السبت 3 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«هنري كورييل» يكشف خطة العدوان الثلاثى لــ«عبدالناصر»

«هنري كورييل» يكشف خطة العدوان الثلاثى لــ«عبدالناصر»
«هنري كورييل» يكشف خطة العدوان الثلاثى لــ«عبدالناصر»


 
تقترب الكاميرا من رجل عجوز، لتسأله سؤالا بسيطاً: ما رأيك فى ليلى مُراد؟.. كانت إجابة العجوز كويسة، ولكن حينما يعلم بأنها فى الأصل يهودية، تتغير إجابته لتُصبح: تبقى مش كويسة! مشهد مِن مشاهد البداية من الفيلم الوثائقى عن يهود مصر لمُخرجه أمير رمسيس ومُنتجه هيثم الخميسى، والذى يُلخص نظرة المصريين للـ «يهود»، إذ لا يستطيع الكثيرون التمييز بين اليهودى والصهيونى - الإسرائيلى!
 

 
تم البدء فى تصوير هذا الفيلم عام 2009 ليظهر للنور عام 2012 بسبب انقطاع فترات التصوير، إلا أن الفيلم تم تصويره بالكامل قبل ثورة 25 يناير - حسبما أوضح لنا مُخرج الفيلم أمير رمسيس - لتظهر نُسخة العرض بالمهرجانات ومُدتها 96 دقيقة، ونُسخة أخرى للعرض التليفزيونى والعروض الخاصة على جُزءين، مُدة كًل جُزء 52 دقيقة.
 
يُضيف أمير رمسيس: فى الحقيقة فكرة هذا الفيلم كانت بداخلى مُنذ التسعينيات ـ تحديداً بين عامى 1998و 1999 أى مُنذ وجودى بمعهد السينما، وكُنت مُهتماً بهذا الموضوع مِن زاوية ضيقة للغاية، وهى شخصية هنرى كورييل، اليهودى، المؤثر فى الحركة الشيوعية بمصر، وحركات اليسار بالعالم، وهو الذى قام بتأسيس جماعة روما - والتى تضم مجموعة من اليهود - وذلك بعدما تم نفيه فى عهد الملك فاروق بالخمسينيات، وكانت هذه الجماعة على علاقة بالتيار اليسارى فى مصر مِثل خالد مُحيى الدين، د.ثروت عُكاشة، أحمد حمروش، وغيرهم مِن رجال الحكومة واليسار والضُباط الأحرار، حتى بعد حل الجماعة عام .1959
 

 
كما أن هنرى كورييل استطاع الحصول على خطة العدوان الثُلاثى على مصر قبل حدوثها، وسلمها مِن خِلال مندوب للدكتور ثروت عُكاشة، الذى سلمها بدوره إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وطُلِبَ وقتها مِن عبدالناصر إعادة مَنح الجنسية المصرية لهنرى كورييل، لكن هذا لم يتم!
 
يُكمل «أمير» حديثه: هنرى كورييل كان أيضاً على علاقة بحركة التحرير الجزائرية مِن الاستعمار الفرنسى، كما كان على علاقة بمُنظمة التحرير الفلسطينية، وهى أحد الأسباب - أو السيناريوهات - التى أدت لمقتله على يد الإسرائيليين كما أُشيع وقتها، وهذه الشخصية أثرت فى الكثير مِن اليساريين المصريين، فقد تحدث عنه د. ثروت عُكاشة ود. رفعت السعيد، كما قدمه يوسف شاهين فى فيلمه إسكندرية ليه؟
 
وذلك مِن خلال شخصية يوسف وهبى بالفيلم التى جمعت بين شخصيتى هنرى كورييل وشيكوريل. قبل تخرج «أمير رمسيس» مِن معهد السينما تعرف على إحدى الفتيات، التى فاجأته بعدها بأنها تنتمى لعائلة «هنرى كورييل»، وهو ما حمسه أكثر للمشروع، وفى عام 2006 قام بقراءة كتاب «تاريخ يهود النيل» مِن ترجمة «يوسف درويش»، فقرر أن هذا الكتاب نُقطة انطلاق جيدة لفيلمه، ليبدأ تصويره عام2009 ويكون مُنتجه «هيثم الخميسى» الذى تربطه صداقة بـ «أمير رمسيس»، وذلك بعدما ارتأى الاثنان ضرورة أن يُصبح إنتاج هذا الفيلم مُستقلاً، حتى لا تطغى أجندات القنوات أو المؤسسات المُمولة على مشروع هذا الفيلم، فى حالة إنتاجها له.
 

 
لم يكُن البحث سهلاً كما قال لنا «أمير رمسيس» عن اليهود سواء مِن خارج مصر - الذين تم نفيهم - أو مِن داخل مصر للحديث عن هذا الموضوع، إلا أنه استطاع مُقابلة العديد مِن اليهود فى باريس، الذين تم نفيهم خارج مصر، مثل «جويس بلو» - وهى إحدى عضوات «جماعة روما» التى أسسها «هنرى كورييل» والتى تم نفيها مِن مصر عام 1955وهى تنتمى لليسار مِثلها مِثل «روبير جرينسمان» والذى قابله «أمير رمسيس» أيضاً، بالإضافة إلى مجموعة مِن اليهود غير المُنتمين لتيارات سياسية مِثل طبيب الأسنان «د. أندريه حزان»، والكوافير «إيلى حكيم»، وطبيب جراح «د. جيرار دوبوتون»، كما قام «أمير رمسيس» بالتصوير أيضاً مع «د.محمد أبوالغار» بسبب كتابه «يهود مصر مِن الازدهار إلى الشتات».
 
