رحلة عذاب الأرامل والأيتام على عتبات «المجلس الحسبى»!

ابتسام عبد الفتاح
وهنًا على وهن، وعذابًا فوق العذاب، تذوقه الأرملة وأطفالها الأيتام بعد رحيل الزوج.. فلا تكفى مرارة الفقد وقسوة الفراق، بل تبدأ الأم المكلومة مع أطفالها رحلة عذاب على عتبات «المجلس الحسبى»، وهو مجلس الأوصياء على القُصَّر بعد وفاة العائل لهم وهو الأب حيث يقوم بحساب ممتلكات الولد أو البنت وأموالهم وتولية الولاية عليهم من قبل أحد أقاربهم ويقوم بمحاسبته على كل شىء كمسئول عن هؤلاء الأولاد إلى بلوغ سن الرشد.
٪10.7 من السيدات فى مصر أرامل، ويبلغ عددهن 3 ملايين أرملة وذلك حسب إحصائية الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء. هؤلاء تطبق عليهن المادة 39 من قانون الأحوال الشخصية رقم 19 لسنة 1952 والخاصة بالولاية على المال بما فيه من معوقات، وأولها أنه لا يجعل من الأم وصية على مال أبنائها بشكل مباشر بعد الأب، بل إن وصاية المال تؤول للجد ثم للعم بعد الأب، وفى حالة رغبة الأم فى أن تتولى الوصاية على مال أبنائها عليها أن تتقدم بطلب وصاية، لكن فى حال طلب الجد أو العم الوصاية، فإنها تذهب إليهما مباشرة، وتستمر الولاية حتى بلوغ الأبناء 21 عامًا، لتواجه الأمهات المعاناة مع المجلس الحسبى، وصعوبة فى الحصول على ميراث الزوج بعد وفاته لضمان حق الأولاد.
داخل محكمة الأسرة فى مصر الجديدة، والتى يتبعها مناطق عين شمس والمطرية وحلمية الزيتون ومصر الجديدة، التقينا بعدد من الأرامل اللاتى يأتين للمجلس الحسبى من السابعة صباحًا، يعانين للحصول على حق أبنائهن كما لو كن زوجات أب ولسن أمهات.
وقد تقودها الظروف إلى الدخول فى قضايا مع أهل زوجها للحصول على حقوق أبنائها، فهناك الكثير من القصص المأساوية التى تحكى معاناة بعض الأرامل مع الروتين والجهاز الحسبى.
س. محمد، قالت إنها كانت تعيش حياة هادئة وكريمة، فى أسرة ميسورة الحال، ولديها 4 أطفال، لكن بعد وفاة زوجها فى حادث سيارة فوجئت أنها ممنوعة من التصرف فى أملاك زوجها، الذى ترك أراضٍى وحسابات بالبنوك ومبانى وسنتر اتصالات وسيارة، وبعد وفاة زوجى تم إخطارى أن الواصى ماليًا هو الجد أو العم، ولا يحق لها التصرف فى أى أموال قامت هى وزوجها بادخارها، وكان لها نصيب منها، فبجانب رفض الجد التخلى عن الوصاية لها، كان لزامًا عليها لتحصل على أى أموال أن تقدم طلبًا للمجلس الحسبى ومن ثم النيابة الحسبية ويتم انتداب خبير للتأكد من أنها تستحق هذه الأموال، حتى لو كانت من أجل مصروفات مدرسية أو أغراض مدارس أو علاج، وهو ما يستغرق شهورًا دون مراعاة للالتزامات الأسرية.
وأضافت: «أصبح المجلس الحسبى وصيًا على أموال أبنائى من جهة والجد من جهة أخرى، وجئت هنا لعمل طلب حتى أستطيع تأجير مبنى، فأنا لا أستطيع التصرف فى ممتلكاتى إلا بموافقة المجلس الحسبى، وفى كل مرة إجراءات معقدة تستغرق أوقاتا أطول، وعمليات لجان الجرد بالمجلس تستغرق شهورًا وربما سنوات، ففى عملية الجرد لسيارة نزلت اللجنة بعد 6 شهور، وفى لجنة لجرد سنترال جاءت اللجنة بعد 9 شهور، كما أن تقرير اللجنة يستغرق وقتًا أيضًا، ومنذ عامين آتى أسبوعيًا حتى تنتهى إجراءات الجرد، ولم تنته حتى وقتنا هذا، وما زاد من معاناتنا، وآلامنا النفسية، أننى لا أستطيع شراء ملابس أو دفع اشتراكات نوادٍ أو أى نمط حياة اعتادوا عليه عندما كان والدهم بجوارهم.
