أهلاً بك فى جهنم.. «دار أيتام بنها»

كريم شفيق
37 طفلا جملة نزلاء دار الرعاية الاجتماعية ببنها، تتفاوت أعمار هؤلاء الأطفال، بين السادسة والثامنة عشرة لهم ظروف اجتماعية وأسرية مختلفة تتراوح ما بين مجهولي النسب والتفكك الأسري أو من توفى أبواه وسلمه أحد أقاربه إلى دار أيتام، وجميعهم فقدوا العائل والعائلة أو حتى من يسعد قلوبهم بالسؤال كما يقول مدير الدار.
المفترض فى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أن تكون أسرة بديلة توفر حدا أدنى من التنشئة السليمة،فى التعليم والصحة والتربية، والعيش بصورة طبيعية نفسيا وعقليا، لكن عددا من التجاوزات تحدث بحق الأطفال الذين لا حيلة لهم سوى أن يتحملوافى صمت الإهانات اللفظية والاعتداءات البدنية المباشرة بحقهم أو الهروب من الدار إلى حيث المصير المجهول.
«روز اليوسف» حاولت التعرف على أوضاع هؤلاء الأطفال وذهب مندوبها إلى محافظ القليوبية، بعد تناقل أخبار عن تعرض البعض منهم لانتهاكات من قبل المشرفين على إدارة المؤسسة التى كشفت عنها أحد المصادر (رفضت ذكر اسمها)، وأن أحد الأطفال تم إجراء عملية استئصال الزائدة إثر تعرضه لضرب مبرح مما أدى لحدوث التهابات شديدة، وحاولت بعض الأسر القريبة من المكان التواصل مع مسئولي الدار والاطمئنان على حالة الطفل لكن لم يصلوا إلى أى معلومات ولم يساعدهم الأطفال بأى حديث عن زميلهم.
يضيف المصدر: إن الإدارة تهدد الأطفالفى حال الحديث عن شىء من هذه المخالفات والانتهاكات داخل الدار بتحرير شهادات تكون بمثابة وثيقة إدانة عن انحرافهم السلوكى وهو ما يحول دون بلوغهم لوظائف بعد الخروج من الدار ويهدد مستقبلهم. مشيرافى الوقت ذاته إلى أن الملابس التى تصرف بشكل دورى إلى الأولاد ينهب نصفها من قبل القائمين على الدار.
بدت الغرفة حيث التقينا الأطفال بالدار بدعوة أني مندوب عن أحد المتبرعين ما ساعدني للوصول إلى غرف الأطفال وأماكن حصولهم على الترفيه والمذاكرة وممارسة الرياضة وحتى دخول المسجد للصلاة. حيث تخلو الغرفة من أى أثاث سوى طاولتين خشبيتين إحداهما يجلس أمامها الأطفال وهم يرفلونفى ملابس رثة يتناولون طعام الإفطار بينما كان المشرففى ركن قريب يشاركهم الطعام.
وهو عبارة عن وجبة سندويتشات من أحد المطاعم وهو ما اعتبره المستشار القانوني للائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أحمد مصيلحى، أنه مخالف لقانون حقوق الطفل وقانون وزارة التضامن الاجتماعى، الذى أكد ضعف نظام التغذية الذى يتم توفيره للأطفالفى دور الأيتام، حيث يكتشففى أحوال كثيرة أنها منتهية الصلاحية رغم أن قانون الطفل يمنع تعاطى الأطفال أى مواد غذائية بها مكسبات صناعية أو مواد حافظة ما يعد انتهاكا صريحا لكل حقوق الاطفال.
يشير لنا أحد الأطفال، ويدعى عمر ـــ أحد عشر عاما ـــ إلى كرسى شاغر بجواره كى نجلس عليه، ويروى أن جده جاء به مع شقيقه منذ خمس سنوات إلى الدار بعد تنقله ما بين بيوت أعمامه وجده ولم يجد الاستقرارفى واحد منها عقب وفاة والده وزواج والدته.
ويضيف الطفل: والدتى أخذت إخوتى البنات فقط وتركتنى وشقيقى إخواتى وحشوني نفسى أشوفهم.
حالة عمر وشقيقه قد تتشابه أو تختلف قليلا مع قصص زملائهفى نفس المؤسسة، لكن العامل المشترك بينهم هو الشعور بأنهم بدون سندفى هذه المرحلة العمرية التى يحتاج فيها الأطفال للدعم المعنوى والمادى.
يقول طفل آخر أطلق على نفسه اسم حسن السيد،فى الصف الثالث الإعدادى: «إذا حدثت مشكلةفى المدرسة لا يقف معنا أحد هنافى الدار، وليس لنا ولي أمر، ثم إننا نذهب ونعود بمفردنا من المدرسة على الرغم من وجود أتوبيس خاص بالدار»، وهو ما يبرره مدير الدار، رمضان قطب، بأن المدرسة تبعد شارعاً أو اثنين فقط من المؤسسة.
