صادق خان .. على كل لونعمدة لندن .. مسلم ومع الشواذ
هالة أمين
ساجد جافيد، وزير الثقافة. سعيدة وارسى، وزيرة الدولة للشئون الخارجية. وأخيرا صادق خان، عمدة لندن. مسلمون ارتقوا أرفع المناصب الوزارية والقيادية فى عاصمة الضباب، والطريف أن الثلاثة من الأصول الباكستانية. وبلا شك أن انتخاب خان كأول مسلم لهذا المنصب حدث سياسى بارز خاصة أن الناخبين اللندنيين فضلوه على منافسه اليهودى الملياردير زاك جولد سميث.
(اسمى خان ولست إرهابيا)..هكذا عبر عمدة لندن الجديد فى أول تصريح له بعد فوزه. صادق خان قصة من الكفاح والعمل الدؤوب واختلاط الأمزجة والأهواء السياسية أيضا، فهو ابن سائق حافلة أمان الله خان، وأمه خياطة سهرون خان، وهو واحد من ثمانية أطفال وترتيبه بينهم الخامس، حيث هاجر أمان الله وسهرون خان من باكستان إلى لندن عام 1970 وذلك قبل وقت قصير من ولادة ابنهما صادق.
وعاش مع والديه وإخوته فى مسكن ضيق يحوى ثلاث غرف للنوم، فى مجمع هنرى برنس السكنى فى ضاحية إيرلسفيلد جنوب غربى لندن، وشارك صادق أحد إخوته الذكور فى سرير من طابقين، إلى أن غادر المنزل فى العشرينيات من العمر، والتحق صادق فى مرحلة دراسته الثانوية بمدرسة إيرنست بيفن كوليدج، التى يصفها بأنها كانت مدرسة قاسية، واشتهرت بسوء سلوك طلابها وجميعهم من الذكور، وخلال هذه المرحلة بدأ انجذاب صادق نحو السياسة، وانضم إلى حزب العمال حينما كان عمره 15 عاما.
وتربى خان على القيم الإسلامية، ولم يتنصل يوما من الإعلان عن أهمية عقيدته، وفى أول خطاب له كعضو بالبرلمان تحدث عن كيف أن أباه علمه حديث النبى محمد، عن الشخص الذى يجد شيئا خطأ عليه أن يعمل على تغييره، وكان من هوايات خان فى مرحلة شبابه لعب كرة القدم والملاكمة، وهو من مشجعى فريق ليفربول الإنجليزى لكرة القدم، ودرس خان القانون فى جامعة نورث لندن وتخرج فيها، وأصبح محاميا متدربا فى قضايا حقوق الإنسان عند أحد مكاتب المحاماة عام 1994 وبدأ فى ذلك الحين رحلته التى استمرت 12 عاما كعضو فى المجلس البلدى عن حى توتينج، وعاش خان فى بداية حياته مع أسرته فى منزل بسيط وفرته لهم البلدية.
وبعد ذلك بنحو 3 سنوات وحينما كان عمره 27 عاما أصبح شريكا فى مكتب للمحاماة اسمه كريستيان خان، وخلال هذه الفترة تولى قضايا حقوقية مهمة وكسبها، وكان بعضها ضد الشرطة البريطانية، وفى عام 2004 ترك خان العمل بالمحاماة فجأة، بعد أن تولى منصب المدقق فى عمل شرطة العاصمة لندن، وفى عام 2005 أصبح خان عضوا فى مجلس العموم البريطانى عن حزب العمال ممثلا لمنطقة توتينج، وكان من بين خمسة نواب ينتمون لأقليات عرقية انتخبوا ذلك العام.
وفى عام 2009 تولى خان منصب وزير النقل والمواصلات، وأصبح أول مسلم ينضم لمجلس الوزراء، وفى عام 2010 أعيد انتخاب خان عضوا فى مجلس العموم بأغلبية بسيطة، وخرج حزب العمال من الحكومة لأول مرة منذ 13 عاما حينها.
أيضا هو ليس سياسيا دائما فقد كان يحلم أن يكون طبيب أسنان، ولكنه أصبح محاميا بسبب تأثره بالمسلسل التليفزيونى الدرامى LA Law الذى جسد محامين يتبنون قضايا إنسانية ويدافعون عن المظلومين.
