الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل يحكم «أشباه ترامب» أوروبا قريبًا؟

هل يحكم «أشباه ترامب» أوروبا قريبًا؟
هل يحكم «أشباه ترامب» أوروبا قريبًا؟


قد تكون الأهداف الاقتصادية، وبخاصة الوقود، هى الدافع وراء التدخل لإثارة المتظاهرين فى أى دولة، لكن التغيير المنشود أو تنفيذ السياسات التى تهدف إليها الدول المخططة لا يكون فقط من خلال اختراق المتظاهرين وتغيير أهدافهم.
بل إن الأمر يحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك، فتغيير السياسات الاقتصادية الأوروبية لن يأتى فقط من خلال التظاهر، لكن الأهم هو أن يأتى التغيير بما تشتهيه الإدارة الأمريكية، وهو هنا صعود التيارات اليمينية فى أوروبا، والتى تشبه أفكارها وسياساتها إلى حد بعيد أفكار ترامب وسياساته المضادة للهجرة والرافضة لاستقبال اللاجئين والعنصرية تجاه كل من هو ليس أمريكيًا.
تصاعدت تيارات اليمين فى أوروبا بالفعل، خلال السنوات الأخيرة، بشكل أربك المشهد السياسى هناك، لكن إذا كان العنف والإرهاب والصورة التى انتقلت إلى الغرب عن المهاجرين، سواء من العرب أو غيرهم، دفعت الكثيرين إلى تبنى الفكر اليمينى وتأييد الأحزاب اليمينية التى لم يكن لها أرضية حقيقية فى الشارع الأوروبى على مدى عقود طويلة، فإن الولايات المتحدة أسهمت بدورها فى دعم تلك التيارات العنصرية وتوحيدها لكى تضمن فوزها فى الانتخابات القادمة وتصل بالفعل إلى قارة أوروبية جديدة يحكمها اليمين، خاصة بعد الخلافات العديدة والتوتر الذى شهدته العلاقات الأمريكية-الأوروبية منذ تولى الرئيس ترامب الحكم.
الخلافات شملت عددًا من القضايا، على رأسها نقل سفارة واشنطن إلى القدس والعقوبات الأمريكية على إيران إلى جانب الانسحاب الأمريكى من معاهدة حظر الانتشار. وبدأ بعدها جمود حاد فى العلاقات الأوروبية- الأمريكية، وساهم التقارب الأوروبى مع كل من الدب الروسى والتنين الصينى إلى توتر العلاقات بشكل أكبر بين واشنطن ودول أوروبا.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية يئست من إمكانية تحقيق أى تقارب مع الإدارات الأوروبية الحالية، خاصة الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» والمستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل»، فكان التوجه نحو دعم المعارضة اليمينية للإطاحة بحكومتيهما فى الوقت المناسب أو على الأقل ضمان أن الانتخابات القادمة ستأتى بحكومة متوافقة فى سياساتها مع إدارة ترامب.
فى سبتمبر الماضى، كان «ستيف بانون»، كبير مستشارى ترامب السابق، فى مهمة خاصة فى القارة الأوروبية، وهى إقامة تحالف بين أحزاب اليمين فى مختلف دول أوروبا، ليشكلوا قوة فى مواجهة التيارات الليبرالية الحالية والتى تقف فى سبيل تنفيذ مخططات الإدارة الأمريكية الحالية. الجولة الأوروبية تلك كانت للترويج للمنظمة التى قرر «بانون» تأسيسها فى بروكسل لتوفر مساحة لزعماء التيارات اليمينية فى أوروبا للاجتماع والتعارف وتشكيل تحالف. كان بانون قد أجبر على ترك منصبه فى البيت الأبيض، لكن يبدو أن الأمر كان مجرد تغيير للأدوار وخطة لجعل الرجل ذى الآراء العنصرية المثيرة للجدل يتفرغ لمهمته الأكبر فى أوروبا، وهى استحواذ أحزاب اليمين على الانتخابات البرلمانية المقبلة خلال العام القادم، لتصبح أوروبا قارة يحكمها التيار اليمينى.
