الحنين إلى عصر «فكتوريا»

آلاء البدرى
فى رحلة عبر الزمن.. نعود إلى ما يزيد على 150 عامًا، لنرى كيف كانت الأحوال فى أوروبا، وصولًا إلى الولايات المتحدة، فى فترة تعد من أهم الحقب التاريخية التى لا يزال تأثيرها على الجنس البشرى بأكمله على مر العصور، حيث العصر الفكتورى، حيث بلغت الثورة الصناعية فى بريطانيا أوجها وامتدت إلى أوروبا ثم الولايات المتحدة.
ما شهده العالم خلال فترة حكم الملكة فكتوريا «1837 – 1901» من تطور فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأدبية والفكرية، جعل العديد من العواصم والمدن الأوروبية والأمريكية، تحن إلى ذلك الزمان، بتنظيم احتفالات ومسيرات سنوية تعيدهم إلى أجواء الماضى، حيث كانت تلك الفترة تتميز بالسلام والازدهار، مع الشعور بالثقة بالنفس، مع انتشار الأخلاقيات العالية والسلوك الأدبى والثقافى الراقى.
لم تكن أوروبا والولايات المتحدة تعرف بعد احتفالات الكريسماس وعيد الميلاد، ولم يُسمع عن بابا نويل، وكان وقتها تجرى احتفالات ترفيهية بسيطة، وحاليًا يحاول الإنجليز الذين انتشروا فى العديد من المدن الأوروبية والأمريكية، إحياء هذه الثقافة من خلال احتفالات خاصة، يطلقون عليها، مهرجانات ديكنز نسبة إلى الكاتب البريطانى الشهير تشارلز ديكنز أعظم الروائيين الإنجليز الذى يعتبر أحد رموز العصر الفكتورى، وتنطلق المهرجانات والاحتفالات سنوية من تكساس مرورًا بمومباى إلى هولندا.
>الحنين إلى «فكتوريا»
الأسبوع الماضى كان على موعد مع العديد من الاحتفالات التى انطلقت فى العديد من المدن والعواصم، حيث تُختتم اليوم 8 ديسمير، الفعاليات التى أطلقتها مدينة جاريسون بولاية إيوا الأمريكية، والتى بدأت فى 30 نوفمبر الماضى للاحتفال بمهرجان ديكنز بتنظيم مسيرات العصر الفكتورى فى نسخته الخامسة والعشرين، وتحولت المدينة خلال الأيام الماضية إلى قطعة أرض إنجليزية.
المهرجان جذب هذا العام أعدادًا كبيرة من المشاركين، وفقًا لتصريحات ماكيلا بيليس مدير المهرجان. وضمت فعاليات المهرجان هذا العام مهرجان الأشجار المضيئة وركوب عربات الخيل والعربات الأسطورية وكتابة الرسائل إلى سانتا، وحضر الفعاليات العديد من الفنانين والشخصيات العامة والمشاهير.
وتحتفل مقاطعة بورت جيفرسون بالولايات المتحدة الأمريكية كل عام، على مدار 23 سنة، بأعمال وحياة الروائى الشهير تشارلز ديكنز بمهرجان كبير، انطلق هذا العام فى الأول من ديسمبر واستمر 3 أيام، تحولت خلالها المقاطعة إلى مشهد حى من العصر الفكتورى، حيث تنكر المشاركون فى زى أشهر شخصيات روايات ديكنز، مثل عيد الميلاد وديكنز مايور وسكروج والملكة إليزابيث التى أضيفت للاحتفال منذ عام 2005 لإعطاء شعور إنجليزى أصيل للجولات فى جميع أنحاء المنطقة، ويشارك فى المهرجان ما بين ألف وألفى زائر إلى البلدة الصغيرة كل عام، وهو ما أكسبها طابعًا رسميًا، ليطلق عليها عاصمة عيد الميلاد.
>حكاية «ديكنز»
يرجع تاريخ إقامة أول مهرجان لديكنز إلى عام 1973 على ساحل مدينة جالفستن بتكساس، وساعد وقتها شكل المدينة التى كانت لا تزال مبانيها على طراز القرن التاسع عشر على شهرة المهرجان، وكان الهدف من المهرجان جمع التبرعات للحفاظ على الأبنية المعمارية المهددة بالدمار والسقوط، وتطور على مدار الأعوام حتى أصبح من أشهر مهرجانات الولاية بعد أن ضم عددًا كبيرًا من الفعاليات الترفيهية شملت جولات الحافلة ذات الطابقين المعروفة باسم الملكة إليزابيث وركوب عربات تجرها الخيول ومعرض الباعة الجائلين الذين يبيعون الطعام فى الشوارع الرئيسية ومسيرة ليلية تنكرية بملابس العصر الفكتورى التى تتسم بفخامتها وأناقتها، والتى تجمع بين الحشمة والرقى وتعتمد على أقمشة الحرير والدانتيل والمجوهرات لتزيينها كالكريستال إلى جانب الألعاب الترفيهية وغيرها.
