السبت 16 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«حمدين صباحى» يختار الرئيس القادم

«حمدين صباحى» يختار الرئيس القادم
«حمدين صباحى» يختار الرئيس القادم


القراءة السياسية فى كف الانتخابات الرئاسية كانت واضحة مثل الشمس.. لا تحتاج إلى الاستعانة بالعرافين.. فخطوط الحياة والحظ كانت شبه محسومة إلى تيارين أساسيين.. الأول إخوانى أصبح بعد الثورة هو القوة الصاعدة الظاهرة على الأرض، والثانى يمثل بقايا الحزب الوطنى- الذى تم حله- والتى تلملم شتاتها وبدلت مواقعها مع الإخوان لتعمل تنظيميًا تحت الأرض!
كلتا القوتين تملك القدرة التنظيمية والحشد والأموال واحتراف الانتخابات، بل حتى المهارة فى الانتهاكات.. وما عداهما كانت مجرد محاولات فردية كانت أو جماعية لاترقى للمستوى المطلوب وإن كان بعضها تجاوز فكرة التمثيل المشرف ليكون الرقم الصعب فى المعادلة كما هو الحال مع «حمدين صباحى»!
 
بعيدا عن شاشات الفضائيات، كان ما يجرى تحت الجسور جديرًا بالمتابعة والتحليل.. 25 يناير كان يومًا فارقًا حين تبدلت الأدوار بين الإخوان والنظام السابق، وكانت المعركة الانتخابية البرلمانية هى الأولى وفاز بها الإخوان ثم   جاءت الانتخابات الرئاسية وانتهت بالتعادل فى جولتها الأولى وتصبح الجولة القادمة حاسمة فى مستقبل القوتين.

 
«مرسى» و«شفيق» رأسا حربة الفريقين.. وحقيقة الأمر أن «مرسى» ليس هو ممثل الثورة، ولا «شفيق» ممثل الفلول وحدهم بل إن طاقته التصويتية استوعبت تيارات عدة، وإن كان اعتماده بشكل مباشر على بقايا الحزب الوطنى لأنه لم يجد غيرهم يمدون له يد العون فى المعركة الطاحنة!
 
تنظيميًا.. تحركت جماعة الإخوان بكامل طاقتها لدعم مرشحها، فى استعراض قوة مبالغ فيه يعطى انطباعات سلبية لرسالة الجماعة التى مفادها أنها لو رشحت «عصا» تستطيع أن تنجحها، وهو ما جرى مع المرشح الاحتياطى «محمد مرسى» الذى لم يكن خيارالجماعة الأول ولا رغبتها فيها واستطاعت تسويقه بقدراتها المالية والتنظيمية لفرضه على المصريين.
 
وكان نزوله المعترك الانتخابى بمثابة «حصالة» تستوعب أيضا أصوات الجماعة، إضافة إلى ما تستطيع حشده من التيار الإسلامى قبل أن تتسرب إلى «عبدالمنعم أبو الفتوح».. صاحب الشعبية الجارفة بين شباب الإخوان، والأغرب أنه استطاع أن يحشد خلفه تيارات إسلامية متنوعة بين السلفى والجهادى، والأعجب كان دعم فصائل ثورية وليبرالية ويسارية له رفعت أسهمه بشكل مبالغ فيه قبل أن يمتص منه «حمدين صباحى» كثيرًا من الزخم والتأثير!
«أبو الفتوح» اعتمد تنظيميا على التكتيك السياسى السرى الذى احترفه من طول خبرته الإخوانية، وتدريبه فى الحشد والتجنيد وساعده فى هذا عدد ليس بقليل من أصحاب نفس المدرسة ممن يمكن أن يطلق عليهم «مطاريد الإخوان» سواء كانوا منشقين عن الجماعة أو أقيلوا منها، ومنهم هيثم أبو خليل، وإبراهيم الزعفرانى، وثروت الخرباوى، ومختار نوح، إضافة إلى دعم حزب الوسط له فى نهاية المشوار.. إلا أن ارتماءه فى أحضان التيار السلفى المتشدد كان كفيلا أن يتحسس البعض مسدسه خصوصا من الثوار والليبراليين الذين انفض أغلبهم عنه فى اللحظات الأخيرة ليكون رهانهم على الحصان الأسود «حمدين صباحى»!
 
محلقا برمز النسر، استطاع «حمدين» فى توقيت بالغ الصعوبة، أن يكون فرس الرهان ولولا أن الثوار لم ينتبهوا له إلا مؤخرًا لربما كان أحد طرفى الإعادة، ليس لمجرد أنه صاحب فكر ناصرى، قد يتفق أو يختلف الشارع السياسى عليه، ولكن لأنه كان يمثل أمل الثورة الأخير لتحقيق مطالبها، وكان الرجل قادرا لولا ضعف قدراته التنظيمية والمالية فى طول مصر وعرضها.. كما أنه لم يدخل فى ملاسنة مع أحد المرشحين واحتفظ لنفسه بذات المسافة والعلاقة المحترمة مع الجميع .
 