ونحاول هنا رصد تصاعد التيارات اليمينية فى عدد من بلدان أوروبا..إذ سيطرت تلك التيارات بالفعل فى بعض الدول ووصلت إلى الحكم سواء جزئيًا أو كليًا، بينما تعالت أصواتها فى بلدان أخرى، لكنها فشلت فى الوصول إلى السلطة، لكن الملاحظ أن الدول لتى فشل فيها التيار اليمينى فى الوصول إلى السلطة هى تلك التى ضربتها التظاهرات بقوة، بينما لم تنل المظاهرات من الدول التى وصل فيها اليمين إلى السلطة أو سيطر على الحكم.
إيطاليا
 كان فوز «ماتيو سالفينى» زعيم حزب «رابطة الشمال» فى الانتخابات البرلمانية فى مارس الماضى بأكثر من 17 % من الأصوات إيذانًا ببدء مرحلة جديدة فى السياسة الإيطالية، حيث طالب «سالفينى»، المعروف بآرائه المتطرفة والعنصرية تجاه المهاجرين، بأحقيته فى تشكيل الحكومة، وهو ما ناله بالفعل. فقد تم تشكيل حكومة ائتلافية من حزبى «رابطة الشمال» و«النجوم الخمسة» الذى حصد 30 % من مقاعد البرلمان، والتقى خصما الانتخابات فى حكومة واحدة رأسها «لويدجى دى مايو» زعيم «النجوم الخمسة»، بينما تولى «سالفينى» منصب وزير الداخلية، أما «باولو سافونا»، أستاذ الاقتصاد اليمينى المتطرف، فقد تولى حقيبة الاقتصاد وهو معروف بآرائه الراديكالية الخاصة بالخروج من الاتحاد الأوروبى الذى يراه «قفصًا اخترعه الألمان لكل بلاد أوروبا»، لكن خلال الشهور الأخيرة بدأ ميزان القوى يتغير بين الحزبين الحاكمين، حيث يتفوق حزب «سالفينى» حاليًا على الأحزاب الأخرى فى كل استطلاعات الرأى الأخيرة وازدادت شعبية الرجل بشكل لافت، رغم آرائه العنصرية الصادمة التى يغلفها بكلمات مليئة بالنزعة القومية، حتى إن الصحف بدأت تطلق تكهنات بأن «سالفينى» ربما يتطلع لإجراء انتخابات مبكرة خلال العام المقبل.
وكان من الطبيعى أن يبدأ «بانون» الترويج لمنظمته الجديدة فى سبتمبر الماضى من إيطاليا التى يحظى فيها التيار اليمينى بشعبية واسعة حاليًا، حيث أعلن فى مؤتمر صحفى عقد فى روما أن المنظمة ستكون الأساس القوى والصلب الذى سيسهم فى فوز أحزاب اليمين الأوروبية فى الانتخابات البرلمانية عام 2019، مشيرًا إلى أن المنظمة ستضم خبراء فى مجالات متعددة منها الاقتراع وتحليل البيانات وبدائل الإعلام إلى جانب خبراء فيما أسماه «غرف الحرب» الخاصة بالحملات الانتخابية والتى تتميز بسرعة الاستجابة.
«بانون» أعلن فى المؤتمر نفسه أن أوروبا، مثلها فى ذلك مثل الولايات المتحدة خلال انتخابات 2016، أصبحت مستعدة لتغيير جذرى فى سياساتها مشيرًا إلى أن وجود «سالفينى» فى المنظمة سيؤكد أنها المكان المناسب لتوحيد الحركات الشعبوية فى أوروبا.ومن جانبه أعلن «سالفينى» أنه مستعد للتعاون مع الأحزاب اليمينية فى: المجر، النمسا، بولندا، فنلندا، الدانمارك، وغيرها من دول أوروبا.
كما أعلنت «جورجيا ميلونى» زعيمة حزب «الأخوة» اليمينى الإيطالى انضمامها إلى المنظمة الجديدة، وذلك عقب لقائها مع «بانون» فى «فينيس».
