المعجزات «الفشنك» فى الكنيسة

عادل جرجس
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى كنيسة تفيض بالروحانيات دون سائر الكنائس، ورغم تلك البركات فإن هناك داخل الكنيسة من يتخذ من تلك الروحانيات وسائل لتغييب الشعب القبطى وتقديم مفاهيم منحرفة عن تلك الروحانيات، وهو ما سوف يؤدى فى النهاية إلى أن تفقد تلك الروحانيات مصداقيتها وفحواها وتتحول العقيدة والكنيسة بالتبعية إلى أطلال روحية لا معالم لها.
فهناك من يقزم المعجزات والظواهر الروحية وغيرها الكثير لتحقيق منافع ما، ولأن الكنيسة القبطية هى الكنيسة الوطنية فإننا ندخل إلى عالم التغييب داخل الكنيسة ننقب فيه ونحاول أن نكشف أسراره وفى النهاية ندق أجراس الخطر لكل من يعنيه الأمر، على رأس هؤلاء قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
∎ (1) الراهب الحافى.. معجزات أون لاين
عندما سئل البابا شنودة الثالث فى يوم من الأيام عن مدى جواز ممارسة سر الاعتراف عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعى ضحك وقال وكيف سوف يمنح الكاهن للمعترف الحل - صلاة يصليها الكاهن على رأس المعترف بعد الاعتراف - وأجابه البابا شنودة أغلقت باب ممارسة الأسرار والروحانيات عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة فللكنيسة طقوسها وتقاليدها الثابتة والمستقرة التى لا تتغير، والمعجزات من أهم روحانيات الكنيسة فهناك أناس أنعم الله عليهم بإجراء تلك المعجزات وتراث الكنيسة يحفل بالكثير من هؤلاء القديسين الذين جرت عجائب على أيديهم لمرضى وأصحاب احتياجات، والمفهوم المسيحى للمعجزة هو أنها موهبة روحانية يتم من خلالها أفعال خارقة للطبيعة تجلب خيرا لبعض من هم فى ضيق، وغالبا ما يصلى القديس صاحب الموهبة لمن يحتاج المعجزة وينفخ فيه من فمه روحاً مقدسة تسبب الشفاء أو زوال الضيقة إلا أن دوام الحال من المحال فالأمر تبدل وتحول حتى أصبحت تلك المعجزات تتم عن طريق الهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعى عن طريق إرسال رسالة «مسدج» لمن يجرى المعجزة والتواصل عن طريق الهاتف المحمول أو الفيبر أو الواتس آب وعجيب الأمر أن هناك الكثير ممن يؤكد أن هناك معجزات قد تمت لهم بمثل تلك الطريق وهناك عشرات من الكهنة والرهبان داخل الكنيسة الأرثوذكسية يمارسون مثل تلك المعجزات بهذه الطريقة إلا أن الأشهر هو الراهب دوماديوس المحرقى الملقب بـ«الراهب الحافى».
∎ قداسة نيو لوك
بداية لا نعرف بعد ما إذا كان الراهب دوماديوس المحرقى قديسا أم لا أو إلى أى مدى وصلت قداسته، فنحن لسنا معنيين بهذا الأمر، فأمر قداسته هو شأن خاص بين الراهب وربه لا نتدخل فيه ولا نشق عن صدر الرجل ولكن ما يعنينا هنا هو أن نضع ظاهرة إجراء الطقوس والروحانيات بوسائل التكنولوجيا الحديثة على محك التقاليد الكنسية وهل تتفق أم تختلف معها.