ويجذب المهرجان ما يقرب من 40 ألف سائح إلى المدينة الصغيرة التى لا يتجاوز عدد سكانها 50 الف مواطن يتجمهرون فى الشوارع للمشاركة فى المهرجان، وخلال المهرجان تصل نسب الإشغال بالفنادق 100 %.
لا تقتصر احتفالات العصر الفكتورى ومهرجان ديكنز السنوى فى الولايات المتحدة الأمريكية على مدن جالفستن وجاريسون وبورت جيفرسون فقط، حيث يمتد إلى سان فرانسيسكو، حيث يقام فى قاعة كاو بالاس مهرجان ديكنز ويستمر 4 أسابيع متتالية فى أيام عطلات نهاية الأسبوع فقط بين احتفالى عيد الشكر وعيد الميلاد وتقيم مدينة تاكوما بواشنطن فى غرب أمريكا احتفالات العصر الفكتورى السنوية فى بداية شهر ديسمبر ومدينة هولى فى ولاية ميتشجان، وكذلك مدينة سبارتانبيرج بولاية كارولينا الجنوبية.
>موكب الذكرى
احتفالات العصر الفكتورى لا تتوقف فقط عند الولايات الأمريكية، بل تمتد للعديد من الدول الأخرى، ومن بينها الهند وتقام احتفالات ضخمة فى برودستير وروتشستر فى وطن ديكنز الأم بمقاطعة كينت الإنجليزية، ولكن فى توقيت مختلف من السنة فى شهر مايو، حيث تقدم الفرق المسرحية والفنية عروضًا لشخصيات من صفحات كتب تشارلز ديكنز إلى جانب موكب إحياء ذكراه يطوف الشوارع وإقامة المسابقات وجائزة المهرجان التى يقدمها حفيد ديكنز «جيرالد ديكنز»، بالإضافة إلى المعارض الترفيهية والمخيمات التاريخية فى حدائق القلاع، والتى تعرف الزوار كيف قام الفكتوريون بالتصوير ومعالجة الصور على الزجاج والصفائح المعدنية باستخدام آلات تصوير قديمة إلى جانب ألعاب الحقبة الفكتورية مثل الثعابين والسلالم والهضبة.
وخلال الأيام الماضية، أحيت حركة ستيم بانك الفنية مهرجانًا للأزياء الفكتورية استمر ثلاثة أيام فى هاورث فى مقاطعة يوركشاير البريطانية ظهر فيه اندماج الأزياء الفكتورية والأوروبية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مع اكسسوارات نحاسية فخمة تبدو أثرية، وقدم المهرجان لأول مرة فعاليات مختلفة مزجت بين الرقى الفكتورى والنظرة المستقبلية الكلاسيكية وشارك فى الاحتفالات الفكتورية محبو الحركة الفنية بأزيائهم المميزة خلال المهرجان وسكان المقاطعة وبعض السياح.
>أكبر المهرجانات
يقام أكبر مهرجانات ديكنز فى العالم فى مدينة ديفينتر فى هولندا فى عطلة نهاية الأسبوع قبل أعياد الميلاد من كل عام ويجذب قرابة 150 ألف شخص من جميع أنحاء هولندا وبلجيكا وألمانيا، وتختلط أكثر من 950 شخصية من الشخصيات الفكتورية فى قصص ديكنز مع المتسوقين فى سوق عيد الميلاد ومع مغنى الترانيم وبائعى الهدايا التذكارية ورواد المهرجان بملابسهم التنكرية، ويشعر الزوار بأنهم ركبوا عجلة الزمن ليعيشوا أجواء إنجلترا فى القرن التاسع عشر.
العصر الفكتورى، يعتبره الأوروبيون عصر ثورة التنوير والصناعة وهبطت فيه نسبة الأمية فى بريطانيا وفرنسا وأمريكا وارتسمت خلاله حركة جديدة استهدفت تجديد الأساليب التربوية والتعليمية وبلغت فيه الثورة الصناعية فى بريطانيا قمتها ثم امتدت إلى أوروبا ثم الويات المتحدة.>