المجر
يأتى حزب «فيدس» الحاكم على رأس أحزاب اليمين فى المجر. يرأس الحزب رئيس الوزراء «فيكتور أوربان» الذى وصفه رئيس مؤسسة الاستقرار الأوروبى «جيرالد كناوس» بأنه «أخطر رجل داخل الاتحاد الأوروبى». فاز حزب أوربان فى أبريل الماضى بثلثى مقاعد البرلمان، وهو ما منحه الحق فى تغيير الدستور والسير ببلاده نحو سياسات «الديمقراطية غير الليبرالية». لم تكن هذه هى المرة لأولى، بل فاز الرجل قبلها عام 2010 وشغل منصب رئيس الوزارء منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
وعلى الرغم من أن أوربان عمل فى بداية حياته فى مؤسسة «المجتمع المفتوح» أو Open Society التى يملكها رجل الأعمال المثير للجدل «جورج سوروس» قبل أن يقرر ترك عمله البحثى والاشتغال بالسياسة، إلا أنه مع تغير الرؤى والمصالح أصبح اليوم سوروس فى مرمى أوربان الذى تعهد بالقضاء على كل المنظمات المرتبطة به وكانت البداية بقرار إغلاق جامعة يمولها سوروس داخل المجر. يأتى ذك بعد توجيه أوربان العديد من الانتقادات إلى سوروس واتهامه بأنه يقف وراء دفع أوروبا لاستقبال المزيد من المهاجرين، وهو ما يرفضه أوربان. وقد قرر سوروس نقل جامعته من العاصمة المجرية «بودابست» إلى «فيينا».
يعرف عن أوربان عنصريته الشديدة حتى إنه وصف اللاجئين السوريين بأنهم «غزاة مسلمون» مشيرًا إلى أن وجودهم يغير التركيب الديموغرافى لأوروبا.كما أكد، أمام البرلمان الأوروبى، أن الشعب المجرى اختار ألا تكون بلاده موطنًا للمهاجرين.
صرح «أوربان»، فى أعقاب لقائه مع رجل اليمين الإيطالى القوى «ماتيو سالفينى»، فى أغسطس الماضى، بأن «الانتخابات الأوروبية على الأبواب وعلينا أن نغير الكثير»، مضيفًا أن هناك جبهتين فى أوروبا، إحداهما يقودها الرئيس الفرنسى «ماكرون» الذى يدعم المهاجرين وتقود المجر وإيطاليا الجبهة الثانية. وهو ما أكده «ستيف بانون» عندما أشار إلى أن هدفه الأساسى هو الوصول إلى أكبر نسبة من أصوات الناخبين الأوروبيين لمرشحى اليمين، ليصبحوا قوة فاعلة يمكنها وقف الأجندة السياسية لكل من «ماكرون» و«ميركل».
التشيك
حصل الحزب اليمينى «الحرية والديمقراطية المباشرة» بقيادة رجل الأعمال «توميو أوكامورا» على 10 بالمائة من أصوات الناخبين رغم خطابه العنصرى المعادى للإسلام والمضاد للاتحاد الأوروبى. ويتمتع أوكامورا بدعم الرئيس التشيكى اليسارى «ميلوش زيمان» لاتفاقهما فى رفض المهاجرين وخاصة المسلمين. وبالكاد رضخت التشيك لقرارات الاتحاد الأوروبى، إذ وافقت على استقبال 12 مهاجرًا فقط بعد معارضة شديدة ورفض لسياسات الاتحاد الأوروبى فى هذا الشأن.
بلغاريا
يعتبر حزب «أتاكا» هو أكبر الأحزاب اليمينية، وهو متطرف فى أفكاره ونزعته القومية . حصل الحزب بزعامة «فولن سيديروف» على 21 مقعدًا فى البرلمان البلغارى فى الانتخابات الأخيرة.أهم الأفكار التى ينادى بها أعضاء الحزب هى الانفصال عن الاتحاد الأوروبى، كما أنهم يعارضون حلف شمال الأطلسى «الناتو». بدأت التظاهرات فى بروكسل بداية الشهر الجارى، ولكن بأعداد قليلة وليست بالقوة التى تشهدها فرنسا منذ 4 أسابيع، لكنها مستمرة.
هولندا
أبرز أحزاب اليمين حزب «الحرية»، وهو من أشد الأحزاب عنصرية ومعاداة للإسلام. يرأس الحزب «جيرت فيلدرز» ويمثل ثانى أكبر تيار داخل البرلمان الهولندى، إذ حصل فى مارس 2017 على 20 مقعدًا .ولا يزال الحزب يعمل من أجل الحصول على المزيد من الأصوات وقد يساعده تصاعد تيارات مماثلة فى دول أوروبا خلال الفترة القادمة فى اكتساب شعبية وثقة بين الناخبين.