والراهب دوماديوس أحد رهبان دير المحرق وقام هو أو مريدوه بإنشاء صفحة للترويج لقداسة الراهب وتعديد كراماته وكم المعجزات التى تحدث على يديه فانهالت على الصفحة آلاف الطلبات لعمل معجزات فطلب المسئول عن صفحة الراهب أن يقوم كل من يريد التواصل مع القمص دوماديوس بإرسال رسالة عبر الصفحة تحتوى على رقم تليفون أو فيبر للتواصل شخصيا مع المحرقى فانهالت الرسائل وبسبب كثرتها قام مسئولو الصفحة بإغلاق الرسائل وفتحها لمدة دقائق معدودة كل عدة أيام وهو ما جعل مريدى الراهب يتوسلون لفتح باب الرسائل على الصفحة والتواصل مع الراهب وقد تكون تلك تصرفات من مسئولى الصفحة لا يعلم بها القمص دوماديوس ولكنهم أكدوا أن الراهب يتابع بنفسه الصفحة وللتأكيد قاموا بنشر صورة للراهب وهو يحمل لوحة كتب عليها اسم الصفحة وعنوانها الإلكترونى على شبكة الإنترنت.
والراهب دوماديوس المحرقى هو نموذج كلاسيكى للراهب القبطى يكاد يكون قد اندثر، فبينما أصبح الرهبان يملكون كل وسائل الرفاهية نجد أن الراهب بسيط فى ملبسه وسلوكياته بل إنه لا ينتعل حذاء فى قدميه لذلك أطلق عليه «الراهب الحافى».
∎ لوم البروتوستانت
هنا لم نستطع أن نحكم على أن ما يقوم به الراهب يتفق مع التقاليد الكنسية أم لا.. حاولنا التواصل مع العديد من أباء الكنيسة وأساقفتها ولكن الجميع رفض التعليق واتفقوا على أن الراهب «راجل طيب» ولا داعى للخوض فى سيرته ويجب علينا أن نلتمس «بركته» ولم يستوعب أحد أننا نناقش الظاهرة ولا نقيم الرجل ولأن الشىء بالشىء يذكر فنحن هنا نستحضر موقفاً رافضاً للعديد من أساقفة الكنيسة القبطية على رأسهم الأنبا بيشوى مطران دمياط عندما انتشرت البرامج الدينية البروتستانتية التى يدعى فيها مقدموها أنهم يجرون معجزات عبر شاشات التليفزيون ويطلبون من المشاهد أن يضع يده على شاشة التليفزيون وأن يكرر وراءهم صلاة يتلونها، وهو ما أثار استهزاء وسخرية أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية، وهنا يحق لنا أن نتساءل: لماذا ترفض الكنيسة قبول إجراء المعجزة عبر شاشات التليفزيون وتقوم بإجراء تلك المعجزات عبر الهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعى؟ نكرر هنا أن الراهب الحافى ما هو إلا نموذج ومثله العشرات من الرهبان والكهنة وقد يكون طيبا كما قيل لنا بل قد يكون قديساً ويمكن أن هناك من يسعى إلى استغلاله، وتحقيق بعض المنافع الأدبية أو المادية من ورائه.
∎ شهادة الشهود
رغم ضبابية فحوى ما يجرى على أيدى الحافى من معجزات فإن هناك البعض يؤكد أنه قد مسته بركات وكرامات الراهب فتقول إحدى السيدات رفضت ذكر اسمها (أنا سمعت عن أبونا قبل ما أشوفه وروحت الدير مخصوص عشان أشوفه أنا من القاهرة وبقالى سنة متجوزة ولم أرزق بمولود فذهبت إلى الدير وكنت طول الطريق أصلى لأرى أبونا وقولت يا رب لو هاتستجيب لصلاتى خلينى حتى أشوف أبونا من بعيد ،وكنت واقفة وشوفته والناس حواليه وهو بيجرى منهم ولمحت أبونا ساعتها شكرت ربنا قوى المهم فضلت أنا وماما وأخواتى مصممين نشوفه وفضلت أتحايل على كشافة وقلت لهم أنا جاية له من القاهرة مخصوص وفعلا حصل وروحت وصلى لى وفضل يهزر معايا أنا وجوزى وصلى لنا وقالى قريب ربنا ها يفرحك، وأثناء ما هو بيصلى قالى اللى العدرا هاتقولى أديله حاجة هاديله، فقولت له العدرا مقالتلكش تدينى حاجة، راح أبونا قال لجوزى تدينى كام للعدرا وأديك الصليب ده، راح جوزى طلع لأبونا وأخدنا الصليب ومن ساعتها ما سبتهوش وهو صليب صغير مش كبير وفى نفس الشهر اللى قابلت فيه أبونا عملت تحاليل وطلعت حامل ببركة ماما العدرا وأبونا دوماديوس.
