اغتصاب «ياسمين رئيس» على طريقة هيفاء وهبى فى مهرجان القاهرة السينمائى

طارق مرسي
خيب فيلم «من ضهر راجل» ظن جمهور مهرجان القاهرة السينمائى وأيضا المتفائلين بتوبة «السبكية» فى هذه التظاهرة السينمائية الدولية، كما خان التوفيق أعضاء لجنة التحكيم باختياره ضمن المسابقة الدولية وتمثيل مصر، فالفيلم ملىء بالملاحظات والثغرات وساهم فى توسيع دائرة الملاحظات مدة عرضه على الشاشة بدون مبرر حتى إنه تحول إلى فيلم «هندى» طويل.
وكما يقول المثل «يموت الزمار» فإن الفيلم لم يتحرر من الخلطة السبكية، مشاجرات وسنج واغتصاب على طريقة هيفاء وهبى فى «حلاوة روح»، وأيضا ألفاظ وإيماءات لا تليق، ويبدو أن مخرجه الشاب كريم السبكى تأثر بالأجواء التجارية والهبوط الاضطرارى بفيلم «قلب الأسد» لمحمد رمضان رغم أن هذا الفيلم كان فى أجندة طموحاته هو بداية مشواره الإخراجى، لكن ظروف السوق السينمائية دفعته لتقديم نفسه بفيلم «قلب الأسد» لمحمد رمضان وتفوق فيه وترجم هذا التفوق فى شباك التذاكر.
تبدأ أحداث الفيلم بمطاردة شرسة لقوات الأمن ومحاصرة مجموعة من المسلحين الخارجين عن القانون فوق أسطح عمارات تحت التشطيب يحتجزون شابا صغيرا نعرف أنه ابن رئيس المباحث الذى يقود القوة الأمنية ونشاهد «محمود حميدة» وهو يسترجع الأحداث بطريقة «الفلاش باك»، وهو يصطحب ابنه الرضيع إلى القاهرة حتى يكبر ويصبح ملاكما بنصيحة من جاره محمد لطفى مدرب الملاكمة الذى يكتشف جسارته وموهبته فى مشاجرة بين ابنه «طه» - شريف رمزى - وابن «حميدة» - آسر ياسين - وبينما ينشغل «آسر» فى مشروعه كبطل ملاكمة يختار «طه» طريق التدين ويقرأ كتب الشريعة والفقه وممسكا بالسبحة فى إشارة إلى تدينه، بينما يدير مقالب لرحيل «آسر ياسين» التى تكتشف أن وراءها حبه الشديد لـ «مى» «ياسمين رئيس» المرتبطة عاطفيا برحيل ومحاولاته إفساد العلاقة للتقرب منها، ويستغل شقيقها البلطجى المتهور «جنش» للتخلص منه وإبلاغه بلقاءاتهما العاطفية، الأمر الذى يدفع «جنش» للاصطدام به وسحله ويحتدم الصدام بينهما عندما يلجأ آسر ياسين لاستخدام مهاراته كملاكم وينجح فى التغلب عليه، وهنا نكتشف أن «جنش» البلطجى هو المكلف من رجل الأمن للحصول على إتاوات من أبناء الحارة وفرض سيطرته عليهم، وعندما نما إلى علم رئيس المباحث «صبرى فواز» بقوة «رحيل» يفكر فى استخدامه لحسابه وإبعاد «جنش» الذى فقد سمعته بعد أن تغلب عليه «رحيل»، وعندما يرفض يلجأ إلى استقطابه بقوة على خلفية والده «محمود حميدة» ونكتشف أنه هارب من جريمة قتل، وأنه كان بلطجيا، الأمر الذى يصدم «رحيل» ويضطر بعد صدمة تاريخ والده لاستجابة لضغوط المباحث والعمل لحسابهم مقابل الحصول على الملف الإجرامى لوالده وبعد أن ضاقت به السبل أمام العمل الشريف لمطاردة الأمن له.
تنقلب الأحداث رأسا على عقب عندما تعلم حبيبته باتجاهه للإجرام وترفض الزواج منه رغم موافقة شقيقها البلطجى وتوافق على الزواج من «طه» رغم حبها لرحيل، بينما ترفض الاقتراب منه ومنحه حقوقه الشرعية.. وتتأزم الأحداث عندما يقترب رحيل من حبيبته «ياسمين رئيس» ويقتحم شقتها بعد زواجها ويقوم باغتصابها بالقوة، ثم تقوم بإبلاغ رحيل بأنها حملت منه وأنها سوف تقوم بإجهاض نفسها حتى لا تتعرض للفضيحة، وعندما تفشل تواجه زوجها بالحقيقة وتطلب الطلاق.. وفجأة تندلع مشاجرة طرفها «رحيل» ويستغل طه الموقف ويقوم بطعنه انتقاما منه ويموت «رحيل».
