العالم السرى لتجارة الآثار

مني عطا و آلاء البدرى
عالم غامض، ملىء بالأسرار والأعاجيب والألغاز!، حكايات متناثرة هنا وهناك ما بين تعويذة مشعوذ، وجشع سماسرة وصرخات ضحية. المغامرة فيه أساس الجريمة، فالأيدى التى ظنت أنها ستخرج محملة بكنوز، خرجت ملطخة بالدماء.
العالم السرى لتجارة الآثار والكشف عنها استحوذ على عقول أغلب المصريين فوصل بهم لدرجة الهوس، فالبحث عن الثراء الفاحش مجرد حلم غير مشروع يتداول حتى على كراسى «القهاوى» بين الشباب وكبار السن فى محافظات الصعيد، حتى لو كلفهم الخروج عن القانون والمتاجرة بحضارة 7 آلاف عام.
فتجارة الآثار تتربع على عرش الأعمال غير المشروعة دوليا فتأتى فى المرتبة الرابعة على مستوى العالم بعد تجارة الأدوية والمخدرات والدعارة، بل وهناك مافيا كاملة متخصصة للإتجار بالآثار من غفير مقبرة حتى عامل بسيط فى ميناء بحرى، كلهم فى خدمة النهب والسرقة، وتعتبر مصر هى الكنز الأول فى تلك التجارة، حيث إنها قبلة أى تاجر يريد الحصول على تحف وكنوز وتماثيل فرعونية نادرة يتعدى عمرها الـ 7 آلاف عام أو أكثر.
محافظات مصرية كثيرة اشتهرت بالتنقيب على الآثار منها: الشرقية والمنيا وقنا وسوهاج، والواحات البحرية، وتأتى مدينة الأقصر فى المقدمة. أهلها يلقبون مدينتهم بـ«مدينة الموتى» فكثيرون منهم يظنون أن أغلب منازلهم مبنية على مقابر لقدماء المصرين.
رحلة البحث عن الآثار تبدأ بشيخ - كما يلقبونه - يستأجره صاحب المنزل ليتمتم ببعض «التعاويذ» لاستحضار الجن الذى سوف يدله بالتفصيل عن كواليس المقبرة وما هو المطلوب لإخراج هذه الكنوز.. هكذا حكى شهود عيان من أهالى المدينة، وأضافوا ألغازا أكثر ما بين الحقيقة والخرافة إلا أنها حكايات!
علامات وجود مقبرة
قال «م. ع» أحد أهالى مدينة الأقصر إننا فى المدينة لا نحتاج إلى دجالين أو مشعوذين لاكتشاف مقابر أسفل منازلنا، فهناك علامات كثيرة نشاهدها داخل المنزل تؤكد أن أسفل المنزل مقبرة، منها دخول وخروج ثعابين سوداء، وتعتبر تلك الثعابين هى حارسة المقبرة، حيث إن أجدادنا برعوا فى السحر كما ذكر فى القرآن الكريم، وكلنا هنا نعلم أن لأى مقبرة حارساً ويلقبونه الأهالى بـ«الرصد» فبمجرد أن نشاهد وجود ثعابين بشكل متكرر نتأكد أنه توجد مقبرة أسفل المنزل.
مضيفا أن تلك الثعابين لا نستطيع ضربها أو إيذاءها، لعلمنا بأن انتقامها سيكون شديدا. وأن الثعابين ليست هى العلامة الوحيدة لوجود مقبرة، فهناك أيضاً اشتعال النيران كثيرا فى المنزل لأى سبب، أو وجود خلافات ومنازعات بين أهل البيت.
وبعد ظهور إحدى العلامات يتم الاستعانة بالشيخ ليس لاكتشاف مكان المقبرة، ولكن لحجب أى ضرر يمكن أن يصدر من حراس المقبرة الذين يكونون من الجن، وهؤلاء الشيوخ هم من يستطيعون التعامل معه.
موضحا أن هناك أحد جيرانه قام بفتح مقبرة من تلقاء نفسه دون الاستعانة بشيخ، وكانت النتيجة أنه لقى حتفه وجميع أسرته داخل المقبرة، وكان ذلك فى عام 2000 لذلك لا يوجد منزل فى الأقصر يستطيع أن ينقب عن أى أثر بدون وجود شيخ لرد أى أذى عن أهل المنزل.
الباب الخلفى لتجارة الآثار
وقال «على. ح» أحد أصحاب البازارات بمنطقة سوق الأقصر، إن أغلب تجارة الآثار فى المدينة اعتاد عليها الأهالى وليست بالرعب الذى يحدث فى القاهرة، موضحا أن بيع أى قطعة أثرية يحدث فى أقل من نصف ساعة! كاشفا عن أن تهريب الآثار يحدث عن طريق بعض الأجنبيات المتزوجات من شباب أقصرى، ويعتبرن هن الباب الخلفى لبيع تلك الآثار بعد تضييق الخناق على أغلب التجار.
مؤكدا أن أغلب تلك الزيجات التى تتم بين الشباب الأقصرى والأجنبيات تكون فى منطقة البر الغربى تحديدا، والمعروف عنها وجود مقابر لا حصر لها، حيث يعتبر البر الغربى من أهم عشرة أماكن مرعبة فى العالم، وذلك لوجود أكثر من 1000 مقبرة لم تكتشف بعد، مشيرا إلى أن هناك فى الأقصر بعض القصور التى بنيت من أموال تجارة الآثار، ولم يستطع أحد كشف ذلك إلا بعد ظهور الثراء الفاحش على صاحب تلك الزيجة، وكل أبناء المدينة يعلمون أن الزيجة جاءت لمصلحة توريد آثار مهربة وليس أكثر.