∎ تساؤلات مشروعة
تطرح نماذج المعجزات التى جرت على يدى الراهب الحافى بعض التساؤلات المهمة، وهى إذا كان «أبونا» يتشفع بالسيدة العذراء مريم لإجراء معجزاته فهل تنتظر القديسة مريم أن يدفع طالب المعجزة تمن إجراء تلك المعجزة؟ وإن كان الراهب الحافى قادر على إجراء معجزات شفاء فلماذا يذهب إلى أحد المستشفيات للتداوى؟ وأخيرا هل يتم استغلال ولع الأقباط وتكالبهم على المعجزات فى استغلال البسطاء وتغييبهم.
∎ (2) ظهورات حمامة الأنبا يؤانس
الظواهر الروحية فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أمر متعارف عليه واعتاده كثيرا المسيحيون ولا ترتبط تلك الظواهر بأشخاص بعينهم ولكنها تكون إشارات من الله يقوى بها المؤمنين وأشهر تلك الظواهر هو ظهور العذراء مريم فى كنيستها بالزيتون وتلك الظواهر تتعدد أشكالها بين أطياف وأشكال نورانية ولكن أشهرها هو شكل الحمامة، والحمامة من الرموز المتأصلة فى المسيحية، ورغم من روحانية تلك الظواهر وقدسيتها فإن هناك من رأى فيها مجالاً خصباً ليصنع من نفسه تابو يخشاه الجميع ويضفى على نفسه ليس القداسة فقط ولكنه ذهب ليؤله نفسه فى محاولة لتغييب شعب بأكمله لعله يقضى على المعارضة التى تكاد تعصف به.. وعن الأنبا يؤانس أسقف أسيوط نتحدث.
∎ غضب أهالى أسيوط
الأنبا يؤانس هو فى الأصل أسقف عام كان يشغل منصب سكرتير البابا شنودة وقد حاول الانقلاب على البابا الراحل إلا أن البابا أجهض تلك المحاولة وعقب نياحة البابا شنودة الثال سعى يؤانس للانقضاض على الكرسى البابوى ولكن تم استبعاده من خوض الانتخابات البابوية وذهبت أحلامه أدراج الرياح فى الجلوس على الكرسى البابوى إلا أنه لم ييأس وسعى لإيجاد مكانة له داخل الكنيسة وعقب نياحة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط السابق استغل نفوذه ونفوذ أخيه الأنبا غبريال أسقف بنى سويف فى الضغط لكى يتم تنصيبه أسقفاً لأسيوط وهو ما كان له ولكن بئس المصير الذى اختاره لنفسه يؤانس، وما أن وطئت قدماه أرض أسيوط حتى فوج بجحافل المعارضة الكنسية الأسيوطية خاصة أنه ارتكب الكثير من الحماقات فى بداية عهده بأن أهدى مقتنيات الأنبا ميخائيل قديس أسيوط لبعض المقربين وهو ما أشعل غضب أهالى أسيوط ضده خاصة أنه يتأفف من التعامل مع الفقراء والبسطاء ويوما بعد يوم تزداد المعارضة ضد الأنبا يؤانس حتى إنه أصبح يخشى الخروج من دار مطرانية أسيوط خشية الصدام بأهل المدينة وجَيش مريديه لحراسته وحراسة مقر المطرانية من كشافة وبودى جاردات.
∎ مواجهة الحرافيش
وتقدرون وتضحك الأقدار، كان هذا هو حال الأنبا يؤانس الشهر الماضى، فرغم تخندقه داخل جدران المطرانية وترفعه عن الشعب واتخاذه كل الاحتياطات التى تمنع وصول الخرافيش إلى مقره فإنه وجد نفسه فجأة ورغم أنفه فى مواجهة هؤلاء فها هو صوم السيدة العذراء قد جاء وما هى إلا أيام قليلة ويحل عيدها وهو أكبر تجمع تشهده أسيوط على مدار العام فى دير العذراء مريم بجبل درنكة الذى يأتى فيه كل مريدو القديسة مريم من كل حدب وصوب بالملايين وفى القلب من تلك الملايين شعب أسيوط والمتعارف عليه أن يرأس أسقف أسيوط الاحتفالات طوال صوم السيدة العذراء وحتى عيدها، وهنا لن ينفع الأنبا يؤانس أى احتياطات يتخذها لإبعاد الشعب عنه خاصة أن هناك موكب العذراء «الزفة» الذى يخرج يومياً ليلف جبل درنكة حي تحتشد الملايين ابتهاجاً بالمناسبة.