كما أن الفيلم يحتوى على مادة أرشيفية عن كل من «شحاتة هارون» ويوسف درويش، إلا أن رمسيس رفض الإفصاح عن تفاصيلها كاملة!
 
أيضاً استطاع «أمير» التصوير مع أحد اليهود الذين يعيشون بمصر حتى الآن - رفض ذِكر اسمه - والذى أسلم فى نهاية الستينيات وتزوج، رغم قرار وزير الداخلية «فؤاد سراج الدين» عام 1952 بأن أى يهودى فى مصر لا يزال موجوداً بعد عام 1948 هو فى نظر القانون يهودى!.. كما يتحدث هذا الشخص فى الفيلم عن المُلاحقات الأمنية خاصةً مِن «أمن الدولة» بعد مُعاهدة «كامب ديفيد»!
 
أيضاً يتحدث عن اعتقاله بين عامى 1954 و1955 فى موجة اعتقالات اليسار مِن اليهود، ليخرج عام 1964 مُصطدماً بشكل المُجتمع - بعد الانقلاب العسكرى عام 1952 - مع مُلاحظة علاقة أول رئيس مصرى «محمد نجيب» باليهود، التى كانت على ما يُرام - بحسب تعبيره - عدا بعض الجماعات مِثل «الإخوان المُسلمين» و«مصر الفتاة»! .. الطريف فى الفيلم أيضاً - كما قال «أمير رمسيس» أنه بعد الثورة - كما أخبره بعض اليهود الذين تحمسوا للتصوير - بأن ضُباط «أمن الدولة» السابقين ما زالوا على اتصال بهم، حتى بعد ثورة 25 يناير!
 
كما قابل أيضا «أمير رمسيس» أحد أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» وقت تفجير «حارة اليهود فى مصر» عام 1948 ويدعى «على نويتو» وهو من الرعيل الأول للجماعة، الذى يحظى بتقدير خاص من كل أفراد الصف.
 
رأى نويتو كان صادما للغاية - على حد قول «رمسيس» - فهو لم يكن يرى اليهود سوى جواسيس، تم زرعهم من قبل الاستعمار.
 
«أمير رمسيس» كان معنيا فى فيلمه بالتفرقة بين «اليهودى» و«الصهيونى - الإسرائيلى»، كما كان معنيا بعلاقة اليهود بمصر وقتما كانوا فيها، وظروف خروجهم منها، وذكرياتهم عنها، ومواقفهم من «إسرائيل» كما أراد توضيح ما يراه معظم الكتاب عن اليهود فى مصر بأن ثقافتهم تنتمى إلى الثقافة الأوروبية، وأن ثقافتهم ليست مصرية أصيلة.
 
وما اكتشفه «رمسيس» هو أن ثقافة اليهود المصريين، ثقافة مصرية أصيلة - وإن تأثرت بالثقافة الأوروبية - لأن علاقة مصر بأوروبا فى فترة من الفترات أدت إلى تأثير متبادل، كما أن اليهود المصريين يرون أن «إسرائيل» ليست بلادهم، وفى الفيلم ما يؤكد هذا، إذ يذكر أحد اليهود فترة اعتقاله فى الخمسينيات، فيعرض عليه أحد الأشخاص تذكرة للخروج من المعتقل والذهاب إلى «إسرائيل»، فيرد عليه: «إسرائيل دى بلدك أنت مش بلدى أنا.. أنا بلدى مصر».
 
أيضاً يكشف الفيلم عن مساحة الألم والحزن لدى اليهود المصريين حال خروجهم من مصر.. فيحكى الكثيرون منهم عن التفاصيل الصغيرة، وعن الأماكن التى كانوا يحبون زيارتها، خاصة «الإسكندرانية» منهم، فى فترة الأربعينيات.
 

 
كما يذكرون أن عددا قليلا جداً من اليهود المصريين هم من سافروا إلى «إسرائيل» خاصة الشباب فى الفترة عام ,1948 والذين كانت لديهم ميول صهيونية بالفعل، إلا أن الطبقة الأرستقراطية من اليهود بدأت أيضاً فى الخروج والسفر لدول غير «إسرائيل» بسبب الخوف على مصالحها ورأس المال، أما الطبقة الفقيرة منهم، فقد خرجوا تماماً من مصر فى عام ,1945 وبعد فضيحة «لافون» الشهيرة، وهى - لمن لا يعلم - عملية سرية، إسرائيلية، فاشلة، كانت تعرف بعملية «سوزانا» وكان من المفترض أن تتم فى مصر، عن طريق تفجير أهداف مصرية وأمريكية وبريطانية.
 
يقول «أمير رمسيس»: «خرجت من الفيلم بالعديد من الحكايات الإنسانية، إذ تعرض اليهود فى مصر، لخلط سياسى، بالإضافة إلى تصارع القوى على مصالحها، فمثلاً فى الفترة من عام 1957 لعام 1959 كانت هناك نزعات قومية داخل الأحزاب الشيوعية، ومحاولة كسر شوكة اليهود داخل هذه الأحزاب.
 
بقى أن نشير - والقول لأمير- إلى أنه وقت إجبار اليهود على النفى من مصر، كانوا مطالبين بإسقاط الجنسية المصرية عنهم، ومن ضمن هؤلاء اليهود، كانوا من الذين علي علاقة باليساريين المصريين - كما ذكرنا - لهذا كانوا يدخلون مصر من خلال تدخلات شخصية من شخصيات مثل «د. ثروت عكاشة» أو «خالد محيى الدين» أو غيرهما.. فى حين أن «الإسرائيلى - الصهيونى» يدخل إلى الحدود المصرية بدون أى تعقيدات، وبطريقة عادية جداً!