أغانى المهرجانات إزعاج تحت الطلب !

رقية قنديل
فى السنوات القليلة الماضية، خرجت أغانى المهرجانات من حدود الأزقة والحارات والمناطق الشعبية، التى بدأت منها.. لتنتشر بين عموم المجتمع المصرى بل تصل إيقاعاتها للبلاد العربية ويصل محترفوها لأوروبا وأمريكا.
فى رصد لمعدلات النشاط التى تشهدها هذه النوعية من الأغانى نجد أن عامى 2017 و2018 حققا مشاهدات خيالية على اليوتيوب، وإذا كان موقع الڤيديو الشهير ليس مقياسا حقيقيا لأغانى التوكوك والميكروباصات والأفراح والسهرات الراقصة، إلا أننا يمكننا القياس عليها، فمع اقتراب نهاية عام 2018 نجد أن أغانى مثل: «خد سيجارة» تصل لما يقرب من 20 مليون مشاهدة، و«أنا جدع» 22 مليون، و«لا لا» 53 مليون مشاهدة، و«الصحاب يلا» 25 مليون مشاهدة، و«لو كنت قدى انزل تحدى» 21 مليون مشاهدة، و«رب الكون ميزنا بميزة» 17 مليون مشاهدة.. ليستمر الحال كما كان فى العام الماضى حيث وصلت نسب مشاهدة «العب يلا» لـ 157 مليونا، و«سكران خربان» 20 مليونا، و«سجنو حبيبى يابا» 31 مليونا، و«صاحبى يا صاحبى» 20 مليون مشاهدة. والملاحظ أن نسب المشاهدة تزداد يوميا.
بالبحث عن أسباب هذا الكم الكبير من المتابعة لتلك الأغانى، بناء على آراء الشارع نفسه.. التقينا بشكل عشوائى بعدد من الجمهور العادى، حيث يقول سيد (40 سنة، صاحب كشك بمدينة المنصورة) إنه يستمع إلى جميع أنواع الأغانى وأكثرها أغانى المهرجانات، التى وصفها بأنها تعبر بشكل حقيقى عما يحدث فى المجتمع، فجميع كلماتها واقعية جدا ومستمدة من البيوت والشارع، كما أنها مفرحة وتدخل عليه البهجة، وأنه لا يرى أن بعض كلماتها مسيئة بل على العكس تماما يراها «صريحة»، وعن كيفية حصوله عليها أكد أنه لا يستطيع استخدام الإنترنت وأنه يحصل عليها عن طريق البلوتوث أو الفلاشات من «حبايبه».
وتقول (ندى 25 سنة من محافظة الغربية)، إنها تحب أغانى المهرجانات، خصوصا إذا كانت فى السيارة أو على الطريق، وأكثر ما يلفت نظرها فيها هو الإيقاع، وتراها مبهجة جدا «أغانى فرفشة» وبعضها تكون معبرة فى كلماتها ومؤثرة وتمسها وقليلا ما تزعجها بعض الكلمات التى تجدها خارجة، وتؤكد أنها لا تعرف أسماء أو أشكال من يغنون هذه الأغنيات، وقالت إنها لا يعجبها من يهاجمون المهرجانات بحجة أنها متدنية المستوى.
ويؤكد (فادى - 35 سنة، منسق أغانى DJ، من الزقازيق)، أنه من خلال عمله يتعامل مع أغانى المهرجانات منذ فترة طويلة، وأن 70 % من أسطواناته تحولت من الأغانى الشعبى والأغانى العادية الراقصة لأغانى المهرجانات، وإنه يختار الأغانى التى يقوم بتشغيلها بناء على طلبات وميول المستمعين، وما يراه مؤثرا بشكل كبير فى توصيلهم لحالة من المتعة والتحفيز على الرقص، وذكر أيضا أن هذه النوعية من الأغانى متوافقة تماما مع أذواق الناس فى كل مكان سواء كانت نوادى أو حفلات أو بارات أو مناسبات عائلية كأعياد الميلاد وحفلات الزفاف، وأن تلك الأغانى ليست حكرا على الفئات الشعبية، حيث ذكر أنه يقوم بالمزج بين كل أنواع الأغانى العربية والأجنبية ويضيف لها بعض التعديلات على الإيقاع والرتم ويضيف المؤثرات الصوتية اللازمة للاحتفال.
وعلى الرغم من ذلك، تلقى هذه النوعيه من الأغانى هجوما من قبل قطاعات كثيرة، وتعتبرها مدانة بأن كلماتها جريئة لحد الوقاحة، تتحدث عن السلبيات بكثرة مثل خيانة الأصدقاء والزوجات وفساد الأخلاق، وتتناول الكثير من الموضوعات بطرق مهينة وعلى أنغام صاخبة، وتصف أحيانا العلاقة بين الرجل والمرأة بما يخالف المعايير الأخلاقية، وبعضها يتحدث عن المخدرات والآلام والانكسارات والفقر والعجز والذل والعنف اليومى الذى يتعرضون له، وأصحابها نالوا قسطا محدودا جدا من التعليم، أو لم يتلقوه على الإطلاق، كل هذا وتأتى ألحانها ضد المعايير الجمالية السائدة للفنون جميعا.