∎ السياج الحديدى
بخوف شديد ورعب خرج الأنبا يؤانس ليشارك فى زفة العذراء، وطقوس الكنيسة تقضى بأن الأسقف يكون فى طليعة الكهنة المشاركين فى الزفة إلا أن الرعب قد تملك من الأنبا يؤانس فلم يسير فى الموكب وسط كهنته بل انعزل عنهم وتم إعداد سياج حديدى يحيط بالأنبا يؤانس يسير فى داخله ويحمل هذا السياج الكشافة والبودى جاردات والذين ارتدوا ملابس الشمامسة وأحاطوا بالأسقف المحاصر داخل سياجه الحديدى.
∎ تأليه الأنبا يؤانس
أدرك الأنبا يؤانس أن السياج الحديدى ليس كافياً لحمايته من غضب الشعب الذى بات يمقته يوما بعد يوم وأن حمية الغضب لن يوقفها أى سياج حديدى فكانت فكرته الجهنمية بتغييب هذا الشعب ولن يكفى أن يدعى الأسقف القداسة ولكنه ذهب إلى أكثر من هذا بكثير حي قرر أن يتأله وسط شعبه ويقول لنا مصدر كهنوتى من داخل مطرانية الأقباط الأرثوذكس بأسيوط إنه قبل الاحتفالات بفترة كبيرة تم استدعاء بعض محترفى تربية الحمام من الأنواع النادرة وطلب منهم تدبير كميات من الحمام الأبيض لإطلاقها وسط الاحتفالات على أن يكون من بينها حمام مدرب يقف على شخص بعينه طيلة مدة الزفة عند إعطاء إشارات بعينها وبالطبع كان هذا الشخص هو الأنبا يؤانس وبلغت تكلفة هذا الحمام 600 ألف جنيه.
∎ لماذا الحمام؟
الحمامة هى رمز للروح القدس «الله» فى الإنجيل التى حلت على السيد المسيح عندما اعتمد فى نهر الأردن من يوحنا المعمدان «فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نازلا مثل حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ» كما أن الحمامة هى من رموز السيدة العذراء مريم، فالحمامة هى رمز السلام والقديسة مريم هى من حملت السيد المسيح ملك السلام، وكانت خطة الأنبا يؤانس أن تقف على كتفه حمامة بيضاء ليحاكى ما حدث مع السيد المسيح أثناء معموديته ويتم الترويج بأن تلك الحمامة هى الروح القدس ليكون الأسقف مؤيداً من الله أمام الجميع ويصنع من نفسه تابو يخشى الجميع الاقتراب منه.. تلك كانت الخطة وقد تم تنفيذها بالفعل حرفياً وأعد الأسقف ميليشياته الإعلامية والإلكترونية لتروج لحلول الروح القدس على الأسقف والبعض ذهب إلى أن الحمامة التى وقفت على كتف الأنبا يؤانس ما هى إلا السيدة العذراء مريم جاءت لتعضده وهكذا تأله الأسقف وخاف منه معارضوه وذهبوا يلتمسون بركات،ه نجح الأسقف فى تخدير الشعب وتغييبه، فالجميع على يقين أن الحمام الذى يقف على كتف الأنبا يؤانس هو حمام إلهى ولا يدرون أنه عقب تلك الاحتفالات يعود الحمام ويتم جمعه لا طلاقه فى اليوم التالى، كما أنه لا يعلم أحد أن هذا الحمام لا يحط على كتف الأنبا يؤانس محبة فيه ولكن تم دفع المال الوفير من أجل ذلك السؤال الذى نوجهه إلى الأسقف المتأله شخصياً فإن كان نيافته هو المعضد من الروح القدس والمدعوم ببركات السيدة العذراء مريم فلماذا يخشى من التلاحم مع شعبه ويسير وسط سياج حديدى؟
∎ (3) الطاعة العمياء قتلت مرقس الصمويلى.
