«إردوغان» وكلمة السر «مؤتمر برلين»
ذهب «إردوغان» الأربعاء الماضى إلى تونس فى زيارة خاطفة ولكن الغريب أن الرئيس (قيس سعيد) قال لم يكن مخططا لها ولا معلنة .. ثم نجد أن قيس استحضر بعض القبائل الليبية لمقابلة إردوغان وأنه استقبله بمراسم نقلتها وسائل الإعلام، ولا يوجد لدى تفسير لتوصيف قيس لزيارة إردوغان سوى أنه لم يتعرف بعد على بروتكولات الزيارات الرئاسية ومتى تكون معلنة أو تم التحضير لها من عدمه، والحقيقة أن زيارة إردوغان جاءت على عجل حتى إنه لم ينتظر حتى يشكل قيس حكومة لبلده لإدارة شئونها ومقابلة زوارها والوفود المرافقة لها خاصة أن إردوغان قال إن الغرض من الزيارة هو رفع سقف التبادل التجاري؟؟ ومع أن هذا السبب الواهى والذي لا توجد حكومة أو وزير يمكنه إبرام مثل هذه الاتفاقيات بعد فى تونس، فإن الأمر صار مكشوفا ولَم تعد الزيارة مغلفة باللياقة الدبلوماسية المعتادة فى مثل هذه الزيارات ذات الأهداف المعقدة. لقد كشف (إردوغان) بغباء سياسى ليس له مثيل عبر تصريحاته فى تونس عن الوجه الحقيقى للزيارة والذى ينطوى على هدف واحد هو تشكيل لوبى ضغط على برلين لدعوتهم فى المؤتمر المرتقب بشأن ليبيا والذي لم تضع المستشارة الألمانية أى حساب لمشاركة تركيا فيه وأيضا دول المغرب العربى (تونس، الجزائر، المغرب) وهى دول جوار لليبيا، إلا أن رأى ألمانيا أن تونس والجزائر لم يستقر وضعهما بعد للحالة الانتخابية التى كانوا عليها وما يتبعها من تشكيل حكومات لوضوح رؤى هذه الدول، وبالنسبة للمغرب فإنه فى عام 2015 عقد بها (مؤتمر الصخيرات) الخاص بليبيا وكان من أهم توصياته سحب السلاح من الميليشيات العاملة داخل ليبيا ولكن المغرب لم تتابع ذلك، علاوة على أنها لا تريد الدخول فى تفاصيل الشأن الليبى لتعدد وجهات النظر الإقليمية والدولية وهى لا تريد أن تفقد أيا من هذه الدول التى تقوم بمساعدتها بشكل أو بآخر. ما جعل (إردوغان) يصاب بحالة هذيان سياسى هو النظرة المقدرة التى تتعامل بها ألمانيا وميركل مع مصر والسيسى الذى ينظر له بما يتمتع به من لياقة (المحارب الدبلوماسي) وأيضا للمكانة الجيوستراتيجية للبلد الذى يحكمه وتأثيرات استقراره على باقى المنطقة وأيضا الأدوار التى تلعبها مصر فى الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، ليس هذا فحسب ولكن ينظر لمصر كسوق اقتصادية قوامها مائة مليون نسمة والتعاون الاقتصادى معها يشكل وسيلة أساسية للمساهمة فى تحقيق مكاسب مشتركة مثال ما قامت به شركة (سيمنز) عملاق الصناعات التكنولوجية الألمانية عندما أبرمت أكبر صفقة مع مصر للطاقة المتجددة ، وهنا تعقد ألمانيا مقارنة فى الفروق بين دولة مستقرة مثل مصر ودوّل المغرب العربى المجاورة لليبيا أيضا، فتجد ووفق تقارير ألمانية أن السوق المصرية واضحة المعالم وموحدة ولكن الأسواق المغاربية غير واضحة الآفاق بسبب الاضطراب السياسى الذي تعيشه الجزائر وانسداد عملية الاندماج بين بلدان الاتحاد المغاربى والأكثر أن (تونس) التى يطلقون عليها دولة الياسمين العربى لم تتضح سياستها داخليا أو خارجيا بعد ولَم تعلن الاتجاهات الحقيقية لـ(قيس سعيد). ومع الاستعدادات الصعبة للمؤتمر الدولى حول ليبيا يبدو الرهان الألمانى على دور الرئيس السيسى واضحا فى حل الأزمة الليبية، وهو ما جعل كواليس التحضيرات للمؤتمر والتى تم تسريبها تذكر أن المساهمين فى المؤتمر سيكون غالبيتهم من الداعمين عسكريا وسياسيا لـ(خليفة حفتر) الذى يحاصر قوات (فايز السراج) رئيس حكومة الوفاق الوطنى منذ أبريل الماضى، وحتى بعد أن وضع يده فى يد (إردوغان) وقبله الميليشيات الإرهابى ، وأبرم اتقاقيتين تعتبران باطلتين لأنه لم يوافق عليهما البرلمان الليبى الجهة التشريعية المعترف بها فى ليبيا، ومع أنهما يتصفان باتفاقيات أمنية واقتصادية إلا أنهما لم تلقيا التأييد الدولى الذى اعتبرهما اعتداء على حقوق دول شرق المتوسط ومناطقها الاقتصادية فى حدودها البحرية. ولأن ما فعله (إردوغان والسراج) من اتفاقيات لا يملكان حق تنفيذها فإن المجتمع الدولى وخاصة ألمانيا وفرنسا وأمريكا استبعدتهما من مؤتمر برلين المرتقب بشأن ليبيا، فى حين احتفت بأهمية مشاركة السيسى مؤصلا لمكانة مصر وخاصة فى ترؤسها للاتحاد الأفريقى الذي تعتبر ليبيا عضوا فيه، ولذلك التنسيق لهذا المؤتمر سيكون حاضرا به الدول الأعضاء الخمس الدائمين فى مجلس الأمن بالإضافة إلى خمس دول أخرى حدد ثلاثة أسماء منها حتى الآن هي ألمانيا ومصر وإيطاليا ولَم تسم الدولتان الفاعلتان اللتان سيكتمل بهما (5 + 5) وهو ما جعل إردوغان يجن جنونه ويتصل بالمستشارة الألمانية ميركل التى أجابته بشكل مقتضب بأنها ستنظر فى الأمر، ولَم يعد أمامه إلا أن يذهب إلى دول الجوار الليبى (المغرب العربى) ويستحثها المطالبة بالمشاركة لما لها من حق كدول مجاورة لليبيا ومتأثرة بها، ولكن كما أوضحنا سلفا ظروفها لا تسمح فذهب يستحث إحداها (تونس) التى لم يشكل رئيسها حكومته بعد ليطلب منه أن يجمع بينهما لوبى ضغط على برلين لإشراكهما فى المؤتمر كجبهة مقابلة لجبهة مصر التى تؤيدها برلين وأمريكا وفرنسا لتحقيق سلام فى الأراضى الليبية بالطرق السلمية، واعدا (قيس) باستيراد كمية من زيت الزيتون والتمر وينشىء له مستشفى أطفال، ولكن أين الحكومة التونسية التى ستبرم هذه الاتفاقيات وهى لم تشكل بعد. ما يعانيه (إردوغان) الآن هو كيف يصل إلى مكانة (السيسي) الذى تربع على قلوب الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفريقى، وحظى بترحاب ألمانى لم يسبق لرئيس مصرى أو عربى أو حتى شرق أوسطى ليس هذا وحسب ولكنه اكتسب تميزا بين دول جواره لم يتنافس معه أحد فى ذلك.