السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الثالوث المثالى للنساء: مختنة مطيعة محجبة

الثالوث المثالى للنساء: مختنة مطيعة محجبة

فى زمن من الأزمنة المصرية، عشته، وأحببته، والآن أترحم عليه، كان الرجل حينما يبحث عن زوجة أو شريكة الحياة، يقول أو يعلن فى الجرائد: «شاب طموح.. حسن المظهر.. من عائلة متوسطة الحال مستورة والحمد لله.. يعمل مهندسًا فى شركة صناعية.. لم يسبق له الزواج.. يهوى الرسم.. يعشق أسمهان وعبدالمطلب.. يمارس  رياضة المشى يوميًا فى المساء.. يحب النظافة والهدوء.. يقدس الحياة الزوجية…



لديه فكرة جيدة بالتدبير المنزلى.. ولا يمانع أن تكون العصمة فى يد شريكة العمر.. جسمه خالٍ من الأمراض وكذلك عقله وقلبه.. يبحث عن زوجة خريجة إحدى الجامعات، مثقفة، عاملة، تحب القراءة والاستماع إلى الموسيقى.. لا تكذب، لا تستعرض، لا تخفى ملامحها بالماكياج والروج والبودرة، تناقش لا تطيع، لا تؤمن بأن أقصر طريق للرجل هو معدته، مرحة الطباع، سريعة البديهة، خفيفة الظل والوزن». ثم جاء زمن من الأزمنة المصرية، أعيشه، وكرهته وما زلت، والآن ناقمة عليه، وعلى منْ يرسخه ويدعمه، أصبح الرجل حينما يبحث عن زوجة أو شريكة الحياة، يقول أو يعلن فى الجرائد: «شاب ثرى قادم من بلاد النفط بعد غربة عشر سنوات، لديه كل مؤهلات الزواج الانفتاحى الاستهلاكى الإسلامى، من بتوع ربنا، ومن بتوع التوكيلات التجارية والسمسرة، على ذمته الدينية والمالية 3 نساء ويريد الرابعة بشرع الله تعالى ومشيئته وإذنه، عنده تسعة أطفال، ولد واحد و8 بنات هكذا أمر الله وحكمته، قام بالحج مرتين وأدى العُمرة 4 مرات والخامسة بعد الزواج مباشرة، يرغب فى واحدة بنت حلال عذراء، تخاف الله، لا يفوتها صلاة ولا صيام ولا التعبد فى رمضان، تجيد الطهى خاصة طبق الكوارع والكبسة، تعشق الأطفال، والراجل الحِمش اللى صوته يهز البيت، وهى صوتها ميتسمعش فى البيت، لا تزيد على 18 عامًا، مختنة، مطيعة، محجبة، والأفضل أن تكون منقبة، وتوقفت عن التعليم بعد الثانوية، لا تسمع موسيقى وأغانى ولا تروح أفلام ولا زيارات حتى لأمها اللى ولدتها، لا تنام إلا على تلاوة القرآن، وتصحو مبكرًا لأداء صلاة الفجر حاضر، ثم تعود بإذن الله إلى خلوتها الشرعية».

فى الزمن الأول الذى أترحم عليه، كنا نسمع أم كلثوم، وفريد،  وعبدالوهاب،  ومحمد فوزى، والعندليب، محرم فؤاد، ونازك، ونور الهدى،  وشادية، ونجاة، والشحرورة الصبوحة، وحورية حسن، وأحلام، وجارة القمر فيروز، وفايزة، وليلى مراد ذات الحنجرة الكريستالية، وهدى سلطان المزيج العجيب من الوقار والشقاوة.

وفى الزمن الثانى الذى أكرهه، نسمع ارتفاع وتداخل ميكروفونات الصلاة، وإيقاعات برائحة النفط، وأصواتًا مبحوحة مغلوشة لا صوت لها، متشابهة، ركيكة، ألحانًا لا نميزها عن بعضها البعض، تم تعبئتها سريعًا مثل علب الطعام، ليرقص عليها شباب مكبوت، محبط.