الرهبنة هى الطريق الذى اختاره البعض للتوحد والتعبد والحياة فى عشرة مع الله فقط ومن اختار هذا الطريق ترك العالم بكل أطيابه وملذاته وذهب فى البرارى والصحراء يبح عن العشق الإلهى والرهبنة هى نمط حياة خاص بأصحابه ويقوم على اختيارين أساسيين وهما الفقر الاختيارى حيث يتجرد الراهب من كل ما يملك ولا يسعى إلى أن يكنز له كنوزا على الأرض فكنزه السماوى هو مبتغاه، أما الأساس الثانى الذى تقوم عليه الرهبنة فهو الطاعة والنموذج الرهبانى يرى أن الطاعة هى قمّة الحرية أن يتخلّى الإنسان عن حريته لكن أين يكون هذا وضمن أى إطار؟ طبعاً هذا يكون فى الشركة الرهبانية فى الدير ولجماعة تخلّى كلّ منها عن حريته لإخوته فى الجماعة وكلّهم لرئيس تمرّس فى هذا التخلّى وصار خبيراً فى تظهير الحرية فى الطاعة ولكن أين تأتى طاعة الرؤساء أو الآباء الروحيين فى الكتاب المقدّس؟ يعلّم الرسول بولس: «أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَىْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ» فهو يطلب الخضوع وليس فقط الطاعة وهذا ينطبق نحو الآباء الروحيين والرؤساء أيضاً طالما هم يسهرون لأجل نفوس المؤمنين فهل هذا يعنى أن عند عدم اهتمام الرئيس بالنفوس يصبح عدم الطاعة ممكناً؟ والحقيقة فإنه فى غياب ديناميكية حياة الجماعة الرهبانية يصير الحكم بذلك صعباً والاحتكام إلى التقليد محفوفاً بالتعقيدات، وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع واختلال مفهوم الطاعة، حيث أصبحت ترتدى ثوبًا فضفاضًا بإعلائها المراتب كما لو أنّ الكنيسة طبقات بالطبع هناك مشكلات كثيرة تعيق السلوك الرهبانى مراهقة أغلبية مَن يدّعون الأبوة الروحية فلا يكفى أن يتسلّم الكاهن التكليف من الأسقف حتى يصير أباً روحياً ولا يكفى أن يعيّن المطران راهباً أو راهبة فى رئاسة دير حديث المنشأ حتّى يصير هذا الراهب أو الراهبة أباً روحياً الخبرة هنا ضرورية فلو رأى الأسقف أو الكاهن أو الأب الروحى أن أولاده الرهبان يجرحونه فى عدم طاعته لتصير الطاعة هى المعيار الأول فى ميزان علاقة الأسقف أو الكاهن أو الأب الروحى بأبنائه الرهبان لكان هذا دليلا على نقص فى النضج والتدبير الرهبانى وتشويه لحرية الإنسان.
∎ لا تجادل ولا تناقش
مرقس هو شاب عشرينى كان يخدم فى كنيسته وسط تلاميذ مدارس الأحد كان دائم التردد على دير الأنبا صموئيل المعترف الذى عرف عنه شدة الحياة الرهبانية فيه وقساوة آبائه فى الإرشاد الروحى وعلى الرغم من ذلك فقد طاقت نفس مرقس لحياة الرهبنة مبكرا فقصد الدير وطلب أن يتتلمذ داخله طالباً للرهبنة وهو ما كان ولكن وعلى الرغم من أن مرقس لم ينل القسط الوفير من التعليم فإنه كان دائم طرح أسئلة يعجز آباء الدير عن إيجاد أجوبة لها كانت مشكلة مرقس أنه أعمل عقله على قدر ما سمح له إدراكه البسيط وكان فى كل مرة يتم انتهاره ويؤمر بالكف عن تلك الأسئلة لأنها محاربات من الشيطان له يجب أن يجابهها وكان فى كل مرة يتم فرض عقوبات رهبانية عليه وعلى الرغم من ذلك لم يستطع مرقس أن يمنع نفسه من طرح الأسئلة على مرشديه وكان فى كل مرة يلقى نفس المصير.