يذكر قطب أن وزارة التضامن الاجتماعى تصرف لكل طفل مقيم بالدار جنيهين كمصروف يومى يشمل وجبات الطعام لليوم كله، مشيرا إلى أن أغلب اعتماداتهم المالية تكون من التبرعات، التى تفتح بها حسابات وودائع بنكية لأبناء الدار بالتساوى، بالإضافة إلى أن الدار لاتقبل أموالا لحسابها الخاص من المتبرعين نقديا، لكن ما تحتاجه هو مستلزمات من أثاث أو ملابس.
يصف المستشار القانوني للائتلاف المصرى لحقوق الطفل، حال دور الأيتام بوجه عام: «إنها تعمل على استغلال الأطفال وعدم توفير الرعاية والاهتمام الكافي لهم إلى حد الإهمال مثلما ظهرفى اعتصام رابعة من ظهور أطفال وسط المعتصمين، وكلهم يعيشونفى دور أيتام».
وأكد أن مؤسسات رعاية الأيتام ملزمة أيضا بالاهتمام بتطوير وتنمية قدرات الأطفال العقلية ومواهبهم وتوفير أخصائيين نفسيين واجتماعيين إذا احتاج الأمر لذلك لأن الدار يجب أن تكون أسرة بديلة تكفلهفى كل الجوانب اجتماعيا ونفسيا وصحيا.
وأشار إلى أن «كل مهمة الوزارة هى الرقابة الكاملة على الدار بعد السماح بتأسيسها ومنحها الترخيص لكن الأموال تكون من جمع التبرعات التى تكون نقدا، ثم توفير بعض المتبرعين لشقق تخصصها للأيتام».
وذكر مصيلحى أمثلة انتهاكات رصدها الائتلاف، ومنها دار أيتامفى مدينة 6 أكتوبر مشهرة باسم «ليلة القدر» التى تبين أن الطعام الذى يقدم للأطفال منتهى الصلاحية ويوضعفى أطباق مخصصة لوجبات القطط والكلاب.
وفي دار أخرى بمدينة نصر وجدوا أن الأطفال يعتدون على المارة ويسرقونهم بالإكراه بمعرفة الدار، فضلا عن دار ثالثة بالمعادى يصل فيها الإهمال لأقصى حدوده ليدفع أحد الأطفال وعمره عام ونصف العام ثمنه بحروق بسبب سقوط ماء مغلى.
الحكاية أقرب إلى نموذج لجهنم أطفال.. رائحة كريهة كانت تملأ مكان الغرف ذات النوافذ المفتوحة والذباب يتطاير هنا وهناك وصناديق خشبية متهالكة تخرج منها بقايا ملابس متكدسة يرتديها أبناء الدار وكتب مدرسية مهملة وممزقة ملقاة على الأرض وأجهزة كمبيوتر مفتوحة لايجلس أمامها أحد، وصوت راديو يهمس صوته بقارئ القرآن لم أستدل بنظرى على مكانه يتقاطع مع صوت التليفزيون لكن الملفت أن الأطفالفى عمر 8 أعوام يرافقون الشباب فى عمر 18 عاما فى غرفة واحدة وهو ما تمنعه إدارة التأهيل بوزارة التضامن الاجتماعى حتى لا تحدث اعتداءات وانتهاكات جنسية بين الكبار والصغار.
ويشير هاني هلال أمين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، إلى أن الاعتداء على الاطفال داخل دور الأيتام أو استغلالهم أصبح ظاهرة بسبب انعدام الرقابة على مؤسسات الرعاية الاجتماعية وتجاهل تفعيل قانون حقوق الطفل والبنود الخاصة بهفى الدستور مضيفا أنه خلال عام تم اكتشاف حالات اعتداءات جنسية على الأطفالفى خمس دور وأصبح من النادر وجود دار نموذجية.
وقال: إن 50٪ من الجمعيات الأهلية تعمل بمجرد الإشهار دون الحصول على ترخيص وتعتمد على التربح من التبرعات خاصةفى شهر رمضان.
ويضيف: «إن هناك 13 وزارة معنية بقضية الطفل، لكن كلا منها تعملفى جزيرة منعزلة، وهو ما يتطلب أن تتضافر الجهود لتحقيق نقلةفى حماية حقوق الطفل، داخل دور الأيتام، كما أن الحلول التى تطرحها الدولة، عقب كل انتهاك من تغيير مجلس إدارة المؤسسة، ليس حلا، مادام لم يجر تغيير العقول، فليس كل من يحصل على مؤهل تربوى، أو شهادة خدمة اجتماعية، يصلح للعمل وسط الأطفال ورعايتهم».
وشدد على أن قضية الأطفال المودعينفى دور الرعاية هى رأس وقاعدة الإرهاب الحقيقى الذى يتنامى كما رأينا استغلالهم أيام اعتصام رابعة وطالب بتكاتف مؤسسات الدولة لحل هذه القضية مثل نقل هؤلاء إلى مدينة خاصة لرعايتهم أو تجنيدهم فهم ليسوا بحاجة إلى العزل عن المجتمع إنما إدماجهم فيه كأسوياء وبشر طبيعيين.∎