منذ الشرارة الأولى ليوم الانتخابات أيقن «عمرو موسى» أنه تمت خيانته من حملته الانتخابية التى انفرطت عنه لمرشحين آخرين.. كما أن نفس الحملة سيطرت عليها «الكرافتات» وغابت عنها القواعد التنظيمية فى الشارع.. كما أنه لم يستفد من دعم حزب الوفد له، الذى أضره، ولم يسعفه ولم يسخر له الإمكانيات المادية والتنظيمية وبدا حزب الوفد وكأنه يستحى من المرشح الرئاسى الذى اختاره!
 
جغرافيا.. كان الصعيد هو الملعب الحاسم لترجيح كفة أى من المرشحين حتى أنه يمكن أن تنطبق عليه قاعدة «الصوت الذهبى».. وتقاسم الأصوات فيه بشكل لافت «شفيق» و«مرسى» و«موسى» فى الوقت الذى كانت نقطة ضعف واضحة لدى «حمدين صباحى» مما يعطى انطباعًا وكأن الصعيد ضد الثورة، أو لم تصله الثورة بعد!!
المرددون لهذا الانطباع يعوزهم فهم التركيبة الجغرافية والاجتماعية والديموغرافية لهذا الجزء العزيز من الوطن، فمازال مهمشًا قبل الثورة وبعدها، ولاتزال تسيطر عليه العصبيات والقبليات والعوائل الكبيرة ذات التاريخ السياسى والبرلمانى، والتى كانت مهددة بعزلها سياسيا مما جعلها تستنفر ضد الثورة وقراراتها وتعطى أصواتها بغزارة إلى «شفيق» لأنه فى نظرها «المنقذ»، و«المخلص» وجاء من بعده «عمرو موسى»!
 
فى حين جاءت أصوات «حمدين» على استحياء فى المدن الصعيدية عن طريق الشباب، والأمر نفسه لأبو الفتوح لضعف التيار السلفى هناك، كما أنهم اعتبروه محسوبًا على باقة الإخوان!
كان لافتًا تقدم «حمدين صباحى» بفوارق واضحة فى المدن الساحلية والقناة باعتبارها المناطق الأكثر ثورية فى مصر ومنها انطلقت الشرارات الأولى كما هو الحال فى الإسكندرية التى تقدم فيها «صباحى» بمسافة عن منافسه «أبو الفتوح» رغم أنها أحد معاقل السلفيين التى كانت مترددة بين الرجل ومرسى!
 
على عكس الإسماعيلية والسويس التى تقدم فيهما «صباحى» وإن لاحقه «مرسى» مستفيدا من تغلغل الإخوان فيهما، ولتأثير الجماعة التاريخى فى المحافظتين.. أما المفاجأة فأن تنقسم بورسعيد بين «حمدين» و«شفيق»مع أفضلية للأول وغازلهما عن بعد «مرسى»، وبالطبع كفر الشيخ كانت محسومة لابنها «صباحى».
القاهرة فتتت فيها الأصوات حسب
الأحياء، ونال فيها صباحى ثم شفيق على التوالى نصيب الأسد، وأعزى ذلك إلى ارتفاع المستوى التعليمى والاقتصادى وتواجد النخبة والتأثر بالدعاية، فكان مدهشًا فى منطقة عين شمس أحد مراكز الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية أن يتقدم فيها «شفيق» و«صباحى» على حساب مرشحى التيار الإسلامى، وكانت حاسمة أصوات شباب الجامعات وخاصة فى عين شمس فى ميله الواضح لمرشح الثورة القومى فى حين كانت أصوات النساء تتجه إلى طريق «شفيق» إضافة إلى نفوذ رجال الأعمال وتأثيرهم، كما أن سكان القاهرة كانوا أشد المتضررين على أمنهم وسلامتهم منذ أيام الثورة الأولى، وهالهم تصرفات الإخوان والتيارات الإسلامية خصوصاً فى أحداث العباسية الأخيرة، فكان صباحى و شفيق هما الحل!
وقف كثير من المحللين أمام ظاهرة تقدم الفريق أحمد شفيق فى محافظات الوجه البحرى والدلتا، خصوصا المنوفية التى كانت شبه مغلقة تقريبا على الرجل حتى إن البعض وصفها بمحافظة الفلول، وهو أمر غير مستحب .
 
كذلك الأمر فى الشرقية مسقط رأس «شفيق ومرسى» حيث تقدم فيها الأول حتى فى دائرة الثانى نفسها، وقد أرجع ذلك إلى طبيعة شخصية كل من الرجلين، محمد مرسى ليس صاحب كاريزما وفشل فى تسويق نفسه وشخصيته ويراه الناس مجرد تابع وغير صاحب رأى على عكس شفيق الذى نجح فى رسم صورة ذهنية لنفسه بصفته الرجل القوى وهو ما يستهوى المزاج المصرى الراغب فى الأمان والمقتنع بالسلطة الأبوية على حساب دولة المؤسسات.
 
