الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إنعام محمد على: ممدوح الليثى دَعّمنى.. وعانيت من يحيى العلمى!

(سنوات العمر لا يمكن أن تمضى هباءً طالما كان الاجتهاد شعارًا لها) هذه الرسالة ستنفذ إلى قلبك بمجرد أن تطأ قدماك منزل المخرجة «إنعام محمد على» فى حى مصر الجديدة، حيث تعيش بمفردها فى شقة استبدلت طلاء جدرانها بالتكريمات والشهادات التى حصلت عليها على مدار مشوارها المهنى الطويل، كان يمكن أن تكتفى إنعام باللقب الذى أهداه لها القدر كونها أول سيدة مصرية تجلس على كرسى المخرج، لكن شخصيتها التى لا تقبل بأنصاف الحلول حفرت اسمها بحروف من نور فى عالم كانت وما زالت هى إحدى أهم رائداته، وفى هذا الحوار ستتحدث «إنعام» كما لم تتحدث من قبل عن رجال دعموها وساندوها، وآخرين حاربوها واستكثروا عليها النجاح كونها أنثى اقتحمت مجالاً لطالما كان حكرًا على الرجل، كما ستتحدث أيضًا عن تأثير عملها الذى لا يقبل شريكًا على زواجها وعن قرارها بعدم الإنجاب.



>فى البداية حدثينا عن تأثير رحيل الأب مبكرًا على حياتك؟ عشت طفولتى فى المنيا، وتوفى أبى وأنا فى السابعة من عمرى، وكنا أختين على خمسة ذكور، وبما أننى الأخت الصغرى فقد كان عندى خمسة آباء يحاولون التحكم فى مصيرى، وحدث أنهم بعد أن أنهيت دراستى الثانوية أرادوا أن يرغمونى على الالتحاق بكلية البنات، لكننى رفضت، وأضربت عن الطعام حتى ألتحق بكلية الآداب، لدراسة التاريخ لأننى كنت أنوى الخروج للحياة العملية بعد التخرج، ورأيت فى التعامل مع الزملاء داخل الجامعة تأهيلاً لذلك، وظللت أقاوم حتى استجابوا لرغبتى، لكننى عانيت منهم أشد المعاناة خلال سنوات الدراسة، فلم أكن أستطيع المشاركة فى الرحلات، أو السفر، وظل هذا التحكم حتى تخرجت وتم تعيينى فى التليفزيون، فتحررت من كل تلك القيود، وحاليًا لم يبق من إخوتى الذكور سوى اثنين على قيد الحياة. >هل ألقت تلك الظروف بظلالها على اختياراتك فيما بعد؟ بالطبع، فهناك مثل شعبى يقول: «مايحسش بالنار إلا اللى كابشها» أى أن الرجل ممكن جدًّا أن يدافع عن قضايا المرأة مثلما فعل «قاسم أمين»، لكن لا يشعر بالمرأة إلا امرأة مثلها، واهتمامى بمشكلات بنات جنسى لم يأت من منطلق عنصرى، لكننى دائمًا أبحث فى هموم الفئات الأضعف فى المجتمع، لذلك أؤرخ دائمًا لبداياتى التليفزيونية بمسلسل (هى والمستحيل) الذى تناول قضية محو الأمية فى إطار إنسانى جدًّا، استطعت من خلاله أن أحول القضية المجتمعية إلى همّ شخصى، فأثّر المسلسل على عدد كبير من المشاهدين، ليس فقط داخل مصر، حيث أذكر أن وزارة المعارف المغربية أرسلت إلى اتحاد الإذاعة والتليفزيون رسالة شكر بعد عرض المسلسل، ذكرت فيه أن عددًا كبيرًا من فتيات المغرب أرسلن إلى الوزارة مطالبين إياها بفتح مدارس لمحو الأمية حتى يتمكنَّ من اللحاق بها أسوة ببطلة مسلسل (هى والمستحيل) وظللت من يومها أستقبل ردود أفعال السيدات على المسلسل، لدرجة أننى قابلت سيدتين فى معرض الكتاب منذ عدة سنوات، قالتا لى حرفيًّا: نحن نتاج مسلسل (هى والمستحيل) حيث توقفتا عن استكمال دراستهما، لكنهما بعد عرض المسلسل تشجعتا، حتى حصلتا على الدكتوراه، وأصبحتا أستاذتين فى كلية الآداب الآن، وهذا تحديدًا ما كنت أبغيه فى أعمالى طوال حياتى، بألا ينتهى العمل بمجرد عرضه. > لكن ما قصدته بسؤالى هو اقتحامك لمجال الإخراج الذى اشتهر به الرجال؟ الصدفة البحتة هى التى قادتنى إلى هذا الطريق، حيث قرأت إعلانًا فى الجريدة يطلب من خلاله التليفزيون مساعدين ومساعدات للإخراج من خريجى الجامعات، لم يشترط الإعلان وقتها تخصصًا بعينه، لذا تقدم للاختبارات نحو 1600 شخص من مختلف الكليات، من بينهم خريجو كليات الطب والهندسة، نجح منهم 61 من بينهم 11 فتاة، كنت واحدة منهن، تم توزيع الناجحين على الإدارات والقطاعات المختلفة داخل التليفزيون، وكان من نصيبى (إدارة المسلسلات) وطبعًا لم يكن لدىَّ أى خبرات فى هذا المجال، وبخلاف التدريب الذى كان يوفره التليفزيون يومها، والبعثات التى كان يرسلها للخارج ليرتقى بمستوى العاملين به، فقد بدأت أصقل تلك الخبرات العملية بدراسة متخصصة فى العناصر المختلفة التى تتشكل منها الدراما، واستمررت فى تطبيق القراءات النظرية على مجال عملى، حتى افتتح المعهد العالى للإعلام بعد ثمانى سنوات من تعيينى فى التليفزيون، وحصلت من خلال دراستى فيه على درجة الماجستير، وبما أننى كنت من أوائل دفعتى كان أمامى فرصة لأن أكمل مشوارى فى السلك الجامعى، حيث عرض علىَّ أن يتم تعيينى كمعيدة فى كلية الإعلام، لكننى فضلت الاستمرار فى عملى الذى أحببته وتميزت به. • قبل إخراجك لمسلسلك الأول (نفوس حائرة) عملت كمساعد مخرج لـ«نور الدمرداش»، والفنان «محمود مرسى»، ماذا تعلمت منهما؟ «محمود مرسى» كان يهتم كثيرًا بأداء الممثل، وكنا نجرى بروفات شهرين لسهرة تليفزيونية لا يتعدى زمنها الساعة، وكان يرسم الحركة على الأرض مثلما يحدث فى المسرح، ويهتم بكل تفاصيل العمل، وهو من خلق بداخلى هذه الملكة، فأصبح النجوم يظهرون فى أعمالى بشكل مختلف لم يعتده منهم الجمهور. > لماذا لم يلعب بطولة واحد من مسلسلاتك فيما بعد، خاصة أنه ممثل عظيم، وليس مجرد مخرج متمكن من أدواته؟ «محمود» كان لسانه لاذعًا جدًا، وهو أمر ليس محببًا لى على الإطلاق، وبالتالى تجنبت العمل معه. > ماذا عن «نور الدمرداش»؟ «نور» كان مخرجًا مهمًا، ويتميز بالحركة داخل اللقطة الواحدة، وهو الأمر الذى أخذته عنه أيضًا، وقد كان معجبًا بمسلسلاتى جدًا فى البدايات، لكن الغريب أنه بمجرد ما أن تولى منصب رئيس (إدارة المسلسلات) أصدر قرارًا بأن المرأة لا تصلح للإخراج التليفزيونى، لأنها لا تتحمل المشقة والجهد، وكان فى قراره تناقض غريب، واستمر القرار لمدة عام، حتى رحل وزير الإعلام «عبد القادر حاتم»، وتولى بعده «محمد فايق» الذى ألغى القرار، وأمر بالمساواة بين الرجل والمرأة. > منذ بداياتك وأنت سبب فى اكتشاف الوجوه الجديدة لكنك دعمت «ممدوح عبدالعليم» بقوة.. لماذا هو بالتحديد استحق كل هذا الدعم؟ رأيت فى «ممدوح» منذ طفولته موهبة استثنائية، وتابعته جيدًا منذ مسلسل الأطفال الشهير(وليد وراندا فى الفضاء) الذى أثّر كثيرًا فى طفولة أجيال، اختفى بعدها فى فترة مراهقته، ثم عاد إلى الأضواء فترة الشباب، عمل معى دورًا صغيرًا فى مسلسل (حصاد العمر)، بينما كان طالبًا جامعيًّا، ثم بعد تخرجه فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أعطيته دور البطولة فى السهرة التليفزيونية (أم مثالية) كان معروضًا عليه وقتها العمل فى السلك الدبلوماسى، وسألنى وهو فى حيرة من أمره: أى الطريقين يختار؟ وقال لى حرفيًّا: (أنا هاعمل اللى هتقولى لى عليه من غير نقاش) قلت له: (استمر فى التمثيل فأنت موهوب حقيقى)، بعدها أخذه «حسين كمال» فى أول بطولة سينمائية له (العذراء والشعر الأبيض) ثم توالت نجاحاته بعد ذلك. > عقدت ثنائية مع المؤلف الراحل «أسامة أنور عكاشة»، ما سر نجاح تعاونكما المشترك؟ «أسامة» كان رجلاً مثقفًا، مهمومًا بقضايا وطنه، له نظرة نقدية صائبة فى كثير من الأمور، كان أهم ما يميز الدراما التى يقدمها هو أن المشاهد يرى فيها نفسه، وتحرك بداخله خلايا التفكير، فلا ينتهى المسلسل بنهاية عرضه، لذلك كانت قضاياه دائمًا لها مردودها فى البيوت المصرية، وقد كان أول لقاء يجمعنى به فى سهرة تليفزيونية عام 1981 بعنوان (حب بلا ضفاف) من بطولة «آثار الحكيم وزهرة العلا»، وتوالت الأعمال التى كانت صادمة للمجتمع فى حينها مثل (الحب وأشياء أخرى) الذى يعد أول مسلسل يرصد فكرة ممارسة الجنس مع الزوجة بغير رغبتها، لكنها كانت جراءة مقدمة برقى بالغ، وفى مرحلة تالية نقلت له فحوى مكالمة تليفونية بينى وبين «فاتن حمامة» بأنها ترغب فى أن تطل على جمهورها فى التليفزيون بمسلسل موضوعه تربوى، فكان (ضمير أبلة حكمت) الذى كاد أن يتعثر بسبب خلافه معها. > احك لنا عن هذا الخلاف؟ كانت «فاتن» مترددة بعض الشىء، وبعد أن تم الاتفاق، وبدأ «أسامة» يعرض عليها الحلقات تباعًا، لنقرأها سويًا، قالت سأسافر إلى الخارج لفترة وسأعود بعدها لندخل التصوير فورًا، استغللت تلك الفترة فى بناء ديكورات المسلسل، والتجهيز لكل تفاصيله، لكن المفاجأة أنها عادت من السفر لتعتذر عن التصوير بسبب رفض «أسامة» أن يجرى تعديلات على القصة. > كيف تم إقناعها بالعدول عن الاعتذار؟ (ضمير أبلة حكمت) كان أول مسلسل من إنتاج قطاع الإنتاج الذى كان يرأسه «ممدوح الليثى»، ذهبت إليه لأخبره باعتذار البطلة، ولأطرح عليه بدائل، لكنه قال لى إن قطاع الإنتاج لن يبدأ عمله بأقل من مسلسل من بطولة «فاتن حمامة»، وبالفعل جمعنا نحن الثلاثة فى مكتبه لتقريب وجهات النظر، وطلب من «أسامة» أن يلين ويوافق على التعديلات المطلوبة، فكان رده أنه لن ينفذ سوى التعديلات التى ستطلبها المخرجة، وقد كانت تلك الجملة مخرجى فى إنهاء الخلاف. > على ذكر «ممدوح الليثى»، ما الدور الذى لعبه هذا الرجل فى دعمك كرئيس لقطاع الإنتاج بالتليفزيون؟ «ممدوح» كان يشجع كل من يثبت كفاءة وموهبة، فهما المعيار بالنسبة له، وأذكر أنه من دفعنى لاقتحام الإخراج السينمائى فى فيلم (آسفة أرفض الطلاق)، وحينما أعربت عن قلقى من عدم تحقيق نجاح فى السينما يوازى ما حققته فى التليفزيون قال لى: (أنا مصمم وعلى يقين من نجاحك) ويكفى ترشيحه لى لإخراج (الطريق إلى إيلات) تلك المهمة التى اعتذر عنها «نادر جلال» و«محمد خان»، وعندما عُرض علىَّ ترددت كثيرًا، لكننى كسرت خوفى، والتقيت بالأبطال وتحدثت إليهم، وبذلت مجهودًا كبيرًا فى تصوير العمل. > هل صار «يحيى العلمى» بعد توليه رئاسة قطاع الإنتاج خلفًا لـ«ممدوح الليثى» على نفس نهجه فى دعمك، أم اختلف الوضع؟ اختلف تماما، فـ«يحيى» كان يغار منى جدًا، وكان يريد أن يظل هو الناجح الوحيد، معتقدًا أن نجاح غيره ينتقص من نجاحه، وكان يرأس القطاع أثناء إنتاج (أم كلثوم) واتهمنى أننى أهدر الوقت، حيث استغرق الأمر منى سنوات من أجل التجهيز للعمل، بالإضافة إلى أنه رفض ترشيح «صابرين» لبطولة العمل قال لى: (يا إنعام احنا الاتنين مخرجين ولو عرضوا علىّ إخراج أم كلثوم مش هجيب صابرين...تحملى المسئولية وحدك) تحمّلى المسئولية تعنى حرفيًا أنى (ماليش ظهر) وقد عانيت أشد المعاناة من ضغط عصبى وإرهاق نفسى طيلة فترة التصوير بسبب قراراته. > تربطك علاقة وطيدة بقامات من أهل الصحافة منهم على سبيل المثال «مصطفى أمين»، و«عبدالوهاب مطاوع»، و«جمال الغيطانى» الذين حولتِ مؤلفاتهم إلى مسلسلات على الشاشة، احك لنا عن هذه العلاقة؟ «مصطفى أمين» رحب جدًّا بتحويل قصته (دولت فهمى التى لا يعرفها أحد) إلى سهرة تليفزيونية بسيناريو من تأليف «عصام الجمبلاطى»، وقد تعددت لقاءاتنا بعد ذلك فى أثناء التحضير لمسلسل (أم كلثوم)، حيث عقدت معه عدة جلسات، ليحكى لى فيها عن علاقته بها خصوصًا أن شائعة زواجهما كانت تتردد من حين لآخر، لكن حكاياته عنها أكدت لى أنه لم يكن يومًا زوجها، ولكنه فى أفضل الأحوال كان صديقًا مقربًا لها. أما (حكايات الغريب) لـ«جمال الغيطانى» فقد اخترته من ضمن مجلدين كتبهما عن ذكرياته فى حرب أكتوبر التى عمل خلالها كمراسل حربى لجريدة (الأخبار). أذكر أن الفيلم قد عُرض داخل نقابة الصحفيين قبل عرضه جماهيريًّا، وكان «جمال الغيطانى» يجلس جوارى ليشاهد الفيلم لأول مرة، لمحت فى عينيه دموعًا تتساقط وشعرت وقتها أنه يقوم بعملية (فلاش باك) لما مرّ به فى أثناء الحرب، حتى ظهرت كلمة النهاية فتحول البكاء الخافت إلى نشيج ونهنهة قوية. أما (صائد الأحلام) فلم تكن رواية لـ«عبدالوهاب مطاوع»، لكنها كانت مشكلة فى بريد الجمعة الذى كنت مدمنة له فى تلك الفترة، وكان يحرره «مطاوع» بحس الأديب وليس الصحفى، وعندما شعرت أن تلك المشكلة تعبر عن المتغيرات الاجتماعية، والاقتصادية التى حدثت فى المجتمع الذى أصبح يقيّم كل شىء بالمال، استأذنت «مطاوع»، ولجأت إلى سيناريست شاب اسمه «حلمى هلال»، ليكتب لى سيناريو الفيلم، والحقيقة فقد كان «عبدالوهاب مطاوع» صديقًا لى، وكان من الممكن إنتاج مسلسلات كثيرة من بريد الجمعة الذى خسر كثيرًا بوفاته. > هل تأثرت حياتك الزوجية بعملك؟ تزوجت مرتين، الأولى من المخرج «محمد فاضل» الذى استمرت علاقتى به لمدة عشرين عامًا، منذ خطوبتنا عام 64 حتى انفصالنا للمرة الثانية عام 84، وبعدها بأربع سنوات تزوجت بالسيناريست «عاصم توفيق»، واستمر زواجنا اثنى عشر عامًا حتى رحيله، وفى النهاية طبيعة عملنا كمخرجات لا تقبل شريكًا وتؤثر على حياتنا الزوجية لأننا نغيب عن المنزل لمدة تزيد أحيانًا على أربع عشرة ساعة فى اليوم، مما يجعل من حولنا يتهموننا دائمًا بالتقصير، بعكس المخرج الذى يعود إلى منزله فيلقى كل الدعم من زوجته. >هل قرار عدم إنجابك قرار شخصى منك، أم الظروف حتمت ذلك؟ هو قرار قدرى لصالح المهنة، فلو كنت قد أنجبت كان الطفل سيأخذ من وقتى وتركيزى، ولم أستطع أن أكون على ما أنا عليه الآن.>