الجنس الصريح فى المسلسلات العائلية

عادة يهتم النُقّاد، ويتابع المشاهدون ما تقدمه هوليوود من أفلام مستوحاة من قصص اختلقها «الموساد»، أو قضايا تخص الشأن السياسى الإسرائيلى، ومن ثم ينهال النقاد بأقلامهم فى الصحف والمواقع المتنوعة بالتعليق على تفاصيل الفيلم، ولكن فى عالم الشاشات الصغيرة، التى لا يلقى عليها الضوء بالقدر نفسه، يوجد عالم آخر من الاقتباسات والنقل الهوليوودى للمسلسلات الإسرائيلية الاجتماعية، التى شقت طريقها إلى أمريكا بسهولة.
«Euphoria» أو «نشوة»، مسلسل أمريكى جديد، أثار ضجة واسعة خلال الأسبوع الماضى، ليس فقط بسبب محتواه الجرىء، بل لأنه مأخوذ عن مسلسل إسرائيلى بنفس الاسم، فهو مسلسل تليفزيونى درامى، يدور حول مجموعة من طلاب المدارس الثانوية، الذين يغرقون فى عالم المخدرات والجنس، ووسائل التواصل الاجتماعى، والحب والصداقة، وهو مسلسل يكشف الحقائق عن مراهقى الغرب فى الأعوام القليلة الماضية.
يقدم المسلسل نظرة عن المخاوف التى تواجه المراهقين من (جيل Z)، وهو مصطلح يقصد به الجيل الذى يلى جيل الألفية، والذى يستخدم الإنترنت من سن مبكرة، بطريقة تجعلهم متكيفين مع عالم التكنولوجيا، وفى غاية التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعى، التى صارت تشكل جزءًا كبيرًا من حياتهم الاجتماعية.. ويركز المسلسل الأمريكى أيضاً على كيفية انتقال هؤلاء الصغار فى عالم ملىء بأنواع مختلفة من العنف، والتنمر العلنى، والإيذاء الجنسى، إلى ألم الإهمال، والقلق، والوحدة.
فتدور أحداث المسلسل من وجهة نظر مدمنة مخدرات تبلغ من العمر 17 عامًا، تدعى (رو)، التى تجسدها الممثلة «زندايا»، تعيش حالة من البؤس الشديد منذ ميلادها، الذى ربطه المؤلف بأحداث 11 سبتمبر، حيث إنها خرجت من بطن أمها وجدت التلفاز يعرض الحادث، وتتعرف (رو) على صديقة جديدة فى المدينة، تدعى «جولز»، التى تجسدها عارضة الأزياء «هنتر شافر»، وهى فتاة متحولة جنسياً، وهو أمر يُشار إليه للجمهور خلال لقطة سريعة لهرمونات حقنت بها (جولز) فى أعلى ساقها، كما تبحث الأخيرة عن ممارسة الجنس المحفوف بالمخاطر مع رجال غرباء كبار فى السن، ولكنها تتوق أيضاً إلى الحب، مما يملأها بالاكتئاب، وإيذاء الذات، ومن هنا تتطور العلاقة بينهما.
هذا بجانب عدد من القصص الجانبية لبقية الطلاب المشاركين فى القصة، التى تصور عدة جوانب من حياة المراهقين، على سبيل المثال، قصة (نيت جاكوبس)، التى يجسدها «جايكوب إليوردى»، وهو طالب رياضى فى المدرسة، الذى ينفجر غضبه المكبوت فى العلاقات الجنسية، كنتيجة عما اكتشفه وهو صغير، بأن أباه شاذ جنسياً، ويقوم بتصوير ضحاياه، وهو أحد الرجال الذين تورطت معهم الفتاة المتحولة (جولز) فى علاقة عابرة، أو قصة المراهقة (كيت)، التى تجسدها «باربى فرييرا»، المرفوضة من قبل المراهقين الشباب، لحجمها، وجسدها غير المتناسق، وأثناء إحدى الحفلات التى يملأها الخمر، والمخدرات، والعلاقات غير الشرعية، تتورط (كيت) فى علاقة مع مراهق، بينما يصورها آخر، وينشر الفيديو على موقع إباحى، مما يثير رعبها فى البداية، ولكنها تكتشف فيما بعد أنه أمر يجلب المال، مما يجعلها تشترك فى الموقع الإباحى كإحدى عضواته!!!. هذا بجانب عدد آخر من القصص.
