زواج العار

ابتسام عبد الفتاح
«العرف والتقاليد».. هما الدستور والقانون الذى يحكم العديد من القبائل العربية المنتشرة فى مصر، خاصة فى الصعيد وشمال سيناء، وتعد تقاليد وأعراف الزواج أهم بنود «قانون القبيلة»، والتى من بينها عدم السماح للفتاة بأن تتزوج من خارج أبناء القبيلة، فضلًا على عدم الحرج فى تزويج الفتيات القاصرات دون السن.
سمية أحمد بنت قبيلة «الجزازة» بالصعيد واحدة من مئات الفتيات اللائى وقعن ضحية لزواج القبيلة، فعندما أنهت سمية مرحلة التعليم الابتدائى، تقدم إلى خطبتها عدد من أبناء عمومتها، ورغم تفوقها بالدراسة، فإن والدها أخرجها من التعليم، بهدف الزواج، إلا أن سمية حاولت التمرد على ذلك، ورفض الزواج من أبناء العم، وكسر أعراف الزواج بالقبيلة، فرفضت أول من تقدم لها، مع ضغوط والدها دخلت فى حالة من الاكتئاب الشديد.
تقول سمية: «لقد حاولت الانتحار أكثر من مرة، وفى كل مرة يتم إنقاذى، مع الوقت تعرضت لأزمة نفسية شديدة دخلت المستشفى أكثر من مرة، وأهلى ظنوا أنى مسحورة، وذهبوا بى للعديد من المشايخ لفك السحر، ولكن مع استمرار التعب، اعتقد والدى أنى أدعى المرض للهروب من زواج أحد أبناء العم، بالفعل تم إرغامى على الزواج من ابن عمى وأنجبت ثلاثة أطفال، وأتمنى ألا تتزوج ابنتى من أبناء العم، تتزوج من ترغب فيه، وتكمل تعليمها وتحصل على شهادة جامعية.
أما حمدى أبومطير من قبيلة العزايزة- -إحدى قبائل الصعيد، كان يرغب فى الزواج من فتاة خارج القبيلة، ولكن ضغوط العائلة ألزمته بالتقدم لخطوبة ابنة عمه، وهو ما وافق عليه حمدى، إلا أنه بعد فترة طلب من والده الانفصال عن ابنة عمه، وحدثت مشاكل عديدة، وتم الانفصال بعد فترة، فكر حمدى في الزواج من خارج القبيلة، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، وأن عليه البحث عن فتاة من قبيلته، وهو ما دفعه للزواج من إحدى فتيات قبيلته عمرها لا يتعدى الرابعة عشرة عامًا، فى حين يتجاوز عمره الثلاثين.
الطرد من القبيلة
يقول الحاج أحمد أبومطير، أحد شيوخ قبيلة العزايزة، إن أغلب القبائل العربية بالصعيد مازالت متمسكة بالأعراف القديمة للزواج، ترفض زواج الفتاة من شخص خارج القبيلة، وهناك مثل يقول: «يأكلها التمساح ولا يأخذها فلاح»، ويقصد بالتمساح ابن القبيلة، أما الفلاح فأى شخص لا ينتمى للقبائل العربية، فالفتاة بالقبائل العربية تتزوج ابن عمها وقد تكون الزوجة الثانية أو الثالثة.
وأوضح أنه فى حالة الخروج على الأعراف وتقاليد القبيلة، وموافقة عائلة الفتاة على تزويج ابنتها من خارج القبائل، تنشأ مشاكل وتصبح العائلة منبوذة فى وسط القبيلة، ويصل الأمر إلى الطرد من القبيلة، قائلاً: «عار لدينا زواج بنتنا من خارج القبيلة».
الحاج أحمد أبومطير يؤكد أن الشاب فى القبائل العربية يتزوج عند سن 20 عامًا، وأما الفتاة فتتزوج من سن يتراوح من 12 عامًا، فما إن تصل المرحلة الإعدادية، يتقدم ابن عمها للخطوبة، وهناك العديد من الفتيات تركن التعليم للزواج على السنة، حيث يؤجل كتب الكتاب لحين بلوغها السن القانونية، موضحًا أنه عند تقدم شاب من خارج القبيلة لزواج فتاة وكان ابن عمها يرغب فى الزواج منها يحق لابن العم بعرف القبائل الاعتراض على زواجها والزواج منها، حتى وإن كانت الفتاة مقتنعة بالشخص الآخر، فالعرف أن يستأذن الشاب الذى ينتمى لقبيلة أخرى من أولاد عم الفتاة قبل أن يتقدم لوالدها.
تقاليد هوارة
الشيخ حسين الهوارى من قبيلة الهوارة بالصعيد يقول إن قبيلة هوارة تنظر إلى المرأة باعتبارها «عورة»، فالفتاة عندما تبلغ سبع سنوات تلبس جلابية ولد حتى لا يعرف أحد أنها فتاة، وما إن تبلغ 12 عامًا تجلس فى البيت لا تخرج إلا لبيت زوجها الذى يكون من أبناء العم.
