الإبصار، ظهور شكل غريب داخل العين، وفى حال عدم العلاج السريع، تنتشر فى الدماغ والعصب البصرى وبقية جسم المريض، لذا فإن التشخيص المبكر والعلاج الفورى مهم للغاية، لافتًا إلى أن هناك حالات تكتشف بالصدفة خلال الكشف فى العيادات الخارجية.
وقال صاحب فكرة تأسيس وحدة لعلاج أورام العيون بمستشفى قصر العينى، إن علاج أورام العيون فى مصر محدود للغاية، فهناك مستشفيات خاصة تكلفة العلاج فيها ضخمة، الأمر الذى يجد فيه محدودو الدخل صعوبة فى العلاج، لكن هنا فى مستشفى قصر العينى نقدم العلاج مجانًا، ناهيك عن ندرة الأطباء فى هذا التخصص، وهو ما صعّب مهمة تشخيص بعض الزملاء لهذه الحالات.
ويرى الدكتور أيمن خطاب، استشارى جراحة العيون فى وحدة أورم قصر العينى؛ أنه يتم عمل إجراء فحوصات طبية للمريض لتحديد نوع الورم وحجمه من داخل أو خارج العين، مؤكدًا أن غالبية الحالات المصابة بورم العيون تحتاج لعلاج بالقرص المشع الذى يتم وضعه لتفكيك الورم مع وضع المريض داخل غرفة إشعاع معزولة، بعيدًا حتى عن أعين الممرضات، والمسموح لهم، فقط، هم الأطباء المعالجين، مشيرًا إلى أن هناك حالة تحتاج للعلاج بالليزر أو الكى بالتبريد وهو يعتبر من العلاجات الموضعية وعلى جلسات تتراوح بين 3 إلى 4 أسابيع لحين اختفاء الورم.
يواصل «خطّاب» حديثه: «يتم بعد ذلك علاج الحالات يالكيماوى بجرعات أكثر من النوعين السابقين، مع علاج موضعى بالليزر أو الكى بالتبريد، أو باستخدام الأقراص المشعّة التى توضع على الجدار الخارجى للعين «الصلبة» لعدد محدد من الساعات (من بين 48 إلى 72 ساعة)، وتحدد حساب حجم الورم وارتفاعه عن الشبكية؛ حتى يتمكن القرص المشع فى هذه المدة من تدمير الخلايا السرطانية، بعدها يخرج المريض من الغرفة ويتم عمل له متابعة لحالته حسب حجم الورم، مشددًا على أن نسبة نجاح أورام العيون كبقية أنواع الأورام التى هاجم الجسم فهى قابلة للنجاح أو الفشل».
بدورها، أخذت لدكتورة دينا حسام، أستاذ جراحة عيون بقصر العينى، أحد أعضاء الفريق المعالج بوحدة الأورام، أطراف الحديث قائلة إن هناك حالات تأتى للوحدة إما من العيادة الخارجية بالمستشفى، أو يتم تحويلهم من مستشفيات خاصة، لافتة إلى أن الوحدة بدأت منذ 7 شهور فقط، وليس لدينا قوائم انتظار، فالعلاج يتم أولًا بأول وبمجرد الانتهاء من الفحوصات الطبية، وتابعت: هناك حالات تحتاج لأكثر من طريقة للعلاج، فهناك مرحلة الكيماوى، ثم الإشعاع أو استسقاء الورم: «نحن نستقبل ما لا يقل عن 10 مرضى خلال الشهر، وأن الإعداد فى تزايد، خاصة أن الخدمة متكاملة ومجانية لراحة المرضى الذين يلجأون إلينا، فعدد لحالات التى تم علاجها منذ بدء وحدة أورام العيون تصل لـ18 حالة قرص مشع، 3 حالات كيماوى بالعين عن طريق القسطرة، 7 حالات استئصال للورم 3 حالات كيماوى».
ونصحت دينا جميع الأمهات بضرورة عمل فحوصات مبكرة للأطفال؛ لأن هناك عوامل تسبّب هذه الأورام، إما أن تكون الحالة مصابة بالورم فى منطقة أخرى من الجسم أو عوامل وراثية أو أن يكون الصغير مولود بها، مؤكدة أن الشبكية فى الأطفال تمثل
3 % من مجمل الأورام التى تنتج جراء خلل فى الجين المسئول عن نمو الخلايا المبدئية لتكوين خلايا الشبكية حيث تتكاثر هذه الخلايا بصورة عشوائية ينتج عنها تكوّن ورم بالشبكية، وتكون نسبة الإصابة بعين واحدة 60 % من هذه الحالات، وإصابة العينين بـ40 % وهى نسبة يطلق عليها بحالات وراثية، ناتجة عن إصابة أحد الأبوين بهذا المرض أو أحد الإخوة.
وأكد الدكتور إيهاب سعد، أستاذ جراحة العيون بمستشفى قصر العينى، أن تخصص أورام العيون يتطلب الحصول على دورة تدريبية فى هيئة الطاقة الذرية، ليكون الطبيب العالج جاهزًا للتعامل مع أجهزة الإشعاع، مشددًا على الحاجة الملحّة لتطبيق نموذج وحدة أورام قصر العينى فى بقية مستشفيات وزارة لصحة والمستشفيات الجامعية.
وعن رحلة المتابعة اللحظية لمرضى أورام العيون، قالت الدكتورة شيماء حسن، استشارى جهاز السونار بطاقم أطباء علاج الأورام، إن المريض يخرج من غرفة العلاج الإشعاعى عقب وضع قرص مُشع، ثم تأتى رحلة متابعة قسم الرمد بالعيادة الخارجية وهو فحص شامل للجسم والعين، لتستغرق فترة المتابعة الشهرية على مدار 5 سنوات للكبار، و7 للأطفال، لملاحقة ومكافحة أى أورام أخرى قد تظهر فى مناطق أخرى بالشبكية، مؤكدة أن السنة الأولى هى أهم فترة فى العلاج، وعند استقرار الحالة تزيد فترة المتابعة من 3-6 أشهر، ثم سنويا، ويعتبر الطفل آمن عند مرور 3 : 5 سنوات عند انتهاء آخر ورم فى الشّبكيّة.