المشاهدون، والنقاد تفاجأوا على حد سواء من كم المشاهد الجريئة، التى عرضت خلال الحلقتين الأولى والثانية من المسلسل، لدرجة أجبرت الممثلة «زيندايا» على أن تكتب لمتابعيها بموقع «إنستجرام»، أنه: «قبل عرض الحلقة الأولى، يوجد تذكرة بسيطة، وهو أن مسلسل «إيفوريا» للجماهير الناضجة، لأنه يعرض صورة صريحة وصادقة للإدمان، والقلق، وصعوبات الحياة فى الوقت الحالى»، هذا بجانب تحذير رئيس مجلس تليفزيون الآباء الأمريكى «تيم وينتر» فى بيان صحفى، أن: «قناة (HBO) التى تعرض المسلسل، تتعمد بشكل علنى تسويق محتوى بالغ فى رسم صورة الجنس، والعنف، والألفاظ النابية، وتعاطى المخدرات، للشباب والمراهقين». مؤكداً أنه مسلسل لا يصلح إلا للبالغين فقط.
أغلب الصحف والمواقع الإخبارية اتفقت على أنه أمر معروف عن (HBO)، بأنها تعرض مشاهد جنسية أكثر وضوحًا مما يُسمح به لمعظم الشبكات الأخرى على التليفزيون الأمريكى، وأعرب جميعهم عن صدمتهم من عدة مشاهد جريئة أكثر من اللازم، وعلى رأسها: أحد المشاهد الذى ظهر فيه بشكل صريح، أكثر من 30 رجلاً عاريًا فى غرفة خلع الملابس، ولم يفهموا الداعى من وراء هذا، خصوصاً أن شيئًا لم يحدث، وأيضاً أثارهم مشهد لولادة طبيعية واضحة عن قرب، رغم أنه «جرافيك». ناهيك عن احتواء المسلسل على الكثير من النساء العاريات أيضًا.
كما علقوا ، بأنه من النادر أن يجد المشاهد أمامه قصة متحولة جنسيًًا، تتخذ دورًا رئيسيًا فى العمل، وقد علقت الممثلة «هنتر شافر» على دورها هذا، بأنها كانت قلقة فى البداية، لأنه أول عمل تمثيلى تقوم به، لكن ما شجعها، هو وقوعها فى حب السيناريو من أول وهلة، مؤكدة أنها كانت تتمرن عليه أكثر من خمس ساعات يومياً، لتتقمص دور وتفكير شخص متحول جنسياً.
بلغ عدد مشاهدي العرض الأول 577 ألف مشاهد، بينما وصل إلى مليون مشاهد فى إعادة الحلقة، هذا بالإضافة إلى كتابة أكثر من 153 ألف منشور على موقع التواصل «تويتر» فى أول 12 ساعة منذ العرض الأول.
ومن جانبها، احتفت الجرائد الإسرائيلية بنجاح أولى حلقات المسلسل الأمريكى، متباهية أنه مأخوذ عن مسلسل إسرائيلى، لكن اتفق جميعهم أيضاً، أن النسخة الأمريكية أكثر عمقاً، وصراحة، كما أوضحت جريدة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أن المؤلف الأمريكى قام بتغيير بعض الشخصيات فى نسخته عن النسخة الإسرائيلية، وعلى رأسهم بطلة المسلسل (رو)، فهى من وحى خيال المؤلف الأمريكى.
