صناع تماثيل الدرب الأحمر: «الفرعونى يكسب»

بين شوارع وحارات ضيقة فى حى «الدرب الأحمر» لا يتعدى اتساع أى منها المترين ورشة صغيرة يقف فيها صاحبها الخمسينى عم حربى على طاولة، وفى يده تمثال غير مكتمل أبيض اللون تماماً مثل لون شعره ووجهه الذى غطته كمية كبيرة من الجير.
وعلى بعد خطوات، وقف نجله «عمرو» صاحب الـ38 عاماً، وفى يده مادة بيضاء اللون، وحوله الكثير من الأحجار الجيرية موضوعة فوق أرفف على جميع جدران الورشة، فى مشهد من مشاهد فن النحت على القوالب الجيرية، هنا فى «الدرب الأحمر».
البيع بالجملة
ورث «عمرو» المهنة من والده، وبدأ العمل فيها بعد الانتهاء من دراسته قبل نحو 20 عاماً، لكنه لم يكتف بما ورثه وبدأ بمساعدة الوالد نفسه فى تطويرها، لمواكبة السوق وتلبية احتياجات وأذواق الزبائن المختلفة.
يشرح مراحل النحت على القوالب الحجرية وصناعة تمثال فيقول: «صناعة التماثيل تمر بأكثر من مرحلة، بداية من وضع بودرة الرخام مع بوليستر رخام وخلطهما معا، ثم وضع المزيج فى قوالب من السيلكون موضوعة داخل قوالب حجرية (الاسطمبة)».
ولأن «لقمة العيش بتحب الخفية»، يعمل عمرو حربى والعاملون معه فى الورشة على صناعة أكثر من شكل، لإرضاء جميع الأذواق. يوضح: «لا نصنع فقط التماثيل الفرعونية، ونشكل تماثيل تعبر عن الصوفية، وأخرى للديكور مثل الأطباق الملونة».
وبدا «حربى» متفائلاً حين قال: «قلة الاستيراد فى الوقت الحالى، خاصة من الصين، ساهم فى انتشار الصناعة وافتتاح العديد من الورش الصغيرة لصناعة التماثيل، وأدت إلى انتشار المهنة بشكل أكبر».
كما أن حجم المبيعات فى تزايد، بعد أن شهدت فترة 25 يناير وما بعدها ركوداً كبيراً نظراً لتراجع معدلات السياحة حتى الداخلية، موضحاً أن %75 من الإنتاج للزائرين الأجانب، و%25 للمصريين.
ويشير إلى أنه لا يستطيع تحديد وقت معين للانتهاء من صناعة التمثال الواحد، لأن «لكل شكل وحجم وقت معين لازم لصنعه، وكل تمثال يمر بعدة مراحل تختلف من شكل إلى آخر»، لافتاً إلى أنهم يصلون فى بعض الأوقات إلى إنتاج 40 قطعة فأكثر فى اليوم الواحد، وأيام أخرى لا توجد فيها أى طلبات لإنتاجها، مضيفاً «عملنا يقتصر على التجار وأصحاب المعارض، والبيع يكون بالجملة لا بالقطعة».
ويتابع: «السياح يفضلون التماثيل الفرعونية، والضغط فى خان الخليلى والحسين دائماً ما يكون لصالح طاقم الأهرامات، وتمثالى حتشبسوت وتوت عنخ أمون»، لكن ورشة «حربى» تتميز بتمثال خاص بالصوفية، والذى صنعه للمرة الأولى فى مصر لصالح سائح تركى وفتاة مغربية، ومنهما أخذ فى الانتشار.
كيف تسوقون إنتاجكم إذن؟ سألنا «حربى» الذى رد بقوله: «نتولى عملية التسويق بأنفسنا، فى ظل حالة من الركود فى الورش، ونتمنى أن تتولى هذه المهمة وزارة الصناعة والتجارة، مع العمل من جانبها على حل أزمتى زيادة أسعار المواد الخام وقلة العمالة».
ويضيف «بدأت أتأقلم على الوضع الحالى، مفيش عمال والخامات غالية، لكن لو حطيت المشاكل دى قدامى مش هأشتغل ومش هأعرف أبص قدامى ولا أنتج، عشان كده لو مفيش حد يشتغل معايا هأطلع شغل لوحدى»، موضحاً أنه يصنع «الاسطمبة» بنفسه: «بأحط سيلكون ورابر وأجيب المنتج وأنضفه وأحطه عليه، وبعد ما تنشف بأحط السيلكون ده جو قالب جبس أو فايبر».
الأسعار تبدأ بـ15 جنيها
تتباين أسعار المنتجات فى ورشة «حربى»، بداية من «طقم الأهرامات الصغير» بـ10 جنيهات، مروراً بالتمثال الصوفى من 15 لـ45 جنيها، فيما يصل سعر التماثيل كبيرة الحجم إلى 200 جنيه.
ويكشف «عمرو» أنه انتقل للإقامة فى «الدرب الأحمر» ليكون قريبا من الورشة، ومع ذلك لم تكفه مهنته ماديا. يوضح: «عندى عيلين والمصاريف غالية، بدفع إيجار ورشة وإيجار بيت، ووصلين النور والمياه بـ900 جنيه، وبنتى بتاخد دروس بـ300 جنيه فى أولى ابتدائى»، معرباً عن أمله فى أن تصبح بنته الكبرى مذيعة والصغرى طبيبة أسنان.
التقينا فى الورشة أيضاً «عم طارق» صاحب الـ57 عاما، والذى يعمل فى المهنة منذ 40عاماً، وتلقى أصولها على يد والده فى سن صغيرة، ومهمته الآن هى «تشطيب التمثال» نظراً لكبر سنه، الذى يجعله لا يستطيع «العجن» أو الوقوف ساعات طويلة لصب المادة فى القوالب، مضيفاً «بجانب تشطيب التماثيل أعمل على إصلاحها ونحتها بالمبارد والصنفرة إذا ما وجدت فيها ثقوباً أو عيوباً، وبعد الانتهاء أبدأ فى تلوينها».
«عم طارق» الذى رفض تعليم المهنة لأبنائه مفضلاً استكمال دراستهم، قال إنه غير محكوم بساعات عمل معينة: «الشغل هو اللى بيحكمنى. لما بيبقى فى شغل وضغط ممكن اشتغل 8 ساعات أو أكتر، بس لما بيبقى مفيش شغل بشتغل 3 أو 4 بس».
أما «مصطفى» الشاب صاحب 28 عاما، فيعمل فى المهنة منذ إن كان فى سن الرابعة عشرة، وصاحب الورشة التى كان يعمل بها سابقا هو من علمه أصولها، موضحاً «كنت أعمل معه فى صناعة الشطرنج، وبعد فترة بدأنا فى صناعة التماثيل، واستمريت فى هذه المهنة لأننى عشقتها».
ولا يختص «مصطفى» بـ«تشطيب» و«تلميع» التماثيل، بل يشارك فى جميع مراحل التصنيع، مشيراً إلى أنه يعمل لمدة 9 ساعات فى الأوقات التى يتزايد فيها الطلب.