فى الزمن الأول الذى راحت أيامه، كانت الأفلام أبيض وأسود، تلون حياتنا بالأفكار الجديرة بالتفكير، والمشاعر الرفيعة التى تمتع قلوبنا، نجوم سينما من الطراز الفاخر الرصين.. نجمات يعشقن الفن، لكل واحدة مذاقها المتفرد، نجوم لكل واحد فيهم إطلالة ثرية. وفى الزمن الثانى المحتل، لا نرى على الشاشة إلا الألوان المتناثرة فى قبح وموسيقى صاخبة بدأت وانتهت تحت بئر السلم أو كوبرى، وقصص لا تصلح حتى للأطفال الأغبياء أو المتخلفين عقليًا وعاطفيًا، ممثلات يشبهن بعضهن البعض، ممثلين لا يقدمون إلا انعدام الموهبة، والتحرش بالنساء، وغرز المخدرات، والزعيق المستمر، والألفاظ التى نزلت بالفن «السابع»، إلى ما تحت الأرض.  

فى الزمن الأول الذى يعاقبنا بالفراق، كانت أخلاق المصريات والمصريين، أكثر استقامة، ورقة، وطيبة.. وكانت أحلامهم فى الحياة هى العمل المنتج، وإنشاء أسرة تشارك فى نهضة بلادهم، تعليم وعمل البنت فى أهمية تعليم وعمل الولد، أسرة مستقرة، هادئة، عادلة، تحلم بكرامة وتقدم الوطن. وكانت الجرائم العادية تحدث ولكن بمعدل يتناقص ويمكن السيطرة عليه.

فى الزمن الثانى الذى تمكن من إحكام قبضته، أصبحت الأخلاق المستقيمة، والرقة والطيبة، من ذكريات التاريخ، أزمات أخلاقية معوجة، عنيفة، شرسة، تفتك بأقرب الناس إلينا، وبأخص العلاقات داخل الأسر المصرية، التى عُرفت يومًا بالدفء، والتماسك، وخلية المجتمع الأولى السليمة الصحية. أحلام الناس تحولت إلى الفلوس الفهلوية السريعة، والربح الذى يأتى من الغش، وانعدام الضمائر، والاستثمار فى بيع الوطن. وكم يدهشنا تزايد معدلات الجريمة، ليس كميًا، فقط، ولكن كيفيًا. نصحو كل يوم على مذابح غريبة بالسكاكين والسواطير والتمثيل بالجثث بعد الذبح، داخل الأسرة الواحدة وخارجها . نصحو كل يوم على قضية فساد، وننام كل يوم على قضية إرهاب.

فى الزمن الأول، حيث المرأة المطلوبة تناقش ولا تطيع، كان زمن زراعة القمح والقطن. وفى الزمن الثانى، حيث المرأة المفضلة هى المطيعة، نزرع الأعضاء، والألغام الثقافية، وعش الغراب، والتطرف الدينى، والتعصب الفكرى، والقنابل  الذكورية العنقودية.

فى الزمن الأول، حيث يريد الرجل زوجة تحب القراءة والموسيقى، كان الإنسان يؤدى الطقوس الدينية فى صمت، وهيبة، وإجلال، هى سرعميق بينه وبين ربه. فى الزمن الثانى، حيث يريد الرجل زوجة لا تنام الا على تلاوة القرآن، أصبحت الطقوس الدينية، مثل السلع التى يجب الإعلان عنها فى الجرائد وفى التواصل الاجتماعى. على الفيسبوك، وتصل إلينا صور المعتمر أو المعتمرة، وهى فى زى الإحرام فى الأراضى المقدسة، وهى تبتسم لأصدقائها على الصفحة. وتتوالى التهانى، كأى مناسبة مثل أعياد الميلاد والزواج.