يذكر أن نفس الجريدة الإسرائيلية علقت على نسخة المسلسل الإسرائيلية الأصلية، أثناء عرضها من 30 نوفمبر 2012، حتى 1 فبراير 2013، بأنه لم يكن عظيمًا، بعكس ما توقع صناعه.
وكان مؤلف المسلسل الإسرائيلى «رون ليشم»، أوضح - وقتها - أن القصة توضح ما وصل إليه الأولاد الذين غرقوا فى عالم مظلم، كنتيجة لشعورهم بالوحدة، والفراغ، وافتقار السلطة الأبوية، وهذا هو السبب وراء عدم تجسيد المسلسل للآباء بصورة صريحة، بل كانوا مجرد شخصيات ضمنية، وغالباً لا تظهر وجوههم، ثم أضاف: «المراهقون لا يبحثون عن أى شيء حقًا، لأن كل شيء فى متناول أيديهم على محرك البحث (جوجل)».
ولكن كان ضمن أهداف المسلسل الإسرائيلى أيضاً، أن يمثل كل شخص من الشخصيات الأساسية، واحدة من أخطر سبع خطايا فى المسيحية، وهى: «الكسل، التكبر، الجشع، الغيرة، الغضب، الشهوة، والشراهة».
وعلق موقع «والا» الإسرائيلى - وقتها - على المسلسل، بأنه ليس بعيدًا عن الواقع، ومن المرجح أن يزعج الآباء والأمهات من المشاهدين، مؤكداً أنه مخصص لأولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عامًا فما فوق، وذلك من أجل درء أولئك الذين يعتقدون أن مشاهدته تشجع على العنف، وتعاطى المخدرات، وتدمر السلوك بين المراهقين.
لم يكن هذا المسلسل المثير للريبة، هو أول مسلسل أمريكى مأخوذ عن مسلسل إسرائيلى، ولكنه ضمن النوادر الذى حظى على انتباه الجميع.. فقد سبقه -على سبيل المثال، لا الحصر- مسلسل «Allegiance»، أو «ولاء»، وهو مسلسل أمريكى مأخوذ عن دراما تجسسية إسرائيلية، عرفت باسم «خلية جوردن»، التى تدور قصته حول ضابط سلاح الجو الإسرائيلى (إيال جوردن)، وعميل المخابرات الروسية (يعقوب لوندين). وتم عرض المسلسل لأول مرة فى 5 فبراير 2015 على شبكة (NBC)، ولكن ألغى المسلسل بعد خمس حلقات، بسبب تصنيفه المنخفض، ومسلسل «Traffic Light»، أو «إشارة المرور»، وهو مسلسل هزلى أمريكى عرض على قناة «فوكس» فى 8 فبراير 2011، وهو مبنى على مسلسل إسرائيلى بنفس الاسم، ولكن القناة أعلنت عن إلغائه فى 10 مايو بنفس العام، دون إبداء أسباب، والأمر نفسه لمسلسل «Wisdom of the Crowd»، أو «حكمة الحشد»، وهو مسلسل درامى أمريكى استند إلى مسلسل إسرائيلى بنفس العنوان، وتم عرضه لأول مرة على (CBS) فى 1 أكتوبر 2017، ولكن فى 27 نوفمبر نفس العام، ألغت القناة العرض، نتيجة للتقييمات الضعيفة، وادعاءات التحرش الجنسى، التى تورط فيها بطل المسلسل «جيريمى بيفن».
يذكر أنه يتم إنتاج مسلسل «The Baker & the Beauty»، «الخباز، والجميلة» الآن، وهو عبارة عن مسلسل كوميدى رومانسى موسيقى أمريكى، سيتم بثه على قناة (ABC) خلال الموسم التليفزيونى 2019-2020، وهو مأخوذ عن مسلسل إسرائيلى بعنوان «كونه معها»، وهو أحد أكثر المسلسلات الناجحة فى إسرائيل. >