ووفقا لصحيفة (مترو) البريطانية فهو رومانسى بشكل غير عادى، وقد تزوج سعدية خان وهى محامية زميلة واستمر زواجهما لمدة 22 عاما، وأنجبا ابنتين فى سن المراهقة، وقد طلب الزواج منها أثناء عشاء فى ماكدونالدز.
أيضا لديه كتاب تحت عنوان (الإنصاف ليس المجاملات: كيفية التواصل مع المسلمين البريطانيين)، وهناك فتوى ضده لأنه وافق وصوت كنائب برلمانى على زواج المثليين جنسيا، وقد احتشد محتجون خارج المسجد الذى كان يصلى فيه فى عام 2005 واتهموه بأنه مرتد وأن من صوتوا له ليكون نائبا فى البرلمان البريطانى سيذهبون إلى النار، وبسبب تلك التهديدات تم ترتيب حماية من الشرطة البريطانية لزوجته وبناته.
أيضا من الأشياء المثيرة أنه قام بالجرى فى ماراثون لندن فى عام 2014 لجمع أموال لصندوق المحرومين، وهى مؤسسة خيرية فى العاصمة لندن.
عمل خان أيضا فى كل المهن المتواضعة تقريبا طوال حياته، وأصبح نائبا فى البرلمان عن حزب العمال، و منذ 2005 يعمل محاميا تخرج فى جامعة شمال لندن، واشتغل مختصا بحقوق الإنسان، ونضاله فى الحياة معروف للندنيين.
وقام خان بعمل لافتة غريبة بعد انتخابه مباشرة حيث شارك فى أول فعالية عامة كعمدة للمدينة الأسبوع الماضى حيث حضر مراسم ذكرى المحرقة «الهولوكوست»، وأقيمت المراسم التأبينية وسط خلاف فى حزب العمال المنتمى له خان، بعد تجميد عضوية اثنين من أعضائه البارزين، الشهر الماضى، على خلفية الإدلاء بتصريحات معادية لإسرائيل، ومؤيدة للفلسطينيين، قوبلت بانتقادات على نطاق واسع بوصفها معادية للسامية، وكان خان، بين العديد من سياسيى حزب العمال الذين أدانوا التصريحات التى أدلى بها كين ليفينجستون، وهو عمدة سابق للندن منتم لحزب العمال، معتبرا إياها مروعة وغير مبررة، حيث دافع ليفينجستون عن عضوة حزب العمال فى البرلمان، ناز شاه، التى جمد الحزب عضويتها لتعليقاتها المثيرة للجدل حول إسرائيل.
أيضا اتهمت النائبة البرلمانية البريطانية السابقة شاذيا أوان ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى بأنه يستخدم الإسلاموفوبيا وإثارة المخاوف من الإرهاب لمنعه من الوصول إلى المنصب الرفيع كأول مسلم يصل إليه، وأوضحت أوان أن كاميرون جنبا إلى جنب مع قادة المحافظين بما فى ذلك وليام هيج يجعلون الحزب ينحدر إلى الانقسام العنصري.
وفى نفس الوقت الذى هز فوز خان العالم تؤكد صحيفة النيويورك تايمز أن العالم فى القرن الحادى والعشرين سيتشكل على أيدى أشخاص أمثال صادق خان، ممن هم أبناء ثقافات متعددة ومن ثم يؤمنون بالتعددية، وعلى أيدى مدن مزدهرة مثل لندن التى تزدهر بالتنوع، وليس على أيدى متأنقين متغطرسين متعالين من ذوى البشرة البيضاء يرددون عبارات جوفاء.
الغريب أن خان قد أعرب عن قلقه من أنه لن يتمكن من زيارة الولايات المتحدة إذا انتخب دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى الأوفر حظاً فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث قال ترامب إنه سيحظر دخول المسلمين إلى أمريكا بعد هجمات باريس التى راح ضحيتها 130 شخصاً العام الماضى، حيث قال خان لمجلة تايم: (أود السفر لأمريكا لمقابلة العمداء الأمريكيين، لكن إذا انتخب دونالد ترامب، لن أتمكن من الذهاب هناك بسبب ديني)، لكن ترامب رد عليه أنه يستثنى صادق خان عمدة لندن الجديد وأنه سعيد بانتخابه.