∎ القهر الروحى
على الرغم من امتثال مرقس للعقوبات الرهبانية المتتالية وسلوكه مسلك الطاعة العمياء لآبائه فى الرهبنة فإنه كان تحت الأعين وتم اتخاذ قرار بإبعاده من الدير ولكنه لم يرتكب ما يخالف قوانين الدير حتى يتم إقصاؤه وخوفا من أن يشتكى للرئاسات الدينية فى الكنيسة تقرر زيادة أعباء مرقس الرهبانية وكان يتحمل كل هذه الأعباء بفرح ويقوم بها على أكمل وجه لم يكل ولم يمل وهو ما أشعل غضبا مكتوما عليه من آباء الدير، فها هو قد قضى أربع سنوات تحت الاختبار ولم تتم رهبنته بعد ولا يمكن تأخير تلك الرهبنة أكثر من ذلك، خاصة أنه يسلك كما ينبغى أن يكون للراهب.
∎ الاختبار المميت
عقب إحدى صلوات العشية فى أحد الأيام طلب مرشده الروحى الجلوس معه وهذه الجلسات يتمتع بها تلاميذ الرهبنة ويسعون إليها لأنها توصل لهم «كلمة منفعة» من آباء سبقوهم فى طريق يبدأون هم فيه تلك الكلمات التى يستفيد منها تلاميذ الرهبنة فى حياتهم الروحية وما إن جلس مرقس مع مرشده الروحى الراهب المسن حتى بدأ الراهب فى الحدي عن الطاعة والبركات التى تحل على ابن الطاعة وأن تلك الطاعة هى أسرع طريق للعشرة مع الله وبعد انتهاء الراهب من حديثه مع مرقس طلب من مرقس أن يختبر مدى طاعته وفرض عليه تدريباً روحياً وهو أنه ينبغى عليه أن يخرج فورا من الدير لا يحمل طعاما ولا شرابا إعمالا لقول المسيح «إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع كل مالك وتعالى اتبعنى» ولم يسمح له أبوه الروحى إلا بحمل الإنجيل والأجبية (كتاب للصلوات) وصليبه الذى هو سلاحه ضد كل قوات العدو ويذهب يتوغل فى البرية قدر المستطاع فهناك الوحدة والعشرة مع الله.
∎ الموت طائعاً
لم يفكر مرقس قيد أنملة فيما أمره به أبوه الروحى وقرر أن يحصل على بركات الطاعة والعشرة مع المسيح وخرج حاملا إنجيله وصليبه فى مواجه قيظ شهر يوليو المرعب وطبيعة الصحراء القاسية وكان لابد لمرقس أن يلقى حتفه فى صحراء لا خبرة له فى دروبها وبحثوا عن مرقس ووجدوه جاثياً على ركبتيه وقد فاضت روحه بالتأكيد لم يكن مرقس فى مناجاة مع الله ولكنه كان يستجير به من قسوة الطبيعة التى أدرك أنه هالك فيها لا محالة.
∎ بلاغ للنائب العام
إن مقتل مرقس تم توصيفه إعلاميا على أنه سذاجة تلميذ رهبنة أدت إلى مصرعه ولكن الحقيقة فإن مقتل مرقس هو جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد ارتكبها راهب عجوز غيب الشاب الصغير عن الوعى وألقى به إلى مصيره المحتوم، إن مقتل مرقس يدق أجراس الخطر لضبط الأداء فى الأديرة والحياة الرهبانية وعلى قدر ما نطالب بمعاقبة من قتل مرقس على قدر ما نناشد قداسة البابا تواضروس الثانى إحكام الرقابة على الأديرة حتى لا يلحق بمرقس آخرون يلقون نفس مصيره نتيجة عقول تعمل على تغييب الشباب لفرض طاعة عمياء لم تفرضها المسيحية ولا الرهبنة.∎