التنافس بين الرجلين انتقل إلى الجيزة التى حسمها «مرسى» بصعوبة لتواجد الإخوان بقوة فى مراكز المحافظة وإن كان لافتا تقدم «صباحى» بقوة فى منطقة شعبية ذات كثافة سكانية مثل إمبابة، ليحتل فيها المركز الأول وإن كان ثانيا فى عموم المحافظة بعد مرسى وقبل شفيق.
فى حين ظل «عمرو موسى» محافظا على مكانه الوسطى فى أغلب المحافظات وإن كان تفوقه فى تلك المناطق الحدودية باستثناء مرسى مطروح التى اكتسح فيها أبوالفتوح الجميع وعيبها أنها محافظات غير كثيفة السكان فلم تسعفه فى المنافسة.
 
 ليس صحيحا أن «شفيق» تفوق بأصوات الأقباط أو أنهم انحازوا للفلول كما يروج أصحاب التيار الإسلامى بدليل أن كثيرا من شباب الكنيسة كان من مؤيدى «حمدين» وفى محافظة الشرقية ذات الأغلبية الطاغية الإسلامية كان أن ربح شفيق.. .وكثرة تداول هذه الأقاويل يمثل ضررا بالبلاد.
الجولة الثانية الحاسمة تختلف فيها قواعد اللعبة، حتى شكل التحالفات سيتغير كثيرًا وستبدل مواقف بعد أن شعر قطاع كبير أنهم أصبحوا محاصرين بين الإسلاميين أو من يمثل النظام السابق من وجهة نظرهم، وهو ما ينذر بدعاوى مقاطعة كبيرة لعدد من التيارات غير الراضين عن نتيجة الجولة الأولى، وهو ما بدأ يتم تسريبه من خلال 6 أبريل وحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، بخلاف من ربطوا تأييدهم لأحد المرشحين بقدرته على تكوين فريق رئاسى يضم «حمدين صباحى» و«أبو الفتوح» كنائبين بجواره، وهو أمر قد يكون لائقًا نظريًا أما عمليا فتواجهه كثيرًا من الصعوبات!
 
لمن تذهب الأصوات؟ السؤال الصعب الذى يقاتل من أجله شفيق ومرسى.. فكلاهما يتصارعان على كتل التصويت التى حظى بها الخاسرون.. فبالنسبة لمرسى فهو ضامن نسبة تصل إلى 80٪ من أصوات أبو الفتوح ستؤول إليه مباشرة وهى جميع كتلة الإسلاميين التى كانت تؤيد الرجل وستتجه مرة واحدة ناحية مرشح الإخوان.. أما النسبة الباقية منها 5٪ فهى فى اتجاه شفيق رفضا للدولة الإسلامية الإخوانية، 15٪ سوف تقاطع الانتخابات من الأصل، أما النسبة الباقية فلم تحسم أمرها بعد بين أى من المرشحين أو حتى تمتنع عن التصويت أو تبطل صوتها!
 
أما بالنسبة لشفيق فسيعتمد بنسبة كبيرة على ما يقارب 80٪ من جملة أصوات «عمرو موسى» خصوصا تلك التى حصل عليها الأخير فى الصعيد والمحافظات الحدودية لعائلات كان أن وعدته وستنتقل بكتلتها التصويتية لدعم شفيق فى الإعادة وربما نجد من النسبة الباقية من سيدعم «مرسى» أو يبطل صوته يأسا واعتراضًا على الجولة الأولى.
 
يبقى النسر «حمدين صباحى» محلقا فى سماء المعركة وعلى جناحيه الكتلة التصويتية التى تحسم المعركة وأيما مكان يهبط سترجح كفة الفائز بحكم مصر.
 
«حمدين» هو رمانة الميزان، والرقم الأهم فى المعادلة وكلا المرشحين يخطبان وده بجماهيريته الحاشدة واقترابه من الشباب.. وبقدر الصراع على الرجل بقدر ما يتحمل مسئولية كبرى فى توجيه ناخبيه يميناً أو يسارًا وفيها حسم المعركة.
 
«حمدين» لا يجب أن ينطق عن هوى.. فهو الرجل الذى وضعته الأقدار قابضا بيده مستقبل أمة حتى إن كان خارج السباق، وعليه أن يعيد حساباته أكثر من مرة وأن يفكر فى مصلحة الوطن قبل نفسه.. فتلك اللحظة التاريخية التى يعيشها الرجل سيحاسب عليها أمام الأجيال القادمة، ولن يرحمه حساب التاريخ فإما أن يكتب اسمه بحروف من نور أو تظل تلاحقه اللعنات.. الوضع صعب على الرجل، وهو حمل تنوء به الجبال فما بالنا ببشر قد يصيب أو يخطئ ونتمنى أن يلهمه الله الصواب فى قراره!
 
النقطة الحاسمة الأخرى هى تلك الأعداد الغفيرة التى وصلت نسبتها إلى 50٪ من حجم من لهم حق التصويت ولم يشاركوا فى الجزء الأول.. فإذا تحركت تلك الكتلة وخرجت عن صمتها فى الجولة الثانية قد تعيد الحسابات كلية فى تلك اللحظة العصيبة من عمر وطن فى حجم مصر!