وقالت إن قانون المجلس الحسبى يقوم على تنفيذ الولاية على المال للقاصر ويجعل مصير عائلة مقيدًا بقوانين قديمة جدًا لا تصلح للوقت الحالى، أما نصوص القانون فلا تعرف أن الناس طبقات والاحتياجات تختلف من طبقة لأخرى، وبناء عليه يرفضون صرف أى مبالغ تكفل لنا حياة شبيهة بالتى تعودنا عليها، لأن القائمين عليه معنيون بالحفاظ على الأمانة، كما أن البيروقراطية تقتلنا إذ أننا نضطر للوقوف بالساعات لمجرد أمور إدارية.
منى حسن، أرملة منذ 5 شهور، لديها 5 أولاد، قالت إن قانون المجلس الحسبى يفرض أن تكون الوصاية مع الجد أو العم، لكننى عانيت لأثبت أن الجد متوفى، وبسبب إجراءات مستندية مع البنك اضطررت لدفع 3 آلاف جنيه للبنك حتى أستطيع قبض معاش لأبنائى 340 جنيها لكل طفل، كما أن المعاملة سيئة للغاية، وملفات القٌصر تستغرق وقتًا طويلًا لإنهائها.
شيماء حسين، أرملة منذ 6 سنوات، اشتكت من الروتين والأوراق المُعقدة، وقالت: «عشت ومازلت أعيش فى معاناة مع المجلس الحسبى والبنك، ففى الصرف سواء معاش أو ممتلكات يتم بعد عدة أشهر، دون مراعاة لوجود أبناء والتزامات دراسية وحياتية لهم، ومع كل طلب مادى للأولاد لابد من تقديم طلب ودراسته من قبل خبراء غير مؤهلين لمراعاة مستويات الأسر الاجتماعية والمادية، وكأن الأم لا تراعى مصلحة الأبناء وتهدر أموالهم.
وأضافت: «لأسحب فلوسا من البنك لنفقات المدراس، لا بد أن يحضر معى جد الأولاد، وهو رجل كبير فى السن، لذلك تنازل عن الوصاية لى، وكل المصروفات تحتاج أوراقًا من المدرسة، وقد يستغرق الأمر شهورًا، فأضطر للاستدانة لسداد نفقات المدارس والدروس والملابس، لحين الحكم من قبل المجلس الحسبى باستحقاقى للمبلغ المطلوب، وبالنسبة للملابس، ففى أشياء كثيرة أقدم الفواتير وآخد المقابل بعد شرائها.
كوثر حلمى، أرملة منذ 3 شهور، ولديها 5 أطفال، قالت إن أهل زوجى يرغبون فى طردى أنا وأولادى من المنزل، أننى بنيت شقتنا بنفسى، لكن ليس لدى إثبات أن الشقة ملك لى وللأولاد، وعندما جاء المجلس الحسبى قالوا لى إن بطاقتى على الأميرية بالتالى أنتِ تابعة للمجلس الحسبى للأميرية، رغم أن زوجى بطاقته على المطرية، ومنزل أهل زوجى فى المطرية أيضا، وبالفعل ذهبت إلى المجلس الحسبى بالأميرية، وقالوا لى إن إجراءات الوصاية لابد أن تصدر من عنوان مسكن ومحل إقامة الزوج المتوفى، ومن وقتها وأنا تائهة بين المكانين.
أم ربيع، لم تسطع صرف معاش زوجها، رغم وفاته منذ 3 أعوام، بسبب أن جد أبنائها متوفى، وزوجها ليس له إخوة، فأصبح أمرها وأولادها معلقًا حتى الآن، فلا يوجد وصى على أبنائها غيرها، تقريبا كل أسبوع فى مشوار للمجلس الحسبى، ولم تجد حلًا لأزمتها حتى الآن.>