طريق الكباش «وش السعد»
وقال أحد أهالى مدينة الأقصر إن تجريف طريق الكباش كان «وش السعد» عليّ حيث إن وزارة الآثار أثناء عملية ترميم وتجريف طريق الكباش منذ سبع سنوات كانت تقوم بردم التجريف الذى قامت به أمام المنازل القريبة من المعبد، وأثناء إزالة بعض المخلفات من الرمال والحجارة وجدت بالصدفة قطعة أثرية صغيرة جدا، وكنت لا أعلم قيمتها جيدا، وذهبت بها لأحد جيرانى، والذى طلب منى عدم التحدث إلى أحد قبل الذهاب لـ «م. م» وهو معروف أنه من أهم من يقوم بتسريب تلك القطع الأثرية، ويعتبر من أهم الشخصيات الموجودة فى مدينة الأقصر وله علاقات كبيرة بجميع قياداتها، وبالفعل أخذ جارى تلك القطعة، وقبل صلاة العشاء أحضر لى حقيبة بها 5 ملايين جنيه وقمت ببناء منزلى فى البر الغربى.
مضيفا أن الدولة هى السبب الرئيسى فى هذا، وذلك لأنه فى حالة اكتشاف أى مقبرة من جانب الأهالى ويقومون بالإبلاغ عنها يحدث استجواب لجميع أفراد الأسرة من سيدات وبنات، وشباب وبعد كل ذلك «مبنخدش منها حاجة، وكلها بتروح للبلد»، فكان لا بد أن تقوم الدولة بإعلان مكافآت مالية كبيرة لأى أسرة تبلغ عن وجود أثر أسفل منزلها.
وكانت لـ«روزاليوسف» جولة فى البر الغربى، والذى يسمى أرض الموت، «البر» به مبان فارهة مختلفة تماما عن البر الشرقى، والذى يحوى المدينة الفعلية وهى مدينة الأقصر ويحوى البر الغربى العديد من منازل الأجنبيات المتزوجات من شباب أقصرى ويقمن فى مصر بصفة دائمة.
مسعدة صفوان إحدى المسنات فى البر الغربى والتى تقطن هناك منذ عشرات السنين حيث إن زوجها يعمل فى حفر المقابر مع وزارة الآثار قالت: ليست كل منازل الأقصر تحتوى على آثار ولكن أغلبها موجود فعليا فى البر الغربى والكل يعلم ذلك جيدا، وتجارة الآثار سهلة ولكن هناك أهالى تعرف ربنا وتبلغ الحكومة فيأتون ويتعاملون مع المقبرة بأنفسهم.
موضحة أن من يقومون ببيع الآثار فى مدينة الأقصر دون إبلاغ الحكومة ليسوا عديمى الضمير، بل هو رزق وربنا «بعتوا ومحدش بيرفص النعمة» على حد قولها.
صفوان أشارت إلى أن تجارة الآثار قديما كانت أسهل من الوقت الحالى، فكانت «على عينك يا تاجر» قبل الثورة لكن الآن أصبحت مثل تجارة المخدرات فى الخفاء.
فيما أكد زوجها أن الأهالى الذين يشعرون بوجود آثار أو مقبرة أسفل منزلهم ويخافون أن يقوموا بفتحها أو الاقتراب منها يقومون ببيع المنزل لأحد تجار الآثار ويكون بثمن ضخم جدا ولكن بعد أن يكونوا قد تأكدوا من وجود أثر أسفل المنزل ويكون ذلك عن طريق شيوخ ودجالين موجودين بالعشرات فى البر الشرقى وينتقلون يوميا للبر الغربى للبحث عن آثار، موضحا أن التنقيب عن الآثار يكون ليلا بعيدا عن أعين الحكومة، حيث إن هناك دوريات كل بضع ساعات على المقابر الموجودة فى البر الغربى، وأيضا المقابر التى لم تفتح بعد.
مشيرا إلى أنه يعمل باليومية فى أعمال الحفر والتنقيب مع العديد من العمال بوزارة الآثار والتى تستعين بهم الوزارة فى حالة حفر مقبرة أو التنقيب عن أثر مهم كما حدث الشهر الماضى فى «كامب 157» والتى اكتشفت أعلى الجبل.
وفى إحصائية لشرطة السياحة والآثار عن أكثر المحافظات فى عدد حوادث التنقيب عن الآثار تأتى محافظة قنا فى المركز الأول تليها محافظة المنيا وأسيوط وأسوان ثم الجيزة والأقصر، وتعتبر محافظة الشرقية أكثر محافظات وجه بحرى التى تتم فيها عمليات التنقيب عن الآثار. كما لفتت الإحصائية إلى انتشار ظاهرة هوس البحث عن الآثار وانتباه عدد من أعضاء مجلس النواب الذين طالبوا بالتصدى للظاهرة بسن قوانين وتبنى حملة توعية للمواطنين، حيث طالب أمين لجنة الثقافة الإعلام فى البرلمان النائب نادر مصطفى بسن قوانين رادعة لجريمة تنقيب الأشخاص والعصابات فى المناطق الأثرية، كما طالبت النائبة زينب سالم بضرورة عمل حملات توعية كبيرة للتصدى لظاهرة هوس التنقيب عن الآثار بعد انتشارها بطريقة كبيرة خلال الفترة الأخيرة وتسببها فى مقتل المنقبين وانهيار المنازل.