وأضاف: «ممنوع بنات هوارة يتزوجن من خارج القبيلة، أجدادنا قالوا بنت هوارة لابن هوارة واللى يخرج عن تقاليد وأعراف هوارة يطرد من القبيلة، لا يحضر أى مجلس من مجالس القبيلة، ولا يختلف الأمر بالنسبة للفتيان ولكن فى حالة الزواج من فتاة أخرى ليس من هوارة، يحكم عليه الزواج مرة ثانية من فتاة من بنات العم»، مؤكدًا أن ذلك للحفاظ على موروث ونسب القبيلة، وحتى لا تخرج أموال هوارة خارج القبيلة.
فى بدو سيناء الأمر يختلف
الدكتور محمد شتيوى، ينتمى لقبيلة السماعنة بشمال سيناء، أكد أن زواج الفتيات بالقبائل العربية فى شمال سيناء اختلف عما كان من قبل، خاصة من أول القنطرة إلى العريش، فأصبحت الفتاة تتزوج من أى شخص وليس من ابن عمها، فبنات قبيلة السواركة معظمهن يتزوجن من محافظة الشرقية، فالتعليم ساعد على تقليل أعراف الزواج فى القبائل العربية بشمال سيناء، فلا تجد فتاة غير متعلمة من القنطرة وحتى رفح، ونسبة التعليم فى سيناء من أعلى نسب تعليم الفتيات بمصر، ففى قريتى لا يوجد سوى 30 شخصًا غير متعلم من كبار السن.
وأوضح أن المناطق الصحراوية التى يسكن بها البدو ينعدم بها تعليم الفتيات، ومازالت تقاليد وأعراف الزواج القديمة لدى بعض قبائل شمال سيناء وهي القبائل التى تعيش على أطراف المدينة، لديهم انغلاق فيكون زواج الفتاة من نفس القبيلة، ثم بدأ السماح بالزواج من قبيلة لقبيلة مجاورة أخرى، وهناك قبائل تضع قيودًا على الفتاة فلو تقدم إليها شخص من قبيلة أخرى وأصر ابن عمها على الزواج منها يتزوجها رغمًا عنها، ويعتبر ابن عمها نفسه أنه أولى بها من أى شخص آخر، ويسمح للفتاة الزواج من قبيلة أخرى إن لم يتقدم لها أى شخص من أولاد عمها.
وأشار إلى أنه فى الفكر البدوى ينظر للمرأة أنها عورة ويحق للشخص أن يتزوج منها حتى لا تنكشف على شخص غريب، والسبب الآخر الحفاظ على العصبية، فتكون ابنة القبيلة بالقبيلة ولا تخرج منها، ويكون الأولاد بنفس صفات القبيلة بدون صفات جديدة، مؤكدًا أن سبب احتفاظ بعض القبائل بتلك الأعراف أنها مازالت تعيش على تربية الأغنام، حتى أساليب الزراعة الحديثة لم تصل إليهم، وهم يحبون تلك الحياة ويريدون العيش فيها، وبالتالى مازالت البدوية الخاصة بهم شديدة، والموروثات التى يتوارثونها لا يريدون التخلى عنها.
وعن تعدد الزيجات المتواجد بالقبائل العربية قال شتيوى: أنا أستاذ جامعى متزوج من اثنتين وأخى أيضا، ووالدى وعمى كانا متزوجين، كل منهما له ثلاث زوجات، وأولاد عمى معظمهم متزوجون زوجتين، وتعدد الزيجات فطرة الرجل البدوى، وأمر مباح لا يوجد عليه قيود أو معوقات عليه، مشيرًا إلى أن أسباب التعدد تنحصر بين الزواج التقليدى بالزيجة الأولى، أو عدم وجود تفاهم أو عدم الإنجاب، والأسباب لا تختلف بين القبيلة عن المدن، موضحًا أن الزواج فى المناطق البدوية يتم من خلال شيخ القبيلة وليس المأذون، وبدون أوراق مكتوبة، فالزواج قديمًا كان (طلب وقبول وإشهار).
الشيوخ تخالف الشريعة!
وكشف عدد من المتخصصين فى الدراسات الاجتماعية أن أعراف الزواج بالقبيلة تسبب أمراضًا نفسية وعصبية للفتيات بسبب ضغوط الأسرة على الفتاة للزواج من ابن عمها الذى غالبًا ما تكون غير مقتنعة به كزوج، وينتج بعد الزواج عدم وجود المودة والرحمة بينهما، وهو ما يدفع الزوج للزواج من فتاة أخرى من قبيلته أيضًا، وهو ما يفسر انتشار تعدد الزوجات لدى أبناء القبائل العربية، فالشاب لا يتعدى عمره الثلاثين ويكون متزوجًا اثنتين، فضلاً على ظهور أمراض فى العديد من أبناء زواج الأقارب فى القبائل العربية، أحيانًا يكون الطفل ضريرًا أو معاق ذهنيًا أو معاق جسديًا أو صغير الحجم وضعيفًا جدًا.
وأوضح عدد من أبناء القبائل أن هناك العديد من المشاكل تحدث داخل القبيلة بسبب أعراف الزواج، ففى إحدى قبائل الصعيد تزوج رجل طليقة ابن شقيقته، وحدثت مشاكل كثيرة بين الزوج وخاله، بدعوى أنه سأل أحد علماء الأزهر عن ذلك وأنه حرم زواج الرجل من طليقة نجل شقيقته، وهناك أحد شيوخ القبائل العربية تزوج من فتاة، ثم تزوج من شقيقتها رغم أنه مخالف للشريعة الإسلامية لكن لا يستطيع أحد الحديث مع شيوخ القبائل.