هذا ما أكدته (هدى - 32 سنة، مذيعة براديو أون لاين مركز سمسكا محافظة بنى سويف)، حيث قالت: «أنا لا أسمع المهرجانات وأرى انها (أى كلام) ولا توصل أى رسالة، بل على العكس تحمل ألفاظا ومصطلحات هابطة وكلماتها عشوائية وبذيئة.
وقال (مصطفى - 31 سنة، موظف، من الإسكندرية): «لا أحب أغانى المهرجانات، لأنها تعتمد على (الخبط والرزع)، ولا أعرف كيف أستمع إليها، ولا أفهم كلماتها، ولا أستطيع من خلالها أن أعيش فى حالة مزاجية معينة كما يحدث لى مثلا مع أغانى حماقى ومنير وسميرة سعيد وأصالة وأغانى أم كلثوم..وأعتقد أنها موجة لن تستمر كثيرا، فالناس (تحتاج اللى يهديها مش يصدعها).
وإذا تخطت الأغانى الشعبية فى الوقت الراهن الحدود الدولية، وأصبحت أسماء أوكا وأورتيجا وشحته كاريكا والمدفعجية والدخلاوية وغيرهم تتردد خارج الحدود، إلا أننا لا يمكن أن نفصل انتشارها عن الوضع المجتمعى والنفسى لطبقات المجتمع، وهذا ما أوضحته أستاذ علم الإجتماع بجامعة المنوفية «د.ثريا عبدالجواد»، حيث قالت إن الأغنية هى عنصر ثقافى مهم يأتى ضمن عناصر ثقافية كثيرة موجودة، تعبر عن وجدان الأمة ووجدان الشعب وتطلعاتهم الاجتماعية، وعندما يكون المجتمع فى طريقه للنهوض والبناء والتقدم يجب إرساء القيم العليا من أجل النهوض بالمجتمع للأفضل، فمن المفترض أن يتم تدشين أغانى محترمة كالتى كنـــا نسمعها مثل عبدالوهـــاب وأم كلثوم، فهذه هى الأغانى التى يمكن أن يطلق عليها اسم مهرجانات وليس الأغانى الهابطة المسفة التى انتشرت مؤخرا، ومفهومى عن المهرجانات هى أغانى تسود بين طبقات معينة من الناس ثم تنتشر وتكون هى اللون الغنائى الشائع والأكثر انتشارا، وهذه الأغانى الهابطة لا تنتشر سوى فى أوقات الانحطاط الاجتماعى والانحطاط الثقافى،وما نشهده هو فرض للإسفاف على الجمهور سواء على مستوى البرامج التليفزيونية وما تتناوله أو على مستوى الأغانى كلمات وألحان وموسيقى أو على مستوى السينما والدراما، فهذا العهد هو عهد إسفاف كبير جدا، وهذه الأغانى هى أقوى دليل، أما عن فكرة انتشارها فهذا لأنها تفرض علينا، والنظرية التى يستخدمونها مؤخرا وهى «الجمهور عايز كده» خاطئة تماما، بل على العكس الجمهور يجبر ويتأثر ويعتاد على ما يقدم له، (مثل الجائع الذى يأكل اللى موجود فى الثلاجة وخلاص) عامة، يمكن اعتبار هذه الأغانى فقعات تظهر فجأة فى ظروف معينة ثم تختفى، تتناسب مع ثقافة الاستهلاك التى نشهدها حاليا.. ونحن نحتاج فى مصر لبرامج جادة وإعلام هادف وفن يرتقى بالذوق العام، وأطالب وزارة الثقافة وهى على رأسها السيدة- إيناس عبدالدايم- التى أفنت حياتها فى تعلم الموسيقى الراقية والذوق الرفيع أن تتصدى للإسفاف والانحطاط الثقافى وتمنع كل ما يؤذى الناس فكريا وثقافيا وأن تتولى إنشاء أجهزة ترعى الفن والإعلام الهادف وتحارب الاستهلاك وتشجع الملحنين والشعراء والموسيقيين والفنانين الجادين الموهوبين الذين يمتلكون فكرا واعيا مثل ما كان يحدث ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضى والحفلات التى كانت تقام كل شهر وتتبناها الدولة ضمن خطط بيوت الثقافة.. فمن أجــل النهوض بأى مجتمع لا بد أن تكون «الثقافة أولاً».>