تفاصيل طويلة ومملة تتخللها معارك والأسلحة البيضاء وزحمة فى السرد والحكى وارتباك فى طريقة «الفلاش باك»، مما أرهق المشاهد مع توهان رسالة الفيلم الأساسية وهى فى الحقيقة رسائل هزيلة وضعيفة وهى أن الأمن ترك رسالته الأصلية فى حماية الشعب وتحول إلى أداة لإدارة البلطجة والعنف وحصر صورة رجل المباحث فى استغلال نفوذه وسلطته لإدارة البلطجة وليس حماية المواطن، وهى رسالة مهينة تختزل صورة رجل الأمن فى إطار عبثى وهو ليس كذلك، فى المقابل أراد مؤلف الفيلم رسم صورة لرجل الدين بأنه شخصية دموية، وأنه يتظاهر بالإيمان والتدين، بينما يحركه سلوك نفسى يريد أن يقول إنها نتيجة عقدة نفسية لاهتمام أبيه بصديقه وتتضاعف العقدة بأن هذا الصديق يرغب فى خطف حبيبته.. الغريب أن الفيلم خلق حالة تعاطف فى النهاية مع رجل الدين المدافع عن حبه والبلطجى الذى يتعرض لضغوط أمنية لكى يتحول إلى خارج عن القانون، أما رجل الأمن فى صورة المحرض على العنف بدلا من مطاردته والقضاء عليه.. هكذا حشر المؤلف والمخرج تفاصيل لا داعى لها ليرسخ رسائل مشوهة وعبثية ومرتبكة.
ولأن «كريم السبكى» - رغم موهبته - التى بدت فى فيلمه الأول «قلب الأسد» فإنه انساق وراء الخلطة الأسرية وتصوير مشاهد العنف والاغتصاب لأغراض تجارية واتضح هذا فى مشهد اغتصاب ياسمين رئيس على طريقة هيفاء وهبى فى فيلم «حلاوة روح»، بدون داعٍ.. وهى من المؤكد المادة التى يراهن عليها لتحريض الجمهور على شباك التذاكر.
المؤسف بخلاف العنف المبالغ فيه والتطويل غير المبرر فى التفاصيل وارتباك وضعف الشخصيات وتوهان مضمون الفيلم، فإنه تضمن ألفاظا وإيماءات غير لائقة، وربما لم نشهدها فى تاريخ السينما المصرية، وخرجت من فم البلطجى «جنش» فى أحد المشاهد مع شقيقته ياسمين رئيس وهو تعبير صوتى بذيء ومتدن ولا نعرف مدى قيمته الفنية داخل سياق الفيلم، وأتصور أن هذا التعبير الساقط لن يمر مرور الكرام على الرقابة على المصنفات الفنية قبل عرضه تجاريا لجمهور مصر المسكين إفراز الثقافة السبكية، إلى جانب العنف فى مشهد اغتصاب آسر ياسين لياسمين رئيس.
وبخلاف الإيماءة اللفظية البذيئة والحوار المتدنى والاغتصاب المحشور بدون مبرر، فإن الفيلم لا يخلو أيضا من المفارقات والعجائب على مستوى الأحداث منها مشاهد مباراتى الملاكمة التى جسدها بطل الفيلم آسر ياسين، فبينما استسهل المخرج مباراته فى مشوار الهواية فى استاد رياضى وسط جماهير ضخمة نجدها فى المقابل فى خوضه مباراة بطولة المحترفين مقامة فى حارة شعبية، كما أن الوقت فى المباراتين مبالغ فيه، وهذا يسأل عنه المخرج، والذى فى الوقت نفسه ينسب على أنه أعاد البريق لمحمود حميدة الذى قدم أداء قويا يفتح له الطريق لاستعادة ذاكرة النجاح، وأيضا ظهور آسر ياسين بكل هذا النضج فى الأداء ومعهما «ياسمين رئيس» لملامحها المصرية وأداءها الواثق وحضورها القوى وأيضا شريف رمزى فى واحد من أقوى أدواره.
«من ضهر راجل» راهن على توصيل رسالتين مستهلكتين الأولى رجل الدين الشرير الذى تحركه العقد النفسية ورجل الأمن الفاسد.. وكأن الثورة مازالت مستمرة، لكن يبدو أنها من ضهر «السبكى» و«صلبه» أيضا ولهذا يظل فيلم «ساعة ونص» هو الأفضل فى كتالوج السبكية السينمائى.. والاستثناء الوحيد فيه.. وأتصور أنه كان الأجدر بدخول مهرجانات وتمثيل مصر فيها.. أما «من ضهر راجل» فهو لا تليق مشاركته فى مهرجانات دولية كما أنه سيتعثر فى شباك التذاكر أى لن يطول بلح الشام أو عنب اليمن.