الدنمارك
أصبح حزب «الشعب» ثانى أكبر الأحزاب شعبية فى الدنمارك وأكدت ذلك نتائج الانتخابات العامة فى يونيو 2015، إذ حصل الحزب على 17 مقعدًا فى البرلمان، وهو ما أهله ليكون جزءًا من الائتلاف الحاكم، كما حصل أعضاء الحزب على 4 مقاعد من بين 13 مقعدًا مخصصة للدنمارك بالبرلمان الأوروبى.
فرنسا
لا تزال الحكومة فى باريس بعيدة عن الفكر اليمينى، لكن الواقع والأرقام تؤكد أن اليمين ليس ببعيد عن الوصول للسلطة، فقد فاز «ماكرون» برئاسة فرنسا فى انتخابات صعبة حصلت خلالها منافسته اليمينية المتطرفة «مارين لوبان» زعيمة حزب «التجمع الوطنى» على أكثر من 21 بالمائة من الأصوات وحصل حزبها على 10 ملايين صوت انتخابى، أى أن هناك 10 ملايين فرنسى أعلنوا، من خلال التصويت»، اتفاقهم مع الفكر اليمينى والنزعة القومية، وهو ما شكل مفاجأة أعلنت عن صعود قوى لهذا التيار فى الشارع الفرنسى.
وفى أكتوبر الماضى أشادت «لوبان» بصعود الحركات اليمينية فى الانتخابات الإقليمية فى ألمانيا والانتخابات البلدية فى بلجيكا.
واليوم تقف لوبان إلى جانب المتظاهرين فى شوارع باريس وتؤيد مطالبهم وتنتقد ماكرون وسياساته بشدة، حتى إنها وصفته بـ«الفاشل» مضيفةً أنه يتصرف كمصرفى ورجل أعمال وليس كرجل دولة، وبالطبع فإن هبوط شعبية ماكرون خلال الأسابيع الأخيرة قابله ارتفاع كبير فى شعبية لوبان التى تتحدث بلسان المتظاهرين وتدافع عنهم، بل إنها طالبت بحل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بعد أن استمرت التظاهرات على الرغم من رضوخ ماكرون لمطالب المتظاهرين، وبالطبع فإنه إذا ما أجريت انتخابات رئاسية مبكرة أو حتى أجريت الانتخابات فى موعدها، فإن لوبان لن تكون الخاسرة فيها بعد أن اكتسبت تأييدًا شعبيًا خلال التظاهرات.
ألمانيا
شهدت تظاهرات بأعداد صغيرة حشد لها تيار اليمين المعارض لسياسات المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل»، ويعتبر «الحزب القومى الديمقراطى» أهم الأحزاب اليمينية فى ألمانيا وأكثرها تطرفًا فى الوقت نفسه، إذ يطلق عليه النازية الجديدة.
أما حزب «البديل من أجل ألمانيا» فهو الحزب الأحدث فى ألمانيا، إذ تأسس عام 2015، لكنه نجح فى تحقيق نتائج جيدة فى الانتخابات الأخيرة، إذ احتل المرتبة الثالثة فى نتائج الانتخابات الأخيرة. الحزب يعمل على كسب المزيد من الشعبية، وأسهمت سياسات ميركل تجاه المهاجرين فى جذب المزيد من المؤيدين للحزب العنصرى نتيجة لدخول قرابة المليون مهاجر بعد قرارات المستشارة الألمانية، ومعظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان.
وفى النهاية نؤكد أن اليمين يدعم بالفعل تظاهرات السترات الصفراء فى أوروبا، وبالتالى فإن المتظاهرين سيدعمون هذا التيار فى أى انتخابات قادمة، ويبقى السؤال: ماذا لو وصلت هذه الأحزاب إلى السلطة بمساعدة منظمة الحركة التى أسسها مستشار ترامب السابق؟ هل سنجد نسخًا مكررة من ترامب فى فرنسا وألمانيا وغيرها مثلما ظهرت هذه النسخ فى إيطاليا والمجر؟>